الفصل الأول: مستقبل لا أريده

212 7 0
                                    




في عالم آخر.. عالم بعيد أم قريب، لا أحد يعرف.. في عالم شاسع، مكوّن من قارتين عظيمتين تحتلان ذلك العالم.. في ذلك العالم، انقسمت الأرض بين مملكتين عظيمتين هيمنتا على تلك القارتين وفرضتا سيطرتهما شبه الكاملة..

في مثل ذلك العالم، ولاء المرء لا ينقسم إلى اثنين.. فإما أن يكون موالياً لمملكة (بني فارس) التي سميت بهذا الاسم نسبة لموحدها فارس بن ظاهر، والتي ملكتها عائلة عريقة من الملوك الأقوياء.. وقد اشتهرت المملكة بمساحتها الكبيرة التي تغطي أغلب إحدى القارتين المكونتين لذلك العالم، وتسمى القارة العظمى.. فمنذ نشوئها، توسعت مملكة بني فارس وهي تلتهم الممالك والولايات الأصغر والأضعف حجماً بكل شراهة.. ولم يسلم من سطوتها إلا بضع ممالك صغيرة وقبائل غجرية في شمال وشرق المملكة في الأماكن الأكثر وعورة وقسوة في المناخ..

وفي الجزء الغربي من القارة الأكثر غنىً بثرواتها الطبيعية، استقرت العائلة المالكة في مدينة كبيرة اتخذتها عاصمة للمملكة، وسميّت (الزهراء)، والتي ازدانت بمساحات شاسعة من الحدائق الغنّاء بأشجارها المثمرة وشجيراتها الزاهرة، وشيّدت فيها المباني الفخمة والساحات المنظمة والشوارع المرصوفة حتى تعارف على تسميتها بزهراء الممالك لجمال أحيائها وتنظيمها وفخامة قصورها..

أو يكون المرء موالياً لمملكة (كشميت) الواقعة في قلب قارة الثنايا، وهي مملكة محبّة للعلوم والفنون وجميع أنواع المعارف.. شُغف ملوكها بالتطوير والتعمير، وقاموا باستقطاب أصحاب الفنون والعلوم لتطوير مملكتهم، بحيث أصبحت العاصمة التي اختاروها والتي سميّت (كاشتار) مطمحاً للعلماء وأصحاب المعارف المختلفة، وسرت شائعة أن كل من يملك علماً يعامل بأفضل مما قد يجد في باقي ممالك العالم.. ورغم أن ملوك (كشميت) لم يكونوا من عائلة عريقة بل مجهولي الأصل، فإن حكمهم القوي قد جعل من مملكتهم تتمدد حتى تكاد تغطي على قارة الثنايا بأكملها..

وكما هو معروف ومتوقع، فإن عداءً قوياً قد تأصّل بين المملكتين لاختلافهما في الأهداف والتطلعات، وامتد ذلك الخلاف لمئات السنين واستهلك عشرات وآلاف الأرواح والممتلكات في حروب ضارية خاضتها المملكتان دون تردد.. ورغم أن الحرب الأخيرة، التي انتهت باتفاقية مؤقتة للسلام، مضى عليها ما يزيد على خمس وعشرين عاماً، إلا أن مثل هذه الاتفاقية لم تتمكن من إرساء سلام كامل في العالم ولم تهّدئ القلاقل التي تحدث بين وقت وآخر عند أطراف المملكتين وعبر بحر السلام وهو بحر يفصل بين القارتين ويحمل في اسمه أمنية تمناها الأجداد.. بأن يسود السلام بين المملكتين وتنقطع الحروب الشرسة بينهما والتي أزهقت أرواح المئات من أبنائهم ودمرت القرى الواقعة على ساحل ذلك البحر من جهتيه..

وبسبب هيمنة هاتين المملكتين، وجدت الممالك والدول الأصغر والأقل تأثيراً أنها مجبرة على تحديد ولائها لمن يملك مصالحها أو من تخشى من بطشه أن يطالها ويتهدد أمانها.. وهذا كان حال مملكة بني غياث الصغيرة التي تحتل جزيرة لا تتجاوز مساحتها مساحة إقليم من الممالك الأكبر حجماً، وتحتوي على أقل من عشر مدن رئيسية وبعض القرى المتفرقة ومساحات جبلية احتلت معظم تضاريس الجزيرة.. مما جعل معيشة سكانها صعبة وقاسية، وجعل المملكة فقيرة وذات اقتصاد ضعيف.. وفقرها هذا جعلها غير قادرة على بذل المال لتجهيز جيش مدرب بعتاده لحماية المملكة من أي عدو يهدد أمنها وسلامة شعبها.. وهذا جعلها بحاجة ملحة لحليف قوي يدرأ عنها الأخطار ويساندها في أي أزمة تمر بها..

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن