الفصل الرابع عشر: مقبرة جمجات

22 3 0
                                    




بعد أن اقتيدت رنيم نحو ذلك المبنى في جانب القلعة، أدخلها الجندي إلى غرفة في طابق علوي في المبنى ذات نافذة عريضة تطلّ على الساحة وما حولها.. كان المبنى من الداخل أكثر تطوراً وتحضراً مما بدا عليه من الخارج.. فللمرة الأولى ترى رنيم مصابيح غاز بهذا الشكل المتطور وترى بنادق الجنود الغريبة التي تختلف تمام الاختلاف عن البنادق المعتادة في بقية أرجاء العالم.. لاحظت بضع أشياء دلّتها أن حبّ الكشميت للعلوم والتطوير لم يكونا مجرد ادعاءٍ لا معنى له..

ولما دلفت الغرفة مع الجندي، رأت رجلاً يقف في الجهة التي تحتل النافذة العريضة أغلب ذلك الحائط، وقد أدار لها ظهره مراقباً ما يجري في الساحة بصمت.. وبعد أن تبادل الجندي معه بضع كلمات، فإنه أجبر رنيم على الجلوس على أحد الكراسي وقام بتقييد يديها بقيد حديدي وهي تتلفت حولها بقلق ممتزج بشيء من الفزع.. كيف ستتفاهم مع هؤلاء الكشميت؟.. بل الأسوأ من ذلك، كيف ستتخلص منهم وهم على ما هم فيه من كره للعرب ولمملكة بني فارس بالتحديد؟..

رأت ذلك الرجل يلتفت إليها بصمت ويتأملها بملامح جامدة.. فتأملته رنيم بشيء من التوجس، ثم قالت بحيرة "هل.. هل يعرف شخص هنا العربية؟"

ثم دمدمت وهي تتلفت حولها "يا إلهي.. كيف سأتفاهم مع هؤلاء؟.."

أتاها صوته يقول ببرود "هؤلاء.. يعرفون من لغتك ما يكفي لطرح هذا السؤال عليك.. ما الذي تفعله عربية في وسط مملكة كشميت وفي قلب قلعة (جمجات) المرهوبة من الجميع؟"

نظرت له بدهشة وقد فهمت ما يقوله رغم لغته السيئة، فقالت بتردد "أنا.. أنا لست عربية.. أنا من الهوت.."

نظر لها الرجل باشمئزاز قائلاً "وتظنين أنك تستطيعين خداعي؟.. ملامحك البلهاء تدلّ على هويتك بوضوح..كفي عن الكذب وأجيبيني.. ما الذي تفعله فتاة عربية وسط هذه القلعة؟.."

ومال تجاهها قائلاً بصرامة "والأهم من ذلك.. ما الذي تفعله فتاة عربية على ظهر تنين؟"

تذكرت ما فعله الجنود بالتنين، فقالت بتوسل "ما الذي تنوون فعله بالتنين يا سيد..؟.. أطلقوا سراحه رجاءً.."

قال الرجل بأنَفَة "نادني بمولاي الأمير.."

ترددت للحظات، ثم قالت "أنتَ لست مولاي ولن تكون.. أيها الأمير.."

نظر لها بنظرة جامدة لا تظهر الغضب الذي يشعر به، ثم دار حولها معلقاً "التنانين، كما أعرف، لا تطاوع أي شخص سوى الهوت.. لذلك، كانت صدمتي كبيرة عندما عرفت أنك عربية رغم اختراقك لأسوار القلعة على ظهر ذلك التنين.. فكيف تمكنت من تطويعه؟.. ما الذي فعلته لجعله يغضّ البصر عن هويتك الحقيقية؟.."

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن