للتذكير من تاني
اضغطي على النجمة أسفل الشاشة قبل القراءة
وياريت تشاركوني أرأكمالفصل السابع والثلاثون
برأس مثقل وملابس ارتدتها سريعًا، خرجت من غرفتها تجر قدميها جرًا، ومحاولات جاهدة لمقاومة النعاس من أجل أن تستفيق جيدًا لبداية يومها.
نرجس وانتي كانت خارجة من المطبخ، تحمل طبقً الشطائر التي صنعتها، عقبت بتهكم ساخر فور أن وقعت عينيها عليها:
- يا الف مبروك، اخيرًا يا اختي اتهز بيكي السرير وقومتي!
اقتربت رؤى تتناول الشطائر لتضعها في الحقيبة، وعبوس وجهها خير دليل على المعاناة التي تكتنفها هذه اللحظة، بتأثير متأخر لما فعلته بالأمس، لتزيد من غيظ الأخرى والتي بلغ بها الحنق لتلكزتها بقبضة يدها على ساعدها.
فخرج صوتها متأوهة بألم:
- اَه، ليه كدة يا ماما؟اقتربت نرجس برأسها منها، تهمس كازة على أسنانها:
- ما هو كله من التنطيط ورقص الجنان بتاع امبارح، اللي ما ريحتي رجلك ساعة على بعضها، تستاهلي كل اللي يجرالك، اياك يارب المُدرسة بتاعة المجموعة تفوقك بالعصاية على نفوخك لما تلاقيكي مبلمة معاها زي البهيمة كدة.
كلماتها السامة مع استعادة ما حدث بالأمس من أفعال مخزية جعلها تنتفض بوجهها مرددة:
- وفيها ايه لما ارقص ولا اتنطط حتى؟ مش فرح اختي، ولا احنا كل يوم بيجينا الفرح؟
قالتها رؤى لتتفاجأ بفعل والدتها التي لوكت فمها بتنمر صريح وعدم قدرة على إخفاء مشاعر الغضب بداخلها مرددة:
- لأ يا اختي مبيجيش كل يوم الفرح، بس لما يكون فرحنا بجد، يعني فرح اختك شقيقتك، مش المحروسة اللي داست على كرامة امك برجليها، لما كتبت الكتاب من غير ما تبلغنا، طب اعملي خاطر لزعلي ولا قهرتي حتى.
مازال الهمس هو سيد الموقف، رغم حدة الشجار الدائر بينهما، نرجس بجبن منها كالعادة، ورؤى تخشى على مشاعر شقيقتها لو سمعت، فجاء ردها بحزم :
- قالت بقى ولا مقالتش، هو انتي بيهمك أوي مصلحتها، ولا بتدخلي برأيك في أي شيء يخصها؟ انا مش فاهمة والله، ايه لزوم القلبة الكبيرة دي، يعني مش كفاية منظر بتك اللي يكسف امبارح؛ لما اتسحبت تمشي ورا خطيبها قدام كل المدعوين في القاعة، وقت كتب كتاب اختها، على فكرة بقى، منظركم كان مكشوف أوي.
كالعادة وحينما تغلبها بالمنطق رغم صغر سنها، زجرتها نرجس تنهي الحوار:
- امشي يا بت، امشي غوري روحي على الدرس بتاعك، يا للا غوري.
استلمت رؤى لتذهب، مكتفية بهذه القدر من الكره على بكرة الصباح، وكي تلحق موعدها مع المجموعة .طالعتها نرجس حتى غادرت ثم تحركت نحو ابنتها المفضلة، والتي تلزم غرفتها منذ الأمس، مغلقة عليها بابها، في أمر لا يحدث إلا نادرًا، طرقت بخفة على الخشب المثقل منادية:
- بت يا أمنية، قافلة على نفسك ليه؟ لسة مصحتيش؟
حينما لم تجد ردًا واصلت نرجس الهتاف:
- انتي يا بت، ما تفوقي يا منيلة كل دا نوم؟
خرج صوت الأخرى بعد قليل بتأفف:
- في ايه؟ ما تسبيني يامة في حالي، عايزة انام، عايزة انام الله.
-- طيب خلاص متتعصبيش، انا بس كنت عايزة اطمن عليكي، نامي براحتك يا عين امك.
قالتها نرجس قبل أن تعود لأدرجاها، تاركة الغرفة وصاحبتها، والتي كانت بداخلها مكومة على سريرها، متكتفة الذراعين، بأعين متوسعة، وذهن واعي تعيد برأسها مشاهد من الماضي وما يحدث معها الاَن في الحاضر، لقد أذلها بالفعل هذه المرة، ضربها وطردها دون وجه حق، ماذا فعلت ليسحق كرامتها هكذا؟ وهي التي تعطيه بلا مقابل وتنفذ كل أوامره.
تعلم أن العشق لطالما أعماها عن عيوبه، وكم تغاضت عما يفعله معها من سباب او انفعال على أتفه الأسباب، دائمًا ما تجد له المبرر، لكن الاَن أين هو مبرره؟ أم يظنها غبية ولن يصل لذهنها السبب الأساسي لكل هذه العاصفة الهوجاء منه؟ لقد كان مجرد شك، والأن أصبح تأكيد.
ما كان قديمًا لم يكن كذبًا، ما سمعته في ذلك اليوم كان هو الحقيقة، ذلك حينما كانت في عمر الثانية عشر، وقد كانت عائدة من دوامها الدراسي، فلم تجد أي فرد من العائلة، وقبل أن تهتف منادية على والدتها، وصلتها رائحة الطعام الشهي، لتعلم أين هي ؟
توجهت متحركة بأقدامها نحو المطبخ، لتتوقف على مدخله صامتة، حينما رأت النقاش المحتدم بين والدتها وخالتها سميرة والتي كانت تتحدث بنبرة اتهام:
- انتي لو كان هامك ابن اختك بجد، كنتي أقنعتي جوزك يا نرجس، ع الأقل ياخد وقته في التفكير، مش يقلب ع الولد القلبة السودة دي.
دافعت الأخيرة عن نفسها تقسم:
- وحياة ربنا يا شيخة كلمته، حاولت معاه مرة واتنين وتلاتة، لكنه مقفل على دماغه بقفل مصدي، دا بقى كاره يسمع اسمه حتى.
شهقت تتخصر باستهجان قائلة:
- اسم الله يا ختي، ومش طايقه ليه بقى؟ هو الراجل ده كان يطول واحد زي ابني؟ ولا اكمنه مدلع المحروسة هيستكترها عليه؟ لا يا عنيا دا الغالي وألف واحدة تتمناه.
ضربت نرجس بكف على الأخرى مرددة:
- أديكي قولتيها بنفسك، أنا بقى في إيدي إيه؟
زفرت سميرة لترد مشددة على ألكلمات:
- اتصرفي يا ختي، مش انا اسعى واجيبلك جوازة لوز، بدل البخيل القيحة اللي كنتي متجوزاه في الأول، وتيجي انتي على طلب صغير زي ده وتقولي معرفش، حاولي تليني دماغه، الواد مطين عيشتي، هيموت عليها المنيل.
همت نرجس أن تهادنها ببعض الكلمات، ولكنها انتبهت لوجود ابنتها والتي كانت ملتصقة بجانبها على إطار الباب، لتهتف بها سائلة:
- واقفة عندك ليه يا بت؟
- أنا رجعت من المدرسة وكنت عايزة اكل يامة
قالتها كرد على السؤال قبل ان تنهرها خالتها:
- روحي على اوضتك الأول واتشطفي، على ما امك حضرت الغدا، ياللا يا أمنية .
انصاعت للأمر، لتخرج وتتركهما يكملون الباقي من الحديث، وقد اكتفت هي بما سمعته، لتظل الذكرى برأسها، طوال السنوات التي مرت بأحداثها المختلفة، لتنقلب الاَية، ويصبح ابراهيم هو من نصيبها، بعد أن كبرت، وقد أقنعت نفسها بأنه نسي الأخرى، مع أنها هي نفسها لم تنسى، وقد كانت شهد هي منافسها الرئيسي على قلب الرجل الوحيد الذي ملك قلبها.
أنت تقرأ
وبها، متيمٌ أنا
Chick-Litولا أعلم مسمىً ولا صفة لهذا الذي ينبت بداخلي نحوها، ورغم غضبي الدائم منها، لا أستطيع إزاحة عيني عنها ولا عن مراقبة أفعالها وحفظ تفاصيلها. هي كالبحر ويبدو أنني الغريق به.