فصل إضافي ١: حكاية جايا والمنقذ الأسطوري

34 2 0
                                    




"ألا زلتِ في وعيك؟.."

رفعت جايا بصرها حيث كانت حبيسة الجدران المصمتة والقيود تغلّ يديها بقسوة.. لقد مضت عدة أيام منذ قدومها لهذا المكان، وأمير هذه القلعة يهددها باستجواب قاسٍ لو لم تتعاون معه.. ومن بين هواجسها بهذا الشأن، فإنها فوجئت بهذه الجملة التي ألقيت عليها ودفعتها لترفع بصرها نحو المتحدث.. فرأت ذلك الوجه الذي يتكرر أمامها كل يوم بصمت حتى اعتادت وجوده.. كان ذلك أحد الجنود الذين يحرسون المكان في مناوبات متتالية، ولكن عوضاً عن الصخب والعربدة التي يثيرها أولئك الجنود في غفلة من رؤسائهم، فإن هذا الحارس كان يؤدي مهامه بصمت ولا يتعمد إثارة أعصاب السجناء بصخبه أو يتطاول عليهم بالضرب..

أخيراً نطقت جايا بحلق جاف وبالعربية "ما الذي تبغيه مني؟.."

قال وهو يحمل كرسياً ويضعه وسط زنزانتها "لاشيء.. مجرد تبادل الأحاديث.."

غمغمت "لن تعرف مني ما يريده رؤساؤك بهذا الأسلوب.."

ابتسم معلقاً "لست هنا لاستجوابك.. إنما لتبادل حديث عادي كما يحدث بين أي شخصين.."

قالت بضيق "ولمَ لا تتجه للسجناء الآخرين؟.."

هز كتفيه مجيباً "لا أحصل من بقية السجناء إلا الشتائم واللعنات، وهذا لا يُعدّ حواراً ناجحاً برأيي.."

زفرت وهي تدير بصرها جانباً، فقال وهو يسترخي على كرسيه "لا داعي لكل هذا الجفاء، لن يكون الأمر سيئاً صدقيني.."

فقالت بضيق "ما الذي تبغيه مني بالضبط؟.. محاولة استدراجي للحديث فاشلة بالتأكيد.."

قال باعتراض "كما قلت لك، لا أحاول استدراجك.. أنا لا أكاد أغادر القلعة، ولا أجد من أتحدث معه عادة.. وهذا سيصيبني بالجنون.."

فقالت بهزء "ورفاقك؟.. هل يبادلونك الشتائم واللعنات أيضاً؟.."

أجاب بابتسامة "أجل.. هذا ما يحدث عادة.."

نظرت له بشيء من الحيرة، فقال "ألم تلاحظي أنني الوحيد بين الجنود الذي يتقن العربية؟.."

لم يكن لهذا أي معنىً لديها فظلت تنظر له بالحيرة ذاتها، فقال وهو يستند بظهره على كرسيه "أنا لي بعض الجذور العربية.. جدي لأمي كان عربياً، وقد حرص هو وأمي على أن أكتسب اللغة رغم كوني من كشميت.. لذلك يمكنك تخيّل الكره الذي أواجهه من بقية بني قومي وهم يرون الملامح العربية واضحة في وجهي.. ولهذا السبب لم أحصل على عمل يتجاوز عمل جندي حراسة عادي مهما كنت متفانياً.. فلا أحد يقدّر عملي حتى لو كان ربعي عربياً فقط.."

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن