الفصل الحادي عشر: طوقا وما خلفها

23 2 0
                                    




عندما فتح آرجان عينيه، بعد مدة طويلة قضاها في غيبوبة بعد تلك الضربة التي أصابت رأسه، لاحظ على الفور القيود التي تغلّ يديه وقدميه بإحكام، بينما تم وضعه في عربة خشبية تجرها بعض الأحصنة بالإضافة لأمتعة وصناديق عديدة بحيث لا تمنحه إلا جزءاً ضئيلاً ليجلس فيه.. نظر آرجان لما حوله بشيء من الدهشة، ملاحظاً أن تلك العربة كانت جزءاً من قافلة متوسطة الحجم تسير على طريق من الطرق التجارية التي تقطع سهول الأكاشي.. ظل بصدمة لما يراه وهو يحاول تذكر ما جرى له.. لقد كان على وشك الانتهاء من غسل جسده من الدماء التي غمرته، والآن هو مقيدٌ في عربة خشبية بجذعٍ عارٍ ورأسٍ مضمدٍ بإهمال وصداعٍ شديد.. فما الذي جرى؟.. وأين رنيم؟.. أين رنيم؟..

تململ محاولاً التخلص من قيوده وشيء من التوجس يملأ صدره، عندما سمع صوتاً مرحاً يقول "هل استيقظت أخيراً يا زعيم؟.."

التفت لمصدر الصوت ليرى ذلك المدعو باكين يسير قرب العربة على ظهر حصانه وهو يضيف "جيد أنك قضيت الوقت كله نائماً، فلم أكن أرغب بأي متاعب.. نحن على وشك الوصول لوجهتنا، وعندها سأتخلص منك كما ستتخلص مني بالتأكيد.."

فقال آرجان بحدة "ما معنى هذا؟"

قال باكين بابتسامة ساخرة "معناه أنني اختطفتك من المخيم وأنت الآن على بعد عدة أميال منه.. ولديك موعد هام مع قدرك، وقدري، في ميناء (طوقا).."

صاح آرجان "لماذا؟.. ما هدفك من هذا كله؟.. وأين الفتاة؟"

أجاب باكين ضاحكاً "الفتاة؟.. لا تزال في المخيم مع جماعة الأكاشي اللطيفة تلك.. وبعد اختفائك، فإن طائلة ذلك ستقع عليها هي.. فلا تقلق لشأنها بتاتاً.."

أصاب آرجان غضب شديد لما يسمعه وارتياع لكل ما جرى.. لكن مهما حاول التخلص من قيوده فإن جهوده باءت بالفشل.. فقد تم مدّ ذراعيه متعاكستان على جذعه، وربطهما بحبل قوي يحيط بجسده من الخلف، بينما قيّدت قدماه بإحكام بحيث لا يقدر على تحريكهما أبداً.. فكفّ عن المقاومة التي تنهكه وهو يفكر بوجهتهم.. لمَ فعل هذا الرجل ما فعل؟.. ولمَ يذهب به لذلك الميناء؟.. لو كان يريد قتله لفعل ذلك في المخيم.. فما الداعي لاصطحابه هذه المسافة كلها؟.. سمع باكين يعلق على نظرات القلق التي تبدت في عينيه "لا تتعب نفسك بالتفكير.. ستعرف كل شيء خلال ساعة على الأكثر.."

ولكز حصانه ليتقدم من قائد تلك القافلة ويحثه على الإسراع في سيره.. بينما زفر آرجان وهو يرفع بصره بمرارة شديدة للسماء فوقه، وللسهول التي امتدت حولهم على امتداد البصر.. ترى، ما الذي جرى لرنيم الآن؟.. وأي مصير تواجهه في هذه اللحظات دون أن يتمكن من العودة إليها بأي شكل من الأشكال؟..

*********************

عندما بدأت رنيم رحلاتها هذه، كانت تدرك أن الحياة لن تكون جميلة وسلسة كما كانت في قصر أبيها.. كانت تدرك أن الشقاء والبؤس قد يعكران صفوها، وكانت واثقة أنها ستعاني الكثير لتمضي الأيام دون أن تهزمها المصائب.. لكن ما حملها لاتخاذ هذه الخطوة، هو وجود آرجان كعونٍ لها، ووجود كاجا كوسيلة أكثر أمناً للترحال بعيداً عن المخاطر على الأرض.. لكنها في أيام معدودة فقدت هذين الإثنين، وأصبحت بلا حماية وبلا معين فيما تواجهه.. وما تواجهه الآن قد يكون أقسى من أي شيء تخيلته في حياتها، هذا لو بقيت على قيد الحياة بعدها.. فلا تزال الجثث التي افترشت الأرض في موقع غير بعيد عن هذا المكان حاضرة في ذهنها في تلك اللحظة..

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن