رَغم إزدحام صفحات كتاب حياتنا إلا أننا نجد هامش ما نسطر عليه مَا لا ينبغى تسطيره، نَعزف عليه لَحن عصي لا ينبغى عزفه، ثُم نمضى من جديد لنبحث عن هامش غيره، نسطر ونعزف وَنقول ما لا ينبغى.
تَجمدت مكانى لا أعرف ماذا أفعل وما بوسعى قَوله، إزدحمت الأفكار برأسى، وَدقت طبول فؤادى، ها هو بشحمه ولحمه أمامى لا يفصلنا سوى خطوة أو رُبما اثنين، نَظرت صوب عينه، ثُم تابعت بنظرى هيئتة، كان يرتدى ملابس خاصة بالمطبخ، يُمسك سكين فى يد واليد الأخرى تحمل ثمرة طماطم، لَم أشعر بنفسى إلا وَقد هربت ضحكتى العفوية، فنظر إليَّ بتَعجب ثُم أنار مصابيح تفكيره فَنظر نظرة خاطفة على هيئته وقال:
_ بتضحكى؟!
فلم أتفوه بحرف واحد وحاولت كتم ضحكتى فقال:
_أخوكى عازمنى على غدا أنا اللى عمله.
قاطع الحديث صَوت أصيل قائلًا:
_مين يا مَحمود؟
فَقال :
_دى كاميليا.
فسمعت صوت أصيل قائلًا بمزاح:
_طب ماتقولها تتفضل.
فرفعت صوتى وَقلت:
_والله!
دَلفت داخل الشقة بعدما أفسح لى محمود الطريق، وتابعت أصيل الذى خَرج للتو من المرحاض يَجفف وجهه ورأسه يبدو أنه كان يتوضأ، كُنت أعاتب أصيل على عدم مجيئة لأخذى من الكُلية إلا أننا ودتُّ أن أعاتبة أكثر على ذاك الموقف الذى لا أحسد عليه أبدًا.
كَان محمود قد دخل للمطبخ ليتابع ما طَهى، فنظرت إلى أصيل وَقلت بصوت منخفض:
_ماقولتليش ليه أنه جي ؟!
فقال وَهو يمسك سجادة الصلاة مستعد لقضاء صلاة العصر:
_مجتش فرصة.
فَكنت أنطق إلا أنه قاطعنى بحزم.
_ادخلى غيرى هدومك عشان الغدا يا كاميليا.
وَبدأ فى صلاته كأننى نسمات هواء فى يَوم مُشمس لاقيمة لها.
دَلفت إلى غُرفتى، قضيت صلاة العصر ، وارتديت خمارى على عُجالة وَخَرجت، كان أصيل يَجلس على الأريكة، كَان غارق فى خَياله لم ينتبه لى عندما أتيت وكان شارد وعيناه مثبته حول اللاشيء، فلوهلة خَرج محمود من المطبخ قائلًا بمرح :
_صنية بطاطس بالفراخ تاكل صوابعك وراهه والله.
فقام أصيل ليساعده وقال :
_الله ينور يا ابو الصحاب.
فَنظر محمود نَحوى وقال:
_الله يخليك يا خال العيال.
فَصوب أصيل نَحو كتفه قبضة مؤلمة وقال:
_ما قولنا الله ينور يا محمود