«الفصل الثّاني»

7 0 0
                                    

"كيف حالكِ أمّي؟"
"ادخل ادخل، الجوّ باردٌ في الخارج!"
دخل المنزل المظلم كالعادة
"لِمَ تعيشين و كأنّكِ في قلعة دراكولا؟"
قهقهت بصخب، ليبتسم بهدوء ... فجأة شعر بالسّكينة
"أوه عزيزي لا تقلق، أسلاك الكهرباء معطّلة لذا لا أعتمد على تلك الكهرباء السّخيفة في المقام الأوّل... أوليست الشّموع أجمل بكثير؟"
"في هذا ... أوافقكِ الرّأي"
جلسا على الأريكة
"أخبرني إذاً، ما سبب هذه الزّيارة المفاجئة؟"
"لقد أردتُ رؤيتكِ حقاً"
ضحكت مجدداً
"إلهي! ما هي مشكلتكَ مع المواعيد؟"
"آه عذراً على الإزعاج، لقد اشتقتُ لوجهكِ الجميل"
ما زالت بشرة والدته مشرقة و عيناها تلمع، من يراها لا يخطر في باله على الإطلاق أنّها والدةُ رجلٍ في عقده الثاني.
"أمّي، ما قصّة الحبل المتدلّي من السّقف؟"
"ألم أخبركَ أنّي أودُّ ركوب الأرجوحة؟"
"إذاً ... هل تستطيعين أن تركبيها؟ أليست عالية؟"
"أستطيع طبعاً!!، إذا ثبّتُّ عنقي هناك سأنجح!"
حدّق في والدته بخوف، بينما مازالت هي تنظر إلى الحبل بعينين حالمتين
"أمّي، يجب عليكِ الذّهاب إلى الطّبيب"
"لماذا أذهب؟، أنا بخيرٍ تماماً يا عزيزي"
"أمّي، فقط فحصٌ روتيني، لن يأخذ من وقتكِ الكثير"
"حسناً حسناً~"
ساد الصّمت قليلاً
"والدكَ، هل يسأل عنّي؟"
بنبرةٍ مهتزّة سألته
حدّق في وجهها القلق، لطالما كانت والدته رقيقة القلب، كلُّ ما تفكّر فيه هو حبّها الأوّل و الوحيد، على الرّغم من الأذى و الحزن الّذي ألحقهُ بها.
والده رجل أعمالٍ مشهورٌ في البلاد، تزوّج والدته بعد وفاة زوجتهِ الأولى، لكنّه أبعدها عن حياته الاجتماعيّة بحجّة أنّه لا يريدها أن تدخل زوبعة الصّحافة و الإعلام.
لم يكن يزورها كثيراً، فقط في بعض الليالي، أو عندما يرغب في الابتعاد عن العالم.
لم يدم زواجهما الغبي مدّةً طويلة، فقط لعقدٍ من الزّمان استنزفت فيه روحها و كيانها كلّه، و ما زالت حتّى اللحظة أسيرة ذلك الحبِّ الّذي لم تجد له مقابلاً.
"توقّفي عن التّفكير فيه"
"إنّه لا يهتمّ، أليس كذلك؟"
تشوّهت ملامحها الجميلة، أحاط بها الحزن من كلِّ جانب، و فقدت ضياءها فجأة.
"أمّي، انظري إليّ!
أنا هنا بجانبكِ، و سأكون دائماً معكِ، أرجوكِ لا تحزني"
ذرفت دموعها الغالية ببذخ
"أنا ... كنتُ أريد أن أراه، فقط لمحة!
لم أره منذ عشرين عاماً، لم ... لم أسمع صوته حتّى!، لقد اشتقت--"
"أمّي ... يكفي أرجوكِ، لا تفكّري فيه مجدداً، فقط اعتبري أن ذلكَ الرّجل قد توفّي منذ زمن بعيد"
لم يسعفها حديثه، بل زادها ألماً و كآبةً.

****

يقف بهدوء على سفح ذلك الجبل، كانت الشّمس تشرق بهدوء، و لم يرفَّ له جفنٌ طيلة هذه الليلة.
"فيما تفكّر؟"
سأله يوهان بينما يوجّه نظره حيث ينظر علّه يفهم ما يدور في خلده
"جوليا، أعتقد أنّها على علاقة مع رجلٍ آخر"
"هذا سخيف، بل هذا أسخف شيءٍ سمعته في حياتي!"
التفت إليه ليقول بانفعالٍ واضح
"لقد سمعتها تحدّثه على الهاتف بعد منتصف الليل، بل و حتّى أخبرته أنّها تحبّه!"
"هل أنتَ ... متأكد؟"
أطلق تنهيدةً قاسية
"هل تحسبني مجنوناً حتّى أتوهّم ما لا يحدث؟"
"لا أعني ذلك أيّها الأحمق!
هل تأكدت من هويّة الرّجل أوّلاً؟، هل تحدّثت معها حتّى؟"
"تحدّثت، لكنّها تأبى أن تعترف بإي شيء"
"حسناً، ألم يخطر في بالك أنّها قد تتحدّث إلى شقيقها؟"
"بعد منتصف الليل؟"
"ما المانع؟"
قطّب جبينه، و قد أهلكه التّفكير.
"يوهان، لقد كانت تتحدّث بطريقة--"
"اسمع كارل، إنّها زوجتكَ و جميعنا نعرف كم تحبّك، أرجوكَ لا تكن أبلهاً!"
"يوهان، إنّها تتصرّف بغرابة!
لقد وجدتُ حبوب منع حمل على المنضدة!"
"ربّما ... من أجل تنظيم دورتها الشّهريّة؟"
"أنا لا أدري!"
شرد قليلاً و هو ينظر إلى بزوغ الشّمس اللطيف
"تريدني أن أحضر العشاء العائلي في منزل والدي، لقد عادت إيما مؤخراً و ترغب في رؤيتنا جميعاً"
صمت قليلاً
"والدتي تنهار ... أنا ... ليس لديَّ أدنى فكرة عمَّ يجب أن أفعله، أشعر بالضّياع"
"أنا أتفهّم ذلك، أنتَ في وضعٍ صعب.
لكن ... أعتقد أنّه يجب عليكَ أن تهدأ قليلاً كارل، لا تقم بأفعالٍ متهوّرة، حاول أن تتحدّث إلى جوليا أوّلاً، و تفهم ما يحدث ... حسناً العشاء العائلي مقزز بالنّسبة لكَ أعلم ذلك، لكن أنتَ تعرف، العائلة هي العائلة بعد كلِّ شيء"
أومأ ببطئ

TSCHÜSS! ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن