الفصل الرابع عشر
بالقرب من البناية التي تقطن بها، توقفت سيارة الأجرة الجماعية، لتترجل منها، فوقعت عينيها على مساعد شقيقتها الذي كان خارجًا منها مهرولًا بخطواته، هتفت به توقفه وقد اقلقها هيئته:
- عبد الرحيم استني هنا.
التف إليها الاَخير وتوقف ينتظرها حتى اقتربت لتسأله:
- هو انت كنت عندنا فوق؟
- اه يا ست رؤى، اصلي كنت جاي اطمنكم ع الست شهد لتقلقلوا على غيابها.
رددت خلفه بتوجس:
- تطمنا على غيابها! ليه هي مالها شهد؟ وايه اللي يخليها تغيب؟
بدا على وجه عبد الرحيم الحرج، مما زاد على رؤى بالشك لتعيد السؤال بقلق:
- ما تقول يا عبد الرحيم، ما لها اختي؟ انا خرجت من المدرسة ع الدروس، يعني من الصبح غايبة عن البيت، اختي مالها؟
تكلم يخاطبها بمهادنة، حتى لا يزيد عليها:
- اهدي بس اهدي وخليني افهمك، شهد اختك كويسة والحمد لله، المشكلة حصلت عندنا في الموقع، عامل النصبة اللي شغال معانا بقالوا سنين، حصلتلوا حادثة، وهي بس عشان قلبها رهيف مستحملتش فوقعت من طولها......
- اختي انا وقعت من طولها؟
هتفت بها مقاطعة فتابع لها يستطرد بعفويته:
- يا ست افهمي، هي بس حصلها تعب في أعصابها...
- اختي اعصابها تعبانة؟
قاطعته للمرة الثانية بجزع ارتسم على ملامح وجهها حتى أشفق عليها، وحاول طمأنتها ولكنها بدت وكأنها تعلم ما حدث بقولها:
- هي شافت الحادثة بعينها عشان كدة تعبت صح؟
- لا والله ما حصل، هي بس شافته وهو خارج من اوضة العمليات راحت وقعت من طولها.
قالها بغرض تهدئتها ولكن ما حدث هو أن زاد من ارتياعها، لتصيح به:
- اختي فين دلوقت؟ وديني عند اختي يا عبد الرحيم.
تنهد بتريث يجيبها:
- يا ست رؤى افهمي انا جيت ابلغ الست والدتك عشان اخدها معايا ع المستشفى لو حبت، بس اختك امنية قالتلي امشي واحنا هنحصلك، يعني مينفعش اخدك لوحدك، منظرها مش حلو، شوفيهم فوق لو حابين اتصلي بيا وانا اجيب تاكسي واخدكم معايا.
توقف ليتحرك قبل أن يستئذان:
- انا في بيتنا يا ست الكل، هاتشطف بسرعة عشان اغير هدمتي واكلي لقمة، لو عايزة زي ما قولتلك، رني عليا بس، الرقم عندك في التليفون.
ذهب عبد الرحيم والتفت هي مسرعة نحو منزلهم، حتى، إذا وصلت هناك هتفت بوالدتها التي فتحت لها الباب:
- ماما انتي لسة قاعدة بهدوم البيت؟ مخرجتيش ليه مع عبد الرحيم يوديكي عند شهد؟
تلجلجت نرجس قليلًا بتوتر قبل أن تجيبها:
- يا بنتي ما انا رايحة اهو على ما اختك تجهز وتخلص، هو انتي عرفتي اللي حصل لشهد منين؟
أجابتها رؤى تردف على عجالة وهي تدلف لداخل المنزل:
- انا قابلت عبد الرحيم وهو نازل من عندكم وقالي، المهم يالا بقى خلصونا، يا أمنية، ياللا يا أمنية...
ردت الأخيرة وهي تخرج لها من الغرفة:
- ايوة أيوة، يالا إيه بقى؟ هو احنا رايحين فسحة؟
تفاجأت رؤى وهي تجدها بملابس المنزل هي الأخرى، تضع الهاتف على أذنها وتتحدث بهدوء، لتصيح بها:
- هو انتي كمان لسة ملبستيش؟ امال امتى هتجهزي زي ما قالت والدتك؟ بلاس برودك دا دلوقتي يا أمنية، عايزين نلحق نطمن على شهد.
بملامح ممتعضة ردت أمنية:
- وانا يا اختي مانعت ولا اعترضت؟ ما قولنالك رايحين، بس بقى بالأصول، عشان انا واحدة مخطوبة، ولازم استأذن خطيبي الأول، قبل ما اتحرك خطوة من البيت، هو محرج عليا في كدة.
صرخت رؤى تخرج عن طورها الهادئ:
- تستأذني خطيبك على مشوار اختك اللي وقعت في المستشفى ومحدش فينا معاها؟ لييه؟ كان كاتب كتابه، دا حتى لو كان برضوا في حاجة زي دي، مش عليكي حرج.
اهتزت بجســ دها المكتنز لتقول بأعين متهربة:
- برضوا مينفعش انا لازم استأذن.
بوجه محتقن وأعصاب على وشك الانفجار خاطبيتها رؤى:
- ماشي يا ست المطيعة خلصينا بقى ونيلي اتصلي، مستنية ايه؟ ولا التليفون أصلا على ودانك بيعمل ايه؟
ردت أمنية بصوت مرتبك:
- ما انا بحاول من ساعة ما مشي الواد ده اللي اسمه عبد الرحيم، بس ابراهيم لسة ما بيرودش، باينه نايم بقى ولا إي.......
- كمااان.
صرخت بها رؤى لتتابع بعدم احتمال:
-عايزة تنتظري لحد اما يصحى الباشا ولا يتكرم ويرد عليكي، لا بقى دا ما سموش برود، دي التناحة بعينها..
تحركت بخطواته تردف:
- انا رايحة لعبد الرحيم، رايحة معايا يا ياما؟
اضطربت حدقتي نرجس وذهبت أنظارها نحو أمنية التي ضيقت عينيها بتحذير، لكن رؤى كانت اقوى في صيحتها:
- اتحركي بقى يا ماما، هو انتي لسة هتستني الهبل ده؟ بنتك عايزة تستنى المحروس بتاعها، يبقى مع نفسها، لكن انتي مينفعش قعادك اكتر من كدة، يالا يا ماما.
أتى التوبيخ بنتائجه على نرجس التي ركضت بخطواتها سريعًا حتى دلفت لغرفتها مذعنة لأمر رؤى، والتي وقفت تتبادل حرب النظرات مع أمنية الساخطة، بعد أن أفحمتها بحزمها وقوة شخصيتها، رغم صغر سنها، وفرق العديد من السنوات بينهن.
أنت تقرأ
وبها، متيمٌ أنا
Chick-Litولا أعلم مسمىً ولا صفة لهذا الذي ينبت بداخلي نحوها، ورغم غضبي الدائم منها، لا أستطيع إزاحة عيني عنها ولا عن مراقبة أفعالها وحفظ تفاصيلها. هي كالبحر ويبدو أنني الغريق به.