مَا بين الصُدفة والقَدر
كَان البيت بسيطًا كمثل البيوت المِصرية ذو الطبقة المتوسطة، ثلاث غُرف تَطُل على الردهة، ردهة واسعة بعض الشيء تتوسطها منضدة دائرية وَيرُصُ حولها اربع كراسى فى مشهد دائرى، واريكة مُضلعة طولها مترين وإن زاد تستند على الحائط أمامها منضده قصيرة وكرسيين، كُنت أجلس بجانب أختى ممسكًا بيدها وأحثها على إكمال العَصير، كانت شاحبة، أعلم أن أختى تُحبه، على رغم من عَدم رضيَّا التام على خِطبتهم إلا أننى وافقت بعدما رأيت إصرارها عليه، وَ حُبها الجَلي له، كُنت أخشى عليها من الحُب، وأخشى عليها أن تَقع فى حُب مَا ليس أهَلٌ للحب، فكنت دائمًا أسحب أموالها ولا أترك لها سُوى ما يُكفيها هي فقط خَوفًا أن يُكون مُحبًا للمال، مُندهش لما تمتلك وليس لأختى بعينها..
لم أكن أنا و «روفيدة» نتشارك عِلاقة أخوية صحية يومًا، كانت علاقتنا مذبذبة ناتج إنفصال والدينَّا، حُرمت من حنان الأم وكان أبى حَاد الطباع، يُعامِلنى بِخشونه ودائم مقارنتى بأقرانى، كُنت امتلك صِديق حميم منذُ طفولتى اسمه «أصيل» كنا متحابين و زُرع فينا حُب هندسة الطَيران، كنا نذاكر معًا وكنت أفوقة فى الدراسة مَرة ويفوقنا هو مَره فكنا نشدد أزر بعضنا البعض إلا أن فى كُل مره كان يفوقنى فى الدراسة كَان أبى يوبخنى وينعتنى بالفَشل، وأن كَيف لإبن العامل البسيط أن يفوق ابن رئيسه ذو النفوذ والسلطة
فَكرهتُ صُحْبَتى له، وكرهت الطيران والدراسة أجمع، فخسرتُ صداقتنا فى الرابعة عَشر من عُمرى، وصرتُ دائم الرسوب حتى أتمتت شهادة الثانوية بمجموع قليل، وَبخنى أبى بالطبع وقَلل من رجولتى بأقوال وأفعال شَتى، وفى نهاية المطاف إلتحقتُ بأحد الجامعات الخاصة فى مَجال هندسة الطَيران للحفاظ على صورة أبى لا أكثر، لكننى كُنت كَرهتُها، فكنتُ أرسب بالطبع، حتى تخرجت بمعجزة، وعُينتُ فى أحد شركات الطيران بفضل نفوذ أبى الجليلة
لكن وكالعادة كُنت أخفق فى عَملى كَما دراستى، واصبحت حياتى تتلون بالروتين القاتل، وبائت علاقاتى العاطفية _الكثيرة جدًا _ كلها بالفشل، لم تُحبنى إحداهن لذاتى، إما لأموالى إما لوسامتى المُفرطة كأنها تنتقى حقيبة أو رداء حَسن المظهر ولا تلتفت لجودتها، وللحق لم أستطع أن أحب إحداهن رغم جمالهن المتباين أجمعين وبعضهن كانوا يَتْحلون بشخصيات فَذة إلا أننا عندما كُنت أفتش داخلى لا أجد لها مَكان، لأن وبساطة كَيف لشخص لا يستطع أن يُحب نفسه أن يَمنح الحُب لغيره ؟ كَيف يمد له يد العَون وهو فى حاجة المَعية الكَاملة والمُستقر الآمن ؟نَظرتُ لأختى وإبتسمتُ إبتسامة جانبية فى آسى وَقلتُ وأنا أملس على خُصلات شَعرها:
_أنا أسف
نَظرت لى نَظرة دون مَعنى، ثُم عاودت النَظر إلى الكَأس الذى فى يَديها دون أن تَنبث ببنت شفة، كَان قد مَر ساعة ونَصف على مُكوثنا عِند «دينا»، كَانت رائحة الطعام الأتية من المطبخ تَدل على شراهته، لا أعرف لما وافقت على دعوتها، رُبما لأننى أشعر بالجوع..أو رُبما لأننى تذوقت هُنا الحُب اللامشروط لأول مَرة