كانت تراقب تعابير وجهه بتركيزٍ شديد، ولكنها لم تُبشر عندما لاحظت اقتطاب وجهه وعلامات عدم الرضا التي ظهرت عليه چليًا؛ وأيضًا عندما قال بنبرة متهكمة لاذعة:
- هو أنتِ أتجننتِ؟ خلاص للدرجادي مش عارفه تميزي بين اللي يصح واللي ميصحش؟ ولا الشغل خلاص بوّظ دماغك!
ختم كلماته بنفعال شديد، أُفزعت من رد فعله التي كانت تتوقعه، بُهِت وجهها ولكنها تماسكت وهي تحاول أن تقنعه بأي وسيلة:
- أسمع بس يا "عامر" أنا...أنا اكتشفت أن في ناس كتير زينا و...وكلهم بيعملوا كده، و وأحنا ممكن ن...
ـ "ليلى" قفلي عن الهبل ده!
قالها بنفعال شديد، جعلها تنكمش على حالها بخوفٍ؛ ولكنها حاولت أن تتمالك أعصابها لأخر لحظة وهي تنطق بنبرةٍ متلعثمة يتخللها التوتر:
- أسمعني بس...
- ما كفاية كلام فارغ بقى!
نطق بها وهو يدفع الطاولة بيده بعنف، مما جعل الأخرى ترتد للخلف بفزع مع شهقة فازعة منها، وقبل أن تنطق واصل هو قائلًا بانفعال:
- شكلي كنت غلطان لما قولت نبدأ صفحة جديدة، واضح أن السن قصر معاكِ ولا موضوع الخلفة ده هيعملك مشاكل نفسية وعقلية كمان يا "ليلى"
قال ما قاله ثم تركها تجلس بمفردها ورحل، كانت نظرات الناس تآكلها، كانت تشعر أنها عارية أمام الجميع! كانت تنظر لهم ودموعها مُحتبسة داخل مقلتيها؛ ترفض أن تتحرر لكي لا تشعر بالشفقة أكثر من ذلك! حاوطت رأسها بيدها وهي تفكر في كل شيء، هل هو للتو عايرها بسنها! أي سن ذلك الذي يعايرها بهِ! هل الفتاة عندما تصل لسن الثلاثينات تكون بها عيب أو هي هكذا كبرت وشابت! هل هي أصبحت في سن اليأس كما قال لها الطبيب! ولكنها تتذكر جيدًا أنه قال لها هكذا لأنها تواجه مشكلة في الإنجاب وهي تأخرت في حلها! ولذللك هو قال لها أنها دخلت في مرحلة يأسة! هل ما قاله لها الطبيب زوجها مقتنع بهِ إنه حقيقي! أليس هذا السن في الدول الأوروبية هو بداية الحياة والإنطلاق! إذن لماذا هو يشعرها أن خصلاتها شابت ووجهها ملئته التجاعيد! ولكن لحظة هل هو أتهامها أيضًا بالجنون! كل هذا لأنها أقترحت عليه إنهم يتكفّلوا بطفلٍ! وقبل أن تنخرط في البكاء تذكرت إنها ليست في غرفتها؛ هذا المكان لم يكن غرفتها لكي يسع أحزانها، لابد أن تتماسك حتى تصل لنقطة أمانها، رفعت رأسها ثم رفعت خصلاتها للأعلى بواسطة رابطة الشعر وكأن الحياة لم تصفعها على وجهها للتو، أخذت حقيبتها ثم فرّت بأقصى سرعة لكي تنهار كما تُشاء
********
بعد مرور سواد الليل على أبطالنا، استيقظت "ليلى" على صوت رنين هاتفها، وبعينان ناعستان مسكت هاتفها وهي تنظر لرقم المُتصل، تأففت بضجرٍ وهي تُجيب:
أنت تقرأ
أزهار بلا مأوى
Mystery / Thrillerجميعنا نُخطط لمستقبلنا ولا نلتفت بما حدث لنا في الماضي، ولا نعلم أن يوجد براعم صغيرة حُبست بين طيات الماضي، وتشوهت روحها بسبب ما حدث لهم في السابق! نحن قادرين على تجاوز كل شيء سيء حدث لنا في الماضي لكي نواصل حياتنا؛ ولكن هم حياتهم بأكملها توقفت عند...