البارت الثامن

23 2 1
                                    

الفصل الثامن
 
أجفلت مما رأته حيث كانت هدير تجلس بجانبه وتتدلل عليه بسخاء، حاول ردعها وقد أوشك على زجرها إلا أنه لمح طيف فنظر صوبه فوجدها سدرة، نظر حوله بارتباك وبات في موقف لا يحسد عليه أمس أبيه واليوم هي،  فتمتم قائلًا" ايه اللي بيحص لي دا يا ربي، هي كانت ناقصة" أما هدير فقد اغتاظت لتواجدها فهي تمقتها وبشدة، تأففت بضيق واضح وقالت له بغلظة:
-       إيه اللي جابها على الصبح دي؟
نظر إليها بتحذير ألا تتكلم، تقدم من سدرة التي تقف كالتمثال وهزها من كتفها بلطف، نظرت له تستجديه أن يكون ما رأته ما هو إلا خيالات، تبخر احساسها عندما رأت هذه الأفعى تتقدم منهم بتبختر مبالغ فيه، وجه حديثه لها وقال:
-       نورتي الصيدلية يا سدرة
أجابت باقتضاب :
-       شكرًا منورة باللي فيها
 ثم حانت منها نظرة سخرية لها، أخبرها حمزة ببعض الأشياء وردت هي عليه بدورها بأنها تحتاج الاطلاع على بعض الكشوفات والأدوية كي تباشر عملها، اندمجا معًا في الحديث دون اعطاءها أي اهتمام لتلك التي تقف تكاد تنفجر وهذا جعلها تستشيط غضبًا فابتعدت عنهم وأخذت حقيبتها وغادرت كالعاصفة . استأذنا منها حمزة ومحمد كي يذهبا لصلاة الظهر، استغلت غيابها وتطلعت للحاسوب وأخذت تفتش به،
-       لفت نظرها أن هناك الكثير من  الأدوية تستهلك بكثرة، هذه الأنواع من ضمن أدوية الجدول حيث أنها  لا تخرج إلا بوجود الروشتة باعتبارها مواد مخدرة
ظلت تنقر على لوحة المفاتيح  وتتمعن النظر، تسلل الشك إلى عقلها كيف يمكن هذا؟ لا بد من وجود خطب ما وعليها أن تتحرى الدقة كي لا تقع أي مسئولية على أخيها فتصيبه بالضرر، نقلت بعض الأشياء على الجهاز الصغير" فلاشه" ودثته بحقيبتها،
عادا من الصلاة وانشغل كل منهم في شيء ما، أما هنها فعقلها يعمل كدوارة رياح تعصف بها الأفكار وعزمت على شيء ما.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
"
تجلس بغرفتها وبيدها الورقة التي تركتها لها صديقتها الراحلة، فقد مر الكثير ولم تقوى على قرأتها، تنظر لها برهبة وكأنها قنبلة تخشى فتحها فتنفجر بوجهها، ظلت بضعة دقائق تحملق بها وبعدها تشجعت وفتحتها، من أول كلمة تدفقت الدموع من عينيها وكأنها سحابة ممطرة، أخذت تقرأ بعينيها ما هو مكتوب ومع كل كلمة هناك سهم يغرس في قلبها ألمًا وحزنًا على صديقتها.
" إلى صديقتي سدن:
آسفه لو هتحزني عليا عشان عارفة إنك الوحيدة اللي كنتي بتحبيني بصدق ودايمًا بتنصحيني، كان نفسي اسمع كلامك واكون زيك ملتزمة وبحب ربنا أووي وقريبة منه، أنا غلطت يا سدن أنا قررت أصارحك في الورقة لأني أضعف من إني أواجه، الإنسان اللي حبيته من كل قلبي كان بيتسلى بيا كنت هبلة لما صدقته وسلمت له قلبي كسرني وفتت قلبي وعايرني بأني متربتش، طب هو ذنبي إن ابويا وأمي انفصلوا وانا لسه صغيرة، ذنبي اللي ملقتش يحتويني ويهتم بيا ويقدر مشاعري، عارفة إن كل دا مش مبرر للغلط اللي ارتكبته بس صدقيني أنا تعبت من الحياة دي، يأست من وشوش كدابة وحياة مملة، معدتش عندي طاقة أحارب بيها أو حتى أستنى أمل ولو بسيط ينور لي عتمتي، أنت الوحيدة اللي هتوحشيني أنا حبيتك والله سامحيني وادعي لي إن ربنا يسامحني.
اه وابقي قولي لتيتة تسافر عند خالي خلاص اللي كانت قاعدة عشانها هتريحها منها هي كمان."
أغلقت الورقة ودموعها منهمرة بشدة، قامت تتوضأ وتصلي كي تدعوا لها.
اليأس وباء لعين يسيطر على القلوب ويظل ينخر بها حتى يهلكها كأنها قطعة من الخشب أصابها  السوس فاأتلفها "
 
 
في الخارج يجلس مالك يحتسي كوبًا من الشاء بينما جنة تمسك بإبرة وخيط وتصلح بعض الملابس ، دخل عليهما  حمزة القى السلام وجلس بجانب أبيه، تلفت حوله يبحث عنها فهو لم يراها منذ يومين سأل والدته والتي أخبرته عما حدث لصديقتها والحزن الذي بات يتغلغل في روحها، استأذن منهم وتوجه صوب غرفته، توقف أثناء مروره بغرفتها وهو يقاوم رغبة دفينه داخله في الولوج إليها، أوشك على المغادرة وما لبث أن يلتفت حتى سمع أنين بكاءها التي تجاهد كي لا يسمعه أحد، تحركت فطرته الغريزية تجاه شقيقته وحن قلبه ورق لحالها فرفع يده على الفور دون أن تسيطر عليه الأفاعي التي تحوم في رأسه وتبعده عنها وطرق على الباب فلم يأتيه رد، فتح الباب بحذر واشرأب برأسه للداخل فوجها جالسة على سجادة الصلاة  وجسدها يهتز من البكاء،
اقترب منها جالسًا أمامها، رفعت بصرها إليه وهزت رأسها بأسى ، مد يده والتقط كفها وربت عليه بلطف، تحدثت بمرارة وكأن علقم امتزج بحلقها:
-       أنا زعلانة عشانها أوووي يا حمزة، ليه تعمل في نفسها ليه تخسر دينها ودنيتها، أنا كنت دايمًا جمبها كنت بحاول أهون عليها  والله واقولها دا اختبار من ربنا، متصورتش أبدًا أنها تيأس وتفقد الثقة كدا وينتهي بها الحال منتحرة،  لما قالتها قدامي مرة فكرتها بتهزر مكنتش اتصور ابدُا انها تعملها، كان نفسي تفضل معايا ، والله قلبي بيوجعني عليا أوووي يا رب ارحمها واغفر لها يا رب.
ضم رأسها لصدره ومسح عليها بحنان حدثها قليلًا ثم أودعها قبلة على رأسها، ساعدها على الوقوف  واتجه صوب الفراش و جعلها تستلقي عليه،  مد يده يمسح على ثم قرأ لها بعض آيات الذكر الحكيم الذي به تشفى القلوب وتهدأ الأنفس فغاصت الأخرى في النوم بعد ما مر بها من حزن.
 
سمعوا صوت نحيبها يعلوا فهبت جنة تتقدم صوب غرفتها، أمسك بيدها وحثها على الجلوس، ثم قال لها وهو يطلع على بعض الاوراق ولم يحيد بنظره عنهم:
-       اقعدي أخوها عندها جوه
أماءت له وقد أيقنت ما يرنو إليه زوجها، يريد أن يعيد علاقتهم كما السابق، واصلت عملها وهي تدعوا لهم من صميم قلبها .
" والأخ لأخيه حياة، طوق نجاة وسند يشد الله به عضدك فتأمن ويطمئن قلبك، فبدونه تصبح كثمرة مكشوفة للجميع يقذفونها كي تسقط"
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 
 ليال الشتاء الباردة ليست تخص العاشقين وحدهم، بل هي  عشق من نوع خاص للبعض، حينما يلفح هواءها البارد صفحة وجهك فيضرم نيران الأشواق والحنين بقلبك فتصيبه بالدفء، ينتاب جسدك قشعريرة لذيذة تزيد الشعور بالمتعة الكامنة فقط في لذة أجواء الشتاء.
تجلس في المقهى المفضل لديها، ترتشف مشروبها الساخن بتلذذ ونهم كأنها لم تتذوقه مذ فترة طويلة، وضعته جانبًا وأخرجت حاسوبها كي تعمل على  المشروع الذي  كلفها به "يونس" هي تعشق دراستها وتتفنن في الاجتهاد بها،  تهوى الألوان وامتزاجاتها التي تعبر عن رونق خاص تظفر به وحدها، تتحمس حينما يترك لها المجال فتبدع وكأنها فراشة تداخلت الوانها فصارت لوحة فائقة الجمال أبدع الخالق فيها، نظرت لما صممت برضا تام وابتسمت، نقرت عدة مرات على اللوحة ثم اغلقته، طلبت من النادل كوبًا آخر من القهوة،
رن هاتفها برقم جدتها، أجابت عليها مبتسمة كعادتها وطمأنتها أنها بخير وستأتي بعد قليل،  طلبت منها أن تكون أكثر حرصًا على نفسها وألا تتأخر، أغلقت معها و
لملمت أشياءها ثم وضعت النقود كما المعتاد وتوجهت للخارج ، أثناء خروجها اصطدمت بفتاة  على وشك الدخول، نظرت لها الفتاة بحدة وقالت ببغض:
-       ايه دا مش تفتحي يا عامية أنت
نظرت لها نور باستغراب من اسلوبها ولم تعلق أكملت وجهتها للخارج وهي تتعجب من أمرها
 
دخلت الفتاة والتي ما كانت سوى هدير، اقتربت من طاولة يجلس عليها شاب لم تتبين ملامحة بعد، كان يتلفت يمنه ويسره حتى رأها قادمة نحوه كعاصفة هوجاء ستقتلع الأخضر واليابس، اقتربت منه والقت حقيبتها بعصبية ثم جلست وهي نزفر بحنق، خلع نظارته وسألها بتوجس:
-       مالك عصبية كدا ليه؟ أوعي يكون حد شافك وأنت جاية؟
نظرت له بسخرية:
-       لا أطمن مفيش حد شافني، وبعدين مالك خايفة كدا ليه ما تجمد قلبك شوية.
-       أنا بس خايف  ليكون حمزة شاكك في حاجة مش مطمن له  خالص.
-       لا متقلقش  دا ولا يتخاف منه، الخوف كله من الحرباية سدرة، هو أنا كنت نقصاها؟ عايزاك تهدي اللعب شوية اليومين دول وأنا شوية كدا وهعمل حاجة تخليها تطفش من المكان كله.
ابتسم بخبث ثم قال:
-       هي دخلت دماغك يبقى بالسلامة بقى، بس الصراحة البت جامدة.
نظرت له باشمئزاز وهي تلوي فمها ثم قالت:
-       المعقدة المعنسة عدوة الجواز، شوف هما أكبر مني ب٣ سنين وملحقتهمش غير في سنتين بس البت دي مش بلعاها خالص، سهونة كدا ومش سهلة.
-       طب سيبك منها خلينا في المهم في كام واحد طالب مني ...... ومحتاجة ضروري آخر الأسبوع، هنعمل إيه؟
نظرت له بابتسامة هو يعرف مكنونها جيدًا فاطمأن أنها ستفعل ما يشاء بسهولة.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
كان مالك مشغولًا  بأمر دروس التحفيظ للأطفال ، لكنه لم يغفل عما يشغل عقله، كان يقوم هو وأصدقاءه بتجديد الطابق الثاني من المسجد كي يناسب ما يريدون القيام به، الجميع متحمس وفي سباق كي ينجزوا مهامهم، منهم من يجمع تبرعات، وآخرون يقومون بالتنسيق مع محفظين ودارسي الفقة والعلوم الشرعية، والبعض يساعد في التنظيف وتجديد المكان، وغيرهم يشرف على العمال ويلبي طلباتهم، مجهود مكثف يقوم به فهو صباحًا يؤدي عمله في المدرسة وعصرًا يتجه للمسجد ولا يأتي إلا في وقت متأخر، كان منهمك في تدوين بعض الطلبات حينما رن هاتفه، أجاب على الغور فإذا بعابد يطمئن عليه ويريد مقابلته لشيء هام، طلب منه أن يقابله في مكان ما سيكون متواجد به بعد عشر دقائق فهو قريب منه جدًا، أغلق عابد بعد أن أخبره بأنه لن يتأخر.
بعد قليل جاء عابد وسلم عليه بحرارة، نادا مالك للنادل وطلب قهوة وشاي، نظر له وسأله عن الأمر الهام الذي جعله يقابله في وقت متأخر هكذا، اعتذر منه عن الموعد وقال له:
-       الحقيقة أنا سمعت انكم بتلموا تبرعات عشان تفتحوا مكتب تحفيظ وجمعية خيرية صغيرة جمبة كدا، فحبيت أشترك باللي أقدر عليه، ايه اللي ناقص أو محتاجينه
ضروري وأنا اتكفل بيه .
نظر له مالك مبتسمًا بفخر لأخلافه، فقال ومازالت البسمة على شفتبه:
-       ربنا يقدرك على فعل الخير يا عابد، بص هو احنا لسه هنبدأ الأول بمكتب التحفيظ وبعدها إن شاء الله نبدأ في الجمعية، احنا محتاجين حاجات كتير لسه زي الفرش مرواح سماعات مايكات شاشات عرض الحاجات دي أعلنت عنها قبل ما اجي وسبحان الله تكون أنت اول من لبى بس قولي عرفت ازاي.
-       أنا ماسك المنطقة دي من فترة قصيرة وأي حاجة بتحص لازم أعرفها أكيد، بالنسبة للنواقص هشوف أنا هقدر على إيه وابلغ حضرتك بإذن الله.
-       إن شاء الله يا بني، طيب أنا هستأءن عشان الوقت اتأخر وأنا عندي مدرسة الصبح.
أصر أن يوصله للمنزل على الرغم من اعتراض مالك إلا أنه لم يتثنى عن إيصاله، ودعه ثم عاد بسيارته حيث منزله.
 
دخل لبيته ألقى السلام على والدته وتوجه لغرفته كي يبدل ملابسه، بعد قليل خرج وجلس بجانب والدته المندمجة مع البرنامج على التلفاز، أولته انتباهها فاخبرها عن أمر مكتب التحفيظ وما يحتاجه من تبرعات، هونت بالإيجاب وقالت أنها ستعطي له مبلغ وهو يسلمه للقائم على هذا  العمل، وقالت أنه صدقة جارية على روح والده، ابتسم بحنين لوالده الراحل وطبع قبلها على رأسها ثم ودعها وولج لغرفته، جلس على الفراش وهو يشعر بالحنين لأبيه، يود لو أنه معه، ترحم عليه ثم دخل كي يتوضأ قبل أن يخلد للنوم.
" واشتياقي فاق عنان السماء، وحنيني طغى على فيضان دقات القلب، اهفو لروح كانت تسكنني لكنها سلبت مني عنوة دون شفقة "
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
-       لا فكي كدا احنا عاملين القاعدة دي مخصوص علشانك، حتى كلمت نور وقالت هتخلص شغل وتيجي، بالله شاركينا واتكلمي.
تفوهت سدرة بها وهي منشغلة بترتيب بعض الأشياء في شرفة الشقة المقابلة لهم، فهم يستغلونها كي يكونوا بعيدًا عن أعين الرجال ويفعلون مايشاءون دون حرج منهم، اقتربت منهم جنة ووضعت بعض المسليات أمامهم وقالت وبداخلها حزن على ابنتها:
-       سدن حبيبة ماما هتقوم تعملنا بيتزا من إيديها الجميلة صح؟
نظرت لهم بابتسامة  واهية وأومأت برأسها، عزمت على اسعادهم كما يفعلون، لن تدع الحزن يتخذ سبيله إليهم بل ستحتجزه بداخلها علها تشفى منه،  هي لم ولن تنس صديقتها ستظل بخلدها تدعُ لها بالمغفرة ، توجهت ناحية المطبخ تبعوها جميعًا كي يساعدوها، احضرت المكونات أمامها وشرعت بتحضير العجين، جلسا كل من حور وجنة يتسامرون كعادتهم، بينما سدرة أخرجت بعض الأشياء  وبدأت بإعداد الحشو،
 
رنين جرس المنزل جعل جنة تتوجه للخارج، ابتسمت حينما قابلها وجه نور المتوتر ، بادلتها ابتسامتها اللطيفة وسلمت عليها، أمسكت بيدها وتوجها للمطبخ، سلمت على الجميع بحبور ومودة، وانضمت لحورية التي دعتها للجلوس، نظرت لها سدرة باستهجان وقالت وهي متخصرة:
-       الله الله يا ست نور، قومي يا ماما شمري إيديك وساعدينا وسيبي الأختين الحلوين هناء وشرين يكملوا كلامهم.
ابتسمت لها وتقدمت منهم، وقفت بجانب سدن بعدما اشارت لها سدرة ففهمت ما ترنوا إليه، دنت منها وقالت لها بهمس:
-       سدن قولي أعمل إيه واستري عليا ربنا يكرمك لاحسن سدرة تشمت فيا وأنا بصراحة ساعات بخاف منها هي بتتحول؟
علت ضحكاتها ولم تقوى على كتمها فدوت في أرجاء المكان، نظروا جميعًا صوبها وقد فرحوا لرؤيتها هكذا، نظرت لها نور بحنق مصطنع وأشاحت ببصرها بعيدًا، وضعت يدها على كتفها بلطف وقالت لها:
-       طب خلاص متزعليش تعالي نفرد العجينة هي خمرت خلاص عشان نحط الحشوة وندخلها الفرن وبالمرة اعوضك عن اول مقابلة لينا.
تحشرج صوتها في النهاية، فابتسمت لها نور وأرادت اثناءها  قليلًا عن ما يجول بها من حزن.
 
بعد قليل كانوا يجلسون خارجًا يتناولون الطعام في جو مليء بالألفة، بادرت حور بالسؤال وقالت:
-       عاملة إيه في الشغل يا نور؟ في حاجة مضيقاكي؟
نفت برأسها وقالت بعد ان ابتلعت طعامها:
-       خالص والله كل شيء تمام، وباشمهندس يونس متعاون معانا جدًا ومش متحامل علينا أبدًا واللي معايا في المكتب ناس كويسة ومحترمة.
لمعت فكرة برأس سدرة وقالت في حماس:
-       إيه رأيك يا نونو هكلم بابا واخليكِ تعملي لي شوية تعديلات في الصيدلية بصراحة حابة أغير فيها شوية؟
-       تمام مفيش مشكلة شوفي الباشمهندس وعرفيني.
لوت فمها بضيق وقالت:
-       المشكلة مش في بابا، أنا مقلقة من حمزة باشا بالله لو أطول اضربه لاضربه.
لكزتها كل من سدن وجنة في آن واحد ونظروا لها بتوعد، فهبت واقفة وجلست بجانب والدتها بعدما تأوهت من ضربتهم، قالت وهي تدلك ذراعيها:
-       الله ما براحة يا جماعة مش كدا، وبعدين بصراحة كدا يا جوجو ابنك دمه بقى يلطش، لا واللي زاد وغطي البت الملزقة اللي جايبها تشتغل معانا دي، وربي هاين عليا اديها قلمين على وشها اللي مشطباه عند النقاش دا.
علت ضحكاتهم وقالت سدن وهي لا زالت تضحك:
-       بنت مين؟ هو حمزة يعرف بنات غيرنا؟
اجابتها بغير رضا :
-       بت مهزأة كانت معانا في الكلية اصغر مننا بسنتين او تلاتة مش فاكرة، بس الله يهديها بلبسها دا.
-       لكزتها والدتها وقالت لها بتانيب
-       شايفة لسانك ما شاء الله عمال يغلط فيها، امسكي نفسك شوية مينفعش كدا.
-       والله غصب عني مش عاجبني الوضع خالص، ربنا يصبرني علىها واستحملها وما انفجرش في وشها
حاولت نور أن تلطف الجو فقالت وهي تنظر في أرجاء الشقة:
-       قولوا لي بقى مين عامل الديكورات الجميلة اللي في الشقة دي؟
قالت سدن بفخر وحب:
-       دا حمزة أخويا اللي مختار كل حاجة فيها وكمان الأغلب هو عامله بإيده.
نظرت لها بحيرة وقالت:
-       هو دكتور ولا مهندس.
ردت عليها سدرة وهي تشعر بالحنين لهذه الايام:
-       حمزة شاطر في كله، عنده موهبة الرسم واختيار الألوان بطريقة مبهرة، كان عامل لينا الفراندا ومصممها بشكل خرافي، تعالي شوفي.
توجهوا معها ناحية الشرفة، فذهلت من جمالها ورقة وابداع تصميمها، حيث الأرضية مغطاه بالنجيل الصناعي، والزهور معلقة على حافة الشرفة، وهناك بعض الأنوار الخافتة متدلية بشكل رائع، وفي هذا الركن توجد ارجوحة مزينة بالورود، ناهيك عن الرسومات الموجودة على الحائط بشكل يخطف الأنفاس، أثنت على تصميمه الفائق الجمال ثم جلست على  الأرجوحة، جاءت من خلفها سدن وسدرة دفعوها للأمام فأغمضت عينيها مستمتعة بالشعور الذي سكن روحها، جاوروها فهي كبيرة وتتسع لهم، وحل عليهم الصمت كل منهم مشغول بأمره.
قبل قليل قد أخبرتهم جنة بأنهما سيهبطان لأنه ميعاد وصول ازواجهم، خرجوا من الشرفة وراء لهم المنظر المبعثر، نظروا لبعضهم البعض ثم شرعوا في تنظيف المكان، دخلت سدن وسدرة للمطبخ وظلت نور تنظف المكان بالخارج، طرقات على الباب جعلتها تترك ما بيدها وتتجه صوبه بعفوية،  فتحته بابتسامة سرعان ما تلاشت واخفضت بصرها في الحال وسألته عن هويته وماذا يريد، إما حمزة فقد اندهش لوجود فتاة غريبة هنا، ظل محملق بها وسرعان ما فاق على نفسه وتنحنح وحاول اجلاء صوته فقال:
-       أنتِ اللي مين؟ وفين ماما وسدن؟
احمر وجهها خجلًا إذًا هذا هو حمزة، حاولت الإعتذار منه عما بدر منها فقالت:
-       اسفه ثواني هنده سدن، بس طنط جنة مش هنا.
تركته وهرولت صوب المطبخ، نظروا لها بشك من حالتها المرتبكة فقالت لهم قاطعة عليهم أية حديث:
-سدن اخوك برة وبيسأل عليك انت وطنط.
خرجت له وجدته صافن الذهن لم يشعر بها حينما وقفت أمامه، هزته بلطف فانتبه لها، سأل عن والدته فقالت له أنها بشقتهم، هوم بإيجاب وسألها من تكون  هذه الفتاة؟ اعلمته بأنها صديقتها هي وسدرة، اعتذر لها واخبرها بأنه حدث والدته منذ قليل فقالت له أنهم هنا فلم يكن يعرف أن هناك احد غريب، أماءت بتفهم وابتسمت له، استأذن منها ورحل سريعًا.
 
في الداخل كانت في قمة احراجها وسدرة اصيبت بنوبة ضحك على حالتها انضمت لهم سدن والتي حاولت أن تخرج نور من حالتها فقالت بمرح:
-       مالك يا نونو محصلش حاجة يعني دا حمزة عادي يعني.
-       أيوة يا بنتي خلاص بقى عدت.
نظرت لهم بحيرة ثم ألقت بكلامها دون تفكير:
-       ماجاش في بالي أنا اتخضيت اما شوفته والله افتكرته ظابط.
حاولوا كتم ضحكاتهم فقالت سدرة بمزاح:
-       اه اصل ليه هيبة كدا ولا وكيل نيابة، هو بس ربنا مبارك في طوله وعضلاته متخفيش هو اليف مبيعضش.
زجرتها سدن وقالت لها:
-       بس يا بت متتريقيش على أخويا،  دا قمر.
أخبرتهم نور أنها لابد أن ترحل فقد تأخر الوقت وجدتها وحدها بالمنزل، أخذت حقيبتها وتأكدت من  حجابها، توجهوا معها للخارج فاعترضت على نزولهم معها وقالت أنها ستهبط الدرج، حاولوا معها كثيرًا دون جدوى، أثناء نزولها  وهي تفتش في حقيبتها عن هاتفها فاصطدمت بشيء صلب جعلها ترتد للخلف وتسقط منها حقيبتها، حاولت التماسك فقبطت على حافة الدرج من خلفها كي لا تسقط، رفعت بصرها إذ بنفس الشخص أشاحت بنظرها حياءً مما حدث، اعتذرت له بهمس  واخذت حقيبتها ولملمت ما سقط منها ورحلت سريعًا، نظر في طيفيها يحاول ان يتذكر أين رأها هو يشعر بأنها مألوفة له، طيفيها وهيئتها مرت أمام ناظريه من قبل، صعد الدرج ثانيةً وولج لشقتهم وهو ما زال يعصر ذهنه.
وضعت يدها على قلبها، استندت على الجدار من خلفها تحاول أن تهديء من قرع الطبول الذي انفجر داخلها مالذي يحدث لها؟  لما دق قلبها بقوة في حضورة؟  نفضت  الافكار عنها وتوجهت لخارج البناية كي تستقل سيارة أجرة وترحل عن هنا.
 دخلت المنزل وجدته هادئً تقدمت من غرفة جدتها فوجدتها نائمة، اقتربت منها وطبعت قبلة على رأسها، فتحت الجدة عينيها وابتسمت لها، استغربت كثيرًا فالوقت ما زال مبكرًا
والمغرب لم يؤذن بعد، سألتها أهي بخير، أخبرتها أنها بأفضل حال، طلبت منها الجدة ان تستلقي بجانبها قليلًا، انضمت لها فغمرتها الجدة بأحضانها ومسدت بيديها التي خط عليها الزمن علامات الكبر على ظهرها، سمعا آذان المغرب فقاما كي يؤدوا الفريضة، ساعدت جدتها ووجهتها نحو المرحاض كي تتوضأ.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 وصل لمنزله متأخرًا اليوم، قضى الكثير من الوقت مع العملاء كي يستقروا على تحديد ما سيقوم به ،جلس على الأريكة يريح جسده قليلًا، تقدمت منه حورية بابتسامتها العذب جالسه بجانبه تمسد على ذراعه بلطف فأمال هو رأسه على كتفها ينعم بالراحة في كنفها،  ظلا هكذا حتى فتحت سدرة الباب فجأة بعدما صعدت من عند خالها والتي أخبرته بما يخص أمر تجديد الصيدلية، اعتدل يونس في جلسته وابتسم لها كي لا يحرجها، اقتربت منه مقبلة وجنته ثم  تحججت بالذهاب لعرفتها كي تنهي بعض أعمالها، نظرت له زوجته بحرج وقد احمر وجهها ، لمسه بلطف ولم يلبث أن يتكلم إلا وارتفع رنين هاتفه، اخرجه من جيبه فرأي اسم نور يزين الشاشة، رد على الفور وقد تفاقم قلقه،  كانت تبكي وهو لا يعرف ما بها ، هب واقفًا حاول تهدئتها وأعلمها أنه أتي على الفور...
 
يتبع

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن