الفصل الثاني عشر: لا تفعل هذا..

27 3 0
                                    




كان قرار رنيم بدء تلك الرحلة مع كاجا بعد مغيب الشمس بساعات غريباً، بالنظر للطريق الذي سيسلكانه ولكونهما يجهلان ما سيواجهانه فيه.. فالرحيل فوق الأرض يختلف تمام الاختلاف عن الرحيل فوق البحر الواسع، حتى لو كانا سيحلقان في السماء.. لكن رنيم كانت قد شعرت بالضيق لاضطرارها الانتظار ساعات طويلة وهي وحيدة في العراء، وخشيتها من ابتعاد السفينة بآرجان أكثر فأكثر مع كل ساعة تمضي.. ثم إن السماء صافية والقمر ينير الأفق بشكل يجعلها أكثر اطمئناناً وثقة..

ربتت على كتف كاجا الذي نظر لها بصمت، ثم قالت "فلنرحل بحثاً عن صاحبك الآن يا كاجا.. وأتمنى أن يكلل مسعانا بالنجاح.."

وامتطت ظهره ليبدأ التنين تحليقه على الفور بنشاط.. تجاوزا تلك المنحدرات الصخرية التي تنتهي بها سهول الأكاشي الدموية، وسارا فوق الخليج ونحو البحر الواسع.. نظرت رنيم خلفها لتلك السهول التي بدت قاتمة سوداء في هذه الليلة، ثم زفرت وهي تتذكر كل ما مرت به منذ قدومها إليها.. كم يوماً مضى عليها في هذه السهول؟.. يومان؟.. ثلاثة؟.. لم تعد تذكر.. كل ما بدا لها أن دهراً قد مضى منذ كانت في قرية الهوت وحتى تمكنت من الهرب من الأكاشي على ظهر كاجا.. دهرٌ كامل مضى فيه الكثير، ورأت فيه أكثر من طاقتها على التحمل.. ولولا وجود هدف أمامها الآن لظلت منطوية في موقع منزوٍ وهي سجينة الهواجس التي تراودها والذكريات البشعة التي رأتها..

أما الآن، فاللحاق بآرجان يحتلّ أولوياتها ويطغى على تفكيرها.. ورغم كل التأخير الذي حصل، فإنها واثقة أن التنين يستطيع تجاوز تلك المسافة بأسرع من البرق.. لذلك فإنها وجهته للبحر الذي يبدو أمامها ودفعته للطيران بأسرع ما يستطيع موجّهة نفسها نحو ما قدّرت أنه الجنوب.. كانت رنيم، مع قراءاتها الكثيرة، تستطيع تحديد الاتجاهات بشكل تقريبي فاعتمدت على الموضع الذي غابت منه الشمس لتحدد بقية الاتجاهات.. والآن، فإنها تطير مع كاجا نحو الجنوب الغربي بسرعة متجاوزين الأمواج الفضية التي تعكس نور القمر القوي بينما تمرّ فوقهم الغيوم المتفرقة بسرعة كبيرة..

وبعد ساعة أو يزيد، انتاب رنيم شيء من القلق وهي تتلفت حولها ملاحظة خلو البحر حولها من أي سفينة.. كانت واثقة من مسارها، وواثقة أن السفينة لن تسير في البحر بسرعة تتجاوز سرعة التنين، فأين ذهبت؟.. هل أخطأت؟.. حاولت اتخاذ دورة واسعة في المنطقة بحثاً عن أي أثر لها عند الأفق، ثم عادت لمسارها الأصلي مع كاجا وهي تقول له بقلق "هل أخطأنا في أمر يا كاجا؟.. أين ذهبت تلك السفينة؟.."

بدا لها البحر من هذا الارتفاع أشد اتساعاً وامتداداً مما كان عندما كانت على ظهر تلك السفينة في طريقها للزهراء.. تزايد قلقها مع كل لحظة تمضي وهي تفقد ثقتها السابقة وتراودها الهواجس الكثيرة.. هل أخطأت الطريق؟.. أما أنها تأخرت كثيراً؟.. هل السفينة متجهة لقارة الثنايا، ولمملكة كشميت حقاً؟.. أم أنها اتجهت لموقع آخر؟.. ربما لم يكن آرجان على ظهر تلك السفينة فعلاً.. ربما تمكن من الهرب وعبرت هي مع التنين فوقه أثناء محاولته العودة لمخيّم الأكاشي..

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن