الفصل الحادي والعشرون

22.5K 852 45
                                    

الفصل الحادي والعشرون

وسط ترحيب الجيران والمعارف وتساؤلات عن الصحة وكلمات ود تخرج من القلب لها وكأنها غابت شهور وليس عدد من الأيام، وهي تبادلهم الرد بابتسامة ممتنة، ورزانة اعتادت عليها، خطواتها تبطئها بقصد، وتتوقف عن السير عدة مرات حتى لا تغفل عن إجابة أحد، بصحبة شقيقتها المؤازرة لها دائمًا، رؤى.
- حمد الله ع السلامة يا شهد، ربنا ما يجيب حاجة وحشة أبدًا
- الله يخليكي يا ام كريم.
- احنا كنا بنسأل عليكي دايما الست نرجس، وكان بودنا نيجي ونزورك بس منعرفش العنوان.
- تسلم يا عم عادل، دا العشم فيكم والله.
- لا بس انتي وحشتينا اوي والبت رؤي دي عايزة قرص في ودانها عشان مفيش مرة ريحتنا بكلمة.
- انا يا ام حسين، الله يسامحك.
- هيسامحني يا ختي، عندًا فيكي هيسامحني.
قالتها المرأة وانطلقت الضحكات ليتبعها بعض المزاح والتفكه بالعبارات، ليشيع جوًا من المرح، ويزيد من تعطليهم، وفي الأعلى كانت أمنية تراقب من الشرفة والهاتف على أذنها تتحدث إليه:
- بقولك وصلت يا عم، والجيران ولاد الكلب، عاملينها استقبال ملوكي، ولا اكنها ملكة بين راعاياها وهترش عليهم بالدنانير والدراهم........ ايه؟ عايزانى انا كمان استقبلها واكلمها؟....... ليه يا حبيبي؟ هو انت ناسي ان الخناقة كانت عشانك؟ وانا بدافع عندك........ ما تقولش حمارة يا ابراهيم.........
هتفت بالأخيرة محتدة، وهي تدلف لداخل غرفة نومها وتترك الشرفة وتابعت بالرد
- لأ يا ابراهيم، البت دي هتشوف نفسها عليها، أنا عارفاها مش هترضى ترد وهتكسفني........ تاني يا ابراهيم هتزعق فيا؟....... خلاص يا سيدي سكت وهسمعك...... اممم........ سياسة!......... حاضر هجرب واما اشوف هتعمل ايه انت كمان، في الاستراتيجية الجديدة الي بتقول عليها دي......... سلام .

❈❈-❈

- شهد انتي وصلتي؟ حمد الله على سلامتك يا بنتي.
تفوهت بها نرجس فور ان وقعت عينيها عليها وهي تلج لداخل المنزل، وخلفها رؤى كانت تحمل حقيبتها وبعض الكتب المدرسية على يديها، والتي تكفلت هي بالرد مع صمت الأخرى:
- لا موصلناش لسة يا ماما، استني لما نيجي وبعدها سلمي.
عبست نرجس تهتف حانقة نحو ابنتها:
- عنك ما جيتي، بنت قليلة الحيا بصحيح.
كانت قد وصلت إلى شهد لتجذبها من ذراعيها وتقبلها على خديها بمداهنة تردد:
- نورتي بيتك يا حبيبتي، نورتي بيتك يا أحلى شهد.
ابتسامة باهتة اغتصبتها شهد بصعوبة لتوميء لها بهز رأسها حتى تتركها لتدخل غرفتها، قبل أن تفاجئها أمنية بقولها:
- الف سلامة عليكي يا شهد.
قالتها وقد ظهرت إليها من العدم، متصنعة الأدب والمسكنة، قطبت شهد تطالعها بريبة صامتة، لتتابع الأخرى:
- انا كان نفسي اجيلك عند صاحبتك، بس خوفت لا تطرديني ولا متقبليش بزيارتي، ساعتها كان هيبقى شكلي وحش اوي في بيوت الناس.
- وانا، وانا كمان يا شهد كان نفسي اجيلك، بس البت رؤى اختك مرضيتش .
قالتها نرجس متلهفة لرد فعل شهد والتي طالعت وجهها وهذه البلاهة المرتسمة على ملامحها، وكأن ما تتكلم عنه هو بالهين، أن تجد الغريب هو من يهمه أمر صحتها ورعايتها، ولا تجد من أفنت حياتها من أجلهم بجوارها وكأنه شيء عادي.
هل هي من تغيرت أم انها كانت معمية عن رؤية واضحة لهذه الوشوش، نقلت بأنظاراها نحو أمنية التي تتصنع دورًا لا تجيده، ليخرج صوتها:
- كتر خيركم، فيكم الخير.
استدارت نحو الذهاب إلى غرفتها ولكنها وما أن تحركت خطوتين حتى توقفت تتابع وقد أعطتهم ظهرها:
- بدل الحجج والقصص دي كلها، كان يكفي اتصال او حتى رسالة ع الفون. دا اضعف الإيمان.
- أه بس انتي مكنتيش هترودي.
هتفت بها أمنية وكان رد شهد ابتسامة ساخرة لم تصل لعينيها، بعد أن التفت إليها برأسها، لتختم بتنهيدة مطولة خرجت من عمق جرحها.
لتكمل سيرها بعد ذلك حتى دلفت داخل غرفتها، لتباغتها دمعة خائنة سقطت على خدها مسحتها سريعًا، حتى لا تترك نفسها فريسة للحزن أو التحسر على ما ضحت به من أجل أشخاص لا يستحقون، لا بل يوجد فيهم من يستحق، شقيقتها رؤى، تتمنى من الله الا تتغير هي الأخرى وتصبح صورة منهن
من جيب بنطالها أخرجت هاتفها لتعود إلى حياتها الطبيعية وتمارس عملها المنقطعة عنه منذ مدة:
- الوو يا عبد الرحيم، إيه الأخبار؟

 وبها، متيمٌ أنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن