وَما أدراك ما الهوى

314 18 2
                                    

                
       

"تَعلم، أحبُ أن أكون لسَكنك بيت، فاعلم أن سُكونك مُهمتى".

كانت تلك الرسالة الإلكترونية الأخيرة التى وَصلتنى منها فى تَمام التساعة ليلاً فى إحدى ليالى ديسمبر الباردة، رَقصت البسمة حينها على ثَغرى، وَدقت طبول فؤادى، وكالعادة أعجز عن رَد كلامها المعسول، فأنظر للسماء والابتسامة هي مَن تَقود، وأُداعب خُصلات شعرى البنية فى ود، وأمكث أفكر وأفكر وأفكر، أي حروف أرد بها، وأي ود أمنحه لها وكل الود لا يكفى، وإن كُنت أتقن إهداء العمر لأهديتها الباقى من عمرى.

كالعادة أعجز عن الرد وأرسل لها فى حُب:

_مساء الورد عَلى الوَرد

ولا أملك حتمًا سوى الإنتظار وَتَخيل بسمتها الخجولة عندما تَرى رسالتى، وأتخيل أناملها الناعمة وهي تكتب جُملتها الشهيرة عندما تَخجل "أصيل يا أصيل"، كَم جميلة هي، وكَم أكمن لها من حُب، وكَم أردتها فى حَلال الله الطيب، وكَم عَدَدُت الأيام دقائق وثوانى حَتى يَحين المُلتقى.

مَر عامين وَ شَهرين؛ وثَلاثة أسابيع وليالى أخفقت فى عَدها عَلى إنتظارى لردها عَلى رسائلى، منذ أخر رسالة ولا علِم لى أين هَي غابت، هي مَن قالت أنها بيت لسُكونى، وأي سَكن فى بُعدها، وأي قلب يعشق بَعدها.

تَمللت فى سريرى إستجابة لرنين المنبه بجانبى، كانت تقارب السادسة صباحًا، قُمت أجر قدمي للمرحاض، اغتسلت وتوضأت وأقمت شعائر صلاة الضحى، وبدأت أتجهز لعملى الروتيني.

أيام وأيام تَجر بعضها البعض، وجه اليوم كظهره، لا اختلاف يُذكر، ولا شيء يُنعت بالجمال وَلا شيء يستحق الدهشة، أشعر وكأن مُسلسل حياتى تم إنتاجه فى تلك الفترة قبل خلق الألوان، أبيض وأسود فقط وحتمًا يكون الأسود غالب إلا فى تلك الأيام البشوشة التى زارتنى فيها هي، شَعرت وكأن الربيع قد ساد واحتل أوقات باقى الفصول، وأزهرت أخيرًا زهرة شبابى.

أنا أصيل عماد أصيل عابدين، مُهندس بإحدى شركات الطيران المشهورة نوعًا ما، فى أواخر العشرينات مِن عمرى، أقطن فى أحد أحياء القاهرة الجديدة، مُيسر الحال إلى حد ما، أصنف من هؤلاء ذو الطبقه الإجتماعية المرموقه نوعيًا، أرى وميض الفضول فى عينك وألمح طيف السؤال الذى يدور فى عقلك، سأقتل ذاك الفضول إذن وأخبرك أننى أعذب، أعذب شارد فى دنيا لا حول لى ولا قوة، وإن كان إرتباطك بإحداهن يمنحك السعادة ويلون أيامك، فأنا قد قُتل كل شيء ملون فى عينى منذ أن رحَلت عن عالمى.

_أصيل

صَدح صوت من خارج غرفتى ينادى اسمى، كالعادة إنها أختى الصغيرة، التى يفترض أنها فى السنة الثلاثة من الجامعة، ربما ليس كل مَن مَر به العمر يُقال أنه عَقل وَرشد.

كَررت "أصيل" أربع مرات والخامسة نادتها وهي تطرق الباب قائلة متصنعه اللطف:

_أصيل، عارفة إنك صاحى، فبلاش اللون ده معانا، ويلا عشان توصلنى للمحاضرة فى طريقك.

زَنجبيل (جَارى تعديلها )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن