الفصل الثاني والثلاثون

19.5K 844 37
                                    

كل سنة وانتوا طيبين بمناسبة العيد ينعاد عليكم باليمن والبركات

الفصل الثاني والثلاثون

وصلت إلى مقر المصلحة على حسب الميعاد المتفق عليه وقد كان ينتظرها من خلف شرفة الحجرة التي يعمل بها، حتى إذا رأى خيال السيارة المتواضعة، تحرك سريعًا ليتلقفها من قبل حتى أن تصل للبناية:
- اخيرًا وصلتي يا شهد؟
كتمت شهقة كادت أن تصدر منها، وقد أجفلها بفعلته، لترد بعتب:
- اخص عليك يا حسن، طب قول صباح الخير الأول.
تبسم بمكر ليتناول يدها ويسحبها بخطواته السريعة لداخل الردهة الواسعة:
- هنسلم ونصبح بعدين براحتنا، المهم بقى، جهزتي كل الأوراق اللي قولتلك عليها؟
قالت بحالة من القلق تكتنفها نتيجة لهذه المغامرة التي على وشك الإقدام عليها:
- ايوة يا سيدي جهزتها زي ما قولت، بس انا خايفة لتطلع حاجة اكبر من مقدرتي، وانت عارف اللي فيها.
وصل بها إلى المصعد ثم ضعط على زر الأحمر ينتظر هبوطه، وقال يطمئنها:
- يا بنتي بقولك متقلقيش دا مشروع صغير، انا عارف التكلفة وعارف كل حاجة فيه، عايزه يبقى بداية ليكي في الشغل الصح، مش انتي عايزة تكبري شغلك برضوا؟
رددت بقلب تسارعت دقاته وقد ذكرها بأجمل أحلامها:
- اه يا حسن، دا كان حلم ابويا، قبل الزمن ما يغدر بيه ويروح عند ربنا من غير ما يحققه.
انفتح الباب الأليكتروني ليجعلها تدلف أولا قبل أن يلحق بها، ليضغط على زر الطابق المنشود ثم قال بحماس:
- حلم الوالد هتحققيه انتي، وانا واثق من كدة.
أممت من خلفه:
- يارب يا حسن يا رب، يسمع منك ويخليك ليا.
ضغط على كفها بابتسامة عذبة تاراقص بها كل مشاعر العشق نحوها، ثم ما لبث أن يسألها بتذكر:
- مقولتيش صح، اختك امنية سربتيها فين؟
ردت بابتسامة خبيثة:
- اخص عليك يا حسن متقولش كدة، اختي، دي بتشيل المسؤلية بدالي النهاردة.

❈-❈-❈

ملتصقة بأحد الحوائط القريبة من الموقع الذي يدور بحركة العمل دون توقف، لتستظل بالجزء البسيط المتبقي بظله من أشعة الشمس التي توغلت على كل المساحة الفضاء من حولها، لتلعن هذا الجنون ، وعقلها الأحمق في اتباع وتنفيذ اوامر من يملك فؤادها:
- أيوة يا ابراهيم، انا معدتش مستحملة وعايزة امشي بقى.
هتفت بها بعد رده عن الاتصال اخيرا، فوصل إليها قوله  بحده:
- تمشي فين يا بت الهبلة؟ هو ايه اللي حاصل؟
ردت بنبرة توشك على البكاء:
- الست المحروسة بدل ما تاخدني ع المكتب لما أصريت اروح واشتغل معاها،  خدتني ع الموقع اللي شغالين فين رجالتها، قال ايه، عشان افهم الشغل كله على بعضه، الدنيا صحرا والشمس سخنة اوي، انا قولت عايزة اروح، لكن الزفت عبد الرحيم بيقول لازم انتظر مندوب الشركة عن المشروع كله، عشان احل محل اختي في مقابلته قال، واخد منه التعليمات الجديدة،  انا تعبت أوي يا ابراهيم، حاسة نفسي هقع ولا يغمى عليا، اه .
صرخ بها من جهته بحزم:
- ما تجمدي يا بت وبطلي مياعة، الساعة تسعة دلوقتي،  يعني ملحقتيش تكملي ساعة حتى.
تابعت بتذمر وسخط:
- وهي الساعة دي هينة؟ الدنيا هنا صحرا والشمس من ستة الصبح مبهدلة الدنيا،  الجو حر هموت، انا في الوقت ده اساسًا بكون نايمة.
- يا بت ال......
قطع يمنع سبة وقحة كانت على وشك الأفلات من فمه، قبل أن يتمالك ليردف كازًا على أسنانه:
- يا بت الهبلة اجمدي بقى متقرفنيش في زنك، المحروسة وافقت تدخلك معاها، يبقى تتحملي شوية، وتفتحي عينك كويس عشان تفهمي، متخليهاش تتريق عليكي، احنا عايزين نحط ايدينا ونعرف كل قرش داخل ولا خارج في المكتب، هي قاصدة تتعبك، بس انتي بقى لازم تبقى شاطرة وتعرفي كل المعلومات عن المشروع ده والمكسب اللي هيجيلك من وراه، مش عايز أي حاجة تفوتك.
- منين يا ابراهيم؟ أعرف منين كل الحاجات دي؟ هو انت ليه مش حاسس بيا، بقولك مش قادرة،  مش قادرة،  عايزة امشي.
هدر بها بصوت وحشي جفف الدماء في عروقها:
- تلاتة بالله العظيم يا أمنية لو عملتيها وروحتي لكون مربيكي عليها دي، ان شاء الله حتى افسخ الخطوبة.
- تفسخ الخطوبة ابراهيم؟
- أيوة افسخ الخطوبة يا أمنية، مش ناقص انا دلع نسوان مرق، اقفلي يا بت متقرفتيش اكتر من كدة اقفلي.
تطلعت بصدمة إلى الهاتف الذي تم اغلاقه بوجهها، ليعود إليها السخط بإحساس القهر وقلة الحظ التي تلازمها حتى مع خطيبها.
- ست أمنية.
هتف بها عبد الرحيم، ف انتفضت مجفلة إليه، قبل أن تتدارك لترد محتدة بضيق:
- إيه؟ عايز ايه؟
بتسلية بدت بصورة واضحه على تعبيراته، رد يجيبها :
- يعني هكون عايز ايه بس؟ دا انا جاي اسألك لو تحبي تشربي شاي معانا، اصل انا والعمال سوينا براد كبير زي ما انتي شايفة.
التفت برأسها نحو ما يقصد؛ لتجد الأبريق المتفحم من اثر نيران الموقد المصنوع حديثًا ببعض الأحجار، واكواب الشاي يغسلها واحد منهم من دلو مياه مكشوف يستخدم لهذا الغرض خصيصًا، فتقلصت ملامحها بالرفض محتجة:
- لأ طبعًا مش عايزة، بتشربوا فيه ازاي ده؟

 وبها، متيمٌ أنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن