الفصل الحادي عشر

22 2 2
                                    

البارت الحادي عشر.

 السعادة التي تحوي القلب أشبه بشمس ديسمبر التي حينما  تسطع تغمر الكون بدفئها مانحة الجميع الحب والأمان دون مقابل، تجلس الفتيات بالشرفة يثرثرون دون ملل وبالأخص سدن التي باتت لا تتوقف عما تنوي فعله، نظرا إليها كلا من نور وسدرة بملل ، استدارت سدرة وغمزت للأخرى ففهمت عليها وسرعان ما أنقضوا عليها وضعت سدرة يدها على فمها وقالت بحنق ونفاذ صبر:
-             يا بت اتهدي بقى إيه مزهقتيش، دا انا زوري وجعني بدالك.
نظرت لها الأخرى بغضب  ثم قامت بغرز اسنانها بيدها، ابتعدت متأوه  ناظرة لها بحنق، هرولت سدن تجاه باب الشرفة  تغيظها مخرجة لسانها لها ثم فرت هاربة على الأسفل، ضحكا على تصرفاتها الحمقاء، جلسا الفتاتان مرة أخرى على أرضية الشرفة دون حديث، تناولت نور دفتر الرسم خاصتها بعد أن قامت بجذب القلم من عقدة شعرها حيث تحتفظ به كالعادة، انشغلت في رسم شيء دون وعي منها  وهي شاردة الذهن،
أما عن سدرة فقد انشغلت بالبحث عن انشودة تستمع إليها، ظلت تبحث حتى وجدت ضالتها قامت برفع الصوت قليلًا حيث أنساب صوت “حمزة نمرة"  وأخذت هي تتمتم معه وعقلها رحل بها لذكرى بعيدة
 
" في ناس بتسيب لك علامة في قلبك لو مهما بعدوا لفين، وناس مش فارق وجودها  في روحك لوحتى عشرة سنين، في ناس مش بتقول بتعمل  وجنبك في الشدة تظهر وناس حلفت لك تكمل لكن زي الورد تدبل، في ناس من قلبك تعدي فتاخد أكتر ما تدي وناس من روحك تهدي تشوف بها الدنيا أجمل"
انتبهت نور للكلمات التي تصف حالها  بدايةً من ترك والديها لها حتى اليوم، ابتسمت بدفء لما هي عليه الآن، نظرت تجاه ما رسمته فجحظت عيناها بشدة، أخذت تمرر نظرها على ما خطته يدها فتوترت كثيرًا وأغلقت الدفتر سريعًا خشيةً أن يراه أحد.
 
نزلت الدرج بمرح وقلبها يكاد يطير من فرحته، ما انتظرته طويلًا تحقق وعاد الطير المهاجر لعشة مرة أخرى، فتحت باب الشقة فقابلها وجه والدها المتبسم، اقتربت منه مقبلة وجنته وعيناها تدور بالمكان باحثة عنه، خاب أملها حينما أخبرها والدها بأنه مازال في عمله، قل حماسها فهي تطوق لرؤيته والتمتع بدفء أحضانه، اتجهت صوب عرفتها بعد أن استأذنت من والدها، عاد مالك لما كان يفعله قبل مجيئها، انشغل بتصحيح بعض الاختبارات.
فتح حمزة باب المنزل وظل واقفًا دون حراك، رمق أبيه الغارق في أعماله عن كثب، تمعن في الشيب الذي زين رأسه ولحيته وهو متيقن بأن كل شعرة بيضاء  أخذت من عمره الكثير، كيف له أن يخذيه ويخيب ظنه به، لما؟ ووالده لم يقصر معه بشيء، أنب نفسه على ما اقترف بحقه وتمكن الحزن من قلبه، تقدم منه ببطء وكل خطوة يخطوها تحي ألم جديد بداخله وكأنه يسير على أشواك تسبب له وخزة أليمة، يتذكر ما كان يفعله معه ووالده، كم العطاء والحنان الذي اغدقه به، لم يتوان عن تعليمه وتنشئته تنشئة سليمة، لم يبخل عليه بالعلم وارشاده للطريق الصحيح، يشعر بالخزي من نفسه على ما أل له حاله، وقف أمام أبيه منكس الرأس لا يعرف من أين يبدأ ولا ما الذي يقول كطفل صغير ينتظر العقاب، تعجب حمزة من وقفته فترك القلم من يده وانتبه له، سأله ما به؛ لكن قابله الصمت، تسرب القلق لقلبه وظن أنه أصيب بسوء، وقف بمقابلته يرفع وجه ويتفحصه يسأله بلهفه عما به، تفاجأ بتلك الدموع المسترسلة على وجه ابنه، أجهش حمزة في بكاء مرير، تحدث من بين شهقاته معتذرًا لوالده يطلب منه العفو، يترجاه ألا يغضب عليه،  ظل يغمغم بكلمات غير مفهومة  متأسفًا نادمًا عما بدر منه فقال :
-       أنا أسف أرجوك سامحني أنا عارف إني غلطت واستاهل كل اللي يجرالي بس أنا قلبي واجعني أوي، اضربني وعاقبني وأنا مش هفتح بوقي، المهم تسامحني، أنا عارف اني مستاهلش عشان خيبت أملك بس أنا ماليش غيرك.
رق قلب مالك له وجذبه في عناق احتوى روحه المتألمة، ظل يربت على ظهره حتى يستكين، أخذه وجلسا على الأريكة وما زال حمزة على حالته، يستشعر مر ما فعله في حلقه وغصته لا زالت تعتصر قلبه، نظر لأبيه والأسف في عينيه، دنى من يده وأخذ يقبلها، ربت على يده وقال بحنان محاولًا احتواء ولده:
-       الحمد لله انك فوقت، مش مهم اللي فات يا حمزة المهم اللي جاي،  أنت ابني ومسامحك على كل شيء المهم ربنا يسامحك، الدرس اللي اتعلمته كان قاسي بس لابد منه عشان تتعلم، عارف عامل زي إيه، زي الدوا المر اللي بياخدوا المريض يستحمل مرارته عشان يشفي ألمه، خلي بالك على نفسك وأنا دايمًا معاك.
هب واقفًا مقبلًا رأس والده أخذًا عهد على نفسه ألا يعود لهذا الطريق ثانيةً، نظر في طيف ابنه ولديه احاسيس متناقضة، فرح بنجاته مما كان فيه، وقلبه يؤلمه على ما ستسببه تلك القترة من آثار مؤلمه في نفسه.
 اتجه ناحية غرفة والدته وهو متيقن من غفوتها في هذا الوقت كعادتها ،اقترب من الفراش مقبلًا رأسها بعمق، دثرها جيدًا وخرج صوب غرفة صغيرته، تلك التى ابتعد عنها دون سابق انذار، روحه وقطعة من فؤادة، كان يتألم لفراقه لها؛ لكن كان هناك ما يمنعه عنها، كان يتفتت فؤاده عندما يرى دموعها التي تنزل بسببه، تنهد بعمق وطرق الباب بهدوء ثم دخل بعد سماع صوتها،  وجدها جالسة خلف مكتبها رفعت بصرها جهته ثم خفضته واضعة يدها على وجنتها عابسة الوجه، ضحك على مظهرها وهو يعلم أنها تتصنع ذلك، فقلبها بريء صافي سيسامحه على الفور، ناداها بصوت خفيض وبأكثر الاسماء المحببة لقلبها، رفعت أنظارها إليه مرة أخرى كم اشتاقت لتدليله لها، تطوق للغوص بأحضانه التي تشعرها بالأمان، ظلت على وضعها فقط تنظر إليه بتمعن ، أقترب منها وهو يتألم لأجلها، مد يده مبعثرًا  شعرها وضحك بخفة عليها محاولًا اضفاء المرح على حديثه، فغرت فاها لفعلته فقد فات زمن عل  مشاكسته لها لم تصدق وارتسمت ابتسامة بلهاء على وجهها، هزها بلطف وقال بمرح:
-             هتفضلي متنحة كدا كتير يا بنت، اقفلي بقك لناموسة تدخل فيه ولا حاجة.
ابتسمت له وقد لمعت الدموع بعينيها وسرعان ما جرت على خديها امسكت يده خشية أن يتركها ويرحل ، ابتسم بحزن ومسحً دموعها وتأنيب الضمير يجلده، طبع قبلة على جبينها ثم جذبها في عناق اشتاقت له الأنفس وهفت إليه الروح،  لطالما كان ملجأها وحاميها، تتذكر ما كان يفعله معها وكم كان حنونًا مراعيًا لها، شهقات متقطعة صادرة منها وصوتها المكتوم وهي تقول له:
-             وحشتني أوووي يا حمزة بالله متبعد عني تاني أنا محتجاك جنبي دايمًا.
ربت على رأسها نزولًا برأسها  وقلبه يتألم لحزن صغيرته وقال بنبرة مليئة بالحب والحنان:
-             وأنت كمان يا حبيبتي وحشتيني خلاص متقلقيش مش هبعد أبدًا بس أنت تسامحيني .
نظرت له وهومت بالإيجاب لا تصدق أنه قد عاد اليها،  كان رده إماءة برأسه  تبعها  بقبلة على جبينها سار معها حتى الفراش  وجلسا عليه، ظلا يتحدثا كثيرًا حتى ظهر الحماس عليها  وظلت تقص عليه كل ما حدث معها وعلاقتها الجديدة بنور، تثرثر بكل شيء وأي شيء فقط تريد أن تشعر به جانبها، أما هو فقد شرد في حديثها عن نور  لم يدري لما خفق قلبه على ذكرها، هناك نبضة خفية لأجلها،  لكن الجدير بالذكر أنه بات مستمتعا بالنبضات التي تخصها وحدها.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
جميل هو الحب المبني على الود ورضا الله، تلك المشاعر التي تجتاح القلب والجوارح، تجعلك وكأنك تحلق بعالم آخر؛ شعور رائع  يمنحنا السكينة والطمأنينة دون زيف أو خجل حب نقي خالٍ من أي نفاق أو قلق يصيب القلب في معقل.
منذ أن رأها خلسة وهو دائم التفكير بها،  يعلم أنه ارتكب خطأ لكنه تاب ووعد الله بأنه لن ينظر إليها مرة أخرى سوف يغض البصر ويحفظها كي لا يأخذ ذنب بها، ذهب عابد  صوب والدته وجلس بجانبها  بعد ان قبل يدها كعادته، أخبرها أنه سوف يتقدم لفتاة واليوم سوف يحادث والدها اجتاحتها الفرحة أخيرًا أخذ  الخطوة   الاي تمنتها كثيرًا، ابتسمت بسعادة  وربتت على كتفه ودعت له بالتوفيق وتيسير الأمور.
لم يستطع الانتظار وهاتف مالك وقال أنه يريده في أمر هام، أخبره  الأخر أنه في المسجد فلا ضير في مقابلته هناك، بدل ملابسه وودع والدته وذهب ،
بعد قليل كان قد وصل للمسجد وقد صلى ركعتين تحية المسجد، بعدها نظر حوله باحثًا عن مالك فلم يجده، أخرج هاتفه وحادثه أخبره الاخر أن يصعد له في الطابق الثاني،  وصل إليه وقد قابله مالك ببشاشته المعهودة، القى عليه السلام وأخذه حيث يتواجد العمال، ألقى نظره  على الجميع من حوله وهم يعملون بجد حدثهم ببعض الكلمات المشجعة ودعا لهم، أستأذن منهم مالك وأخذ عابد وجلسوا بعيدًا عنهم،  عندما وجده مالك صامتًا فسأله ما الأمر الهام الذي لم يستطع تأجيله للغد؟، تنحنح عابد وقال له:
-الحقيقة يا شيخ أنا عايز أتقدم للأنسة سدرة بنت أخت حضرتك، أنا شوفتها مرة لما كنت في الصيدلية عند حمزة أتمنى حضرتك تكلم باشمهندس يونس وتبلغني.
نظر له مالك متعجبًا لكنه سرعان ما هوم بالموافقة ربت على يده وقال له بحبور:
-أنت عارف يا عابد إني بعزك وسدرة دي بنتي وأنت شخص محترم وكويس متمناش حد أفضل منك ليها، أنا هكلم يونس بإذن الله واعرفك استنى مني تيليفون.
شكره عابد كثيرًا وطلب منه ألا ينسى  فضحك عليه الأخر على ما يبدو أنه ليس بصابر، طمأنه أنه سيحدثه حينما يعود، ظلا يتحدثان حتى استأذن عابد ورحل،
نظر مالك في طيفه وهو يدعو إن كان خيرًا فليتمه الله فهو على علم بعابد واخلاقه وايضًا عائلته ذات أصل طيب، تنهد ثم قام تجاه العمال مرة أخرى.
 
عند عابد ما لبث أن صعد لسيارته فرن هاتفه باسم حمزة، ابتسم  فعلاقتهما قد عادت من جديد  بشكل جيد على الرغم من أنه يكبره بسنتين لكنه يحب صحبته، أجاب على اتصاله وبعد السلام طلب منه إن كان متفرغًا يأتي إليه بالصيدلية فهو  يريده، وافقه عابد وقاله انه سيأتي على الفور،
خطى داخل المكان وحين رفع بصره وجدها تجلس خلف المكتب ابتسم ريثما وجدها مشغولة في تدوين بعض الأشياء، انزل بصره سريعًا محافظًا على وعده، تحاشى النظر إليها واتجه صوب حمزة وألقى السلام، رد حمزة السلام ورحب به بحبور ومحبه،
 وبعد مرور القليل من الوقت نادت سدرة على حمزة المنشغل في الحديث مع عابد واستأذنت منه في الذهاب للمنزل، لم يعترض وخرج معها حتى استقلت سيارة اجرة ثم عاد للداخل مرة أخرى،
كان محمد منشغل مع أحدى الزبائن حينما دخل عليه شاب وطلب منه اسم دواء ما، رفض محمد طالما لا يوجد معه روشتة من الطبيب، ترجاه الشاب كثيرًا لكن محمد ثبت على كلامه، تركه الشاب وعاد أدراجه من حيث ما جاء ، كان متابعًا للحوار من بدايته، اراد أن يرى كيف سيتصرف معه، لا ينكر أن محمد بتصرفه ذاك  زال شكه  قليلًا ؛ لكن ما زال حدسه يخبره بأن هناك شيء
 انضم اليهم علي بعد قليل وسلم على عابد والسعادة تغمره  ،  وها قد تجمع الأصدقاء من جديد بعد أن فرقتهم دروب الحياة فقد كانوا اصدقاء في الطفولة على الرغم من عدم تواجد صلة قرابة أو معرفة بين الأهل إلا أن الصدفة جمعت بينهم في المسجد الذي كان والد حمزة يُحفظ فيه الأطفال، فنمت صداقة والفة بينهم ودامت وقتًا طويلًا حتى انتقل عابد مع عائلته لمكان آخر وانقطعت أخباره.
  تحدث عابد مشاكسًا حمزة:
-        عارف يا علي لما كنا بنحفظ في المسجد صاحبك كان يعيط عشان أنا ختمت قبله ووعدني إنه هيختم على طول ونراجع مع بعض، بس للأسف مكملتش عشان عزلنا على طول، فاكر يا حمزة .
ابتسم  له وأكد على حديثه وقال:
-        بعدها بشهر بالظبط كنت ختمت، كان نفس تفضل معايا والله.
ربت على كتفه وقال بابتسامة:
-        الحمد لله إننا اتقابلنا تاني.
نظر لهم علي بملل وقال:
-        طب إيه يا حلو منك مش وقت جو ذكريات وحنين هو، إيه مجعتوش أنا جعان.
نظر له وقال:
-        مش هتتغير يا علي همك على بطنك.
ضحك عابد ونظر لعلي وقال:
-        هو أنت لسه العادة دي فيك؟ نفسي أعرف بتودي الأكل فين.
-        أه أنتوا هتقسموا عليا أنا قايم رايح لمراتي تشوف لي حاجة أكلها.
ضحكوا عليه واقترح عليهم عابد أن يطلبوا الطعام، حدث حمزة  مطعم للبيتزا وطلب أربعة بأنواع مختلفة كما يحب كل منهم،
 
بعد قليل استأذن منهم علي كي لا يتأخر، لحقه محمد كي يطمئن على أخيه ووالدته بعد ان شكر حمزة على الطعام، جلس حمزة  شاردًا ولم ينتبه للسيدة التي دخلت، لكزه عابد فناظره الأخر باستفهام أشار له باتجاه ما، نظر على ما أشار  وتقدم منها مبدي اعتذاره لها، أتى بما تريده من أدويه وحاسبته ورحلت، جلس على المقعد وقد بدا وجه حزينًا  سأله عابد عما به ولما خو شارد ومهموم، طمأنه أنه بخير، هز راسه دون اقتناع لكنه لم يعقب، تنحنح  عابد واخبره بأمر تقدمه لخطبة سدرة حتى لا يتفاجأ، نظر له بعدم تصديق ، سدرة كيف؟  ظل ينظر له طويلًا فارتبك عابد من أن يكون رافضًا او يوجد شيء أخر فقال بترقب:
-        مالك يا بني سكت ليه.
-         الموضوع فاجأني دا غير إني مش متخيلها تتجوز وتبعد عني تاتي.
نظر له بحيره وغضب أيضًا ماذا يقصد بحديثه هل هو يحبها؟ قاطع شروده صوت حمزة وهو يقول:
-        وصلت لحد فين يا بني؟
-        ها؟ معاك أهو أنا بس قولت أعرفك عشان متتفاجأش.
-        تمام ربنا يقدم اللي فيه الخير، صدقني بتمنى يكون لكم نصيب في بعض سدرة مش بس أختي دي تعتبر توأمي.
نظر له بجهل وقد خلط عليه الأمر  يريد تفسير لما يقول، ضحك الاخر وقال بحب:
-        أنا وهي اتولدنا في نفس اليوم وماما تعبت شوية بعد ولادتي وعمتي هي اللي اتولت الاهتمام بيا وبقينا أخوات في الرضاعة وتوأم يعتبر.
ضحك عابد وقد انشرح صدره  تنفس براحة وقال بفرحة لم يستطع اخفاؤها:
-        ربنا يكتب لينا الخير، ابقى طمني لو عرفت حاجة.
نظر له الأخر بمكر وأشار بالنفي ثم غمز له وأنفجر ضاحكًا، نظر له عابد بغيظ ولكمه في كتفه ،دنى منه وهمس له قائلًا:
-        مش عايز منك حاجة بكرة اشوفك واقع على بوزك واتشفى فيك، سلام.
ودعه ورحل تاركًا الأخر هائمًا في أفكاره، أهو لم يغرق بل والله يشعر بأن قلبه قد سقط في حبها وانتهى الأمر.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
يا رفيق الدرب هل لي من رجاء، أن تبقى حدي دون فراق، فما أسمى شعور الود بين الأصدقاء، والطمأنينة في الروح ما دمت في الجوار.
تجلس سدرة بتعب جوار سدن المتسطحة على الأريكة، بينما تنظر إليهم نور كاتمة ضحكاتها على حالتهم تلك، اقتربت منهم ففعلت سدن بعض الأشكال المضحكة بوجهها ويدها فعلت ضحكاتها ترج المكان، جلست على الأرض لا تقوى على الوقوف، فهم للتو أنهو تنظيف المنزل وتبقى فقط الشرفة فتهربا منها مثلت سدن بأنها مصابه بالشلل أما سدرة فقد أغمضت عيناها متصنعة النوم، اعتدلت واقفة وحثتهم على مساعدتها لكنهم أبوا، ناظرتهم بغيظ وخرجت للشرفة متوعدة لهم، تأكدت من أن حجابها على مايرام وفتحت الستائر ثم أخذت في جمع الأشياء وفردها على سور الشرفة وشرعت في التنظيف،
أما في الخارج كانت تجلس سدرة شاردة في أحداث الصباح،
"فلاش باك"
كانت تجلس مع والدتها يتابعون أحدى برامج الطبخ حينما جلس والدها وطلب منهما الاصغاء له أطفأت حورية التلفاز وانتبهت له، نظر لسدرة بحنان ووضع يده على كتفها وقام بضمها إليه، وقال قاطعًا تفكيرهم:
-        دورا حبيبتي في شاب كلم مالك وطال إيدك، هو اسمه عابد ظابط شرطة عنده ٢٩ سنة مالك بيشكر في أخلاقه جدًا، إيه رأيك؟
نظرت له بتوتر فهي تخشى كلما تقدم إليها احدهم الكثير قابلتهم ولم ترتاح لاحد منهم، قد فات الكثير من الوقت ولم يتقدم لها أحد فكانت مطمئنة اعتقدت أنها لم ترتبط للأبد، نظرت لوالدها ولا تعرف ماذا تقول، فأمسك بيدها وطمأنها، تدخلت والدتها قائلة:
-        بصي يا حبيبتي أقعدي معاه وشوفي إيه اللي هيحصل وبعدين طالما من طرف مالك متقلقيش أكيد شاب كويس.
أماءت لهم وقالت لوالدها حينما أخبرها أنه سيخبره بأن يأتي بعد الغد فهو نهاية الأسبوع ويراه مناسبًا:
-        اللي تشوفه يا بابا أنا واثقة في حضرتك وخالو
"باك"
عادت من شرودها على صوت سدن تحثها على النهوض ومساعدة نور.
دخلا عليها الشرفة وجداها تقف في زاوية بعيدة تنظرللأسفل بتوتر، تقدمت سدن وسألت مابها فقالت وقلبها تزداد خفقاته:
-        بصراحة وأنا بفرد السجادة عشان انفضها مبصتش تحت فجت على دماغ اخوكِ.
ضحكت سدرة وتقدمت من الشرفة فلم تجده ابتسمت وقالت لها لابأس أنه ليس بإرادتها وهو سيتفهم ذلك، ساعداها في النتظيف وكانت سدن تمازحها من وقت لآخر حتى تمحو الحرج عنها، أنتهوا من الشرفة وجلسوا بغرفة نور فقالت سدرة على حين غرة:
-        أنا متقدم لي عريس وجاي يوم الخميس.
نظرا لها بمفاجأة لكن سرعان ما طغت السعادة عليهم و باركوا لها  متمنين الخير والتوفيق، حدثتهم عن مخاوفها  وما يقلقها ،فكلمتها نور بحكمة وتعقل أنه لا داعي لكل الأفكار السلبية، نبهتها لصلاة الاستخارة والاستعانة بالله وكل الامور ستكون على ما يرام،
اقتربت سدن من سدرة وامسكت بملابسها في مزاح وقالت:
-        تعالي بقى احكي لي تفاصيل التفاصيل اللي خلت الدوك  يرجع زي زمان وأيه اصلا اللي خلاه يبعد، وبأدق التفاصيل.
ضحكت نور فهي تستمتع كثيرًا  بالمزاحات والمشاجرات المفتعلة بينهم، قصت عليهم سدرة كل ما حدث ولم تدر بأنها قد بثت سعادة وحزن في قلبين، فقلب سدن فرح بعوة أخيها أما عن القلب الذي تألم على ما سمعه فقد حزنت إذًا فهو يحب حتى ولو صارت خارج حياته ستبقى في ذاكرته فليس من السهل اخراجها من قلبه طالما كان يحبها غزت الدموع عينيها مهددة بالنزول فأخبرتهم انها ستذهب للمطبخ، خرجت واستسلمت لدموعها  التي لا تعرف سببها سوى أن قلبها قد خانها وأحب من لا يفترض أن يحب، ربما هي أخطأت لكن القلوب ليس عليها سلطان، مسحت دموعها ودعت الله أن يبرئ قلبها من هذا الحب العقيم الذي لا يجدي طالما هو يحب أخرى، كل ما سمعته هو وجود فتاة ولم تنصت لباق الحديث الذي ربما كان سيخفف وجعها.
 قبل قليل عند حمزة وأثناء خروجه للشرفة قد سقط شيئًا على رأسه ظن انها سدن تمزح معه، فقال بصوت عالي كي تسمع:
-        إيه يا سدن ناوية تقتليني ولا إيه خدي بالك يا بت.
وعندما لم يسمع إجابة منها نظر للأعلى وجد من أرقت نومه ونبض من أجلها فؤاده تنظر له بصدمة وسرعان ما عادت للداخل، وضع يده على رأسه وابتسم على شكلها اللطيف وكأنها طفلة تخشى عقاب أبيها، توجه للداخل جاذبًا سترته وأخذ أشياءه و رحل ولا تزال الابتسامة مرتسمة على وجهه وقد عزم على شيء لكن حينما يرى موضوع سدرة وعلام ينتهي.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 
زخات المطر تهطل بغزارة والصقيع يلتف المكان، ظلمة السماء مكسوة بقطرات المياة وصوت الرعد يدوي عاليًا، الجو خارجًا لا يحبذ به الخروج، فقررت العائلة قضاء ألأمسية مع بعضهم ملتفين حول المدفأة كلًا منهم يفرك يديه عله يجد حرارة الدفء؛ لكنهم لا يعلمون أن لمتهم هي التي تدفء القلب وتؤنس الروح، كان يجلس كل منهم بجانب زوجته، أما حمزة  يتوسط الفتاتان يستمتعون بالأجواء التي تنم عن المحبة ، أخذتهم الأحاديث والحنين للذكريات التي أخذت بالتدفق عليهم،  فيضحكون مرة ويحزنوا أخرى،  كان يونس يمازح سدن وهي مستمتع بهذا كثيرًا،  لم تخلوا الجلسة من مشاكساتها والتي استغلتها لصالحها وباتت تمازح سدرة  وتغلظ عليها شاركها شقيقها  حتى يأست منهم فتوقفت وقالت أنها ذاهبة لنور، أخبرها مالك بأن تجعلها تأتي وتجلس معهم أماءت له واتجهت للأعلى.
 
تقف خلف الزجاج تناظر حبات المطر الهابطة من السماء والتي تصيب الزجاج رفعت يدها لأعلى تتحسس القطرات وتهبط معها ، هذه  عادتها تحب أن تحرك اصابعها على مياه المطر وكأنها هي التي تسقط، ضمت شال جدتها واحكمته حول قدها النحيف، ضرب الحنين قلبها لذكريات جدتها معها، المشروب الدافئ  وكرات الخيط تتحرك هنا وهناك بينما هي تتكأ برأسها على فخذ جدتها، ولا تمل جدتها من سرد الحكايات الوهمية التي توارثتها، كانت مستمتعة بها على الرغم من معرفتها بأنها ليست حقيقة، ابتسمت باشتياق ودعت لها بالرحمة، اتجهت للخارج وفتحت شرفة الردهة مقتربة من حافة السور ومدت يدها حيث الفراغ فصارت قطرات المطر تداعب كفيها وتتراقص عليها، أغمضت عينيها بانتشاء وظلت تدعوا بكل ما تتمنى دعت للجميع ولا تغفل عن أحد، ملئت كفيها بالماء ومسحت به على وجهها فسرت في جسدها رعشة برد لذيذة، نفضت الماء من يدها وضمت الشال لها أكثر باحثة عن الدفء، توجهت للمطبخ كي تخرج الكعكة التي اعدتها وتبدأ بتزينيها، انتهت منها ووقفت صامته حتى ذهبت صوب الموقد كي تعد مشروبًا دافئًا، قاطعها جرس الباب فاتجهت نحوه، وجدت سدرة التي أخذت تنفخ بكفيها افسحت المجال كي تدخل لكن الأخرى باغتتها بجذبها ورغبتها في الجلوس معهم، سحبت يدها بهدوء وطلبت منها انتظارها قليلًا، هرعت للمطبخ وجاءت بالكعكة وذهبت مع سدرة حيث الجميع.
فتحت لهم سدن والتي ابتسمت باتساع لنور وغمزت لها بشقاوة فضربتها نور على رأسها بلطف، القت السلام على الجميع ووضعت ما بيدها على المنضدة، جلست على الكرسي الذي بجانب يونس وحورية، بينما  نظرت لها جنة بود وشكرتها على ما أعدته، جاءت سدن بالأطباق واعطت والدتها السكين، قطعتها جنة ووضعت لكل منهم قطعة في الطبق وقامت سدرة وسدن بتوزيعها.
  جاء حمزة الذي قد ذهب لوضع هاتفه على الشاحن، وجدهم يتناولن الكعك ولم يلحظ وجود نور  فقال بمرح:
-        خيانة بتاكلوا كيك من ورايا، ما صدقتوا دخلت الاوضة.
ضحك الجميع وقدمت سدرة له طبقًا وقالت ان نور أعدتها، نظر تجاه ما اشارات فوجدها تنكس رأسها فابتسم وشكرها،
اجفلت من صوته ولم يكن في حسبانها أنه متواجد، ابتسمت  وهزت رأسها دون حديث، جاءت سدن وجلست على حافة المقعد وضمت نور بحب ووقال بمزاح:
-        تعرفي إني بحبك يا نونو ، كل يوم تعملي لي كيك قمر كدا وكتري شوكلاتات بقى ودلعيني.
ضحكت نور بهدوء وربطت على يدها وقالت بحب وصدق:
-        بس كدا عيوني للصغنن.
صفقت سدن بيدها وقبلت نور على وجنتها ونظرت لسدرة واخرجت لسانها وقالت مستمتعة بإغاظتها:
-        الكيك ليا لوحدي يا دورا ها عشان تبقي تخبي مني الأيس كريم كويس.
علت ضحكاتهم من جديد فعلى ما يبدو أن الصغار في تلك العائلة يضفون جوًا من المرح، فلا بأس بأخذ قسط من السعادة بجانب من نحب،  تفاعلت معهم نور وشاركتهم الحديث دون أن تنظر لحمزة حين يتحدث، كانت تستمع لحديث مالك  وقد شعرت بالود تجاه هذا الرجل الذي لم يبرح في معاملتها كأبنته ارتسمت على شفتيها ابتسامة عذبة وضمت الشال لجسدها أكثر ووجدت نفسها تسأل بفضول واندفاع:
-        عمو مالك هو أنت ليه سميت سدن بالأسم دا أشمعنا يعني أصل بصراحة أول مرة أسمعه.
نظر لها مالك بابتسامة وقال بحنين للذكرى وقد جذب يد زوجته ضاغطًا عليها بلطف وقال موجهًا بصره لسدن:
-        بعد ما ربنا رزقنا بحمزة  فضلت جنة حوالي سبع سنين ميحصلش حمل وروحنا لدكاترة كتير ومفيش سبب ولما زهقت جنة من العلاج قلنا احنا هنسيبها على ربنا وزي ما تيجي احنا الحمد لله واثقين إن ربنا هيرزقنا  باللي فيه الخير لينا، بعدها بفترة كان ليا قريبي في السعودية عملي دعوة أنا وجنة وروحنا عملنا عمرة وفي مرة واحنا هناك كان في طفلة تايهة من والدتها فجنة لقتها  اخدتها وفضلت تهديها روحنا عند الأمن عشان نلاقي والدتها.
أكملت جنة بحنين وحب وقالت:
-        كانت جميلة أوي حبيتها واتمنيت ربنا يرزقني ببنوتة جميلة كدا، جت مامتها وفضلت تشكرنا وعزمتنا عندها وعرفت إني بقالي سبع سنين مخلفتش، أخدتني وروحنا عند الكعبة وفضلت تدعي لي وانا كمان دعيت كتير وقالت لي لو جبت بنت هتسميها إيه، قولتلها معرفش، خدت إيدي ومشتها على كسوة الكعبة وابتسمت وقالت إن شاء الله تسميها سدن معناه كسوة الكعبة  وبيطلق على خادم الكعبة، ولما رجعنا مصر شهر واحد وعرفت إني حامل  وجت أجمل سدن في الدنيا.
اقتربت منهم سدن وامتلأت عينيها بالدموع واندست بأحضانهم، نظرت لهم نور ورفعت يدها كي تمحو دموعها المتأثرة بهم داعية من قلبها أن يحفظهم، ربتت حورية على يدها وقالت بمرح:
-        مالك اخويا وحبيبي هيخلي جنة تقولنا أنشودة نفرفش بيها شوية صح.
نظر لها مالك بغيظ وهز رأسه بالرفض، نظرت له بسخط وقالت لزوجها وهي تنظر إليه:
-        هو انت مش  ابن عمها وفي مقام أخوها ولا إيه متخليها تغني
ضحك عليها ورفع كفيه علامة للاستسلام وقال من بين ضحكاته:
-        أنا  في مقام أخوها اه لكن هي في عصمة راجل مقدرش اتكلم.
نظر له مالك وغمز بعينه وقال:
-        حبيبي يا ابو الصحاب.
-        اتفقتوا عليا انتوا الأتنين يعني طيب مش عايزين، بت يا سدن غني.
-        بالله يا خالو حوش مراتك عني أغني إيه دا انا صوتي نشاذ.
هبت سدرة واقفة وقالت بمزاح:
-        Stop,  الدوك اللي هيقول لينا مدح عن الرسول يالا يا دوك قسم وسمعنا.
انفجروا ضاحكين وشجعه الجميع كي ينشد، تنحنح ثم بدأ في الإنشاد فكان صوته عذب يشجي القلب ويطربه:
-لغة الكلام كما رأيت على فمي، خجلى ولولا الحب لم أتكلم، يا مظهر التوحيد حسبي أنني، أحد الشداة الهائمين الحُوّم، ما حيلة الشعراء زاد غناؤهم، رهبًا لدى هذا الجمال الأعظم ، كل المعاني إن وُصِفتَ تضاءلت وتحيّرت في كُنهك المتلثم، يا هذه الدنيا لأحمد فاسلمي، وامشي وراء محمد وكفى به نورًا يضيء هدىً لكل ميمِم، صلى عليه الله نورًا هاديًا متعبدًا في غاره لم يسأم.
ابتهال' لغة الكلام على فمي خجلى' للنقشبندي. "
صلوا جميعًا على الحبيب(صل الله عليه وسلم) أما عن نور
فكانت شاردة في الكلمات وصوته الذي تسلل لبؤرة فؤادها تبتسم بحب ثم سرعان ما تتذكر ما يعكر صفوها فتخبت ابتسامتها وتنهر قلبها الأحمق،
انتهت  الأمسية الرائعة بأجمل الكلام لمدح خير الأنام، ذهب كل منهم لمنزله وفي قلب كل منهم فرحة وطمأنينة.
🌸🌸🌸🌸
يتبع

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن