البارت الاول

7K 53 0
                                    


كان يجلس في حديقة المنزل.. مُرهق جسمانيًا قبل نفسيًا.. نعم نعم... لم يهتم يومًا بأرهاقه النفسي !!! 
على عكس الجميع.. ولم لا فهو الظاهرة المُعاكسة.. القاعدة الشاذة التي لا تخضع للفطرة !!!! 
هو تركيبة غريبة مزجت ما بين القسوة والصرامة و.... الحنية ! 
هو " صقر الحلاوي " اسمًا على مسمى إيجازًا ووصفًا... 
قاطعت تفكيره والدته وهي تناديه بهدوء بلهجة بلدتهم "الصعيدية" :
-صقر..
اقتربت منه بهدوء حتى جلست لجواره فربتت على كتفه بحنان امومي متساءلة :
-كيفك يابنيّ.. مستعد تشوف عروستك ؟ ولو على زعل مراتك متقلقش هي مش اخر ولا اول واحدة في الصعيد يحصل معاها كدة
تنهد وهو يجيبها مختصرًا شرح يعجز عنه :
-أنتِ عارفة يا أمي إن الطفل ده مهم بنسبة ليا اكتر من الزعل والهبل ده.. 
نظرت نحو زوجته التي هبطت لتوها من الاعلى بخطى هادئة ترتدي جلبابها الصغير الذي يلف جسدها الممتلئ قليلاً.. ثم أكملت وقد لغمت حروفها بمعان مبطنة :
-طب اطلع شوفها هي في اوضة الضيوف فوق 
تنهدت قبل أن تكمل بنبرة هادئة :
-البنت اللي اخترناها ضعيفة.. يعني بلاش كلامك الدبش معاها
استقام ناهضًا وهو يفكر بها رغم ارتياحه لموافقنها... اي فتاة تلك جلبوها حتى منزله !!!؟ 
الا تملك ذرة من الحياء... !! 
ظل يهز رأسه غير مصدقًا وهو يهمس لها :
-طب هي ملهاش اهل ؟ 
ردت والدته بجدية تامة خلت من المشاعر :
-أنت قولت مش هتفرق معاك اي واحدة، المهم انها هتقدر تجيب لك الواد اللي نفسك فيه واهلها الفلوس عندهم اهم 
أغمضت نيرمين عيناها بألم وهي تتحسس بطنها الفارغة.. تشعر أن ذلك الفراغ في روحها.. بين ثنايا قلبها وليس مجرد فراغ رحم.. لا تذكر كم عدد المرات التي حملت فيها طفلهم ولكنه في كل مرة يموت قبل ولادته !! 
وصل "صقر" امام غرفة الضيوف.. اخذ نفسًا عميقًا ثم اخرجه على مهل...
أستعاد هيئته الصرامة.. المخشبة.. القاسية.. المعببة بجمود رهيب لملاقاة تلك الدخيلة ! 
رفعت هي وجهها شاهقة عندما فتح الباب هكذا فجأة.. ظل يقترب منها ببطئ وهي كالفريسة مُقيدة بسلاسل خفية تسلبها الحرية...
قلبها يضخ بعنف.. رافض.. جاهر بالقلق.. منذر بالسواد الذي لطخ الرؤية من الان!! 
ولكنها تماسكت... 
جلس لجوارها على الفراش وهي تنظر ارضًا.. وفجأة رفع وجهها بأصبعه بقوة حتى تأوهت بصوت عال.. 
ليسألها بخشونة :
-أسمك أية ؟ 
تهيأ له أن صوتها لامس القمر في اختفاءه السريــع :
-ترنيم... 
مصمص شفتاه ببرود مكملًا :
-أنتِ طبعًا عارفة أنتِ هنا لية ؟! 
اومأت موافقة بصمت.. لتجده يزمجر فيها بحدة :
-ارفعي راسك وبصيلي وأنتِ بتكلميني، أنتِ مش خرسه 
رفعت رأسها له بالفعل فتفاجئ بلهيب عيناها البنيـة.. لمعة غريبة لم يلمحها قبلًا !!! 
مهلاً.. ما الذي يفكر به ! 
هي هنا لمهمة ما... 
نظر لها مرة اخرى وهو يردد بجمود :
-وعارفة إن مفيش فرح.. مفيش حد هيعرف اصلا الا الناس القريبين مننا يعني العيلة 
اومأت موافقة بصمت..لتجده فجأة يمد يده لها بورقة قائلاً :
-يبقى امضي هنا 
رفعت عيناها له متساءلة بحشرجة مكتومة :
-أية دي !! 
نهض واضعًا يداه في جيب بنطاله يقول بنبرة صلبة قاسية :
-دي ورقة بتثبت إن ملكيش أي حقوق وإن مجرد ما هتخلفي هتسيبي الطفل وتمشي من هنا !!! 
كانت أصابعها مرتعشة وهي تمسك بتلك الورقة.. 
تفكر ما الذي يجبرها على ذلك اصلًا ؟!!! 
أي اهل هؤلاء يلقون بأبنتهم للتهلكة مُهللين بأموال دنيئة... ! 
ابتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها وهي تحاول مجادلته :
-بس ده آآ... 
ولكنه قاطعها بعصبية :
-أنتِ وافقتي يبقى تمضي على الورقة من سُكات وأكيد هما يومين وهيطلبوكي لما يجيبوا المأذون.. 
كادت دموعها تنهمر فوقفت ببطئ تحاول الاتـزان.. خطوة واحدة وتعثرت في السجادة من أسفلها فصرخت بفزع وهي تكاد تسقط ارضًا :
-آآآه... 
ولكنه أمسك بها قبل أن تصل للأرض.. يداه أحاطت خصرها بتلقائية.. ولكن قبل أن تلقي بكلمة شكر وجدته ينفضها عنه وكأنها وباء... 
ثم قال ببرود مستطردًا :
-5 ايام بلياليهم والسادس تكوني في سريري 
نظر لها بازدراء من الاعلى للاسفل.. متفحصًا البنطال الواسع الذي ترتديه من اعلاه تيشرت ذو اكمام واسعة وطرحة صغيرة تخفي اسفلها خصلاتها السوداء... ليكمل بسخرية جارحة :
-بس ياريت تحاولي تكوني مُغرية لاني مش شايف أي معالم للانوثة 
وقبل أن تفتح فاهها بكلمة أردف بصرامة :
-بره!! 
كتمت شهقة كادت تنفلت منها بصعوبة وهي تجر أقدامها بخيبة مغادرة تلك الغرفة اللعينة... 
وما إن خرجت حتى وجد زوجته تدلف مسرعة هاتفة بنبرة متقطعة ذرفت بها أطنان من الدموع :
-صقر.. أنت عارف اني مُجبرة على الموافقة، فـ ما تحاولش توجعني 
لم يرد عليها وهو يستدير ناظرًا للشرفة المطلة على الحديقة.. فاسرعت تحتضنه من الخلف وهي تهمس بألم:
-أنت عارف اني بحبك ووافقت بالعافية عشان تجيبلك الولد اللي نفسك فيه
سمعت صوته الخشن يرد بجدية ؛
-أنا عارف كل ده.. أنتِ مش محتاجة تفكريني بيه، عارف انك مُضحية!!
قال كلمته الاخيرة بسخرية ثم ابعد يداها عنه بهدوء تام ليتركها مغادرًا تلك الغرفة... 
لم تحزن الان ؟! فهي تعرف جيدًا أنه لم ولن يعترف بما يسمى العشق يومًا... تزوجها بعقله.. وسيتزوج مرة اخرى بعقله ايضًا.. حتى اشعار اخر !!!! 

احتلال قلب(مكتمله) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن