البارت السادس
ابتعد عنها مبتسمًا ، بينما هي وجع قلبها يؤلمها، تعلم أن ما تفعله خطأ؛ لكن شيطانها يزين لها كل قبيح، سيطر عليها وكأنه ملك يصرف أمرها بزمام، عاد هو للقيادة مرة أخرى بينما هي دموعها لا تتوقف تحاول أن تخفيهم عنه، نظر لها وقد تضايق من كثرة بكاءها فقال بهدوء عكس ما يضمره:
- بتعيطي ليه يا جوجو، دي حاجة عاديه بين أي اتنين بيحبوا بعض، خليك جميلة كدا وبطلي عياط ونكد.
أومأت له وحاولت كبح حزنها داخلها، نحته بعيدًا وبررت لنفسها أن أخيرًا قد ابتسمت لها الحياة وأعطتها نصيبها من السعادة مع من تحب.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-
- وبس يا ستي دا كل اللي حصل.
نظرت لها سدرة بذهول حينما قصت عليها ما حدث وقالت بصدمة:
- عايزة تفهميني إن الست خلعت جزمتها وضربت الراجل بيه في قلب الأتوبيس كدا.
أومأت سدن تؤكد على كلامها وتابعت دون اكتراث وهي تأكل التفاحة:
- عادي يا دورا، وبصراحة يستاهل وحظة الأسود وقعه فيها بقى، حد قاله يتحرش ببنتها؟ حقيقي مبسوطة بيها.
- أنا مصدومة اسكتي، ازاي جاتله الجراءة إنه يعمل كدا، معندهوش دين ولا أخلاق للدرجة دي.
قالت الأخرى باستياء من هذا الموضوع:
- لا معندهوش، وبصراحة دا اللي المفروض يحصل لما حد من أشباه الرجال دول يتحرشوا ببنت متسكتش لازم تاخد حقها وتفضحة، وإن أمكن تجره على أقرب قسم شرطة عشان يكون عبرة.
نظرت لها وقد انفجرت ضاحكة على طريقتها في الحديث وقالت من بين ضحكاتها:
- طب بس براحة على نفسك، ذنبها إيه التفاحة المسكينة تبهدليها معاك كدا.
- بصراحة تخيلتها المتحرش قليل الأدب، المهم سيبك من كل دا، في حاجة غريبة بتحصل مع حمزة بس مش عارفة إيه هي؟
أكدت على كلامها وقالت لها:
- فعلا وخصوصا من بعد الكابوس اللي حكيتي لي عليه، وكمان بعده عننا مرة واحدة في شيء غامض في الموضوع.
- طب نخرج روح المحقق كونان من جوانا ونفتش في القضية ونرجعه لينا تاني، حقيقي واحشني أوووي.
شردت في الذكريات التي يتشاركها معهم وقالت:
- عندك حق إن شاء الله خير ونرجع تاني زي الأول.
قطع حديثهم دخول جنة وحورية وهم ينظرون لهم بشك، فقالت حورية وهي تنظر لهم بتدقيق:
- بتتفقوا على مين يا بت منك ليها ونازلين كلام بقالكوا أكتر من ساعتين؟
أكملت الأخرى على حديثها وقالت:
- مش بطمن لما تتجمعوا كدا مع بعض، أكيد في مصيبة وخصوصًا بصوتكم الواطي دا، اعترفوا خلينا نلحق المصيبة قبل ما تحصل.
نظرت الفتتان لبعضهما البعض ثم غمزت سدرة بعينيها كي تجاريها سدن بكلامها فقالت لهم بخبث:
- عارفين احنا متجمعين عشان أمر مهم جدًا جدًا، صدقوني هتفرحوا أووووي، أنا وسدن قررنا نجوز بابا وخالو عشان نجرب وجوه جديدة وأهو بالمرة يساعدوكم في شغل البيت، و.......
لم تكمل حديثها حينما نظرت إليهم فوجدت نظرات الشر تكمن بأعينهم وعلى أتم الإستعداد للقضاء عليها، قالت وهي تهم بالجري بعيدا عنهم:
- اجري يا سدن هيبلعونا يا بت.
علت ضحكاتهم على هيئتهم وهم يفرون هاربين منهم ويتخبطون بأثاث المنزل،
بعد قليل رحلت حورية كي تعد الطعام قبل أن يأتي زوجها، وذهبت الأخرى كي تنجز بعض الأعمال في المنزل.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
جلست نور على أرضية الغرفة تضم نفسها بحماية تدفن رأسها بين ذراعيها، لا تعرف مالذي يتوجب عليها فعله، أتذهب كي تودعه أم تظل كما هي؟، صراع عنيف يدور بداخلها دون رحمة، مشاعرها متضاربة وكأنها بحرب مشتعلة لا تستطيع حسمها والفوز بها، الأفكار تصارعها وتجذبها في كل ناحية، تنهدت بثقل وقامت كي تطمئن على جدتها، ذهبت للخارج فسمعت صوت آخر مع جدتها بغرفة الضيوف، تقدمت عندما تأكدت من الصوت وأن أذنها لم تخطيء، وجدت والدها يجلس ويحتسي كوبًا من الشاي ومسترسلًا بالحديث، اقتربت بعد أن ألقت السلام وجلست على الأريكة بعيدًا عنه، استأذنت الجدة منهم وخرجت كي تفعل شيئًا، نظر إليها بتوتر وقال :
- نور أنا جيت أسلم عليكِ قبل ما أسافر، صدقيني لولا إن الشركة اللي مطلعاني مكنتش سافرت، أنا عارف إنك زعلانة مني بس عايزك تسامحيني يا بنتي، وأنا هتصل بيكِ على طول وأطمن عليكِ.
- ختم كلامه بعناقه لها وهي لا تحرك ساكن، عناق خال من أي مشاعر مجرد من الأحاسيس، وكأنه يؤدي واجب ثقيل على قلبه، أصابها البرود والفتور، لم تجد شيئًا تفعله سوى أن تهز رأسها وهي تنظر للأمام بنظرات فارغة، وكأن رونقهما قد سُلب ، تركها وذهب وهي لا زالت على حالتها، فقط لا يتكون في ذهنها سوى المشهد القديم الذي ظنت أنه قد دُثر، لكنه ما زال حي بداخلها.
"عودة لوقت سابق"
فتاة في الخامسة عشر ربيعًا تجري وبيدها ورقة مطوية ، تكتم فرحتها حتى تلحق بأبيها كي تريه كم هي متفوقة، تأمل هذه المرة أن ينصت لها ولا يحبطها كما يفعل دائمًا، توجهت للداخل فسمعت صراخ أمها على أبيها كالعادة سئمت من علاقتهم المذبذبة التي تتلف أعصابها وتهلك روحها، تريد فقط الهدوء، تقدمت منهم وهي لا تعلم سبب العراك هذه المرة؟ نظرت لها والدتها بعدائية كبيرة واقتربت منها وامسكتها من يدها، قامت بإلقاء الورقة بعيدًا وقالت:
- أنت السبب أنت السبب لو مكنتش خلفتك مكنتش لسه على زمته لحد دلوقت، يا ريتك موتي يا ريتني مخلفتك، استحملت معاك كتير بس لحد كدا وكفاية أنا تعبت منك ومن معاملتك ليا، لا وبعد دا كله تتجوز عليا أنا، وربي لو مطلقتني لكون خلعاك.
تفوهت الكلمات ولا زالت تهزها وكأنها دمية بين يديها، أما عنها فنظرها معلق بشهادتها التي دهست تحت أقدام أبيها دون ملاحظة ، نظر لها الاب وقال:
- أنت بتهدديني، لعلمك انا اللي معتش طايقك، انا هريح نفسي من القرف دا، أنت طالق وبالتلاتة، وورقتك هتوصلك.
ارتسمت الفرحة على وجهها ثم دفعتها بقوة تجاه أبيها وقالت له:
- استنى قبل ما تمشي خد بنتك معاك، أنا مش عاوزاها أنا هسافر وأعيش حياتي اللي دفنتها جمبك.
نظر لها والدها بحيرة يريد ان ينتقم منها وقال:
- أنا كمان عايز أعيش حياتي بدون مشاكل مع مراتي، البنت مسؤليتك ومصاريفها هتوصلك كل أول شهر.
عيناها تتأرجح بينهم في ذهول كبندول ساعة، عقلها الصغير لا يقوى على استيعاب كل هذا، ما فهمته أنهم لا يريدونها وكأنها بلاء يفرون منه، زهقت روحها وتوجع فؤادها ولم تنس أبدًا تخليهم عنها وتركهم لها شريدة بلا مأوى، لم تقصد السكن لا بل مأوى دفئهم وحبهم، اخبرتها والدتها أنها ستعيش مع جدتها وعليها التأقلم على وضعها الجديد.
"باك"
هزت رأسها وكأنها تلفظ الذكرى بعيدًا عنها، مسحت دموعها المنسابة بغزارة على وجهها، وعزمت على تخطي الأمر كما تفعل دائمًا، صحيح الألم يسكن قلبها لكنها ستبني جدارًا على الألام كي تحجبها وتمضي قدمًا دون الالتفات إليها.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
منذ ما حدث و حس الشك لديه قد استقيظ، ظل يراقب تصرفاته ، وحرص على قضاء أكبر وقت في العمل، لم يخفى عليه توتره فهو ينظر إليه كل فينيه وأخرى بنظرات ثاقبة، رن هاتفه فخرج كي يتحدث.
- الحمد لله يا علي، بس معلش مش هقدر أخرج تقدر أنت تعدي عليا في الصيدلية أنا قاعد النهار دا فيها.
- خلاص اتفقنا إن شاء الله هكون عندك على طول، سلام.
دخل حمزة مرة أخرى وأخبر محمد بأن هناك صديق له آتي في الطريق وسيجلسون هنا، فله حرية الإختيار إذا أراد أن يأخذ باقي اليوم أجازه، رفض الأخر وشكره بلطف ، أومأ برأسه وتركه على حريته.
بعد قليل قد أتى علي وجلسا معًا يتحدثان في بعض الأمور، لاحظ على نظراته المثبتة على محمد والاي لفتت نظره، لكزه بخفه وسأله مابه رد عليه بانه سيخبره فيما بعد، اتجه ناحية محمد طالبًا منه بلطف أن يذهب لشراء مشروبًا غازيًا لهم هز رأسه وذهب للخارج ، شيعة حمزة بنظراته وحينما اختفى من أمامه قص علي صديقه كل ما حدث، احتر علي كثيرًا، فربما يكون شيءً عاديًا وربما لا، طمأنه علي بأن كل شيء سيكون بخير، ؛ لكن عليه أن يأخذ حذره أكثر، هوم برأسه ولازال الامر يشغله.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
- كدا يا هاجر مترديش عليا كل دا وكمان مجتيش الجامعة من يوم الرحلة.
نظرت إليها في آسف معتذرة منها:
- حقك عليا يا سدن متزعليش مني بس كنت تعبانة من الرحلة شوية.
ربتت على كتفها بهدوء وسردت لها ما حدث معها بالرحلة، وأيضًا علاقتها بذاك الشاب الذي تحبه، فتضايقت كثيرًا وقالت لها:
- هاجر حبيبتي المفروض ميكونش فيه أي تواصل بينك وبينه، مفيش حاجة اسمها بيحبني وبحبه، اللي اعرفه انه لو بيحبك يحافظ عليك ويتقدم لك في النور، صدقيني مفيش حاجة اسمها بنحب بعض فنقوم نتكلم ونخرج ونهزر ونعمل كل حاجة بدون ما نرجع لربنا ونعرف الصح من الغلط، صدقيني انا بحبك وبخاف عليك.
ألقت ما في جعبتها والتي كانت تشكل ثقل على عاتقها، لكن الأخرى كانت لا تعي لحرف مما قالته، فهي لا ترغب بالابتعاد عنه كم يؤثرها باهتمامه وحبه، هداياه وخروجهم سويًا نمط حياتها الذي اصبح مختلفًا ومبهجًا عن ذي قبل، لا تريد أن تخسر كل هذا، تطرقت لأمر الخطبة وسألت نفسها هل سيتقدم لخطبتها بالفعل؟ عزمت على اخباره وألا يتأخر عن هذه الخطوة ما دام الحب بينهم موجود فلما التأجيل؟.
هزتها بلطف فاقت الأخرى ناظرة لها بابتسامة ولم تعقب، استأذنت منها كي لا تتأخر على محاضراتها.
شردت بطيفها حينما رحلت وقلبها غير مطمئن عليها، تنهدت ودعت لها الله بالهداية وصلاح الحال.
========
جلست نور تتناول الطعام في وقت الاستراحة ، كانت وحدها في المكتب حيث أن الجميع يذهب للمطعم بينما يونس والعم فتحي يظلان هنا، لا تحبذ الخروج للمطعم تكتفي بما تعده جدتها لها من طعام بسط، دخلت حورية للمكتب وبجانبها فتاة جميلة ، تفاجأت بوجودهم، وضعت ما بيدها سريعًا وتقدمت ناحيتهم بابتسامة جميلة، حيتهم بحبور وسعادة تكنها لهذه المرأة، ابتسمت حورية لها وربتت على كتفها بحب، نظرت لسدرة وعرفتها عليها، ابتسم نور لها وحيتها بلطف، تبادلا التحية وجلسا سويًا يتعرفا على بعضهم، تركتهم معًا وذهبت هي لزوجها، في البداية كانت نور مصابة بالحرج لكن بمجرد ما تحدثت سدرة شعرت بلطفها وتفاعلت معها، تحدثا كثيرًا وبدا وكأنهم يعرفون بعضهم مذ سنين،
قالت سدرة بحماس وسعادة:
- البت سدن هتفرح أوي لما تتعرف عليك، هي أينعم ممكن تضربني عشان اتعرفت عليكِ من غيرها بس يالا مش مشكلة.
ابتسمت على حديثها واستفسرت عن سدن فأخبرتها بأنها ابنة خالها وأختها ، هومت في تفهم وعبرت لها عن سعادتها بمعرفتها وبادلتها الأخرى مشاعرها بالمثل، قصدت حورية أن تعرفهم ببعض كي تقوي العلاقة بينهم أكثر فنور دخلت قلبها ببرائتها واحترامها أحبتها كابنتها وأيضًا عمرهم متقارب وسدرة حكيمة وتعلم كيف تكون صداقات وتجذب من أمامها لها، أثناء حديثهم خرج يونس بصحبة حورية، اقترحوا أن يذهبوا جميعًا للنادي فالجو اليوم لطيف ومشمس فليستمتعوا قليلًا، رفضت نور معللة عدم ذهابها بالعمل، أخبرتها حورية أنه لا مجال للرفض، ثم وجهت حديثها ليونس وقالت :
- صاحب الشغل بنفسه معندوش مانع ولا إيه يا باشمهندس؟
رفع يده باستسلام وقال بمزاح:
- هو في كلام بعد كلامك يا هندسة، يالااا يا نور هتزعلي حور يعني.
هزت رأسها نافية فهي لا تقوى على ذلك، ابتسمت لهم وسارت خلفهم بصحبة سدرة التي لم تكف عن الحديث.
جلس الزوجان معًا يتناولون مشروبًا دافئًا بينما الفتاتان ذهبتا للتمشية والتحدث بحرية، أخبرتها "سدرة" عن سدن وجنونها وكم هي مشاكسة و أيضًا حمزة وحكت لها عن ذكرياتهم معًا، في المقابل شعرت نور بحب وراحة شديدة تجاهه، بطيبة قلبها التي تشبه والديها كثيرًا،ظلت تتحدث وتتحدث حتى نظرت لنور وقالت بلطف ومحبة:
- دورك يا حلوة عرفيني عن نفسك.
عرفت عن نفسها أولًا ثم بعد ذلك وجدت نفسها قد أفضت لها عن ما تكنه بصدرها، حياتها وانفصال والديها، سردت لها كل ما مر عليها وأيضًا خطبتها لذاك الشاب الذي أصبحت تمقته بشدة، ختمتها بسفر والدها كي يحصل على فرصة عمل أفضل ضحكت بسخرية على حظها العسر الذي دائمًا لا يكون حليفها، أشفقت الأخرى عليها كثيرًا وتوجع قلبها على ما مرت به وما سوف تمر به أيضًا، ربتت على كتفها بدعم وأخبرتها أنها بجانبها دائمًا هي ووالديها ولا تنعي هم طالما هما متواجدين معها، شكرتها كثيرًا على نبل أخلاقها واحتوائها لمشاعرها،
أخذتهم الأحاديث ولم يشعرا بالوقت، تبادلا أرقام الهواتف واخبرتها سدرة أنها لابد أن تقضي معها يومًا ببيتها، وهي فرصة كي تتعرف على سدن مستمتعين بوقتًا لطيفًا سويًا، أماءت برأسها وبداخلها سعادة على وجود أناس مثلهم بحياتها، هي دائمًا سيئة في اختيار الأصدقاء او بالأحرى فاشلة في تكوينها، دائمًا ما تجد نفسها بالوحدة لم يحالفها الحظ ويرزقها بصديقة فكل ما كانوا معها مجرد زملاء دراسة عابرون، فرحت بسدرة ودعت أن تكون لها خير صديق.
رن هاتف سدرة، تناولته مبتسمة باتساع اشارت لنور بأن تنصت جيدًا وألا تحدث صوتًا، ردت على الاتصال ثم ضغطت على مكبر الصوت فصدح صوت المشاكسة الصغيرة وهي تقول:
- أهلا بالست حلويات اللي مش معبراني ولا حتى برنة.
تحكمت نور بضحكتها وسدرة لم تقوى وقالت من بين
ضحكاتها:
- يا بنت قولي السلام عليكم الأول، وبعدين إيه بوتوجاز هب في وشي اهدي شوية.
- وعليكم السلام معلش خليها عليك المرة دي، وبعدين ما أنت مكلمتنيش من امبارح ومفيش حد في البيت، ألاتكونوا طفشتوا من غيري، والله ازعل.
- يا بت فضحتينا معايا ناس وفاتحة الاسبيكر.
شهقت بصدمة ووضعت يدها على فمها وقالت بهمس:
- يا كسفتك يا حازم، طب هقفل أنا بقى سلااااام.
منعتها وقالت لها أنها تود أن تعرفها على صديقة لها فأشارت لنور بالتحدث، حيتها وعرفتها على نفسها وفعلت سدن المثل ثم قالت بمشاكسة كعادته:
- بصي يا نور أنت تنسي خالص أول المكالمة، دا أنا حتى طول عمري كيوتة ورقيقة خالص خالص نسمة كدا.
علت سدرة صوتها وقالت بتأكيد مرح:
- حصل وعلى يدي حتى نور شافت الرقة وعجبتها خالص يا جعفورتي.
مطت شفتيها بضيق وقالت بوعيد:
- ماشي يا عبد الصمد يا خويا أما أشوفك بس، المهم سيبك منها يا نور وركزي معايا أنا بس، خدي رقمي من عبالصمد وكلميني واتس عشان اثبت لك إني رقيقة و حساسة وبريئة و.......
- بس بس الفون هينفجر من كتر الكذب، عالعموم لازم نتقابل إن شاء الله ونور وعدتني بزيارة لينا.
- بجد الله بقى، دا احنا هنهيص يا بت يا سدن، وربي لنفتح الشقة اللي فوق ونعيد الامجاد تاني، هو أينعم حمزة أخويا وحبيبي بس يالا يروح حمزة تيجي نور.
علت ضحكاتهم على كلماتها ووعدتها نور بزيارة حتى تراها لأنها متشوقة لرؤيتها والتحدث إليها، أغلقت معهم بعد أن ودعتهم ثم توجهت لغرفة والدتها، أما الفتاتان ذهبا للجلوس بصحبة يونس وحور.
كانت جنة منهمكة في ترتيب الملابس وكيها، اقتربت منها وطوقتها بزراعيها وأسندت ذقنها على كتف والدتها وقالت:
- تعرفي يا ماما رغم إن حضرتك أمي وكدا إلا إني بحمد ربنا على نعمة الطول، هو أنت قصيرة كدا لمين.
جذبتها للأمام وامسكت بأذنها وقالت:
- تصدقي أنا معرفتش اربي، بتتريقي على قصري يا مهزأة.
أشارت على نفسها وبطريقة درامية قالت:
- أنا؟ إطلاقًا يا أمي دايمًا ظلماني كدا اكمني الصغيرة، أنا ماليش أصلا غير بابا مالك حبيبي اللي ناصفني دايمًا.
- لا يا شيخة، طب يالا بقى طبقي هدوم بابا مالك اللي ناصفك واكويها أه وفي قمصين كمان لحمزة بالمرة بقى.
نظرت لها بأعين متسعة من الصدمة حينما تركتها وخرجت، نظرت لكم الملابس التي تحتاج للكي وقالت بشفقة على حالها:
- يا عيني عليا كان لازم يعني أتقل بالهزار، يالا كله يهون عشان بابا وحمزة استعنا بالله ويا رب ما أحرق حاجة.
بعد قليل عاد مالك بصحبة حمزة ، فهو مر عليه في عمله واخبره بأنه لم يأت ويجلس معه منذ فترة ، فرح حمزة كثيرًا ودعاه للجلوس ، استأذن منه وقام بإعداد كوبًا من الشاي عاد إليه فشكره والده، تحدثا في أمور عدة فمالك جاء خصيصًا له عازمًا عن ثبر اغواره وكشف ما يحجبه ولده عنه ، لا يعرف ماذا أصابه؛ لكن عليه أن يذكره دائمًا بوجوده جانبه في الخطأ قبل الصواب يقومه دون قسوة ويشجعه دون إفراط ، اما حمزة فكان يفتقد كثيرًا لحديث والده والذي أحيت بداخله الكثير والكثير، لا ينكر انه من كان يتهرب منه ويتعلل بحجج واهية أما الأن فهو أكثر من مستمتع بمناقشة والده له في بعض الأمور،
نظر مالك في ساعته وأخبره بالرحيل، لملم أشياءه وتمم على كل شيء قبل المغادرة وأغلق الصيدلية ورحل،
أثناء عودتهم للمنزل شاهدا حشد من الناس فاقتربا ظنًا انها حادث أو ما شابه، سأل أحد الواقفين عما يحدث فقال الرجل بأسف وحزن:
- دا شاب شاف أخته قاعدة مع شاب تاني وماسك إيدها ولامؤاخذه يعني مقربين من بعض، تخيل طلعوا صحاب والشاب التاني قاله ما احنا بنعمل كدا في بنات كتير وانت معانا جت على أختك، والله يا استاذ بقينا في زمن غريب عجيب وصدق اللي قال كما تدين تدان.
تأسف مالك وتمتم بالاستغفار، جذب حمزة دون حديث وصعدا للسيارة، كان حمزة شاردًا فهو لا يختلف عما يفعله الشاب، رنت جملة الرجل الأخيرة وتردد صداها بعقله، "كما تدين تدان" تألم قلبه وتحشرجت أنفاسه، أصابته غصة بحلقة فلم يقوى على الحديث تابع القيادة وعقله يحلق بعيدًا في مصيره المجهول،
يستمع لكل تنهيدة تخرج منه ويرى ضغطه على عجلة القيادة بقوة، تأكد بأن ابنه أصابه شيء ليس بالهين، قرر ألا يغفل عنه وسوف يظل تحت ناظريه دائمًا ودعى بيقين أن يرده للصواب.
دخلا للمنزل فوجدا "جنة " ممسكة "بسدن" وبيدها بعض الملابس، توبخها وتتحدث بصوت عال والأخرى تبكي بشدة، اقتربا منها في محاولة فهم ما يحدث، نظرت لأبيها باستنجاد فخلصها من يد والدتها التي ترتسم على وجهها علامات الغضب، فقالت بغيظ شديد وهي تحاول أن تمسكها مرة اخرى:
- سيبني عليها يا مالك اللي هتشلني دي.
حاول تهدئتها فيبدوا أن سدن فعلت شيء أصابها بالغضب، نظر لسدن القابعة خلفة تنظر بدهشة لوالدتها، سألها عما حدث نكثت رأسها ولم تجب عليه، نظر لزوجتة ثانيةً وقال بصوت عالي:
- اهدي يا جنة وفهميني في إيه، وبراحة البنت مرعوبة منك.
- مرعوبة مني يا ريت تترعب ولا تحس على دمها، دا أنا سيبتها وروحت أعمل الغدا قلت هاجي القيها كاوية الهدوم وتريحني شوية أجي الاقيها حرقت قمصين ليك وواحد لحمزة، طب أنت يا مستهترة لما حرقتي واحد سيبي الباقي نادي عليا، لا ومبسوطة ولا حتى زعلت إنها بوظت القمصان.
اجفلت من حدة والدتها التي ما زالت تحاول الوصول إليها، رجعت للخلف وتشبثت بأخيها الذي أشفق عليها وحاوطها بهدوء، نظر مالك لزوجته التي فقدت أعصابها على شيء ليس بالكبير من وجهة نظره، أخذها بهدوء من أمامهم وادخلها لغرفتهم تحت أعتراضها، لم يلتفت لها وحذرها ألا تخرج، عاد مرة أخرى لابنته المنكمشة في أحضان أخيها وقال لها بجدية:
- ينفع اللي عملتيه دا يا سدن؟
نظرت إليه والدموع تهبط من عينيها وقالت بتقطع:
- أنا آسفة يا بابا والله العظيم ما كان قصدي كان فيه قمصين جوا بعض محطوطين على طرابيزة المكواة وانا بكوي قميص حضرتك، اتلسعت فببص لإيدي ونسيت المكوة ع القميص، شلتها بعيد وحطتها على القمصين من غير ما اخد بالي والله أنا مش مستهترة يا بابا والله أنا آسفة آسفة يا حمزة آسفة يا بابا.
ثم جرت مسرعة لغرفتها ألقت بنفسها على الفراش باكية بحرقة، نظر مالك لحمزة ففهم مقصده وتوجه لغرفة شقيقته،
دخل مالك مرة أخرى لغرفته فوجد جنة تبكي بشدة، اقترب منها وأخذها بأحضانه وتحدث إليها:
- بدون مقدمات وبهدوء كدة عايز تفسير للحصل برة ومتقنعنيش إن العصبية دي كلها بسبب سدن.
نظرت إليه بخجل من نفسها وما فعلته ودموعها لازالت مسترسلة على وجنتيها، فهي دائمًا هكذا لا تتحكم في عصبيتها، نكست رأسها ولم تقوى على النظر إليه، رفع رأسها بيده ومسح دموعها بهدوء، أغمضت عينيها ثم قالت بحسرة:
- ابني بيضيع يا مالك حمزة...
- ثم قامت بسرد ما تخفيه في جعبتها، نظر لها ولم تتغير ملامحه ولم يصدم فهو الآن تيقن من شكوكه، حاول تهدئتها وأخبرها بأنه سيتصرف وعليها ألا تخبره بما رأت.
دخل للغرفة وجدها تدفن رأسها في الوسادة باكية وجسدها ينتفض، حزن عليها فهو لا يطيق دموعها، صغيرته المدللة لا يريد رؤيتها هكذا، أقترب منها وربت على رأسها بهدوء رفعت رأسها ظنًا منها أنه والدها، نظرت له متفاجئة والدموع بعينيها فقال لها :
- متزعليش من ماما أكيد في حاجة مضيقاها وطلعت فيكِ أنت، ويا ستي مش مشكلة القمصان المهم إنك بخير فداك مليون قميص، وريني بقى الحرق بتاعك عشان أشوفه.
ابتسمت له وأومأت برأسها ، مدت له يدها فوجد أن الحرق ليس بسيطًا فتوجه لغرفته وعاد إليها وبيده علب من الدواء وضع لها القليل ولفه بالشاش الخاص به ثم قبلها على رأسها وغادر.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
مهما مرت الأيام فالمحن والاختبارات ترافقنا فالحياة ليست على وتيرة واحدة،
قلوب لم تعد تنبض إلا بالخوف أصبحت حياتها على شفا جرف هار، تجلس هاجر في غرفتها وحيدة لا تعرف كيف تتصرف، خذلها الجميع ولم يتبق لها أحد، بدأت بوالديها وانتهت بحبيبها الذي بدأ يتهرب منها كلما حدثته عن موضوع الزواج حينما تفتحه معه يثور ويغضب وكأن الشياطين تتلبسه، دموعها تنهمر بغزارة على صفحة وجهها كلما تذكرت كلماته الأخيرة لها والتي تفنن في انتقائها كي تطعن قلبها تقذفه برصاص حي فيدميه ، لم تنس حينما أخبرته بأنها تريد وضع نهاية لعلاقتهم والتي توسمت أنها ستكلل بالزواج، فاجأها برده وقال بغلظة وقسوة" بصي يا حلوة محدش ضربك على إيدك وقالك تكلميني، وكل حاجة كانت بتحصل بينا كانت برضاك وأظن أنت واعية وفاهمة دا كويس حكاية بتحبيني وبحبك ونتخطب ونتجوز دا تنسيه لأن أنا يوم ما افكر في الجواز أو الارتباط عمومًا مش هبص لواحدة قضيت معاها يومين، والصراحة أنت أخر واحدة أفكر فيها، مضمنش أنك تحافظي على بيتي ولا إني أسلمك أسمي، أنت واحدة مقضية حياتها معرفش إذا كنتي بتكلمي غيري وبتتقابلوا بيمسك ايدك وبيلمسك زي ما أنا بعمل، وأنا زهقت من حوارتك ونكدك فاحنا ننهي اللي بينا بهدوء ومن غير فضايح كدا وامسحي رقمي ومعتيش تكلميني تاني، سلام"
يقذفها بسهام من نار تلهب روحها، يجلدها بسوط كلماته وكأنه يعاقبها على ما فعلته معه، انهارت أحلامها أمام ناظريها التي بنتها ونسجت على خيوطها معالم حياتها معه، ما كانت إلا سراب خواء، كأنك تبني قصور من الرمال في مهب ريح عاصف فتبخرت ذراته التي لم تكن موجودة بالأصل، الأمان الخادع الذي كان يمنحه لها والحب الواهم الذي أغدقها به ما كان سوى شبكة عنكبوت لتصيدها وهي كانت الفريسة الاي دخلت بكامل ارادتها لعرينه، حشرة دهسها بقدمة دون شفقة أو رحمة، تحسرت على ما أزهقت به روحها على أيام رفعت بها لعنان السماء حتى شعرت بأنها تلامس النجوم وفاقت على واقع مؤلم لم تعد له الحسبان، عرفت الآن سر غصة قلبها فهمت ووعت لكلام صديقتها بأن ما تقترفه لا يرضي الله، الذة المحرمة التي عوقبت أشد العقاب لأجلها، أفل عالمها ولم تعد تبصر حتى كفها، نجح الشيطان مرة أخرى في أغوائها، تذكرت صديقتها الوحيدة من كانت تحذرها مما هي مقدمة عليهظ ابتسمت بسخرية ودموعها تتسابق على وجنتيها،
اقتربت من مكتبها وأخذت ورقة ودونت بها بعض الكلمات استغرقت وقتًا وهي منهمكة في الكتابة، طوت الورقة ووضعتها داخل مظروف أبيض كتبت عليه سدن وتركته على الفراش.
تسللت من غرفتها حينما شعرت بالاختناق منها صعدت لسطح البناية القاطنة بها، وقفت بجانب السور وقد مر أمامها كل شيء فعلته، ارتعش بدنها وشهقاتها اخذت تعلو، رفعت بصرها للأمام بخوف حينما صور لها عقلها بأن هناك أيادي تحاول الوصول لها أصوات متداخلة يعاتبونها عما اقترفته، تراجعت قليلًا تحاول الاحتماء وضعت يدها على وجهها حينما تذكرت ما حل بها هل هي تقوى على المواجهة والمعافرة في الحياة؟ ردت على نفسها وكأنها تحدث شخص آخر وقالت" معدش عندي حد ولا فاضل فيا نفس أعافر، وأغافر و أعيش لمين وعشان إيه، أمي وأبويا اللي كل واحد عايش حياتة، ولا جدتي اللي كل شوية تقطمني على لبسي وحياتي، ولا حبيبي اللي استغلني وعايرني واتخلى عني، محدش بيحبني ولا في حد هيحبني حتى سدن لما تعرف إني كنت بكلم ولد واللي حصل بينا هتحتقرني، خلاص أنا حياتي ملهاش لازمة أعيش ليه عشان أتعذب والناس تفضل تهاجمني، لا أنا لازم أرتاح لازم"
صعدت للحافة ونظرت للسماء وتركت جسدها للهواء وهي مبتسمة تقنع نفسها بأنها سترتاح من الحياة القاسية، لا خوف ولا عتاب بعد الأن فقط راحة، وقعت فريسة لشيطانها ولم تنتبه لانزلاق قدمها في بحر من الرمال وهي تسمح لغريب أن يلمسها ويستحل حق ليس من حقه، لم تنتبه إلا والرمال تبتلعها وتغوص هي بداخلها،
لم تفكر في عاقبة ما اقترفت بحق نفسها، خسرت دنياها وآخرتها، قنطت من رحمة الله ولم تصمد أمام الموسوس اللعين الذي سيطر عليها وجعلها رهن إشارته، يأست روحها واختارت طريق مبهم وكانت نهايته الهلاك.
يتبع....
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
أنت تقرأ
شفاء الروح
General Fictionحينما تسقط ولا تجد من ينقذك فتفقد الأمل، ثم فجأة يأتي من ينقذك ويكون لك شفاء الروح❤