٠- مين ده يا "ليلى"؟؟
من الواضح أنه أستشف الوضع، نظفت حلقها بتوتر شديد وهي تضم الصبي لها وتقول:
- ده "ياسين" يا "عامر" ولد معايا في الدار.
- و؟؟؟
كان هذا سؤال "عامر" الهادئ والذي جعل البرودة تسرى في جسدها، ولكنها استجمعت جميع قواها، تقدمت خطوة بعدما أزاحت الصبي لكي يكون خلفها وقالت له بثباتٍ مُزيف:
- وده الولد اللي قررت اتكفّل بيه يا "عامر".
جملة بسيطة كانت قادرة على تحوّله لشخصٍ أخر، عيونه جحظت وكأنها على وشك الخروج من محجرها، ملامحه تشنجت وكأنه صُعق بماس كهربائي، حتى عروق عنقه برزت، أرتجفت الأخرى؛ مما جعلها تُخفي "ياسين" خلف ظهرها جيدًا في محاولة منها لحمايته من هذا الأعصار الذي على وشك الأنفجار للتو، وتأكد حدسها عندما أقترب "عامر" منها خطوة ثم صرخ فيها بصوتٍ جهوري جعل الطفل ينتفض ومعه "ليلى" التي غمضت عينيها سريعًا تستمع له قائلًا:
- أنتِ شكلك أتجننتِ صح؟؟ بتاخدي قرارات من دماغك يا "ليلى"؟؟ جيبالي عيل ابن شوارع وتقوليلي هتكفّل بيه؟؟ أنتِ عجزك عن الخلفة خلاكي تخرفي ولا إيه؟
لم تكُن كلمات فقط؛ بل كانت خناجر مسمومه تُغرز في موضع قلبها دون رحمة، لسانها عجز عن أداةٍ مُهمته الطبيعية، وهو لم يصمت، غضب أكثر عندما رأها تصمت هكذا؛ ولم ترُد على تساؤلاته المُهينة! مسكها من مُعظمها وهو يهزها بعُنف مواصلًا:
- ما تردي عليا بلعتي لسانك ليه؟؟
تآوت الأخرى بألم بسبب ألم يدها، بينما "عامر" لم يهتم لذلك، فقط دفعها بعيدًا عن ذلك الطفل لكي يظهر "ياسين" أمامه وجسده يرتجف، رفرف الصبي بأهدابه بسُرعة كبيرة وهو يحملق في "عامر" برعب، بينما الأخر مسكه من معظمه بعنف ثم صاح فيه بغضب أعمى:
- أنا مش عايزة أشوف وشك هنا تاني؛ أنت سامعني؟؟ لو شوفتك في أي مكان أنا مش هسيبك، غور روح للشارع اللي جيت مِنه، غور.
ختم كلماته وهو يدفعه بعنف في إتجاه الباب؛ مع صراخ "ليلى" عليه أن لا يفعل ذلك، ولكنه لم يستمع لها، صرخ عليها أن تصمت وبالفعل هي صمتت بقلة حيلة؛ تنظر "لياسين" بضعفٍ والعبرات تهبط من مقلتيها بعنف، بينما الأخر لم يتحمل الأهانة أكثر من ذلك، وقف عند الباب ثم رمقها بنظراتٍ تحمل في طياتها الألآف من المشاعر والكلمات الحزينة، وقبل أن يقرر الرحيل حملق فيها وهو يشملها بنظراتٍ مُنكسرة مُعاتبه، ثم صرخ فيها ودموعه تُقرر التحرر من تقيدها:
- ليه يا مس؟؟؟ ليه خلتيني أوعدك أن مسبكيش وأنتِ اللي ناوية تسبيني؟ ليه قررتي تكسريني مع أني قولتلك أني بخاف من كل الناس؟؟ أنا عملتلك إيه لكل ده؟؟
ختم كلماته وهو شِبه ينهار، تركها وهبط على الدرك وهو شِبه يركض ركضًا، حاولت أن تتبعه وتصرخ عليه أن يتوقف، أن ينتظرها لكي تعتذر له عن ما حدث؛ ولكنه لم يعطيها الفرصة، ولم يكن هو فقط؛ فكانت يد "عامر" تمسكها بعنف عندما حاولت الركض خلفه، مسكها من معظمها ودفعها للداخل بعصبية شديدة وهو يصرخ عليها قائلًا:
أنت تقرأ
أزهار بلا مأوى
Misterio / Suspensoجميعنا نُخطط لمستقبلنا ولا نلتفت بما حدث لنا في الماضي، ولا نعلم أن يوجد براعم صغيرة حُبست بين طيات الماضي، وتشوهت روحها بسبب ما حدث لهم في السابق! نحن قادرين على تجاوز كل شيء سيء حدث لنا في الماضي لكي نواصل حياتنا؛ ولكن هم حياتهم بأكملها توقفت عند...