«الفصل الثّامن»

5 1 0
                                    


"سيّدتي، هذه مخالفة، سنضطر آسفين إلى حجز السّيارة"
"أتفهّم ذلك سيدي"
عادت إلى زوجها المتعب، لتساعده في ركوب سيّارتها.
وصلت به إلى المنزل، كان خائر القوى تماماً، و لم تستطع ساقاه حمله، أرادت إخفاء حالته السّيئة عن الجميع
"ما لكم تحدّقون؟!! ارحلوا رجاءً!" صرخت بانفعال ليستدير الجميع كأنَّ شيئاً لم يكن.
اسندت جسده الطّويل عليها
"كارل عزيزي، ساعدني قليلاً فقط" ارتجف صوتها و اكتظّت عيناها بالدّموع عندما فشلت في أن تكون سنداً له.
دخلت معه إلى المنزل، ليقع أرضاً حالما دخل.
كانت عيناه مفتوحتين، و لكنّه بدا ميّتاً.
دنت منه ببطء لتحتضن جثّته بكلِّ قوّتها، كان ما يزال جسده بارداً.
بعد حين كانت تحممّه كطفلٍ صغير، و لم يغب عن عينها أيٌّ من تلك الكدمات والرضوض الأليمة.
اعتنت به حتّى غطَّ في سبات عميق.
"إيمّا..."
<"جوليا! هل أنتِ بخير صغيرتي؟!">
"أنا ... كارل ليس على ما يرام"
<"ما الّذي حدث؟ جوليا أخبريني أرجوكِ!">
"... إيمّا أنا لا أستطيع شرح أيِّ شيء، هل يمكنكِ المجيء؟"
صمتت قليلاً
<"هل آذى نفسه؟">
"لقد ذهب إلى منزل والدته القديم، و أخبرني أنّه رآها، و ... وكان هناك من يتبعه و يريد قتله"
<"رأى السّيدة ليزا؟!!">
"إيمّا، كارل ... كارل يتوهّم، و لا يريد أن يصدّق الحقيقة، إنّه الآن ...كالميّت" سقطت دموعها تباعاً
<" اسمعي صغيرتي، أنا في هامبورغ الآن، سآتي بأقصى سرعة، حسناً؟">
"شكراً لكِ"
<"لا، بل الشكر لكِ يا جوليا، شكراً على اهتمامك بأخي، أنا ممتنّة">
أغلقت الهاتف و نظرت مجدداً إلى زوجها الشّاحب، لم ترد أن يراه أحدٌ بهذا الضّعف، لكنّها لن تستطيع مساعدته بمفردها.

مضت ثلاث ساعات منذ أن غفى، ليستيقظ بعدها.
"كارل ... هل أنتَ بخيرٍ عزيزي؟"
سألته بقلق، ثمَّ داعبت وجهه بلطف، لكنّه استقام فجأة لتفزع.
"أنا سأذهب" قال لها بحزم لتتبعه
"توقّف إلى أين ستذهب؟!!"
لم يُجب، بل تابع سيره نحو الغرفة ليفتح الدرج المجاور للسّرير و يتناول سلاحه
"اسمعني أرجوك، كارل!"
ركضت خلفه برعب، أمسكت يده تترجّاه أن يتوقّف.
"جوليا ما خطبكِ؟!، لقد أخبرتكِ سلفاً، جثّة والدتي ما زالت معلّقة في المنزل!!"
قال بانفعالٍ واضح، يكاد يفقد صبره.
"كارل!! والدتك ... انتحرت منذ عشرين عاماً يا كارل!"
"أيُّ جزءٍ من كلامي لا تفهمينه!!!"
إنّه لا يستجيب!
اغرورقت عيناها بالدّموع، احتضنت يداها وجهه المتعب
وجهت نظره نحوها بحزم.
"والدتكَ توفّيت منذ أن كنتَ في العاشرة، أتسمعني؟!!
كارل! انظر إليّ!!"
دفع يديها بغضب
"هل تظنين أنّني جننت؟!!، جوليا لقد رأيتها بعينيَّ هاتين و سمعت صوتها، طيلة الأسبوع الماضي كنتُ أزورها!!
جوليا ابتعدي عنّي!! أنا لم أصب بالخرف بعد!!"
أبعدها عنه بقسوة.
"كارل!!! كارل!!"
صرخت باسمه علّه يستفيق من وهمه، لكنّه تجاهلها بحنق.
تبعته حتّى وصل إلى المرآب و استقلَّ سيّارتها، حاولت منعه و جعله يستفيق لكنه لم يستجب،
لم تعد باستطاعة قدميها أن تحملها.
فقدت زخمها لتنهار أرضاً، لم ترى زوجها في هذه الحالة من قبل، يبدو أنّه يفقد صلته بالواقع شيئاً فشيئاً، و إصراره لا يساعدها البتّة.
ما يرعبها أكثر من هذا كلّه، هو أخذه لمسدّسه معه.
هرعت نحو المنزل مجدداً، لتلتقط هاتفها، تبحث عن جهة الاتصال بيدين مرتجفتين
"إيمّا أرجوكِ!"
<"جوليا هل طرأ شيء جديد؟!">
تنفسّت بعمق تحاول تهدئة نفسها بلا جدوى
"لقد غادر كارل مجدداً إلى جرونوالد!، إيمّا ... المسدس! أخذ معه المسدّس! أرجوكِ اسبقيني إلى هناك"
<"صغيرتي اهدئي أنا قريبة من الموقع، لا تقلقي حسناً؟">
أغلقت الخط
أخذت معطفها، محفظتها، و هاتفها لتخرج إلى الشّارع و تستقلَّ سيّارة أجرة.
***
"عليّ الذهاب إلى جرونوالد"
نظر إليها باستغراب
"إيمّا، ما الّذي يحصل؟ تخلّيتِ عن اجتماع مهم، و الآن تريدين الذّهاب إلى جرونوالد؟"
"اسمع بين، كارل__"
"لتحلَّ اللعنة على كارل، لقد أفنيتِ عمركِ من أجله!"
"بين!! أرجوك، لا وقت لهذا الهراء! إنّه ليس بخير!"
"ما به؟!"
صمتت قليلاً
"لقد أصيب بالجنون"
"ما الذي..؟ إيمّا لن تذهبي إلى هناك!"
"اسمعني بين! قد يؤذي نفسه!!"
"إيمّا الأمر خطير أكثر بكثير ممّا تتخيلين، هذا الصّعلوك... قد يفقد أسبابه و ينهال ضرباً عليكِ كما فعل معي"
"لن أتركه وحده على الرّغم من ذلك!!"

TSCHÜSS! ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن