حضرت جنازة شقيقة زوجها، كان الوضع العام سيئاً و الطقس لم يساعد كثيراً.
كانت إيمّا شخصاً جديراً بالثّقة، عملت بجد و تركت أثراً كبيراً بعد رحيلها، يمكن معرفة ذلك من العدد الكبير من النّاس الذي حضر الجنازة أيضاً.
لطالما ساعدتها و دعمتها و المثل أيضاً لزوجها، لقد كانت عائلته الوحيدة.
أمّا عن وضعها الاجتماعيّ فكان مثاليّاً، مديرة ممتازة لأحد أضخم فروع شركة والدها في هامبورغ، و الذي كان يعمل بطريقة رائعة بسبب إدارتها الحازمة والمتفهّمة في آنٍ واحد.
لم تتزوّج إيمّا، لطالما اعتبرت كارل ابنها و كرّست حياتها من أجله، كانت أوّل من قرأ كتاباته و جعلته يفتح عينيه على عالم الكتابة، و كان لديها رؤية جيّدة، حيث ما إن دخل كارل عالم الكتابة حتّى أصبحت كتبه تباع في كلِّ مكان، بل و تُترجم و تحقق نجاحاتٍ في بلدان أخرى.
"ارقدي بسلامٍ يا أختي" قالت لها بصدق بعد أن وُضِع نعشها داخل الحفرة، و إلى جانبها أيضاً دُفن شقيقها بين.
إنّه لأمرٌ عجيب أن يُدفن آكثر النّاس إيذاءً لزوجها و أكثرهم دعماً له بجوار بعضهما، و العجيب أكثر ... أن تكون نهاية حياتهما على يد أخيهم الغير شقيق.
"قاتلة!!! حقيرة أنتِ وزوجكِ اللعين!!! لقد قتلتم إيمّا قتلتم إيمّا!!!" هاجمتها واحدة من الحضور لتُصدم بشدّة
'قاتل؟!!، من؟ زوجي!!!، هذا الرّجل ... كان يقدّر الحياة أكثر من أيِّ شيء، بل لا يقوى على قتل نملة!!'
"توقفي مارييت! أرجوكِ اهدئي" لحسن الحظ تدخّل الآخرون.تلقّت اتصالاً من مكتب المحاماة لتلمع عيناها و تجيب على الفور.
"طاب مساؤكِ سيّدة جوليا"
"أهلاً بكَ سيدي، هل من جديد؟"
"آه أجل سيدتي، لقد أُلغيَت المحاكمة"
غلّفت فمها بيدها النّاعمة و أغمضت عينيها لتنهمر دموع الفرح
'حمداً للّه!!'
"هل أستطيع رؤية زوجي؟"
"أخشى أنّه لا يمكنكِ سيدتي، إنّه بحالة سيئة، لقد أرسلناه إلى المصحّة و هو حالياً في مرحلة العلاج، قد يتطلّب الأمر ثلاثة أيّام على الأقل"
"إذاً زوجي.."
"أجل سيّدتي، لقد شُخِّص بالاضطراب الذّهاني الوجيز"
انقبض قلبها بألم
"شكراً لكَ سيّدي" أغلقت الهاتف لتنظر نحو الخارج من نافذة سيّارتها بعينين حزينتين.
'عزيزي كارل ... لقد كنتَ تعاني يا زوجي الحبيب؟'
قادت نحو المنزل بهدوء، دخلت لتجد شقيقها و زوجته في الدّاخل بالفعل.
"لقد أتيتما!"
"صغيرتي جوليا" عانقها بحرارة
"لقد أعددنا الغداء، فلتغيّري ملابسكِ و تنضمّي إلينا" أكمل
"آه حسناً، أشكرك آنا!" قالت لتلك الّتي ما تزال في المطبخ
"على الرّحب جوليا، أسرعي الطّعام ساخن"
بعد عدّة دقائق، كان الجميع على مائدة الطّعام
"تبدين مشرقةً اليوم... فلتشاركينا فرحتكِ"
ابتسمت لها بلطف
"أُلغيَت المحاكمة"
"حقاً؟! تهانيّ الحارّة لكِ يا جوليا! يا لها من راحة!"
أومأت جوليا بابتسامة واسعة
"أستطيع مقابلته في المصحّة بعد ثلاثة أيام"
تشوّهت ملامح وجه شقيقها فجأة، بينما استمرّت زوجته بإلقاء التّهاني و مشاركتها فرحتها الصّغيرة
"إيمّا ... هذا"
"..ماذا؟"
استقام بجذعه فجأة ليصدح صوت وقوع كرسيّه في أرجاء الغرفة.
"جوليا! أنتِ لا تستطيعين مقابلته!!"
"عمَّ تتحدّث برونو؟"
"الأمر خطير يا جوليا، ... زوجك-- أقصد كارل ... قد يؤذيكِ!"
وقفت ببطء "يؤذيني؟"
اقترب منها بخوف
"جوليا ... لقد قتل شقيقته الّتي دعمته طوال حياتها، كارل قتل أخوته!"
"برونو ... هذا يكفي" انبسّت آنا بعصبيّة
"كيف لبالي أن يرتاح وشقيقتي قد تعلّقت برجلٍ مجنون!!!
جوليا أرجوكِ فكّري بواقعيّة، العيش مع كارل بات خطيراً!
بغضِّ النّظر عن مرضه... إنّه مجرم!"
"برونو ... توقّف أرجوك!"
"جوليا ... لقد قتل أخته التي كانت له كل شيء ... و ليس ببعيد أن يقتلكِ--"
_صفعة_
"زوجي ليس قاتلاً و اللعنة!!" صرخت في وجهه بغضب
"كارل ... إنّه إنّه يمتلك أرقَّ قلب في العالم! برونو!! لا تتجرّأ على الحديث عنه بهذه الطريقة!!" رفعت سبابتها نحو وجهه
"أخرج من منزلي!!" علا صوتها مجدداً عندما أشارت بيدها نحو الباب.
غادر برونو بوجهٍ كئيب، لتنهار على الأرض و تبكي بصوتٍ عالٍ، جلست آنا بجانبها و احتضنتها بلطف
"أنا ... أقدّم اعتذاري نيابةً عن برونو.
إنّه فقط قلقٌ عليكِ..."
***
"كلّا!!! ابتعد عنّي!!!"
نظرت إليه بحزنٍ عميق من خلف الزجاج العاكس
لم تكن حالته جيّدة كما تخيّلتها، ما يزال يتوهّم و يرى إهلاساتٍ غزيرة.
"سيدتي، أنا أعتذر بصدق ... لم أكن أريد لكِ رؤية حالته السّيئة"
"كلّا ... هذا ليس خطأك أيّها الطّبيب بول" انبسّت بصوتٍ كئيب.
"خلال أسبوعين ... يجب أن تظهر علامات تحسّن، الآن يتناول السّيد كارل مضادات الذّهان بإشرافٍ طبّي، و يخضع لجلسات علاجٍ نفسيّ ... في غضون شهر، من الممكن أن يعود للمنزل"
"أقدّر جهودكَ سيّد بول"
"هذا واجبي"
أعادت نظرها نحو زوجها الّذي بات غريباً عنها، نمت لحيته الشّقراء و طال شعره قليلاً.
بات وجهه شاحباً، و عيناه بلا بريق ... كما لو أنّه فقد رونقه و ذبل ببطئ ...
مغيّبٌ عن عالمه، و ليس بمقدوره استيعاب أيٍّ ممّا حوله.
'عدني ... أنّك ستعود يوماً'
خاطبته في سرّها، و بنظرة أملٍ ختمت زيارتها المرهقة
ستنتظره ... حتّى لو كانت عودته أمراً مستحيلاً!!
أنت تقرأ
TSCHÜSS! ✔
Spiritual_برلين | 1999_ "ذلكَ الطِّفل، لم يَكُن مِن المفترض أن يكونَ موجوداً!!" كارل فرانكلين، كاتبٌ متواضع. يصاب العالم من حوله بالجنون، ليودّع حياته الهادئة. |مكتملة| جميع الحقوق محفوظة ©