الجزء الثالث والأربعون

303 10 0
                                    

في منتصف الليل شديد السواد قامت مفزوعه من وسط عاصفة كوابيسها المُنهكه أستغفرت ربها مراراً وتكراراً وهي تحط يدها على صدرها وتتنفس بسرعه عاليه ألتفت لـفهد اللي داخل في نومه عميقه جداً !
مسكت ذراعه وهي تهزها بذُعر : فهد تكفى اصحى اصحى بسرعه
قام مفجوع وناظر لحالتها الكسيفه : شفيه شصاير !
ميساء ببكاء حاد : بنتي بنتي فيها شي خلنا نروح نشوفها تكفى فهد الله يخليك
فهد مسح جبينه بتوتر واستعدل بجلسته : كم الساعه
فتحت جوالها شافت الساعه ٢:٢١ ليلاً وقالت لـه ، قام فهد وهو يبدل ملابسه راحت بأستعجال وهي تلبس عباتها ناظرها : وين؟
ميساء برجاء : بروح معاك تكفى لا تخليني هنا بروحي والله اموت ابشوف بنتي ابتطمن عليها
فهد : الوقت متأخر اجلسي هنا وانا بطمنتس عليها
ميساء بذُعر : فهد لا تخليني ما تفهم أنت مابي اجلس هنا شسوي اذبح نفسي خذني معك هذي بنتي
فهد بغضب مكتوم : أمشي ...
طلعوا من المنزل بهدوء وحرك السياره وراحوا للمستشفى وهي تبكي طول مسافة الطريق من البيت إلى المستشفى دخل لقسم الاطفال شاف الحارس على البوابه يمنعه من الدخول بحجة انه مو وقت زياره للعنايه ..
توجه فهد لقسم الاستقبال وتكلم مع الدكتور المناوب عبر الهاتف وسرعان ما جاه الموافقه على دخوله عنده ..
ناظر للدكتور بتوتر اخفاه فهد عن ميساء : السلام عليكم
الدكتور ناظر فهد بنظرات غير مفهمومه : انت ابو الطفله ورد ؟
فهد : ايوه جاي اسأل عنها انتكست حالتها أمس وابي اتطمن عليها
الدكتور بتردد : البقاء لله قبل ساعه فقدنا ورد اسأل الله ان يجعلها شفيعه لكم ويربط على قلوبكم ويعوضكم خيراً مما فقدتم
ميساء ناظرت للدكتور بدون وعي منها : انت تخربط شتقول انا جيت اليوم العصر اشوف بنتي بنتي مافيها شي انت اكيد اللي ذبحتها انت اللي ذبحت بنتي تبي تشيل حملها عن صدرك تشوف طايحه على السرير تقول ما منها رجا ميته ميته ليه ما عطيتني اياها انا اللي بهتم فيها
فهد تقيدت رجوله ويدينه وكل جسده خانه ما عاد يدري كيف يتصرف حس انه رجع ورع يبي احد يدله ويعلمه بالصواب : إنا لله وإنا إليه راجعون
الدكتور وقف بتعاطف وخرج من الغرفه وهو يدعي لهم ان الله يربط على قلويهم ويقويهم متجاهل كلام ميساء اللي كان متأكد انه من الصدمه الظنا غالي ..
فهد حس الأرض ماهي ثابته ولكن أستدرك نفسه بسرعه وقدر انه يسيطر على اعصابه ومشاعره دفنها في منفى داخل صدره هو اليوم أب لازم يكون أقوى أجلد أصلب لحد ما يجيه اللي يزيح عنه ذا الصدمه والحمل الثقيل اللي هد حيله ..
رفعها لصدره وهو يحضنها ويسمع صوت بكائها وتمتمات حزنها وشتائمها ونياحها تعلو في الغرفه : أهدي قولي انا لله وانا إليه لراجعون هذا قضاء وقدر الله اللي جابها لنا والله اللي اخذها الدكتور ما قصر معاها الله اللي ما كتب لها عمر انتي مسلمه ومؤمنه تعرفين ان الموت حق ولا بد منه
ميساء ارتفع صوت بكائها أكثر وهي مو حاسه بالدنيا قلبها مع بنتها اللي فقدتها قبل لا تشبع منها وتشم ريحتها وتفرح بسلامتها : بنتي راحت وانا اناظرها ما ساعدتها ما ساعدتها اهه يا ورد
فهد بأنكسار : لا حول ولا قوة الا بالله لا تلومين نفستس هذا قدرها تعالي معاي برجعتس وبشوف الإجراءات
ميساء ببكاء : لا ما ترجعني ابي اشوف بنتي ابشوفها اخر مره ما راح ارجع
فهد بضيق : تعالي
راحوا لقسم الوفيات للعنايه المركزه للاطفال " ثلاجة الموتى " شافت مجموعة أسره شكلها كان غريب عليها شافت طفلتين راحت لـ طفله صغيره  ناظرت لملامحها بأستغراب ما كانت بنتها رائحه تكتم بالمكان ما كانت مقززه كانت غريبه مالها اي مسمى شافت السرير الثاني وفعلياً كانت بنتها اللي مغمضه عيونها وجسمها ناحل ووجهها لونه أصفر بدون اي ملامح ناظرت لعيونها وكتمت بكائها داخل صدرها ما كان واضح الا صوت شهقاتها اللي ترتفع في أنحاء المكان مسحت على جسمها الصغير : بردانه
فهد غمض عيونه بحزن وهو يناظرها وهي تغطي بنتها اللي كانت متجمده ما تتحرك ما تبكي ما ترمش ما تتنفس أول مره بحياته يبكي وهو يشوف وردتهم تودع الحياه وتروح للدار الآخره يدري إنها شفيعه لهم بأذن الله لكن ما بعد شبعوا منها ما تهنوا فيها مسح على جسد بنته وهو ينحني لمستواها ويقبلها وحاول ياخذ ميساء معاه لكن رفضت طلع من القسم ووقف بأنهيار وهو يحاول يتمالك نفسه أتصل وجاه الرد بعد ثواني : السلام عليكم
عبد العزيز بأستغراب : وعليكم السلام عسى ماشر يابو ورد علامه صوتك كذا
فهد تنحنح وهو يتمالك نفسه : ورد راحت للي خلقها ابيك تجي اللحين وهات معاك الوالده اجلسوا مع ام ورد لين اكمل إجراءات المستشفى
عبدالعزيز بحزن : انا لله وانا اليه راجعون عظم الله اجرك ياخوي عظم الله اجرك الله يعوضكم خير ويجعلها شفيعه لك ولأمها ان شاءالله
فهد بغصه : جزاك الله خير مع السلامه ، قفل المكالمه وراح لميساء اللي تبكي بصوت مُنهك وهي تلوم نفسها وتعاتب نفسها رغم ان مالها اي ذنب في وفاة بنتها ..
فهد رفعها بصعوبه كانت ثقيله جداً ناظرها بصلابه وهو يحاول يقوي قلبه : خلاص اتركي البنت هذي الروح لله ماهي لنا حنا علينا نحافظ عليها والحمدلله ما قصرنا عليها بشي لكن ذا يومها انتي حامل وتعبانه لا تسوين كذا بنفستس تعالي ارتاحي
ميساء بأنهيار شديد : مـابي عيــال مـابي خلاص كلهم بيموتون كلهم بيموتون
فهد بغصه : حبيبتي وش هالكلام استغفري ربتس تعالي الرجال بيشوف شغله بنرجع لها بتغسلينها مع الحرمه ان شاء الله بتشوفينها بس اللحين لازم يحطونها بالثلاجه انتي موحده وتعرفين تعاليم الدين زين تصبري واذكري الله يلا مشينا شوي بيجي عبدالعزيز وامتس انا بكمل الاجراءات
ميساء بصوت متحشرج من البكاء : لا تروح بنتي وانا ما شفتها لا تروح تكفى لا تروح تكفى
فهد مسكها وهو يسندها بالباقي من قوته الهزيله : افا والله ما تروح وانتي ما شفتيها بتغسلينها وتكفنينها وتدعين لها والكل معاتس ما انتي بروحتس اللحين لازم ترتاحين وترجعين للبيت اسمعي قران هدي روحتس شوي انا ما خبرتس كذا انا اعرف ميساء القويه الصابره هذا قدر ومن الأيمان انا نرضى بقضاء الله وقدره ..

بعد مرور ساعه ونصف بالضبط رجع للبيت دخل مع البوابة بأنهاك وهو يثبت خطوته ووقفته ناظر لـ ابوه وامه بتحفظ : السلام عليكم
ابو سند نزل اللقمه من يده وحطها بالصحن وناظر فهد بترقب وهو يحس بخوف يدب انحاء قلبه : بسم الله الرحمن علامك يا ولد صاير شي
ام سند ناظرت له برعب وهي تنتظره يتكلم : وشبلاك وش هو صاير ؟؟
فهد بغصه : ورد راحت لربها
ابو سند مسك راسه وهو يناظر للأرض بحزن حس الصداع زاد عليه بشكل كبير : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم انا لله وانا اليه راجعون عظم الله اجرك يا ولدي الله يعوضكم خير الله يعوضكم خير
ام سند وقفت وهي تمسح على كتف ولدها ودموعها تنزل على خدها بمراره : عظم الله اجرك يا ولدي الله يجعلها شفيعه لكم تصبر يا ولدي تصبر ادري ان الضنا غالي لكن تصبر الله بيعوضكم توكم معاريس
فهد تنحنح وناظرهم بضيق : جزاكم الله خير انا بروح ارتاح شوي بداري عن اذنكم

الساعه 11 صباحاً بعد انتشار الخبر عند الأهالي ، في مغسلة الاموات حوالين السرير كان فيه ام سند والمها واميره وام عبدالعزيز وبنتها ديم عدا الهنوف ما كانت هنا كان قلبها ما يستحمل ما تستجري تدخل المكان ذا ابد ..
ديم واقفه على الجدار تبكي هي والمها اللي انهاروا بشكل فضيع كانت تناظر لهم بنظرات غريبه ما تدري وش التصرف اللي المفروض يصير فكرت كثير بـ ميساء تخيلت انها ممكن تفقد فيصل ونزلت دموعها بغزاره على خدها !
كانت عينها على ميساء اللي تغسل بنتها تاره وتاره تطيح ويقومونها الحريم والبنات كانت حالتها كسيفه لـ ابعد حد ناظرتهم المغسله بأيمان وقلب قوي راضي بالقضاء والقدر : استهدوا بالله يا اخواتي الموت حق هذا مصيرنا كلنا اذكروا الله اذكروه وانتي يا امها الله بيعوضك خير لا يجوز اللطم على الخد والاعتراض على القضاء والقدر
ميساء بأنهيار : ما شفتها ما شبعت منها حتى ما سمعت منها كلمة ماما ماتت وهي ما بعد شافت شي من الدنيا
ام سند ببكاء : اذكري الله اذكري الله ابوها لا يشوفتس كذا لا تضغطين عليه اكثر من كذا تصبري وقوي حالتس
ام عبدالعزيز ببكاء : خليها تطلع اللي بقلبها لحد يلومها انا مجربه فقد الضنا يذبح يفطر الكبد ولدي كأنه اليوم ميت لحد يلومها خلوها
ام سند بحزن : يا ام عبدالعزيز لا تقولين كذا قدامها لا تضغطين عليها الله يصبر قلبها الله بيعوضها العوض اللي يرضيها
المها مسحت على ظهر ميساء بمؤازرة : تكفين اذكري الله قولي لا حول ولا قوة الا بالله استهدي بالله اللحين بياخذونها خلاص بقى خمس دقايق وتقام الصلاه
ميساء بأنهيار : يمه بنتي لا ياخذونها ابيها ابيها تكفين لا ياخذونها لا يحطونها بأرض خاليه ويدفنونها تحت التراب لا يحرقونها بالشمس ولا يذبحها الحر يمه تكفين لا ياخذونها
اميره بحزن : لا حول ولا قوة الا بالله

في مصلى الرجال كانوا واقفين يصلون الشيبان والعيال كلهم واحفادهم كان الحزن واضح على الكل لكنه كان شديد على فهد اللي متلثم بشماغه وحابس عبرته وسط صدره خلصوا من الصلاه وجابوا الجنازه يصلون عليها ناظر لبنته بمراره وصوت بكائه اتضح كانت صغيره صغيره انتبه لفيصل اللي بكى ما قدر يمسك دموعه وهو يشوف اخوه بذا الوضع
اخذوها للمقبره وحطوها في قبرها ودفنوها مسح على جبينه وهو يتمالك نفسه لكنه بالاخير بكى في حضن فيصل لان سند ما كان هنا كان مسافر للخارج سياحه ..
فيصل مسك فهد وهو يحضنه بحزن : بسم الله عليك شد حيلك وانا اخوك شد حيلك عسى الله يجبر بقلبك ويصبرك
فهد بعبره : راحت وهي ما شافت من الدنيا يوم
فيصل بعبره : راحت لربها اللي ارحم بها منك ومن امها ، انت ابوها وما ترضى لها التعب والعنا يمكن موتها اشوا لها البنت تعبانه عسى الله يجعلها شفيعه لكم لو عاشت بتتعذب وتتغربل
فهد : اهه يا فيصل
فيصل بعبره : الله يجعلني اخذ ضيمك ياخوي شد حيلك الله يربط على قلبك ويصبرك ..
-

في منزل أبو سند بعد صلاة الظهر في قسم الحريم  كان يملأ المكان صوت القران الكريم ، الكل كان هناك من الأهل والأقارب والجماعه والجيران وصاحبات ميساء الكل جالس وملتزم الصمت كان السواد يغطي المكان الكل لابس العبايه والطرحه ..
منهاره في حضن امها تبكي بنحيب يجرح حتى قلب اعصى العصاه على وجه الارض وكيف ما تنهار وهي فقدت طفلتها قبل ان تغمرها بدلالها واحتوائها وتوضح لها جزء يسير من حبها وخوفها عليها بنتها اللي ولدتها امس ودفنتها اليوم أصبحت اليوم من الماضي وأي نوع من الماضي .. الماضي الأليم !
كانوا يمرونها الحريم ويقبلون راسها ويعزونها ويجلسون بضيق وهم متكدرين على حالة ميساء الكسيفه ..
ام سند ناظرت لميساء بحزن يكاد يفطر كبدها : لا حول ولا قوة الا بالله لله ما اعطى ولله ما اخذ
ام سياف بـ ايمان صادق : الحمدلله هذا قدر والمسلم لازم يرضى بما كتبه الله عليه تصبري يا بنيتي لا تحسبين ان اللي جابها بيضيعها والله ان الدموع اللي تنزل ان الله يعلم كم عددها ومرارتها لا تحسبين ان الله اذا اخذ ما يعطي ويعوض الانسان واذا اذاق الشخص الفقد ما يجبره الله الرحيم ما ينسى عباده ويعوضهم بالخير اصبري والله ان الاجر والعوض عظيم عند الله
ام سند بحزن : الحمدلله الله يعوضهم خير مما فقدوا

بعد التعازي في المساء الساعه ١٢ بالليل ..
أنسدحت على سريرها بأرهاق ناظرت لفيصل اللي كان نايم قامت و مشت بخطوات هاديه ما تبي تصحيه وهي خلقه تعبانه اليوم بزياده ومتضايقه مافيها حيله تجلس معاه وتنومه من جديد مسحت على يده الصغيره وهي تبكي تتخيل بداخلها شعور ميساء أنهارت من البكاء من جديد دعت بقلبها ان ربها يحفظ فيصل ولا يوريها فيه مكروه ويجعل يومها قبل يومه ..
سمعت صوت فيصل يستأذن بالدخول من ورا الباب حق غرفتها ناظرت للباب وهي تمسح دموعها : تعال
فيصل نزل الشماغ على كتوفه ناظر لفيصل اللي نايم : ابوه يبيه تحت يقول وراه سفره مهمه بكره الصبح ولازم يشوفه قبل يمشي
حست بكهرب ينفض جسمها بطريقه مُرعبه ما قدرت تتحكم بردة فعلها من طاري أسمه اللي لعب بحواسها ومشاعرها مسحت جبينها بتوتر ورفعت يدها لفيصل : اخذه لأبوه
فيصل مّشى بخطوات مُتعبه رفع فيصل وهو يسمي عليه قبل جبينه ومّشى فيه وهو نايم طلع مع البوابه وراح لسيارة سيف واعطاه فيصل وراح لمجلس الرجال وهو يحس انه مُرهق بشكل كبير ..
رفع ولده لصدره بحزن مُنقطع النظير يحس بـ جرح يطعنه في جوف صدره بقسوه تكلم بغصه من وراء احباله الصوتيه المُتجرحه : هلا هلا بولدي هلا بحبيب ابوه
رفعت يدها للستاره وهي تناظر له بغصه همست بصوت مبحوح : ناظرني

رواية ظل أسود للكاتبة أناهيـد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن