الفصل السادس: عهد جديد وملك جديد

44 4 0
                                    




مع شروق الشمس، التي لم تتمكن من تخفيف البرودة الشديدة في الجو، اعتدلت رنيم جالسة وهي تضمّ الدثار الصوفي الذي وجدته على السرير حول جسدها.. كانت ثيابها القطنية غير قادرة على تدفئة جسدها البارد أو تخفيف البرودة القارسة في الغرفة الخشبية.. تأملت الموقع حولها بصمت، كانت الغرفة التي آوتها في الليلة الماضية صغيرة الحجم جداً مقارنة بأصغر جناح تعرفه، بأثاث بسيط دون زخارف، عليه فراش صوفي سميك ذو رائحة رطبة ودثار صوفي خشن أزعجها طوال الليلة الماضية، وفي جانبه باب صغير يؤدي لدار الخلاء..

لاحظت رنيم أن المدفأة الحجرية في جانب الغرفة كانت تضمّ حطباً مشتعلاً متوهجاً، فنهضت واقتربت منها لتنعم ببعض الدفء وهي تفرك يديها بقوة.. كان البرد في هذا الموقع شديداً وقارساً بشكل لم تعهده في مملكة أبيها الجنوبية حيث الدفء سمة عامة إلا في المناطق المرتفعة منها، ولم تعهده في (الزهراء) التي لا يكاد الطقس الربيعي فيها يتغير طوال السنة..

لاحظت وجود طاولة جانبية عليها بعض الأطعمة، والتي بدت طازجة.. وبالإضافة للمدفأة المشتعلة، فإن رنيم أدركت أن مختطفها قد دخل الغرفة وهي نائمة.. متى حدث ذلك؟.. ضمّت الدثار حول جسدها أكثر وهي تتوتر متلفتة حولها.. لقد نامت منهكة كجثة طوال تلك الليلة بعد أن أتعبها البكاء وهدّها التفكير والقلق، لكن هذا ليس عذراً لها لتغفل عن أمر مختطفها الذي لن يكون بالتهذيب الذي تتوقعه.. عليها أن تكون أكثر حذراً بعد هذا، ولا تغفل عن تصرفاته أبداً.. إنها لم تعد في ربوع القصر الآمنة، ولم يعد حراس القصر يقفون بتحفز عند أبواب جناحها، رغم أن وقوفهم لم يأتِ بالنتيجة المرجوّة عندما واجهت خطراً حقيقياً..

سارت نحو النافذة التي كساها شيء من الضباب للدفء في الغرفة مقارنة بالبرودة الشديدة خارجها.. وبالنور الضعيف الذي بدأ ينبلج من الأفق، كانت حدود القرية الصغيرة تبدو لها واضحة شيئاً فشيئاً.. كانت قرية صغيرة، تشبه بعض اللوحات المرسومة للقرى النائية التي وجدتها في بعض الكتب.. بيوتها خشبية ذات طابق واحد على الأغلب، جدرانها الخشبية بلون أبيض والعوارض بقيت بلونها البني القاتم.. أما أسقفها فهي متنوعة بعضها خشبية وبعضها من القش الذي ثبت بالحبال وعليه صخور لئلا تطيّره الرياح القوية.. ووسط القرية ممر حجري بدائي لا يتمتع بأي جمال كما كانت الطرقات الحجرية في (الزهراء) أو في (بارقة).. ولا تزهو القرية بأي زينة أو أشجار غير تلك التي زرعتها الطبيعة في جوانبها..

انتبهت من أفكارها على صوت باب الغرفة يفتح، وظهر من خلفه مختطفها الذي وقف قرب الباب قائلاً "ألم تتناولي إفطارك؟"

خفضت رأسها وهي تهز رأسها نفياً، ثم قالت بصوت مبحوح "ما الذي تريده مني؟"

زفر قائلاً "عدنا لهذا؟.. حتى متى سترددين هذا السؤال؟"

قالت برجاء "أعدني (للزهراء)، وأنا سأبحث عن تلك المدعوة جايا بنفسي.. سأسأل الملكة، وسأسأل الملك عبّاد نفسه لو أردت.. لن تحقق شيئاً بسجني في هذا المكان البعيد.."

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن