البارت الأول

117 3 2
                                    

             رواية شفاء الروح 
                
              《الفصل الأول》
 
روائح الفجر تنتشر في كل مكان، نفحات وسكينة في هذا الوقت لا تقدر بثمن، داخل هذا البيت بالتحديد نجد الحركة تدب فيه، "مالك" يطرق على كل غرفة يحثهم على الاستيقاظ، يخشى أن تفوتهم  الساعات المباركة، الجميع في سباق كي يغتنموا الفرصة ولا تف٧وتهم.
تحدث إلى زوجته وطلب منها أن تدخل لأبنتهم وهو سيذهب لرفع أذان الفجر فقد حان موعده وعليه ألا يتأخر، رحل هو وولده وشرعت الأم في الطرق مرة أخرى على غرفة ابنها؛ لكنها وجدتها تفتح الباب وترتسم على وجهها علامات النوم، ألقت التحية على والدتها وذهبت للوضوء، وفعلت الأم المثل.
بعد قليل قد حضر مالك وحمزة وجلسوا في ردهة المنزل، خرجت سدن مهرولة وألقت بنفسها بين ذراعي أبيها وتحدثت بعبوس قائلة:
- كدا يا بابا امبارح  مشوفتكش طول اليوم، فضلت مستنياك  بس حضرتك أتأخرت.
أحاطها مالك بذراعه، وابتسم على فتاته المدللة فربت على يدها بلطف وقال:
- حقك عليا يا روح بابا، بس العربية اتعطلت في الطريق ورجعت متأخر، متزعليش.
قبلت يده واستكانت في دفء أحضانه وقالت بمحبه:
- مش زعلانه خلاص، بس أنت وحشتني.
مسد على ظهرها ومتمتم ببعض الأدعية راجيًا من الله أن يحفظها من كل سوء، انتبه لصوت ابنه وهو يوجه حديثه لأخته بحدة:
- متتعدلي يا سدن أنت ما بقيتيش صغيرة لعمايلك دي.
جفلت من نبرته ؛ لكنها ابتسمت بتوتر وتجمعت الدموع بمقلتيها مهددة بالنزول، حاولت السيطرة على نفسها، فعبئت رئتيها بالهواء وقبلت جبهة أبيها واعتذرت من أخيها واستأذنت منهم مهرولة لغرفتها،
أعتدل والده ونظر في اتجاهه، لم يفهم سر حدته التي يتعامل بها مع أخته، فحاول أن يستشف السسب من كلماته فسأله بهدوء:
- في إيه يا حمزة أختك معملتش حاجة غلط تستدعي نبرتك دي معاها.
ارتبك قليلًا يخشى أن يغضب أبيه منه، خاصةً أنن لا يعرف سبب لما فعله فحاول أن يوضح وجهة نظرة لأبيه فقال:
- أنا آسف يا بابا مش قصدي، بس سدن فعلًا كبرت والمفروض تاخد بالها من تصرفاتها.
نظر له بتمعن ثم قال له بلين وهو يستعد للرحيل:
- تمام يا حبيبي بس النصح يكون باللين وبراحة، مع إني مش شايف أي تصرف ليها غلط بس ممكن تكون وجهة نظرك صح برضة، هقوم اقرأ الورد واجهز عشان الشغل.
ودع ابيه ونظر في طيفه بشرود، يحاول أن يلقى سببًا فيما هو عليه ولكن كالعادة لا يعرف أي مصاب أصابه، هو يحب اخته لكنه لا يريدها أن تكون هكذا ، لا يريد أن يدللها ابيه فيفسدها وتصبح كالفتيات التي يسمع عنهم، هكذا برر لنفسه، تنهد بقلة حيلة واتجه لغرفته هو الآخر.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 
تقف "حورية"  تعد القهوة لزوجها قبل ذهابه لعمله، وتصر على اعدادها بنفسها حتى ولو كانت مريضة تتحامل على نفسها فقط كي تقدها له، هو يعشقها من يديها دائمًا ما يقول لها" ريحة القهوة تشبه لك، زي عيونك لما ابص فيهم بنسى الدنيا "، أنهت ما بيدها وخرجت لتقديمها إليه، وضعتها أمامه على طاولة الإفطار، تبسم لها وطبع قبلة على يدها فابتسمت هي بحياء على فعلته، فاقا على صوت سدن  وهي تتحدث إليهم بمرح:
- هيه أوعدني يا رب بواحد زي يونس باشا كدا، الله يسهلك يا ست ماما ماشية معاكِ فل.
 
علت ضحكات والدها ونظر لزوجته الخجولة وهي تنظر بوعيد لأبنتهم، وجه بصرة ناحية سدرة وامسك بيدها وقبلها بحنان وربت عليها قائلًا:
- ربنا هيرزقك باللي أحسن مني، ويستاهل قلب دورا الجميل.
 
تأثرت بحديثه فردت له قبلته ودعت له بحب خالص، اقتربت من والدتها وقبلتها على وجنتها واستأذنت منهم كي لا تتأخر على الجامعة، ودعاها بحب راجين الله ان يوفقها.
نظر لزوجته وجدها تمحوا دمعة فرت من عينيها ففهم عليها، أقترب منها وحدثها بهدوء:
- طب بتعيطي ليه بس، مش كفاية علينا وجودها جمبنا يا حورية، الزواج دا نصيب وهي نصيبها لسه مجاش.
 
نظرت له والدموع تغشى عينيها، وقالت بصوت هامس :
- والله لو عليا تفضل طول العمر جمبي، بس عشانها هي زمايلها كلهم اتجوزوا وهي لا، متفتكرش إني بهتم بكلام الناس والله ولا شاغلني اللي يشغلني هي وبس.
ربت على كتفها بحب وتنهد وهو يحاول إنهاء الحوار فقال:
- مش بإيدينا غير اننا ندعي ليها ربنا يرزقها الزوج الصالح، وبعدين تعالي هنا ازاي يا هانم تديني القهوة من غير ما تصبحي عليا.
نظرت لها وقد توسعت عينيها من تغيره المفاجئ، هي خمنت أنه قد تغافل عنها لوجود سدرة لكنه لا يفوت الأمر، نظرت له بغيظ وحاولت القيام، ثبت يده وأعاق حركتها وتحدث بحب وهو ينظر لعينيها:
- الله قولت إيه أنا غلط، وبعدين يعني فيها إيه مش فاهم، ما بنتك باستك على خدك ولا هو حرام ليا.
ابتسمت عليه وقبلت وجنته وقالت بحب يخصه وحده:
- وأنا أقدر برضة، بس راعي مشاعر دورا شوية يا حبيبي، وحاول تقرب أكتر منها، أنا شايفه إنك أنشغلت عنها الفترة دي.
أومأ لها وهو بالفعل مشغول بمشروعه الجديد، لكنه سوف يعوضها عن غيابه، ربتت على يده بهدوء وحب لطالما أغدقها هو به، تعلمت العشق على يده وترعرعت كزهرة برية فواحة على حبه.
" طامعةٌ أنا في حبي ولا أتهاون فيه، عبقه يتغلغل إلى روحي ويستقر في مضغتي، لا أرضى بالقليل فأنا أنثى تجرعت الحب ولم يكفيها الفتات"
 
أما عن "سدرة"أثناء هبوطها للدرج صادفت حمزة فابتسمت له بحب وألقت عليه التحية فردها إليها ورحلا كل منهما لوجهته.
دخلت للجامعة وذهبت لمكتبها المشترك مع بعض زميلاتها، ألقت السلام ثم شرعت في تنظيم بعض الأشياء قبل ذهابها لإلقاء المحاضرة، قطع عليها استرسالها في العمل صوت صديقتها والتي تدعوها   لحضور زفاف شقيقتها الصغرى، ابتسمت لها بلطف وباركت لها متمنية لها السعادة ، استغلت الفتاة المستمعة لحديثهم والمتابعة له بإنصات وقالت بنبرة ماكرة تحمل في طياتها الكثير:
- مبروك يا ملك لأختك، تقريبًا دي اللي طالبة عند سدرة في سنة تانية صح، قمورة أووي، عقبالك انت كمان يا سدرة، أهو تلاميذك بيتجوزوا.
ردت لها مباركتها وتجاهلت "سدرة" أي غرض من حديثها فهي تعلمها جيدًا، فلا داع للدخول في جدال لا يجدي فما بداخلها يكفيها ، استأذنت منهم وذهبت لإلقاء محاضرتها، نظرت ملك لسها وقالت بضيق منها:
- لزمتهم إيه الكلمتين البايخين دول على الصبح يا سها.
ردت عليها بتهكم وسخرية واضحة في حروفها وقالت:
- هو انا جيت جمبها، وبعدين متقلقيش ستنا الشيخة هتعنس وعمرها ماهتلاقي اللي يبص لها بمنظرها دا.
كادت ملك أن تنقض عليها وتبرحها ضربًا لكنها تماسكت وأثرت الكلام في نفسها ونظرت لها بإشمئزاز من حديثها الذي يشبه سم الأفعى وقالت:
- هتفضلي طول عمرك كدا، ربنا يهديكِ ويعينك على نفسك، الكلام معاكِ زي قلته.
ثم تابعت عملها دون أن تنبث بحرف واحد لها، لم ينتبهوا للواقفة على باب المكتب فهي عادت لأخذ شيء قد نسته، ولحظها العثر استمعت ل للكلمات المؤذية والتي نزلت على قلبها وكأنها جمر حارق ألهب فؤادها الملكوم، غص حلقها وانهمرت الدموع على خديها، ذهبت للمرحاض كي لا يشاهدها أحد بحالتها  المذرية، حاولت منع دموعها ولكنها فشلت، أخذت تهديء من نفسها وتقويها كي لا تنهار، لم تيأس ونظرت لصورتها في المرأه فتاة جميلة ليس الجمال المبهر لكنها بسيطة جمالها هاديء، ملابسها واسعة وأنيقة يزينها حجابها الطويل" الخمار" هي مقتنعة جدًا بمظهرها لذا طردت أي افكار تحاول التسلل إلى عقلها، ابتسمت ودعت الله ووكلت له امرها، خرجت وكأنها لم تكن  على وشك الانهيار وكأن أحد انتشلها من وسط النيران قبل أن تلتهمها.
أنهت  المحاضرة بشق الأنفس ولا تعلم كيف أبلت فيها، خرجت ولم تقوى على الذهاب للغرفة التي تجمعهم مرة أخرى، هي بالفعل أنهت عملها وليس بداعي تواجدها هناك،  أخذت وجهتها لحديقة الجامعة حيث تجمع الطلاب بها، جلست بركن بعيد عن الجميع وأخرجت دفترًا صغيرًا وخطت بضعة حروف كانت تسكن قلبها، تعبر عن ما يكنه صدرها بهذه الطريقة فهي ليست مما يجدون البوح، حبر يطبع على ورق قادر على جعلها تتنفس براحة وكأنه مغناطيس يجذب الشوائب من قلبها ويلقي بها بعيدًا، فالكتابة مهربها الوحيد من الواقع، تحلق بين الكلمات وكأنها فراشة رقيقة ترتشف من الأزهار رحيقها، تعبر عما يكنه وجدانها حتى لا تتراكم همومها ويصعب عليها حتى التعبير،
"نحن الذين تجرعنا سم الألم دفعة واحدة من أيدي الأقربون،  دون أن يرف  لهم جفن ولا يهتز لهم قلب فاعتلت الروح ولا مجال للنواح، يكفينا ما بنا من حزن فلا طاقة لدينا للمواجهة، ولا قوة تدفعنا للتبرير، فقط التعايش حتى نستمر."
خطت كلماتها وعيناها تتمعن في كل حرف، تشعر وكأنها تنتزع الشوك من قلبها حتى يشفى، أغلقت دفترها ووضعت سماعات الهاتف في أذنها تنصت جيدًا لسورة البقرة التي لا تفوت قرأتها أو سماعها، أحست بطمأنينة تحتلها وسكينه تدب في أوصلها، انفصلت عن العالم من حولها وحلقت في السماء وكأنها طائر حر يطير بجناحية ويتفاخر بهما، مر قليل من الوقت فلملمت أغراضها وتوجهت للخارج فهي قد تأخرت قليلًا عن المعتاد، أثناء سيرها اصطدمت بها فتاة فاعتذرت منها؛ لكن سرعان ما اتسعت عين الأخرى حينما دققت النظر فيها، سكن الهدوء المكان ولا يوجد سوى نظرات متبادلة، وكأن العالم توقف من حولهما أغمضت عينيها بألم تحاول جمع ما بعثرته الصدفة من هدوء، أبصرت ذاك الواقف بجانبها ولم تضيع ثانية أخرى عليهم فذهبت بهدوء وثبات تحسد عليه، أوقفت سيارة أجرة كي تقلها إلى المنزل.
وضعت رأسها على زجاج السيارة وسألت نفسها هل سيظل الماضي الأليم يلاحقها؟ إلى متى ستبقى هذه الندبة عقبة في حياتها، شردت في حركة السيارات ووجوه الناس التي تتغير ودعت أن يزيل عنها  العقبات، تتدفق الذكريات وكأنها شريط يمر أما عيناها، مر علقمها لا زال في الجوف يكوي ويلهب قلبها، والألم يتزايد وكأنه لا يريد فراقها .
 
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
بعد أن أنهى "مالك" دوامه  جالس في السيارة شاردًا فيما رأه قبل قليل؟ متعجبًا مما أصاب الشاب فكيف له أن يزهق نفسه هكذا ألا يعرف عقوبة فعلته ؟ الأفكار تعصف به ما لذي أوصله إلى هذه النقطة؟ ألهذه الدرجة يائس فاقد للحياة ولا يريدها؟ الكثير والكثير من الأسئلة دارت بخلده، أمامه المشهد يتكرر كلما أغمض عينيه، يحمد الله أنه تحكم بالمقود في الوقت المناسب، مجرد التخيل أنه كاد أن يدهسه  ويزهق روح بريئة يرتعد بدنه، تذكر حينما ضغط على مكبح الفرامل كي تتوقف السيارة  بأعجوبة حينما رأي شاب يقف على بعد منه شكر ربه أنه تحكم في السرعة  وإلا كان حدث مالا يحمد عقباه، نزل وهو لا يقوى على التحرك كي يرى إذا أصيب بأذى، وجد بعض الناس يلتفون حول الشاب وهو فقط ينظر للأمام بشرود وكأنه لم يكن على بعد خطوات من الموت،  رجل ما يهزه كي يخبرهم ما اصابه والشاب في عالم آخر ، اقترب "مالك" منهم وهو  يدعو أن يكون بخير، جثى على ركبتيه وتفحصه فلم يجد به شيء فالسيارة لم تلمسه بل الأكيد أنه هوى على الأرض خوفًا ، ساعده بعض الشباب في حمله على جانب الطريق وقد ذهب هو لركن السيارة كي لا يتعطل الطريق، عاد إليهم وقد قل التجمهر ،اقترب من الشاب فوجده لا يحيد ببصره عن نقطه معينه وبدا وكأن بريق الحياة قد خبا منهما، ربت على كتفه عدة مرات حتى رفع نظره له فسأله مالك هل هو بخير؟ نظر له متألمًا وقد فرت الدموع على وجهه وقال له بصوت متمزق من الألم:
- بخير؟ هه يا ريتك كنت دستني وموت وريحتني.
اندهش مالك من حديثه وقد جاوره وقال له بلطف:
- ليه يا بني استغفر ربك ووحد الله كدا.
نظر له بحسرة وأخذ يتمم بكلمات عديدة فنظر له بشفقة وربت على كتفه بهدوء وقال له:
- ليه كدا يا بني دا أنت لسه شاب صغير والحياة قدامك ليه تتمنى تموت كافر، استغفر ربك.
- والله يا عم الحاج تعبت دا أنا طلعت من الجامعة عشان اشتغل واصرف على أمي واخواتي، بس كل البيبان اتقفلت في وشي ومعتش لاقى حتى فلوس اجيب لهم أكل ما بالك بقى بالعلاج ومصاريف المدارس، دا حتى البنت اللي حبيتها أبوها رفضني عشان معنديش شقة هه وتقولي تتمنى الموت طب أعيش ليه ؟،والله يأست من الحياة كله على دماغي.
حدثه بلين ولطف عله يرجع عما ينتوى الإقدام عليه فقال بحنان أبوي:
- لا حول ولا قوة إلا بالله قوم يا بني واستهدى بالله، ربك مابينساش حد ازاي تفكر في الموت وأنت وراك أمك وأخواتك طب هتسيبهم لمين؟ تعرف والدتك هيكون إيه احساسها لما تعرف إنك انتحرت؟ طب فكرت في ربنا هتقابله إزاي؟ احنا مش ملك نفسنا يا بني عشان ننهي حياتنا بسهولة كدا، قرب من ربنا هتلاقي الراحة في قربه وربنا يكرمك ويهون عليك مصاعب الحياة، أنت لسه ياما هتشوف لازم تكون قوي عشان تتحمل وحط قدامك على طول  هل دا يرضى ربنا ولا لأ؟ اتخيل صورة والدتك وأخواتك هيعملوا إيه من غيرك؟ الله يهديك يا بني ويصلح حال.
تركه بعد أن اودع  بيده نقودًا وورقة مدون بها أرقام هاتفه وطلب منه محادثته كي يساعده.
فاق  " مالك" من شروده ونزل من السيارة متوجهًا للمسجد.
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
 كانت سدن  في غرفتها تجلس شاردة الذهن، عقلها يعمل ولا يعطيها الفرصة كي تستريح، تتسأل لما أصبح أخيها هكذا؟ مالذي حدث جعل الهوة تتسع بينهما؟ هي تريد أمانها الذي طالما غمرها به، تريد عضدها  الذي لا يشتد إلا بسواه، سندها وقوتها ، فرت دمعة حارقة من عينيها تزامنت مع رنين هاتفها، أخذته وفتحت على الفور فكانت صديقتها التي لا تمتلك سواها، حدثتها قليلًا وارتسمت على وجهها علامات الضيق فأنهت المكالمة على الفور دون السماع لتوسلات الأخرى كي تنصت لها، ألقت بالهاتف على الفراش وأخذت تحدث نفسها وكأنها تعنف صديقتها:
-والله عال يا ست هاجر كمان بتخرجي معاه وهو لسه حتى ما تقدمش لا وبدون علم أهلك، يا ربي هو أنا ناقصة طب دي أعمل فيها إيه، دي دماغها ولا الحجر الصوان، ولا بتسمع لحد غير دماغها، بس مش هسيبها ويا أنا يا أنت يا هاجر أم ما علمتك الأدب ورجعتك لعقلك ما بقاش أنا سدن.
زفرت بحده واستلقت على الفراش دثرت نفسها بالغطاء في محاولة منها لاستجداء النوم عل تفكيرها يتوقف ويرحمها قليلًا
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 
- لو سمحت محتاج الروشتة دي.
أخذ يلتف حول الرفوف ويجلب علب أدوية مختلفة، نظر جيدًا لهذا النوع وذهب تجاه  الشاب واعلمه بثمن الدواء وقال:
- دي كل الأودية المطلوبة، بس للأسف النوع دا مش موجود، ممكن تكلم الدكتور يغير لك النوع دا لانه للأسف ناقص في السوق.
نظر له الشاب في حيرة من أمره، ما كان يعتقد هذا الثمن الغالي للأدوية، كيف له أن يتصرف في هذا المبلغ، أشتد توتره أكثر فاستأذن  بإجراء مكالمة مهمة وسوف يأتي سريعًا، خرج بخيبة أمل تنهد بمرار على ما أصابه، وخزت الدموع جانب عينه قهرًا لما ألات له الأمور، رفع بصره للسماء مناجيًا رب العباد بما يكنه في صدره.
 
كان حمزة يتابعه في صمت ، لاحظ توتره حينما علم بثمن الأدوية، ثبت نظره عليه وتابع حركة يده المتوترة وخروجه الغير مبرر، دارت الأسئلة في خلده حتى حسم امره وخرج وراءه وبيده  الأدوية، نظر إليه ولتوسله لله دون أن يقول أي شيء سوى "ياااا رب"
وكأنه يخرجها من جوف قلبه كي تريحه من همه، اقترب منه بهدوء وطرق على كتفه، التفت له الأخر مستفهمًا ماذا يريد، قدم له العلاج دون أن ينبث بحرف كاد أن يعود بأدراجه للداخل إلا أنه توقف على حديثه وهو يقول بنبرة حائرة:
- يا أستاذ أنا مدفعتش تمن العلاج، ثواني بس وهخلي حد يجي لي بالفلوس.
 
وجه نظره إليه وحدثه بلطف:
- مفيش مشكله، أنت زي أخويا أعتبر نفسك دفعت تمن العلاج وفي أي وقت الصيدليه مفتوحة أبقى هاتهم براحتك.
كاد الاخر أن يعترض ، فقال حمزة بنبره حازمة:
- خلاص يا بني دا موقف ممكن نتعرض ليه كلنا، والناس لبعضيها متكبرش الموضوع، ودا كارت فيه تليفوناتي لو احتاجت أي حاجة تكلمني في اي وقت متترددش.
 
ربت على كتفه وتركه وعاد مرة أخرى للداخل تاركًا الشاب ينظر في أثره والفرحة تشع من وجهه، كم أن كرم الله كبير، مضى في طريقة يشكر ربه وقد قرر أن يجلب شيئًا لوالدته يدخل بها السرور على قلبها، جلس على حافة سور ووضع  الكيس بجانبه وأخرج ما بجيبه من نقود أخذ منها القليل ووضع البقيه مكانهم، كاد أن يعتدل واقفًا حين سقط كيس الدواء أرضًا انحنى ليجلبه ويضع فيه ما تبعثر، لفت نظره لفة بيضاء أخذها وفتحها وجد فيها مبلغًا من المال، أغمض عينيه بامتنان لهذا الشاب الكريم دعا له الله كثيرًا، أخذ عهدًا على نفسه أمام الله أن يرد له هذا الدين.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
جالسًا في المسجد وحوله بعض الأولاد يلقي عليهم بعض الأحاديث يقوم بتفسيرها، يسمح لهم ببعض الأسئلة ويحاول الإجابة عنها، كانوا متحمسون  للفقرة، فبعض الصبية بطبيعتهم كثيري الأسئلة ويريدون ردًا يشبع فضولهم، انتبه لصبي رافعًا يده، على ما يبدوا أنه في الثانية عشر من عمره أذن له بالسؤال،فقال:
- ليه يا شيخ لما بنخرج من الحمام بنقول غفرانك، هو إحنا عملنا حاجة غلط نطلب الغفران من ربنا.
نظر له  مالك مبتسمًا على سؤاله الغير متوقع، اعتدل قليلًا ثم أجابه ببساطة وهدوء:
- سؤالك جميل يا حبيبي، حد يعرف يا أولاد ليه؟
قابلة الصمت وعلامات الاستفهام مرتسمة على وجوههم وقد هز بعض الأطفال رأسهم يمينًا ويسارًا دليلًا على عدم المعرفة.
فتابع حديثه:
- عارفين ليه بنطلب الغفران من ربنا؟ لأن الإنسان المفروض لسانه شغال بذكر الله دايمًا يعني مثلًا نفضل نقول( لا إله إلا الله، سبحان الله وبحمده) وأذكار كتير بنفضل نرددها، فلما بندخل الحمام طبعًا مينفعش نذكر ربنا فبنسكت ولما بنخرج بنطلب من ربنا الغفران عشان في الفترة دي مذكرنهوش فيها.
أومأ له الطلاب بذهول من الإجابة، فوجد ولدًا يريد سؤاله فاشار له:
- يعني كدا يا شيخ المفروض إننا نذكر ربنا في كل وقت، بس أنا ساعات بنسى.
- طبعًا المفروض لسانا ميتوقفش عن الذكر، لازم نعود نفسنا دايمًا نردد ذكر الله، حكاية إنك بتنسي دي فعشان دماغكم مشغولة بحاجات تانيه، عارفين يا ولاد لو استغليتوا وقتكم بالذكر هتلاقوا وقتكم في بركة واللي نفسه في حاجة هتتحق، وهتلاقي لسانك شغال لوحدة يردد، عايزكم دايمًا منشغلين بذكر الله والصلاة على الحبيب محمد صل الله عليه وسلم، لازم كمان نحافظ على الصلاة ومنفوتش فرد، قربوا من ربنا اكتر يا حبايبي عشان ربنا يرضى عننا ويحبنا، ها مين عايز ربنا يحبه ويدخله الجنه؟
رفعوا أيديهم في حماس ووعدوه بتنفيذ كل شيء حتى ينالوا المكافأة من الله ،ازدات ابتسامته المرتسمة على وجه راجيًا من الله أن يكونوا صالحين،
أنهى معهم مالك ولملم أشياءه وتوجه إلى البيت.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
كان  حمزة قد وصل لمدخل البيت يمني نفسه بالصعود كي ينعم بالنوم بعد هذا اليوم الشاق، وفي نفس اللحظة كانت سدرة تدخل هي الأخرى وتحاول السيطرة كي لا تنفلت زمام أعينها وتهطل بالدموع، رأت نظراته إليها فلم تقوى على منع نفسها من البكاء غافلين عن  الفجوة التي تتسع رويدًا رويدًا دون أن يشعروا، وكأنها بساط من حرير يسحب من تحت أقدامهم، يخدعهم الوقت ولا يلقوا بالًا بسرعته فتمضي الأيام وهم مازالوا على غفلتهم، تتسأل متى يأتي  الريح العاصف ليزعزع ثبات قلبه المتحجر؟
اقترب منها وهو يحاول فهم ما بها لكنه لا يستطيع، شعرت بأن هناك ما يجذبها لأحضانه
لا تدرى ما فعلته، أحست فقط أنها تريد ذلك والأن فرمت نفسها بين زراعيه وأجهشت في بكاء مرير مرة أخرى.
ارتد هو للخلف نتيجة لما فعلته، جحظت عينيه من المفاجأة واصابته الدهشة، وقف متيبسًا كالذي ألقي عليه تعويذة سحر شلت حركته.....
يتبع

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن