البارت الرابع

20 3 2
                                    

الفصل الرابع
أنين خافت وشهقات مؤلمة دموع ذرفتها سدرة بسجدتها، لا تريد البعد فهي الأن بين يدي الله وفي رحابه، وكأنها تريد أن تتوقف عقارب الساعة عند هذا الوقت ولا تنفلت أبدًا.
أنهت صلاتها ومازالت جالسة على سجادة الصلاة تهمس بالأذكار وتقرأ بعض الآيات، مسحت على موضع قلبها  مرات عدة مبتسمة وكأنه طفل صغير تهدهده  كي يكف عن البكاء، أغمضت عينيها وأخرجت تنهيدة من رئتيها معبأة بكل ما يجيش داخل صدرها من اضطرابات، أخذت مصحفها وشرعت في التلاوة.
في الخارج كانت الأم تنهي بعض أعمالها من على الحاسوب الخاص بها، فهي تعمل من خلاله وتساعد زوجها،  جاورها الأب يقرأ في كتاب ما ويرتشف من كوب القهوة خاصته، أغلقت الحاسوب ولملمت أشياءها ووضعتهم داخل غرفتها ثم عادت مرة اخرى وبيدها كوبان من العصير وتوجهت لغرفة ابنتها، أغلقت المصحف بعد أن سمعت طرقات على الباب، دخلت ووضعت ما بيدها على المنضدة واقتربت من " سدرة" وقبلتها من وجنتها وسألتها هل تريد شيء؟ نفت الأخرى واخبرتها أنها بخير ولا شيء ينقصها، أعلمتها بأنها تجلس هي ووالدها بالخارج إذا حبذت أن تنضم إليهم فلتأتي، هزت رأسها وبعد خروج والدتها ضمت المصحف لقلبها وتمتمت ببضع كلمات ثم فتحته واكملت قراءتها.

أخذت كوبها ترتشف منه وكان هناك من يراقبها بهدوء من تحت نظارته الطبية وقد لاحت في ذاكرته ذكرى جميلة فاتسعت ابتسامته شاردًا فيها، ارتفع وجيز قلبه وكأنه عاد ذاك الشاب العشريني مرة أخرى،
استعجبت من نظرته لها التي طالت و البسمة التي زينت محياه، حركت يدها امام وجهه عدة مرات حتى انتبه لها، فسألته ما به، أمسك بكفها واتسعت ابتسامته أكثر وقال لها بشجن:
- افتكرت أول مرة خرجنا فيها مع بعض بعد اما كتبنا الكتاب، ساعتها كنتِ برضة ماسكة عصير الفراولة وفضلتي تقلبي فيه الشاليموه ، استغربت إنك مشربتيش خوفت لتكوني مش بتحبي الفراولة، ولما سألتك قولتي إنك مش بتحبي تشربي بيه بتستمتعي اكتر بالفراولة كدا.
علت ضحكتها قليلًا على نفسها وكم كانت بلهاء في أول لقاء بينهم، فقالت وهي تجاهد كي تخرج الكلام من بين ضحكاتها:
- لا كله الا الفراولة لازم اشربها من الكوباية كدا واتمزج بيها، وبعدين الشاليموه دا للعيال التوتو إنما إحنا بعون الله ميهمناش حاجة، بس تعرف يا يونس أنا كنت هموت من الإحراج لا وعملتها تلقائي زي ما بعمل مع صحباتي، اول ما ندخل الكافية ويجيبوا العصير أرمي الشاليموه واشرب كدا، كنت هبله يومها أووووي، بطل ضحك عشان بتكسف.
ضربته بخفه على كتفه كي  يكف عن  الضحك، أمسك بيدها وقبلها وتمتم لها ببضع كلمات جعلت قلبها ينتعش من جديد وكأنه أرض قاحلة وحينما تسربت إليها الماء أينعت وتفتحت زهورها، الحب أعظم شيء على تلك الأرض ولكن الأعظم هو المودة التي يلقيها الله في القلوب، الأمان الذي تهرع أليه هربًا من كل ما يؤرقك، السكينة التي تغدق روحك فتهدأ وتستكين.
♡♡♡♡♡♡♡♡
انتهت لتوها المحاضرة التي جعلت عقلها متكدس بالمعلومات، جلست داخل البقعة الخضراء التي تجاور الجامعة، أخرجت هاتفها وألغت الوضع الصامت، وأخرجت دفترًا ودونت بعض الملاحظات، أثناء انشغالها احست بيد توضع على كتفها، التفت لها وحيتها، جلست هاجر وظلا يتحدثان في أمور عدة، رن هاتف هاجر فاستأذنت كي ترد وابتعدت قليلًا كي تكون على راحتها، وانشغلت سدن بما تفعله.
كانت تحدث كريم الذي  تعرفت عليه مؤخرًا، باتت علاقتهم متوطده كثيرًا فلا يمر يوم دون أن يحادثها مرتين او ثلاثة على الهاتف، أنهت معه ثم ذهبت لصديقتها التي لم تعلم طبيعة المكالمة، أخبرتها بشأن  الرحلة التي تنظمها جامعتها وطلبت منها ان تأتي معها، لكن سدن أخبرتها أنها لن تسطيع ووالديها لم يوافقوا قط على رحلة مخطلتة وأيضًا المبيت هناك،  نظرت لها بحسرة لكنها لم تدم أبعدت كل ما يحزنها وألقت به بعيدًا، قالت لسدن أنها ستذهب مع أصدقاءها كتغير من نمط حياتها وفرصة لاستنشاق هواء البحر عله يشفي جروح قلبها.
لم يكن قلبها مطمئن على صديقتها فأوصتها كثيرًا أن تكون حريصة على نفسها ولا تختلط بأحد من الشباب وتحدثها دائمًا كي لا تقلق عليها، أماءت برأسها احتضنتها بحب فهي صديقتها الوحيدة التي تشعر بحبها دون مصلحة أو نفاق.

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن