الجزء الخامس

24 2 1
                                    

البارت الخامس
صراخ جعلهم ينتفضون من  أماكنهم ويهرولون للخارج، أنخلع قلبها حينما فتح زوجها باب الغرفة فوجدت ابنها ينتفض ويحرك جسده بطريقة هيسترية وكأنه  يصارع شيء ما، كان ينفض بيده ويتمتم بكلمات كثيرة" سيبوني لااا سيبوني، ابعدي حاسبي لا حاسبي"، اقترب الأب سريعًا خائفًا على ابنه، أخذ يهزه بقوه كي يستيقظ، تقف سدن المرتجفة تحتمي بالباب ودموعها كشلال منهمر قد آلمها رؤيته هكذا وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها، واصل الأب فعلته وقلبه يتأكل من الخوف، وجاءت الأم بكوب من الماء  وقدمته لزوجها بيد مرتجفة ودموع متدفقة على خديها، نثر منه القليل على وجهه فاستيقظ برعب لاهثًا وكأنه بسباق للعدو، ينظر حوله بريبة وهلع، ومسح على وجهه بقوة يحاول استيعاب ما حدث، ربت ابيه على ظهره  مهدئًا إياه ومسدت والدته بحنو على يده، اعتذر منهم على ذعرهم  وما فعله، ربت أبيه على ظهره بأنه لا بأس وعليه أن يقوم يتوضأ ويصلي كي يهدأ قليلًا، وافقه الرأي وتوجه للمرحاض.
جلست بالردهة بعد أن طمأنها أبيها أنه أصبح على ما يرام، وو خارجًا بعدما توضأ هرولت إليه وألقت بنفسها داخل أحضانه وعلى صوت بكاءها، وقالت بصوت مجهد من كثرة البكاء:
-        أنت كويس... أنا كنت خايفة عليكِ أوي يا أوي حمزة، طمني بالله.
ضمها بهدوء ولا زال عقله مشتت بتلك الكوابيس،  ربت على كتفها بهدوء وأخبرها بأنه جيد الآن، قبل رأسها وتركها كي يؤدي صلاته.
□□□□□□□□□□
  قد مر وقت طويل منذ أن استلمت عملها،  تتفانى في كل ما وُكل إليها، فهي تعشق التصاميم وتداخل الألوان والتنسيق، لذا فهي تفعله بحب، كانت مندمجة في مهمتها الجديدة فإذ بامرأة تلقي السلام عليهم جميعًا، رفعت عينيها فوجدتها سيدة من الممكن ان تكون في منتصف عقدها الرابع ترتدي ملابس أنيقة ومحتشمة وبوجهها المستدير تزينه حمرة طبيعية تزيد من جمالها  ، اقتربت منها زميلتها وسلمت عليها بحرارة، وقفت هي الأخرى تبتسم لها، اقتربت منها وقالت لها بابتسامة:
-        أنت اكيد نور المهندسة الجديدة صح؟
أومأت لها بهدوء، فتابعت حديثها مرة أخرى وقالت:
-        بشمهندس يونس حكالي كتير عنك، وحقيقي أنا حبيت شغلك جدًا، اه معلش نسيت أعرفك أنا زوجة الباشمهندس، اسمي حورية.
ابتسمت لها وقالت في محبة:
-        متشكره لحضرتك جدًا وتشرفت بمعرفتك.
-         الشرف ليا يا حبيبتي.
استدارت مستأذنه منهم وتوجهت نحو مكتب زوجها، تابع الجميع العمل مرة أخرى.
 
فتحت الباب بهدوء كي لا يشعر بها، وأطلت برأسها وقالت بمرح:
-        ممكن أدخل ولا هعطل الباشمهندس.
نظر لها مبتسمًا وقام من على المكتب متقدمًا منها، وقال بحب:
-        دا الباشمهندس ومكتب الباشمهندس تحت أمر حورية هانم، نورتي يا حبيبتي.
 
بادلته العناق وقالت بحب:  
-        منور بوجودك يا روحي، ها خلصت مشروعك ولا لسه؟
-        خلاص بنهي فيه شوية حاجات وهيجي العميل يشوفه بكره بإذن الله، ها تحبي تشربي إيه؟
 
أخبرته بما تريد وجلست أمامه على المكتب، طلب من العامل إحضار كوبين من القهوة ثم ناقشها في بعض الأمور وعرض عليها بعض التصميمات والتي لاقت اعجابها كثيرًا.
 
في الخارج أثناء مرور العامل من أمام مكتبها شعر بتعب في رأسه، وضع ما بيده على مكتبها وجلس على المقعد فورًا، اقتربت منه بتساؤل:
-        مالك يا عم فتحي أنت تعبان ولا إيه؟
وضع يده على رأسه وقال:
-        شكلي اخدت دور برد والله منا عارف، بس دخت مرة واحدة كدا ورجلي مش شيلاني.
اعطته زجاجة ماء وقالت وهي ممسكة بما طلبه يونس:
-        استريح انت يا راجل يا طيب وأنا هدخل القهوة للباشمهندس واستأذن لك منه عشان تروح تستريح.
حاول الاعتراض لكنها ترضخ لرفضه وأخذت منه المشروبات وتوجهت بالفعل لداخل الممر غير عائبة بالدهشة التي سيطرت على وجه الرجل،
تقدمت من الغرفة وطرقت الباب، دخلت بعد أن سمعت الإذن بالدخول، تقدمت من مكانهم ووضعت القهوة أمامهم، استغرب يونس وبادر قائلًا:
-         نور!!!امال فين عم فتحي.
تحمحمت بهدوء شارحة له الموقف:
: تعبان يا فندم وانا طلبت اوصلكم القهوة بداله، احم هو ممكن حضرتك تأذن له بأجازة بقيت اليوم لأنه مش هيقدر يكمل؟
ابتسم لها وهوم برأسه:
-        متشكر جدًا على نبل اخلاقك يا نور، اتفضلي انت وبلغيه بانه أجازة النهار دا وبكرا ولو حس انه تعبان يفضل في بيته ويبلغني بس.
-        تمام يا باشمهندس عن اذنكم.
نظرت في أثارها حورية المتابعة للموقف وقد اعجبت بها وبرقة قلبها، اخبرت يونس بهذا فأضاف بأنها فتاة مجتهدة وخلوقة، تعمل وتدرس كب لا تحتاج لأحد ، أخبرها بأن  أمورها ليست على ما يرام، هو استنبط هذا عندما قرأ ملفها وقتما تقدمت للعمل وأيضًا سأل عليها وعرف عنها الكثير ، طلب من حورية أن تتقرب منها وتحاول مساعدتها فهو اعتبرها ابنته واشفق على حالها، تأثرت بحديثه  عوضًا بأنها احبتها فوعدته بأنها ستتقرب منها محاولةً معاونتها،
 صمت قليلًا ثم قال وهو نظر لها مطولًا بابتسامة عذبة:
-        حور إيه رأيك نخرج شوية  نتمشى او نقعد في الكافية اللي جمب  الشغل ، بقالي فترة مخرجتش معاكِ، وحشني جدًا نقعد مع بعض.
أومأت بحماس وقالت:
-        يالا بينا موافقة طبعًا دا أنا هموت من الجوع.
نزر لها بصدمة وقال:
-        ردك قتلني يا حورية، بقى أنا حابب نقضي وقت حلو وأنت تقولي ميته من الجوع، يا رب صبرني عليها.
وقفت متخصرة وقالت وهي تقوم ببعض الحركات بيديها:
-        يصبرك عليا بقى كدا يا باشمهندس، دا أنا قمر والله.
خرجت ضحكاته عاليًا وجذبها من يديها بعد أن اخذ أشياءه ومال على أذنها قائلًا بهمس" قمر نور عتمتي بس أنت أحلى من القمر، أنت جوهرة نادرة محدش يمتلكها غيري ودا من حظي"
خبأت وجهها بكتفه فقبل رأسها بحب وجذبها معه ورحلا.
 
 
 
بعد ذهابهم ظلت نور تعمل على  الحاسوب  حتى قطع استرسالها صوت الهاتف فتناولته، وردت بهدوء ينافي ما بداخلها من وجع، كان والدها يخبرها بكل سلام نفسي أنه سيترك الوطن لأنه حظى بفرصة عمل جديدة، لم يعبئ بها مرة أخرى، لم يهتم لأمرها ضحكت بسخرية مريرة وردت على كلامة
 بينما أغمضت عينيها تمنع تجمع  الدموع بها ، ألم احتل جل جوارها وتغلغل داخل روحها الممزقة، حاولت إخراج صوتها فتحدثت بصوت خفيض:
ربنا يوفقك، توصل بالسلامة، عن إذن حضرتك
أغلقت الهاتف وحمدت ربها بأن زملائها  قد ذهبوا لموقع العمل، انسابت دموعها على خديها،  حاولت كتم صوتها لكنها لم تنجح وضعت يدها على قلبها المتألم وتوجع روحها المفتتة، هي تحب والدها ولا تريده أن يسافر ويتخلى عنها مرة أخرى، ذكريات حفرت في باطن عقلها وهم يلقونها لجدتها وكل منهم لا يريدها وكأنها داء يخشون الإصابة بالعدوى منه، حاولت جمع أشياءها كي ترحل  فالمكان بات يخنقها ويضيق عليها، نزلت الدرج متعثرة وكانت تجلس اكثر من مرة، كان يكفيها وجوده حتى ولو منشغلًا عنها لكنها  تطمئن لوجوده، للمرة التي لا تعرف عددها  ينقض عهده معها، يتنازل عن حقه فيها وحقها فيه، وكأن الماضي لا يزال حاجز بينهم يردعه عنها، دموعها مسترسلة بمرارة وقهر فؤادها  وعقلها يحدثها وهل بقى لديها ما تحزن لأجله كلا فالجميع يدهسها دون شفقة، وصلت لأخر الدرج فأصابها دوار مصاحبًا لضيق التنفس الملازم لها فاستندت للحائط المواجة للمصعد تهديء من ضربات قلبها المنفلتة وتستجمع أكبر قدر من الهواء داخل رئتيها.
 
أثناء عودتهم من  المطعم لفت نظرهم نور  الواهنة تحاول التقاط انفاسهة، اقتربوا منها  فامسكت بها حورية حتى لا تقع، لكنها كانت فقط تنظر للفراغ، حاولت معها حتي تستعيد قواها الخائرة لكن الأخيرة كأنها معزولة عن العالم وليست في حالة من الوعي، أخذتها حورية للسيارة بعد أن طلبت من يونس الذهاب للنادي كي لا تسوء حالتها أكثر
 
ظل ما كثًا في السيارة، بينما عاونتها حورية على الجلوس طلبت مشروب الليمون كي يهدئ أعصابها، أمسكت بيدها تدلكها بحنو، حاولت  سؤالها بحذر عن سبب حالتها ، فتفاجأت بانهيارها مرة أخرى لكن أقوى من ذي قبل، بمجرد شعورها بالأمان معها شيء بداخلها تحرك بحنين يطالب بعناق دافئ،  انسحبت انفاسها ولم تعد تقوى على التقاطها، تجاهد لإدخال الأكسجين لرئتيها فأسهل شيء يفعله الإنسان على وجه الأرض هي تلاقي صعوبة فيه الأن،  فزعت حورية واسرعت بالجلوس جانبها تربت على ظهرها  وأخذت ورقة من امامها وظلت تلوح بها أمام وجه نور عله يساعدها؛ لكن دون فائدة وجهها الشاحب وتحول شفاها للون الأزرق القاتم جعل قلبها على وشك  السقوط،  نجحت نور في توجهيها ناحية حقيبتها وهي تجاهد كي لا تفقد وعيها على الفور فتحتها حورية بلهفة تفتش فيها وجدت علبة دواء  رفعت أنظارها لنور فهومت بالإيجاب   أخرجت البخاخ ووضعته في فمها وساعدتها على استنشاقها حينما ضغطت عليها، استنشقت رزازها و هدأت قليلًا وتدلت رأسها على كتف الأخرى وأغمضت عينيها تنشد الراحة والقوة.
ربتت على رأسها وقالت لها بمحبة وود علها تشغل رأسها عما يرهق تلك الصغيرة البائسة :
-        تعرفي لما يونس حكى لي إن في طالبة بتشتغل عنده وكلمني عنك ووراني شغلك اعجبت بيه وقولت له لازم أتعرف على البنوتة الموهوبة دي، أول ما شفتك حسيتك بنتي وحبيتك على طول صديقيني والله دا إحساسي، لو عايزة تعتبريني زي مامتك وتحكي لي يمكن أقدر أساعدك فأنا موجودة وجاهزة أسمعك.
نظرت لها بامتنان وقالت لها بخجل:
-        يشرفني إنك تعتبريني زي بنتك، أنا ممتنة لحضرتك جدًا وصدقيني وقت أما ابقى جاهزة أحكي مش هلاقي أفضل منك أحكي له، لأني حبيت حضرتك جدًا يا مدام حورية.
حاولت إضفاء بعض المرح فرسمت معاام الغضب على وجهها بطريقة مضحكة وقالت:
-        عمالة اقولك زي بنتي زي بنتي وفي الأخر تقولي لي يا مدام، لا حول ولا قوة الا بالله، يعني بلاش لا مدام ولا طنط عشان عندي حساسية منهم فاقولي لي يا حور على طول.
ضحكت على طريقتها وشكرتها كثيرًا وطلبت الرحيل كي لا تتأخر على جدتها، خرجوا حيث سيارة يونس وأصروا على توصيلها للمنزل، شكرت يونس هو الأخر وودعتهم بعد أن دعتهم لتناول القهوة في منزلها لكنهم اعتذروا.
نظر لزوجته فأخبرته بأنها لا تعرف ما بها هي حاولت مساعدتها لكنها أبت الحديث، هز رأسه متفهمًا وسار في وجهته حيث منزلهم.
 
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 كان حمزة شاردًا في الكابوس المريع الذي بات يلاحقه مؤخرًا بأشكال عدة، والفتاة التي لا يعرف من هي، دائمًا ما تظهر له دون شكل واضح فقط هيئة  فتاة بلا ملامح معروفة ، فرك جبهته بتعب عله يذهب الألم الساكن في رأسه، اتجه ناحية   محمد  الذي يعمل معه وأخبره بانه  سيدخل كي يستريح قليلًا، تنهد الأخر براحة  وأماء له بإيجاب،
ولوج للغرفة التي خصصها للراحة ، تقدم من الفراش الصغير الموجود بها واستلقى عليه،  أغلق عينه في محاولة يائسة للنوم الذي هجره منذ الأمس.
في الخارج كان محمد متوترًا فحمزة بالداخل وهو لا يستطيع فعلها، قام بأرسال رسالة لرقم ما يخبره بأنه لا يستطيع فعلها في وجوده.
جاءه الرد سريعًا بأن الوقت ليس لصالحهم وعليه فعل ما طُلب منه فلا مجال للتراجع الآن.
زفر بتوتر وهو يتلفت حوله، ذهب لركن خاص ببعض الأدوية وجذب منها العديد ثم قام بلفهم ودسهم بكيس أسود.
رن هاتفه فخرج سريعًا بعد أن تأكد من خلو المكان، جاء إليه شاب في نفس عمره تقريبًا فناوله اللفة ورحل سريعًا، عاد محمد للداخل وهو في قمة خوفه جلس على المقعد وهو يرتعد من الداخل.
 
حاول النوم كثيرًا ؛ لكن دون فائدة، نظر في هاتفه واخذ يتصفحه، وصلت إليه رسالة من صديقه علي فنظر للساعة فوجد أن الوقت ما زال مبكرًا، قرر الذهاب وانتظاره في المطار حتى يصل ما دام النوم هاجر جفناه ،
 أثناء خروجه لمح محمد يدخل للصيدلية وملامحة مشدودة يبدوا عليه التوتر والخوف، نظر له باستغراب وتوارى حتى لا يراه، لا يعرف لما ساوره الشك تجاهه، تمهل حتى جلس الأخر وتابع تقدمه إليه، وضع يده على كتفه فانتفض محمد من جلسته وكأن حيه لدغته، اجفل حمزة من فعلته ولم يفسر ما أصابه، ابتلع محمد رمقه بصعوبة وجاهد كي يخرج كلامه ثابًتا فقال:
-        معلش يا دكتور اصل كنت سرحان ومحستش بحضرتك فاتخضيت.
اماء له بهدوء وما زال نظره مثبت عليه:
-        ولا يهمك، انا حاليًا خارج وهرجع متأخر شوية لو حبيت تمشي رن عليا الأول.
هز رأسه دون حديث، رحل حمزة بعد ان اودعه نظرة لم يفهمها الآخر؛ لكنها بثت بداخله الرعب.
 وصل لوجهته وتحرك صوب صالة الانتظار، جلس على المقعد وهو يفكر فيما حدث، نظر لساعته فوجد انه لازال هناك وقت على قدوم الطائرة، اتجه صوب مكان يشبه المقهى وطلب قدح من القهوة جلس يرتشفه حتى بحين الموعد.
بعد قليل أعلنت مكبرات الصوت الداخلية عن قدوم الرحلة المنشودة، أخذ هاتفه وأشياءه وتقدم تجاه صالة الاستقبال، ظل واقفًا حتى اتضح له من بين الجمع صديقه، لوح بيده حتى جذب نظره، بادله الأخر وتقدم منه وعانقه بشدة،
عناق يعبر عن كم الاشتياق، تحدث حمزة بفرحة بعدما القى السلام على زوجته:
-         حمد الله على السلامة يا صاحبي مصر نورت.
بادله العناق بشوق وقال بحنين:
-         الله يسلمك يا حبيبي وحشتني والله يا حمزة، كل حاجة هنا وحشتني.
ربت على كتفه واشار لهم على السيارة فاتجهوا إليها، جلست زوجته في الخلف أما هو فجاور صديقه، ظلا يتحدثان عن ذكرياتهم يسترجعوا  المواقف التي كانت بينهم، أخبره حمزة أنه قد بعث أحدًا كي ينظف له المنزل، شكره كثيرًا ثم سأله عن والديه وكيف حالهم، أخبره أن الجميع بخير وسيفرحون عند علمهم برجوعه، أوصلهم  للمنزل  وساعدهم في حمل الحقائب وبعدها استأذن كي يذهب لعمله.
□□□□□□□□□□□□□
 جالسة في مكتبها ترتشف القهوة عقب انتهاءها من إلقاء المحاضرات، أخرجت شطيرة قد اعدتها لها والدتها وتناولتها، تعشق اهتمام والدتها بها وبأدق تفاصيلها، تحب أن تراها دائمًا وهي تصنع لها ولأبيها ما يخصهم من طعام تهتم بتفاصيلهم بكل حب وحنان تدرك انها دون والدتها لا شيء، ابتسمت حينما تذكرت أول مرة تأتي للجامعة بعد استلامها وظيفتها، والدتها أصرت على أن تأخذ معها الشطائر رفضت وأخبرتها انها لم تعد صغيرة كي تفعل معها هذا، لم تنس نظرتها لولا تدخل والدها شارحًا لها الامر وأن والدتها تحرص على صحتها بالإضافة أنها لا تأكل خارجًا، انبت نفسها ورضخت لما تريد، فأكثر ما يحزنها خو حزن والدتها منها اعتذرت وقبلتها طالبة  منها ألا تغضب، مذ هذا اليوم وهي تحرص على تناول ما تعده لها دون اعتراض.
قاطعها اتصال سدن بها، ردت عليها وبعد السلام علمت انها تريدها، نظرت للساعة وأخبرتها بأنها تأتي في أي وقت خلال الساعة المقبلة فلديها محاضرة بعد ساعة ونصف  
 
لم يمر وقتًا طويلًا حتى اتت سدن، وجدتها لازالت تتناول الشطائر، قدمت لها واحدة فأخذتها وجلست تسرد عليها ما تريد، حاولت أن توصل لها مرادها فقالت:
-        بصي يا دورا هو الموضوع يخص هاجر صحبتي، بصراحة هي تعرف شاب وعلى علاقة بيه يعني كلام وخروج وكدا، وأنا مش عاجبني حالها، هي كويسة والله بس موضوع اهلها دا مخليها مشوشة وتقبل أي حاجة بدون تفكير، فقول لي أعمل إيه عشان ابعدها عنه.
نظرت لها قليلًا فالأمر ليس بالهين، فالفتاة في  تكون منبهرة بكل ما هو جديد وتريد أن تحظى بعلاقة حب كما ترى حولها، حمحمت وقالت:
-        شوفي يا حبيبتي أنت لازم تنصحيها الأول لالكلام ومتزهقيش خالص، بعدها لو منفعش اشغليها عنه، خليها تيجي عندك كلميها كل شوية اخرجوا اشتروا حاجات كدا، منفعش يبقى تواجهيها بالحقيقة إنها لو فضلت كدا هتبعدي عنها لان اللي بتعمله دا حرام ومينفعش، وربنا يهديها ادعي لها كتير انت بس وإن شاء الله.
اقتربت منها وقبلتها على وجنتها وقالت:
-        الله عليك يا دوك، هعمل كدا فعلًا إن شاء الله، أنا قولت محدش هيفيدني غير أختي حبيبتي.
ابتسمت لها وقالت :
-        يالا يا بكاشة أنت، اتفضلي على محاضراتك، أه خدي دول معاك انا شبعت خلاص، وحور هانم متوصية على الأخر.
ضحكت على أفعال والدتها وقالت:
-        طب والله حور دي قمر، دا انا هنكد على جوجو النهار دا عشان مش بتعمل لي سندوتشات.
-        لا قال البت يعيني مسكينة ومش بتاكل خالص، سدن أنت مخلصة على خزين البيت يا ماما وخالو قرب يفلس.
نظرت لها بحنق وتوعدت لها،  خذت منها شطيرة هرولت للخارج كي تلحق بمحاصرتها، ضربت الأخرى بكفيها  وابتسمت بحب لصغيرتها.
 
 عند مالك كان يقص على زوجته لقاءه صدفة بتلميذ له وقد سعد جدًا بمقابلته،
-        ياااه ولسه فاكرك يا حبيبي.
-        اه والله يا جنة، بصراحة أنا استغربته ومعرفتوش إلا لما قال اسمه، الولد كان ماشاء الله عليه حفظ معايا القرآن كله بالتجويد والاحكام وكنا بدأنا حديث وتفسير بس للأسف مكملش لأنهم عزلوا.
-        ربنا يبارك فيه ويوفقه يا رب، المهم قولي عملت إيه في موضوعك.
تنهد براحة وقال:
-        الحمد لله ربنا يسر الحال والطلب اتقبل وهنبدأ بعون الله قريب ، كمان كلمت كام واحد من معارفي وقولت اللي عاوز يتطوع ويحفظ أو يعلم الأطفال بس كله مجاني، ولله الحمد جاني كتير جدًا فهنظبط المواعيد مع بعض ونتوكل على الله.
هزت رأسها،  ونظرت له بحيرة، استغرب كثيرًا وقال:
-        مالك يا حبيبتي في حاجة؟
-        بص هو اقتراح يعني، ممكن تخصص جزء للنساء وأنا أعطيهم دروس وحفظ قرآن؟
نظر لها مبتسمًا وربت على يدها وقال:
-        فكرة حلوة جدًا وكانت تايهة عن بالي، خلاص بإذن الله نبدأ بس ونشوف الأعداد وهنعلن إن فيه تحفيظ ودروس للسيدات.
-        ربنا يجعله في ميزان حسناتنا يا رب.
 
عادت من الجامعة ودخلت المنزل بهدوء وضعت حقيبتها على الأريكة، توجهت لغرفة الجلوس فرات والديها مندمجين في الحديث، اقتربت بهدوء وحذر حتى لا ينتبها لها،
ثم علت نبرة صوتها قليلًا وقالت بصدمة مزيفة:
-        واااا مصيبتاه، بابا وماما قاعدين لوحدهم لا لا قلبي الصغير لا يتحمل.
فزعت جنة وانتفضت من مكانها تسمي الله وتستغفر، نظرت لابنتها بشر وتوعد فأسرع والدها بجذبها  بعد أن اقتربت منهم وامسك بأذنها يضغط عليها قليلًا وقال بغيظ:
-        أنا مش قايل ألف مرة لما تلاقينا قاعدينا كدة متخضيناش عشان ماما بتتخض يا سوسة أنت.
تألمت من مسكته وقالت وهي تفر هاربة ناحية والدتها:
-        أي يا بابا وداني كدا تكبر، وبعدين هي اللي قلبها ضعيف،  أه صحيح افتكرت  اوعي كدا انا زعلانة منك يا مامي.
عقدت الام حاجبيها ونظرت لابنتها بنفاذ صبر فأكملت حديثها قائلة:
-        يرضيك يا بابا متعملش ليا سندوتشات اخدها معايا الجامعة زي سدرة؟
نظروا لها بغضب مصطنع وهموا بالإمساك بها ففرت هاربة منهم ووقفت عند الباب وقالت:
-        والله ما تتعبوا نفسكم، عيلة وغلطت إيه هتعملوا عقلكم بعقلي يعني.
وأسرعت لغرفتها حينما رأت استعداد والدها بالقيام.
ضحكت جنة كثيرًا وعادت تحدثه مرة ثانية.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 
جمال السماء وهي صافية تزينها السحب البيضاء خطف لبها،  تأملت هاجر الجو من حولها ولكنها لا تشعر بسكون وطمأنينة القلب، لما وهي مع من اختاره القلب، لغت عقلها الذي بات يؤرقها مؤخرًا وانساقت وراء مشاعرها،   فاقت على يد وضعت على كتفها فجأة، نظرت له مبتسمة بحب، اقترب اكثر وامسك بيدها يقبلها فسحبتها بحرج ونظرت حولها بريبة، لم يهتم لفعلتها بل حدثها كثيرًا وقد امسك بيدها مرة أخرى، تركتها له دون اعتراض تلك المرة وهي لا تعلم أنها البداية وبعدها سوف تغوص قدمها في  الرمال الناعمة التي سحرتها وتغمرها أكثر في دواماتها ، أحست بثقل في صدرها ولا تدري لما؟ فاستأذنت منه كي تحادث صديقتها،
 ما لبثت أن هاتفتها إذ بها تتلقى كم من التوبيخ على عدم ردها على الهاتف، حاولت أن تهدئها وتفهمها أنها كانت تتركه في الغرفة حينما تخرج وتأتي متعبة فتنام مباشرةً اعتذرت منها كثيرًا وفاجأتها بأنهم سيرجعون اليوم ليلًا، دعت لها ان تصل بسلام وأغلقت على وعد باللقاء.
ذهبت مرة اخرى للطاولة فوجدته منشغل بالهاتف، حينما رأها أغلقه ووضعه أمامه وقال لها:
-        تعالي نتمشى شوية قبل ما نرجع ومحضر الشنط.
قامت معه وصارت بجانبه على الشاطئ برغم برودة الجو إلا أن الجو منعش، كان الهواء يلفح صفحة وجهها ببرودته فمسحت بيديها على زراعيها  علها تدفأ، نظر لها وجدها هكذا فضمها إليه حاولت التخلص منه واخبرته أن يبتعد لكنه أبى جلس على الرمال وهي مازالت بأحضانه، أخرج الهاتف والتقط لهم بعض الصور فاندمجت معه والابتسامة تعلو ثغرها، اقترب منها وقبل وجنتها وتمتم لها بكلام معسول دخل على قلبها المسكين القاحل الذي يتمنى قطرة ماء فأغدق عليه بالكثير، ظلا هكذا فترة   مغيبين عن الواقع سارحين بخيالهم في دنيا الخيال .وبعد قليل ذهبا كي يعدان نفسهم للرجوع
 
 
تجلس بجانبه في السيارة ، فهو رفض أن تستقل الحافلة مع أصدقاءها، سعدت بحبه لها ووافقت على الفور منبهرة بذاك الاهتمام والحب الذي بغدقه عليها وكانت هي أكثر من مرحبة به، كانت الأغاني تصدع عاليًا وهم يرددون معها تشابكت أيديهم معًا، طار قلبها فرحًا بحبيب يوفر لها جل أنواع السعادة، كانت تحلم دائمًا بالقصة الخيالية أن الأمير سيخطفها من عالمها المؤلم، أراحت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها باستمتاع  ، كثيرًا ما تفتقد الحب والاهتمام ، الاجواء الدافئة باغتها بسؤاله الذي شطر قلبها نصفين دون رحمة، فقال:
-        مش هتكلمي  بابكي ولا مامتك يستنوكي عشان الجو متأخر.
ضحكت بسخرية وقالت بمرارة أصبحت تستسيغها بحلقها:
-لا متقلقش محدش مستنيني، كل واحد في العالم بتاعة ومخرجني من حسباته، متهيألي إنهم نسيوا إن عندهم بنت فعادي بقى.
مسحت دموعها المنهمرة بعنف وكأنها تعاقبها على نزولها، اوقف السيارة على جانب الطريق والتفت إليها ممسكًا بيدها وجذبها لأحضانه مستغلًا حالتها، أمسك بوجهها بين يديه وقبلها، اعترضت أولًا لكنها استسلمت كعادتها كأن الشيطان سلبها ارادتها وجعلها كالمغيبة تنفذ فقط ما يحلو له، ابتعد عنها وما زال ينظر لعينيها المغشية بالدموع وقال:
-        سيبك منهم عيشي حياتك بعيد عنهم اخرجي وانبسطي خليكِ معايا أنا وبس.

 أطلقت العنان لدموعها  من كلماته عزمت على عيش حياتها على شاكلتها هي بعيدًا عنهم كما فعلوا، اندست داخل أحضانه وتشبثت به كأنه طوق النجاة لغريق يتعلق به على أمل النجاة من الطوفان، فهل يا ترى سيلفظها بعيدًا عنه أم ستنجرف بمياهه ويكون المصير الهلاك؟

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن