الفصل الرابع: لماذا أدفن رأسي في التراب؟

33 3 0
                                    




في تلك الليلة، وبعد أن خضعت رنيم لإعداد طويل ومرهق للاحتفال الملكي الذي بدأت أصداؤه مع غروب شمس ذلك اليوم، فإن رنيم سارت تتبع إحدى الخادمات عبر أروقة القصر نحو موقع الاحتفال.. كانت رنيم ترتدي ثوباً ذهبياً طويل الأكمام وبرقبة عالية منشّاة وتبطنها طبقات من الدانتيلا الناعمة والتي تبدو أيضاً من أسفل أكمامها المشقوقة.. وفيما كانت تسير بخطوات وئيدة مرتدية حذاءً ذهبياً مزين بمجموعة من الأحجار الكريمة اللامعة، فإنها كانت تتلمس زينة شعرها الذهبية وتتأكد من انتظام تموجات شعرها المنسدل على كتفيها ومن القرطين الماسيين المتدليين من أذنيها.. كانت تنوء بما ترتديه وما تحمله على رأسها من زينة، ومن الأصباغ التي غطّت وجهها بحيث شعرت بعجزها عن الابتسام خشية أن تفسد شكلها الذي أمضت ساعات لإعداده.. ولما نظرت لوجهها في المرآة قبل مغادرة جناحها، راودتها رغبة شديدة في إزالة كل ما عبث بملامحها وأظهرها بشكل آخر لا يشبهها لا من قريب ولا من بعيد.. كيف يمكن للآخرين أن يسعدوا برؤيتها بشكل يخالف حقيقتها بهذه الصورة؟.. هذا لغز لم تفهمه حتى الآن..

ولدى وصولها للباب المخصص لدخول العائلة المالكة، والذي يختلف عن الباب الذي دخل منه ضيوف الاحتفال المميزين، سمعت نداء يتعالى باسمها ولقبها كخطيبة لولي العهد.. تضاعف توترها أضعافاً وهي ترى الباب يفتح بصوت عالٍ، عندها لم يكن أمامها مناص من التقدم بخطوات ثابتة وهي تمسك جانب ثوبها بحركة بدت أنيقة ولكنها تخفي قلقها وانفعالها الشديدين..

لاحظت أن الحضور تجمدوا في مواقعهم وهم يرمقونها بفضول كبير، ولم تفتها الهمسات التي اندلعت من بعض الحاضرات كبيرات السن.. لكنها حاولت تجاهل كل هذا وهي تبتسم لمن تلتقي عيناها بعينيه وتسير قدماً دون أن تعرف أين تذهب في هذه القاعة الواسعة التي غصّت بحضورها من جميع الأعمار.. رأت بعض النسوة يتقدمن منها مرحبات ومهنئات بهذه الزيجة، فشكرتهن بابتسامة دون أن تغفل عن تفحصهن المكثف لملامحها والابتسامة التي حملت جانباً هازئاً لم تحاول إحداهن إخفاءه..

بعد سير قصير دون هدف، لاحظت رنيم الأمير زياد الذي كان يضحك مع إحدى الأميرات المتصنعات غير عابئ بوجودها في الحفل.. لكنها لم تحاول الاقتراب منه وهي تدير وجهها جانباً تتأمل رعايا (الزهراء) من ذوي الطبقة العالية والأصول العريقة.. شعرت بغربة تامة، وكأنها وسط حقل مليء بالأشواك لا تجرؤ أن تخطو خطوة فيه دون أن تؤذي نفسها.. وبعد بعض الوقت، وجدت نوران تقترب منها قائلة بسرور "انظري إليك.. تبدين أجمل من المعتاد بكثير.."

ابتسمت رنيم بصمت وهي مدركة أن أي قول تقوله نوران ينطبق عليها هي بصورة أكبر بعشرات المرات.. كانت نوران تزهو بثوب طويل بلون خمري جميل يظهر بياض بشرتها وشعرها الذهبي، ورغم اقتناعها بقليل من الزينة وظهورها بمظهر طبيعي خالٍ من التبرج المبالغ به، إلا أنها بدت كحورية من قصة خرافية.. ألهذا السبب تشعر رنيم بتضاؤل شديد لوقوفها جوار نوران وكأنها برغوثة بشعة المنظر؟..

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن