الفصل التاسع والثلاثون

18.3K 1K 46
                                    

بما أنكم بتنسوا حابة انوه من أولها
التصويت قبل القراءة يا قمرات

الفصل التاسع والثلاثون

- ايوة يا بني انا دخلت عندها اهو .
تفوهت بها نرجس نحو محدثها في الهاتف؛ وهي تلج لداخل غرفة ابنتها التي كانت غارقة في النوم، تحتضن وسادتها، جلست على طرف السرير بجوارها، تهزهزها بيدها مرددة:
- بنت يا أمنية، انتي يا بت، يا بت قومي.
رفعت رأسها عن الوسادة تبصرها بنصف أعين مفتوحة، وخرج صوتها متحشرجًا من أثر النوم:
- ايه يا ماما؟.... بتصحيني ليه؟
لكزتها لتضع بيدها الهاتف قائلة بتشديد:
- قومي وفوقي كدة كلمي ابن خالتك، دا بيتصل عليكي من الصبح وانتي قاعدة مخمودة لسة، ايه يا ختي النوم ده كله.
رددت بالاخيرة وهي تنهض تاركة الفراش لتذهب وتتركها، نظرت أمنية في أثرها حتى غادرت، لتنتبه اخيرًا على صوته وهو يهتف عليها عبر الاثير:
- ما تردي يا أمنية، ولا كمان مش عايزة تردي؟
استدركت اَخيرًا لوضعها مع هذا الذي يحدثها، لتعتدل بجذعها وتجيبه بصوت فقد حماسته المعتادة:
- ايوة..... انا صحيت اهو .
- نعم يا اختي وبتكلميني من غير نفس كمان؟ بعد ما لطعتيني باليومين من غير ما تردي عليا في أي اتصال يا روح امك؟
زمت شفتيها تقلب عينيها بسأم، تكبح لسانها برد يناسب وقاحته بعد ما فعله منذ يومين معها، حينما امتدت يده عليها وضربها، ليأتي الاَن ويحدث بنبرة عادية وكأن شيئًا لم يكن،
وصلها قوله متسائلًا:
- هو انتي لسة زعلانة يا أمنية؟ انا كنت متعصب على فكرة ومش في حالتي الطبيعية، لازم تقديرها دي
- ليه؟
- ليه إيه؟
ردت مشددة على أحرف الكلمات بانفعال ظاهر:
- مكنتش في حالتك الطبيعية ليه؟ انا عايزة اعرفها دي يا ابراهيم؟
صمت قليلًا يستوعب حدتها، وهذه القوة الجديدة في مخاطبته، لتجبره على تخفيف لهجته في الحديث معها، ومحاولة الرد بإجابة مقنعة:
- يا أمنية افهمي بقى، انا خدت الموضوع على كرامتي، وبصراحة اتقهرت لما لقيت البت دي بتكتب كتابها وبيحطونا قدام الأمر الواقع عشان يسبقونا ويتجوزوا قبلنا، ولا انتي مش واخدة بالك ان بعملتها الخبيثة دي وقفت حالنا، بصراحة بقى غيران وعايز دخلتنا تبقى قبلهم، عشان دا عدل ربنا.
راوده بعض الثقة حينما  لم يأتيه ردها على الفور، ظنًا منه أنها اقتنعت، قبل أن تباغته بقولها:
- ولما دا هو رأيك والسبب الرئيسي في غضبك زي ما بتقول، انا كنت غلطت في إيه لما جيبتلك سيرة المأذون وجوازنا؟ كان فين غلطي لما ضربتني بالقلم اللي شق شفتي وسال منها الدم؟ وبعدها طردتني من المخزن زي الكلبة...... ليه يا ابراهيم؟ انت عارف ان دي اول مرة انضرب فيها، لا ابويا الله يرحمه عملها قبل ما يموت، ولا امي، ولا حتى اختي اللي شالت من بعده وربيتنا عملتها؟
اكملت بصوت اختنق بالدموع التي سالت بحرقة على وجنتيها:
- انا مش رخيصة عشان تعاملني بالمنظر ده يا ابراهيم، بتتعصب على اتفه الأسباب وبتشتم وانا بفوت، ولا يمكن يكون هو دا السبب! اني بطيعك في كل حاجة ودا خلاك تفتكرني من غير كرامة، هي دي فكرتك عني يا ابن خالتي؟
ختمت ليصله صوت نهنات مكتومة منها، جعلته ينفي على الفور كي ينقذ المتبقي من عشقها له، وقد بدا جليا له الاَن حجم غباءه، حينما استخف بما فعله في المرة الاخيرة معها:
- اوعي تقولي الكلام دا مرة تانية يا أمنية، دا انتي حبيبتي يا بت والغرام كله، ازاي تظني فيا كدة بس؟ بقولك ايه، انا لازم اقابلك عشان اصالحك بجد، أجيلك البيت النهاردة مع أمي،  ولا اعزمك برا في احلى كازينو ع الكورنيش؟
مسحت بطرف ابهامها أثر الدموع من وجنتيها، لترفض عرضه الكريم بثبات ادهشه:
- للأسف أنا مش فاضية النهاردة، عندنا خروجة انا واخواتي وامي، اصلنا معزومين على الغدا عند نسايبنا الجداد، في بيت جوز اختي واهله.
- اسم الله على جوز اختك واهله.
صاح بها متناسيًا منهجه الجديد معها، وقد استفزته بقوله، وكأنها قاصدة كشفه، ليتابع بوقاحة ليست غريبة عن خصاله المعروفة:
- جوز مين يا بت ال...... بتتسرمحي على كيفك ولا اكن  ليكي خطيب تشاوريه، وعايزة تروحي بيت رجالة غريبة وتاكلي وتشربي معاهم يا كمان؟
هتفت  بعدم تقبل لكل ما تلفظ به:
- خلي بالك من كلامك يا ابراهيم، انا مش رايحة عند ناس غريبة، بقولك نسايبنا الجداد وجوز اختيي، يعني خلاص بقى واحد من العيلة، دا الجديد ولازم كلنا نتقبله.
كلماتها المقصودة بلغة التحدي، تجعله يود القفز من محله ليفتك بها، ولكنه لا يصح له الاَن فعل ذلك، فالعصفورة قد نبت لها أنياب، بعد أن كان خبيرًا في قص أجنحتها وضمان ولائها له، ونسي أن كثرة الضغط يولد الانفجار وهذا ما يحدث الاَن.
حمحم يخشن من صوته ليتراجع عن رفضه قائلًا بمهادنة:
- انا مش هحاسبك على عصبيتك ولا غلطك معايا دلوقتي يا أمنية، عشان مقدر زعلك مني، ومعلش بقى هاجي على نفسي المرة دي ومش هدقق، اخرجي يا ستي وانبسطي، وبعدها يبقى لينا كلام تاني.
- كتر خيرك.
قالتها ساخرة، قبل أن تُنهي المكالمة وتعود بجذعها للفراش، واضعة رأسها على ذراعها الذي مددته كوسادة، لتغرق في تفكيرها وتحليل موقفه المتراجع منذ قليل حينما واجهته بخطئه، ثم مقارنة ذلك بأفعاله السابقة معها، بعيدًا عن العاطفة العمياء، وكأن عقلها أصبح اَخيرًا يعمل.

 وبها، متيمٌ أنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن