البارت التاسع

21 2 1
                                    

 
 الفصل التاسع
هاتف مالك وطلب منه أن يأتي معه على الفور ، أخبره بأنه سيسبقه للسيارة، خرجت حورية  والقلق ينخر بقلبها أخذ يدها وتحركا للخارج، استقلا المصعد وتوجهوا صوب مالك، وقبل أن ينبث بكلمة قص عليهم يونس كل شيء، وجد حورية متوترة فحاول تهدئتها وبث الثبات فيها كي لا تنهار نور، هزت رأسها ايجابًا وقرأت بعض الآيات علها تهدأ، وصلا للبناية  ثم حدثتها حورية كي تعرف في أي طابق هي، صعدا سريعًا وتبقى مالك بالسيارة،
فتحت لهم نور التي ألقت بنفسها داخل احضان حوريه، كانت تنتفض والرعب مسيطر عليها،   ربتت على ظهرها  علها تهدأ، سألتها ما الذي أصاب  جدتها، أشارت لهم بصمت ناحية الحجرة بدموع مستغرقة على وجهها،  دخلت  حورية فوجدتها مغمضة العين اقتربت منها ممسكة  بمعصمها فوجدت النبض ضعيف ووجهها شاحب،  توجهت للخارج تحث زوجها على طلب الإسعاف، أخبرتهم الأخرى  أنها هاتفتها ولم يصلوا للأن، عاود الاتصال بهم مرة أخرى حتى يجعلهم يأتوا سريعًا.
حضر المسعفون ونقلوا الجدة داخل العربة سريعًا، لحق بهم البقية  على الفور ، جلست نور بأحضان حور قلقة على أن يصيب جدتها مكروه، لن تتحمل ألم الفراق ثانيةً ، تجزم أن قلبها يكاد يخترق جنبات صدرها من شدة الهلع، لم يتبق لها سواها ودونها ستكون عزلاء أمام سطوة الحياة  من حولها، احتوتها بحنانها وحبها كانت الأقرب إليها حينما تخلى عنها من هم من دمائها،  كانت الأم حينما تخلت عنها  والدتها ، ظلت تدعوا ودموعها المنسابة كأنها جمر يحرق روحها، حاولت حورية امتصاص حزنها والتهوين عليها أخذت تحدثها عن حسن الظن بالله وفضل الدعاء كي لا تنهار أكثر من ذلك.
استقبلهم الطبيب الذي أجرى فحصًا عليها،  أمر بعمل فحص شامل من تحاليل واشاعات حتى يطمئن أكثر، تركهم ولم يشف عليل قلبها ويبث الطمأنينة بداخلها، جلست على المقعد وأخرجت مصحف صغير وشرعت بالقراءة.
ابتعدت عنها حور قليلًا كي تجيب على الهاتف، سردت لابنتها ما حدث وأمرتها أن تنزل عند جنة ولا تمكث وحدها، لم تعترض وطلبت منها طمأنتها من حين لأخر، حاولت ان تحدث نور لكن والدتها رفضت حتى لا تنهار، كان مالك يحدث حمزة ويطلب منه أن يأتي لهم بالمال تحسبًا لأي شيء، أغلق معه وتوجه صوب يونس وأعلمه بما فعله.
 جاء حمزة وانضم لأبيه وخاله وبنفس الوقت قد خرج الطبيب من الغرفة بعدما خضعت الجدة للفحص، أخبرهم بأن القلب حالته غير مستقرة ويمنع منعًا باتًا التدخل الجراحي فالحالة لا تحتمل،  بالإضافة لسنها واصابتها بمرض الضغط، حبذ أن تكون تحت الملاحظة عدة أيام حتى يعرفوا كيف ستسير الأمور، سألته نور عن سبب فقدانها الوعي، فأخبرها بأنها كانت على وشك الإصابة بجلطة في القلب لولا قدومهم بها في الوقت المناسب، اخبرهم أنه لا داعي لتواجدهم من الممكن أن يأتوا في الصبح للاطمئنان عليها فهي لن تفيق حاليًا، تمتمت ببعض الكلمات معترضة فأخبرها يونس بجدية أنه لا داعي للمكوث، عليها الذهاب معهم وغدًا سيحضرون جميعًا للاطمئنان عليها، نظر لها حمزة ولم يعلم لما توجع قلبه حزنًا عليها، أخفض بصره سريعًا حينما لكزه أبيه بخفة في ذراعة؛ لكن قلبه لم يتزحزح عن شعوره بها، نهضوا جميعًا وتوجهوا للخارج واستقلوا سيارتهم وعادوا للمنزل، تفاجأت حينما وجدت نفسها أمام بنايتهم وليس بنايتها هي، نظر لها يونس وهو يقول بصرامة:
-  مستحيل أسيبك هناك لوحدك، من كل عقلك عايزة تفضلي لوحدك في الشقة، كدا هبقى مطمن عليك اكتر.
نظرت له بامتنان وشكر تريد لو تعبر عن مدى شكرها على وقوفهم بجانبها وكأنهم عائلتها،  لجأت إليهم ولم يخذلوها فهي وحيدة ليس لها أقارب، أبيها ليس له اشقاء ووالدتها كذلك ، صعدت الدرج بصحبة حور حتى وصلوا أمام شقة مالك، دعاهم للدخول فاعتذروا له، خرجت إليهم كل من سدن وسدرة والتي ما إن شاهدتهم نور انخرطت في بكاء مرير، حاولوا اثناءها عن البكاء لكنها لم تقوى على التوقف، ذهبت معهم سدن بعدما  استاذنت من أبيها ، لم يعترض وأوصاها على نور، صعدوا سريعًا متوجهين ناحية غرفة سدرة، جلست على الفراش بجانب سدن بينما سدرة تقدمت من خزانتها تفتش بها عن شيء ما، قدمت لنور ملابس تستطيع أن تنام بها عبارة عن كنزة من الصوف وبنطال، وفعلت المثل مع سدن، ابدلوا ملابسهم في صمت وتوجهوا صوب الفراش يستلقون عليه ، امسكت كل منهم بيد نور القريبة منهم وأخبروها انهم بجانبها دائمًا وأن الله لن يخذلها أبدا ابتسمت لهم بضعف  وربتت على أيديهم ثم خلدوا للنوم متمنين أن الله يبدل الأحوال للأفضل.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
أشرقت الأرض بنور ربها وبدا الصباح لامعًا متلألأ، عظمة الله الخالق المبدع تتجلى في كل شيء من حولنا، زقزقة العصافير تعطي نغمًا خاصًا يشعرك بالهدوء والسكينة، استيقظ الجميع وولى كل منهم لوجهته، متأملين ان اليوم سيكون افضل من الأمس،  توجه يونس لعمله بعدما طلب من حمزة إيصال كل من حورية ونور، وأيضًا مالك رحل لعمله، وبقيت جنة وسدن وسدرة، توجه  للمشفى وأثناء سيرة توقف واستأذن منهم، عاد بعد قليل وأعطى لحورية ما بيده، نظرت له باستغراب فقال لها:
-       أكيد نزلتوا من غير ما تفطروا، فقولت أجيبلكم فطار.
نظرت له بحب وربتت على كتفه فأمسك بيدها وقبلها لطالما كانت حنونه تشبه جنة فهي والدته الثانية وزوجة خالة الحبيب، اعتدل وتابع تقدمه صوب وجهته مرة أخرى، كانت نور تستمع لحوارهم وهي تستند برأسها على زجاج السيارة شاردة في ما يحدث معها وداخلها يردد الحمد لله الحمد لله"
مؤمنة بقضاء الله، لا تمتلك سوى الدعاء عله يحدث ما تتمناه.
وصلوا أخيرًا وسار أمامهم  كانت نور لا تعي لما يحدث من حولها شاردة في ملكوت آخر وخوفها يتضاعف، حنى انها لم تلحظ ولوجها للمصعد، كانت حورية ممسكة بذراعها والأخرى تسير معها كالمغيبة، فاقت لنفسها حينما اهتز المصعد متحركًا لأعلى، شعرت بالخوف يتفاقم داخلها واضطربت انفاسها وضعت يدها على قلبها تشعر انه يهبط للأسفل وروحها تسلب منها ، قبضت على يد حورية بشدة جعلت الأخرى تتألم، لديها رهاب من الأماكن المغلقة وأثر على وتيرة انفاسها التي تتلاحق وكأنها في سباق للعدو، هلعت لرؤيتها هكذا و حاولت مساعدتها كي تتنفس بهدوء لكنها فشلت، شعرت بأن المكان يضيق عليها وأنفاسها، ، انقطعت وكأن الهواء نفذ من حولها، شعرت بالأرض تميد بها وتسحبها لباطنها فلم تقوى على الصمود وارتخت اقدامها وسقطت أرضًا، نظر حمزة حينما سمع صوت ارتطام من  خلفه، وجدها على تلك الحالة فزع ولم يعرف ماذا أصابها، عاجز عن فعل أي شيء، يريد الاقتراب لكنه يخشى العواقب، مد يده تجاهها لكن سرعان ما نهر نفسه، أما حورية فأخيرًا تذكرت  أمر دواءها التقطت حقيبتها وطلبت من حمزة اخراج البخاخ ظل يفتش فيها حتى عثر على ضالته ناولها لها بقلق وخوف نابع من داخل قلبه، أسندتها على ذراعها ورفعت رأسها قليلًا وقامت بضخ الدواء  داخل فمها، ارتخت أعصابها في الحال وهدأت قليلًا، كان المصعد قد وصل للطابق فساعدتها حورية على الخروج فهي لا زالت غير قادرة على الوقوف بمفردها، ذهب حمزة وجلب لها زجاجة مياه وعلبة من العصير، تناولت المياه ولم تقوى على شرب العصير، قامت جنة ببل يدها ومسح وجه نور حتى تفيق، شكرتهم نور واعتذرت عنا حدث،  وبختها حورية على كلامها ثم تأسفت على حالتها فهي لم تكن تعلم بأمر رهابها، ساعدتها حتى وصلوا أمام الغرفة الماكثة بها جدتها،  سأل حمزة عن الطبيب فأخبرته الممرضة أنه بالداخل ، ابتعد قليلًا عنهم واستند برأسه على الحائط من خلفه كاد قلبه أن يتوقف خوفًا عليها، شحوب وجهها وشفاها التي تحولت للون الازرق ألمت روحة،  وضع يده يمسد بها على خافقة المتألم وصورتها  حفرت برأسه استجمع شتات نفسه وعاد إليهم مرة أخرى.
 
بعد مدة ليست بالقليلة خرج الطبيب وهو يملي على مساعدته بعض التعليمات، رفع بصره لهم فسألته نور عن حالة جدتها، أخبرها أنها لا زالت على حالها ولا يوجد أي جديد ستظل هكذا حتى يروا ما سيحدث، طلبت منه زيارتها فأخبرها أنه ممنوع بعد الإفاقة من الممكن أن يسمح لها لكن حاليًا الأمر غير مستقر.
 
طفرت الدموع من عينيها محاولة ألا تصدر صوتًا فبكت بصمت، اقتربت منها حورية وحثتها على الذهاب فلا جدوى من مكوثهم هنا، أخذ  حمزة رقم الطبيب وأعطاه رقمه أيضًا في حالة حدوث شيء يعلمه على الفور،
أعادهم للمنزل ثم توجه صوب عمله بإرهاق، فتحت لهم جنة وسألتهم عن الجدة، أخبرتها أنه لا زالت كما هي، جلسوا على الأريكة ووضعت حورية ما بيدها على الطاولة واخرجت منه شطيرة ناولتها لنور التي اعتذرت فهي ليس لديها شهية،
أصرت على اطعامها  أخذتها وقربتها من فمها تلوكها ببطء
تحدثت جنة وهي تنظر لها بحنان:
-       إن شاء الله هتبقى كويسة يا نور متقلقيش، ربنا بيدينا المحنة ومتاكد اننا قدها وهنقدر نتحمل.
أماءت بهدوء  هي تعلم بأن الله لا يأتي إلا بالخير، حسن الظن بالله يدفعها للإيمان بكل ما يقدره الله لها، وضعت باقي الشطيرة أمامها وقالت انها تريد الذهاب للعمل، لكن عليها أن تتوجه لمنزلها كي تبدل ملابسها، اقترحت جنة أن تأخذ ملابس من سدن فهما متقاربتان حاولت الرفض فلم تعطيها سدن الفرصة واخذتها من يدها وتوجهت للغرفة.
 
 كان حمزة قد وصل لعمله فوجد محمد جالسًا وممسك بهاتفه، القى عليه السلام ثم اخذ وضعه خلف المكتب واخرج هاتفه يحاول الاتصال على صديقة
لكن دون جدوى، ككل مرة هاتفه مغلق، توجه بحديثه لمحمد وطلب منه كشف الأدوية كي يهاتف الشركة وتأتى لهم في أقرب وقت.
 
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
قبل نزوله للعمل  فاتحته والدته في نفس الموضوع واخبرها أنه لن يرغب حاليًا لأنه لم يجد من تخطف لبه ويرتضي ان تكون زوجة وأم لأولاده، نظرت له بعدم رضا فاقترب وقبل مقدمة رأسها وطلب منها ألا تشغل بالها، وصل لمقر عمله فوجد زميله منتظره ، رحب به وطلب له مشروبًا ثم تحدث وسأله عن مجيئه مبكرًا هكذا، أخرج الآخر من جيبه مظروف باللون الأبيض وطلب منه ايصاله للجمعية الخيرية ومكتب التحفيظ الذي حدثه عنه من قبل، ابتسم له واخذه منه وأخبره انه سيذهب بعد انتهاء الدوام ويوصله، شكره صاحبه واستأذن للرحيل،
هاتف مالك كي يحدد معه وقت لمقابلته، رد عليه وأخبره أنه لن يذهب اليوم للمسجد، لديه ظروف ما، أخبره بسأن ما لديه من تبرعات فقال أنه من الممكن أن يتركهم  بالصيدلية لدى ابنه  وأملاه العنوان،
أغلق الهاتف وشرع في النظر للأوراق التي أمامه.
                ***********
 
“ المحن وحدها ما تكشف لنا عن مكنون الأشخاص، من يقف بجانبنا كالحصن المنيع، ومن هو مجرد كومة ورق تذهبه الرياح وتمحيه"
وصلت لمقر عملها وأعلمت يونس بقدومها، حاولت أن تلهي نفسها بالعمل، نظرت لشاشة الحاسوب بغير رضا فهي لا تقوى حتى على مباشرة العمل بطبيعتها، حاولت وحاولت لكن دون طائل، ذهبت للغرفة التي خصصها للصلاة وهي فقط للنساء حتى يتمكنوا من أداء فروضهم، شرعت في الصلاة عل القلب يشفى ويزول همه ويجيب الله دعاءها.
 
كانت قد وصلت سدرة للصيدلية ولم تجد سوى محمد، سألت عن حمزة فأخبرها أنه ذهب ولم يعرف أين، نظر لها محمد بحنق لقد أضاعت فرصته فيما كان يخطط له، جلست على المكتب وأخرجت الملف خاص بطالب لديها
وبدأت في قرأته والتمعن بكل ما خط بداخله، في البداية انبهرت بذكائه وقدرته على الإلمام بكل  المعلومات، وأيضًا ذكره للثغرات التي لم يدركها أحد، واصلت القراءة من جديد ولم تشهر بمن دخل للمكان وتحدث مع محمد،
نظرت صوبهم حينما نداها محمد، أغلقت الملف وتوجهت لهم وقالت بنبرة عملية تتقنها جيدًا:
-       ايوة يا فندم اقدر أفيد حضرتك بإيه؟
التفت لها حيث أنه كان مصوبًا جهة محمد  ابتسم بهدوء وقال لها أنه يريد حمزة  لأمر شخصي، أجابته بأنه ليس متواجد الأن ولم تعرف في اي وقت سيكون هنا، طلب منها أن تهاتفه، اخرجت هاتفها ضاغطة على عدة ارقام، أجابها وقد بدا عليه القلق وهي لم تعطيه فرصة فأخبرته بأن هناك من يريده وقدمت الهاتف للشاب، أخذه منها وحدثه قائلًا:
-       السلام عليكم، حمزة  أنا عابد عبد الرحمن أستاذ مالك أكيد عطاك خبر.
ضرب  على جبهته لنسيانه كلام والده نظر لهدير بغضب فهي التي لهته وجعلته لا يعي للأمر، تركها وقال ان عليه الذهاب، استأنف حديثه مع عابد واعتذر له وطلب منه أن ينتظره قليلًا، اعطى الهاتف لسدرة طلب منها  أن تجلب له مشروب حتى يأتي فهو لن يتأخر، طلبت من محمد أن يأتي له بالقهوة وسألته كيف يشربها، أخبرها انه لا داعي هو فقط سينتظره أصرت عليه كما طلب حمزة ، أخبرها بما يريد فرحل محمد كي يلبي طلبه، استأذنت منه وعادت لمكانها أما هو فجلس على المقعد وبين فنية وأخرى ينظر لها خلسة.
 
لم يستغرق وقتًا طويلًا وقد أتى
القى السلام ورحب به بحبور فهو معرفة قديمة، تبادلا الحديث ثم قدم له عابد عدة أظرف واستأذن كي لا يتأخر عن عمله حثه مالك على الجلوس وأخبره أنه سعيد برؤيته وقد تذكر أيام الصبا التي لا تزال معلقة بذاكرته، اعتذر له ووعده بلقاء قريب ترك له عابد أرقام هاتفه ورحل بعد ان ألقى نظرة خاطفة على سدرة  المنشغلة بالقراءة،
جلس حمزة بجانبها وقد أمسك برأسه من شدة ما أصابه من الألم بها ، أغلقت ما بيدها واقتربت منه تسأله هل هو بخير؟ أخبرها أنه مجرد إرهاق، اقترحت عليه أن يذهب للمنزل ويستريح أخبرها أنه لا يوجد داعي، تذكرت امر الأدوية فقالت له :
-       حمزة بص أنا لما جيت من كام يوم بصيت على الأدوية المطلوبةولقيت نوعين السحب عليهم زايد مع انهم مواد مخدرة بصراحة شكيت في الأمر ونسخت كل المبيعات على فلاشة وشلتها معايا.
استغرب حديثها وفكر قليلًا في كلامها حاول أن يتذكر شيء ما ؛ لكن لم يكد يجيبها إذ بعاصفة هبت عليهم من حيث لا يدروا تقدمت منهم بحنق ونظرت بضيق لهم، ثم قالت لحمزة أنها تريد محادثته قليلًا، ذهب معها دون إرادة منهم لكنه ليس قادرًا على الجدال معها حاليًا، قالت وهي تستشيط غضبًا وجسدها كله يهتز من فرط عصبيتها:
-       أنت ازاي يا أستاذ تسيبني وتمشي كدا، أنا بقيت في نص هدومي من صحبتي وخطيبها.
نظر لها بإرهاق وقال :
-       أولا ووطي صوتك، ثانيًا جالي مكالمة مهمة جدًا وكنت ناسي موضوعها، ثالثًا ودا الأهم أنت حضرتك السبب لأنك جبتيني من غير معاد بينا والاهم بقى انك ازاي تعزمي ناس معرفهومش بدون علمي لا وكمان خليتيني أجي لك مستعجل افتكرتك واقعة في مصيبة اتفاجأ انك عازمة صحبتك؟
  ردت عليه بغضب:
-       ماليش دعوة بكل دا أنا ليا بشكلي الزبالة اللي حضرتك اتسببت فيه.
رد عليها وقد تفاقم غضبه :
-        قولت لك صوتك يوطي، وبعدين ما تلوميش الا نفسك على الموقف دا، وعن اذنك لإني مرهق.
تركها وولج للداخل أخذ قرص من الدواء المسكن وطلب من سدرة أن تأخذ مكانه حتى يغفو قليلًا في الداخل، ظلت قليلًا كي تستجدي هدوئها ودخلت وراءه، جلست على المقعد القريب من المكتب وأخرجت هاتفها وظلت تعبث به قليلًا، لم تعيرها سدرة أدنى اهتمام لكنها غير راضية تمامًا عما يحدث، قررت ان تتحدث معه ويحدث ما يحدث فهي قد سئمت تصرفاته  التي لا تمت لشخصيته بصله.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
 
ذهبت للمشفى بعد انتهاء العمل علها تجد ما يريح صدرها، اخبرها الطبيب أن الوضع كما هو، ظلت جالسة أمام غرفتها على أمل ان يحدث أي جديد وتستطيع ان تراها، لم تشعر بمرور الوقت فقد حل الليل وهي على جلستها، رن هاتفها فالتقطته كانت حورية قلقة عليها تخشى أن يصيبها مكروه، أخبرتها أنها بالمشفى وستذهب لمنزلها كي تجلب بعض الأشياء، اعترضت ولم توافقها الذهاب وحدها، طلبت منها أن تتنظر وستبعث لها سدرة كي تأتي معها، أغلقت الهاتف وطلبت من ابنتها أن تذهب بصحبة حمزة للمشفى ومنها لمنزل نور كي تجلب ما تريد، هاتفته حورية وأخبرته بما تريد، لم يتردد وقال أنه سيأتي في الحال،
وصلوا لمنزلها بعد أن أقلهم من المشفى، صعدت هي وسدرة وانتظرهم هو بمدخل البناية، فتحت الشقة وولجت للداخل ثم أنارت الضوء، تبعتها سدرة للداخل وساعدتها في جمع أغراضها، انتهوا من طي الملابس داخل الحقيبة ووضعت بها ما تريد ثم جرتها خلفها، تأكدت من أن المنزل مغلق جيدًا اطفأت الأنوار وغادرت، أثناء خروجهم من البناية اعترض طريقهم شاب صاح بنور ويبدوا أنه ليس على ما يرام، زجرته نور وقد سئمت من مطاردته لها وأخبرته أن يبتعد عنها،  في هذا الوقت كان حمزة   قد أنهى مكالمته مع علي، سمع صوت عالي فاتجه صوب المدخل فرأى شاب يجذب نور نحوه واخته تحاول تخليصها أما الأخرى فتلكمه في كتفه علها يتركها، اقترب منهم وقد سحب نور خلفه وتصدى هو له، نظر له مراد وقال له:
-       ابعد يا بني عن وشي، تعالي هنا يا هانم مين دا كمان اللي بتتحامي فيه.
اعاق حمزة حركته وكان يقف أمامه كالسد المنيع قال له بغضب:
-       أنت اللي مين وازاي تتجرأ وتمد أيدك عليها.
-       وأنت مالك أنت، دي خطيبتي وهنتجوز قريب.
الا هنا وقد باءت كل محاولتها في أن تهدأ بالفشل، نظرت له بكره دفين واشمئزاز وقالت:
-       أنا مش خطيبة حد أفهم بقى وابعد عني كفاية لحد كدا أنت إيه معندكش دم ولا احساس ارحمني بقى يا أخي وابعد عني.
انهارت في بكاء مرير امسكتها سدرة واتجهوا صوب السيارة كما أشار لها حمزة  نظر لمراد وحظره من أن يقترب منها ثانيةً، لكنه لمةيعره اي اهتمام، يأبى الاعتراف بأنها ترفضه ولا تريده في حياتها، الكبر والغرور أعموا بصره عن الحقيقة، نظر في طيف السيارة والتفت مغادرًا.
كانت تبكي بنحيب عالي وتهزي بالكثير:
-       هو عايز مني إيه يسيبني في حالي بقى كفاية اللي جرالي منه والله ما مستحملة حاجة تاني يا رب يا رب أنا تعبت الرحمة يا رب.
طفقت الدموع من عين سدرة التي تحتفظ بها داخل أحضانها ألمًا على ما أصابها، هي لا تعرف ماذا فعل لها ؟ لكن يبدوا أنه تسيب بألمها،
كان يضغط بقوة على المقود و الغضب مسيطر عليه ناهيك عن الألم  الذي ينهش بداخله ولا يدري لما ؟ دموعها وانهيارها ينزل على روحه كالجمرات الملتهبة، كل ما يرده الآن هو أن يبثها بالأمان لكنه لا يعرف كيف؟
وصلوا أمام شقة مالك، انتظر  كي يطمئن على صعودهم ثم ولج لشقتهم، وروحه تؤرقه .
  خافا كليهما حينما رأوا نور هكذا، اقتربت حورية منها فأشارت لها سدرة بالصمت، ادخلاها للغرفة دثراها ثم خرجوا عندما أغلقت عينيها رسالة منها بعدم مقدرتها على الحديث، قصت عليهم سدرة ما حدث فحمد يونس ربه أن حمزة كان معهم.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
يجلس في شرفة المنزل وبيده مشربًا دافئًا، ينظر للقمر الساطع  وسط الدجى شاردًا، دخل عليه أبيه فالتفت له بابتسامة، سأله ابيه عن عابد فأخبره أن ما اعطاه إياه بالغرفة وكان على وشك الذهاب كي يأتي به، أمسك ذراعه وحثه على الوقوف معه قليلًا، كان مالك يعلم ما يدور بداخل ابنه فلعب على الوتر الحساس لديه، ذكره بجزء من طفولته ومراهقته، وكان حمزة ينصت باهتمام وعيناه تلمع بحنين لتلك الأيام او بالاحرى يشتاق لنفسه القديمة قبل أن تلوثها الحياة، قص  عليه واحدة أخرى حينما كانوا يتسابقون في حفظ القرآن هو يريد أن يجتاز ما حفظه عابد والأخر يتفاخر بأنه سوف يختتم الحفظ، نظر له أبيه وقال:
-       ويا ترى يا حمزة بتراجع ولا أهملت زي ما أهملت حاجات كتير؟
نظر لأبيه وقد عجز عن الرد  لجم لسانه واصابه الخرس، كيف يجيب عليه وهو بالفعل قد أخفق؟ بما يرد عليه وقد نال منه الخزي والحسرة على حاله الكثير، تركه أبيه بعدما ربت على كتفه بتحذير قائلًا بهمس:
" راجع نفسك يا بني قبل ما تغرق وتندم على الفرصة اللي جاتلك وانت مستغلتهاش، ربنا فاتح لك ابوابه النهار دا يا عالم بكرا أيه اللي هيحصل"
أغمض عينيه بألم وحديث والده يتردد بعقله وكأنه ناقوس يضرب بشده،
رن هاتفه فتناوله واجاب على الفور، فأذ بصديقه علي،  أخذ يوبخه على اختفائه المفاجئ لكن الأخر برر بأن زوجته قد وضعت مولودهم وهم ماكثون عند والدتها وهناك شبكة الاتصال تكاد تكون معدومة، أخبره انه سيمر عليه غدًا ويشرح له الأمر، بارك له ودعا لهم ثم أغلق معه.، شرد مرة أخرى في صاحبة الوجه الحزين وهو لا يعرف لما يهمه أمرها هكذا. وأين رأها قبل ذلك.
"والحب يطرق باب القلب رغمًا ويتسلل خفية حتى يغوص فيه ويصبح شريانه النابض"
بمجرد غلقه مع صديقه وجد الهاتف يرن مرة اخرى برقم الطبيب الخاص بجدة نور، تناوله على الفور وسرعان ما اتجه صوب غرفة والده.
في الشرفة التي تعلوه كانت تقف تتمعن في
 هدوء الليل  الذي جن على الجميع بالنوم إلاها، ظلت مستيقظة وقد جافا النوم عيناها، خرجت للشرفة وتأملت البقعة المظلمة  التي لا بد من انقشاعها وحلول  النور والضياء، دعت الله أن يشفي لها جدتها ويعجل بضياء عتمتها ، نظرت للأسفل دون إرادتها فوجدت من يقف شاردًا في الأفق البعيد، لم ترى سوى شعره البني الغزير الذي يتطاير بفعل الهواء، حبست انفاسها  وعادت للخلف سريعًا حينما رفع بصره عاليًا، وضعت يدها على قلبها خشية أن يراها، سمعت صوت الشرفة يغلق فزفرت براحة وأغلقت الشرفة بهدوء وتقدمت من الفراش عل النوم يغلب أجفانها.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
في اليوم التالي ذهبوا للمشفى فقط يونس ومالك وحمزة ونور ، استقبلهم الطبيب وطلب من نور ان تذهب مع الممرضة وتتجهز كي تدخل لرؤية جدتها، بعد مغادرتها شرح لهم حالتها الغير مستقرة وأنهم يفعلون ما بوسعهم لكن الامور ليست على ما يرام،
دخلت الغرفة فسرت رجفة بداخل جسدها، تخشى ان تفقد ما تبقى لها من عائلتها، نظرت ناحية الفراش المسجى عليه جسد جدتها بألم،  الكثير من الأسلاك متصلة بجسدها الواهن،  أخذت في الاقتراب منها  حتى وقفت بجوارها تحاول منع دموعها من الانهمار ، دنت ممسكة بكفها طابعة عليه قبلة ، ربتت الاخرى على  رأسها بضعف ثم خلعت قناع التنفس وقالت بانهاك:
-       نور حبيبتي الحمد لله إني شوفتك.
أعادت لها نور القناع فهي تعلم مدى حاجتها له، أخبرتها بألا تتعب نفسها بالكلام يكفيها أنها تراها أمامها، قالت أنها ستكون بخير لأجلها لأنها لا شيء دونها، ربتت الجدة على يدها بهدوء، جاءت الممرضة وطلبت منها الخروج كي لا تسوء حالة جدتها.
بعد قليل غادر الجميع عدا يونس الذي مكث بأمر من الطبيب لأن الجدة تريده،  دخل لها وتمنى لها الشفاء فقالت له بوهن:
-       أنا بطلب منك تاخد بالك من نور، مالهاش حد غيري وأنا خلاص ربنا قرب يسترد أمانته، أنا معرفكش بس من كلامها عليك وعلى مراتك أنكم ناس محترمين وتعرفوا ربنا...حاول أن يمنعها من الكلام فاعترضت وأكملت حديثها:
-       سيبني يا بني معدتش وقت، متسيبهاش نور طيبة وحظها قليل خد بالك منها هسألك عنها يوم القيامة، أنا عايزة أموت وأنا مطمنه عليها، لا ابوها هيسأل ولا امها يهمها أمر نور خلي بالك من الأمانة يا بني.
هوم بالإيجاب وقال لها أنه يعتبرها ابنته ويعاملها على هذا الأساس، اماءت له براحة وأغمضت عينيها من فرط المجهود الذي بذلته، ولم يكد أن يطأ بقدمه خارج الغرفة حتى سمع صفير جهاز القلب معلنًا عن مفارقتها للحياة، من عاشت عمرها لأجل حفيدتها رحلت بعد أن أطمئنت أنها لن تكون وحيدة. أنتهت رحلتها في دروب الحياة بحلوها ومرها  مودعة الدنيا برمتها.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
يتبع
 

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن