البارت الثالث

35 4 2
                                    

البارت الثالث.
تيبست  مكانها لا تقوى على التحرك، عقلها وقف عن العمل ولا تدري كيف تتصرف، وكأن تعويذة القيت عليها جعلتها كالصنم،  ما كانت تخشاه  أمامها الآن، شلل أصابها في معقل ،  أما الآخر فظل ينظر لها ويتحقق من ملامحها التي بات بها هائمًا، جاءت من خلفها جدتها تعرف لماذا تأخرت، أنقبض قلبها على ما سيصيب حفيدتها حينما رأته، نظرت له في كره وكانت ستتحدث لكن جدتها أمسكت بيدها تمنعها، تحدث هو باستفزاز:
-           إيه هفضل واقف كتير على الباب، مفيش اتفضل حمدالله على السلامة؟
ردت الجدة بهدوء عكس ما يدور بداخلها:
-           جاي ليه يا مراد وأنت عارف إن البيت مفيهوش راجل وإحنا لوحدينا.
تابع حديثه على نفس النمط كي يثير حنقها:
-           ما أنا جاي عشان ابقى راجلكم يا حاجة، مش أنا في مقام خطيبها وهبقى جوزها المستقبلي يبقى أجي براحتي.
إلى هذا الحد ولم تستطع منع لسانها  فانفلت منها كحصان انفك من سرجه وأطلق ساقه للريح:
-           أنا لا خطيبة حد ولا هتجوزك يا مراد ولو هتكون آخر واحد في العالم برضة مش هتجوزك، وإن كنت فاكر إنك جاي ترجع القديم فا أحب أقولك الميت مبيرجعش، بندفنه وبنقراله الفاتحة، وأنت بالنسبة ليا ميت وياريت بهدوء تمشي من هنا بدل ما ابلغ البوليس وأعملك محضر تعدي.
تعجب لردها كثيرًا أهذه هي الصغيرة البريئة؟ جاء إليها عازمًا على إرجاعها إليه ظن أنها ستلين بالكلام كما كان يحدث سابقًا، سيطر عليه الغضب من  الكلمات التي رمته بها وقال:
-           أنت ازاي تكلميني كدا يا بنت أنت، وبعدين أنا قاري فاتحة مع عمي يعني يعتبر خطيبك.
 
اغتاظت لعجرفته وتبجحه، تعجبت منه ألا يخجل من نفسه بعد الذي حدث، تحدثت بإصرار وتحدي:
-           يا بجاحتك يا أخي هو أنت معندكش دم بعد كل اللي عملته دا وراجع تاني، لو سمحت أمشي وكفاية لحد كدا وقفتك كدا غلط ، سيبنا في حالنا بقى وخرجني برا دماغك.
ألقت بالكلمات في وجه والتي بذلت فيها مجهودًا مضنيًا كي تخرجها من حلقها، اخذت بيد جدتها وأغلقت الباب في وجهة ولم يعرف الندم طريقًا لها، هو من بدأ بالغدر فلا بكاء على اللبن المسكوب، نظرت لها جدتها بحزن وربطت على ذراعها بمواساة، ابتسمت لها واخبرتها أنها بخير ولا تقلق عليها،ذهبا مرة أخرى للداخل وجلسا كأن على رأسهم الطير، الخطر يحوم من حولهم كأسد مفترس يتحين الفرصة للإنقضاض على فريسته وتمزيقها اربًا،  شردت فيما سوف يحدث وليس ما مضى، فلا جدوى من ماض زال وانتهى ولم يترك سوى الألم، فوداعًا  لما ولى ولا بكاء يشفع ولا ندم يجدي  ؛ لكن يا ترى ماذا تخبئ لها الأيام في باطنها؟      
 حينما تتجمع مخاوفك نصب اعينك، ويرتعد قلبك هلعًا من عاقبة ما سيحدث وتنتفض روحك كعصفور صغير سقط من العش وحامت حولة كلاب جائعة، يعود قلبك كما كان بعدما جاهدت لتنقيه من شوائب الحزن، كل ما بنيته من ثقه هدمته لحظت خوف فخر كالجبل أمامك.
   بعد قليل كانت جالسة على فراشها وتنظر إلى الأمام، العديد والعديد من المشاهد تتوالي على ذاكرتها، عقلها لم يرحم خوفها بات يخوض بها في ظلمات بحر خضم كأنه يعاقبها على شيء لم تقترفه، تفكر فيما مضى وفيما سيحدث وما العواقب،  افكار تعمل كالطاحونة دون كلل؛ لكن هي لن تجلس مكتوفة الأيدي وعالمها ينهار أمامها هكذا، لن تسمح له مرة أخرى في كسرها، عزمت على شيء ما فانتفضت واقفة وتوجهت للخارج،
وجدت جدتها تجلس كعادتها بين خيوطها،  جلست بجانبها فانتبهت لها، وضعت ما بيدها جانبًا واستمعت جيدًا لما تقول، أيدتها في رأيها وأخبرتها بأنها جانبها وستدعمها بكل ما تملك، ابتسمت لها وطبعت قبلة على جبينها وذهبت مرة أخرى لغرفتها.
بعد قليل كانت تتقف أمام منزل والدها   وبداخلها بعض التوتر ؛لكنها حاولت أن تتلاشاه وتشجع نفسها على الثبات، فتحت الباب امرأة في منتصف عقدها الرابع رحبت بها بفتور وادخلتها، جلست على الأريكة وما زالت مضطربة، جاء والدها فأسرعت إليه  تود لو ترتمي داخل أحضانه، كثيرًا ما تفتقده لكنها غير متقبلة فكرة بعده عنها، قلق والدها وحاول معرفة ما بها، مسحت دموعها وعادت مكانها مرة أخرى حاولت أن تستعيد ثباتها تبعد الغصة التي تقف في حلقها كالشوكة:
-           آسفة لو جيت من غير ميعاد، بس الموضوع ميتأجلش.
نظر لها بتوجس وسألها أن تتحدث دون مقدمات، تابعت حديثها وقالت:
-           مراد رجع تاني وبيهددني إنه هيتجوزني عصب عني، أظن حضرتك فهمته إن الخطوبة اللي كانت بينا اتلغت وكل حاجة وصلت له يبقى ليه راجع تاني مش مكفيه اللي عمله؟
-           ازاي هو اتهبل الواد دا ولا إيه، متقلقيش أنا هتكلم مع أبوه وأخليه يبعد عنك خالص.
نظرت له متأملة في كلامه وتدعوا أن يبتعد عنها،  أمسكت بحقيبتها واستأذنت كي ترحل، قطع حديثها دخول زوجة أبيها حيث وضعت ما تحمله على المنضدة، طلب منها أن تجلس قليلًا معهم، رفضت وقالت باعتذار:
-متأسفة لازم ارجع عشان خاطر تيتا لوحدها، عن إذنكم.
ودعها والندم ينهش به،  قلبه مفطور على ابنته التي لم تعد كما سابق عهدها معه، تعامله كالأغراب، هو يعلم أنه السبب لكن الظروف كانت أقوى وأصعب بل مستحيلة، ربتت زوجته على كتفه بمواساة نظر إليها وقبل يدها الموضوعة على كتفه بحب.
في بعض الأحيان تجبرنا الظروف على خوض معارك ضارية، فنقحم نفسنا داخلها دون النظر للنتائج أو التفكير في العواقب، فالبعض ضحية للأنانية واشباع رغبات فانية لا تغني ولا تسمن من جوع.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
في هذا المكان المهجور على قارعة الطريق حيث الظلام الدامس يحيط بالمكان، أصوات نباح كلاب تدب الرعب في أوصالك، كان يسير وحيدًا في المكان ويتلفت حوله في ريبة، لا يعرف كيف وصل إلى هنا، أخذ يجرى عله يعرف نهاية لهذا الطريق، أحس بشيء يتبعه لم يلتفت له وتابع جريه وكأنه في سباق للعدو، أنهكه التعب وطال منه،  يشعر باقتراب  شيء خفي منه فلم يستسلم كلما قطع مسافة يدخل أكثر في الظلام، لا يعرف ماذا يفعل، ازداد النباح من حوله فارتعد قلبه وارتجف بين ضلوعه، هناك  شيء ما  يشعر به يلاحقه يريد أن يعرف ما هيته على حين غرة التفت ولكنه صعق مما رأى فسقط مغشيًا عليه كأنه يفر من مصيره الذي يلاحقه بالدلوف بباطن الغمامة السوداء.
استيقظ  حمزة من نومه مفزوعًا لما رأه؟ العرق يتصبب من وجهه، استغفر ربه مرارًا على ألا يعيد له الكابوس ثانيةً، شرد فيه وكأن عقله يعانده ماذا يعني هذا؟ لما هذا الحلم بالتحديد؟ تنهد بثقل وأعاد رأسه للخلف واعتدل كي يخد للنوم مرة أخرى؛ لكن جافاه النوم وأبت أعينه أن تنغلق، سمع طرقات خافته على الباب فاتجه لفتحه .
اتجهت سدن صوب غرفة أخيها مترددة تريد أن تأخذ رأيه ولكن تخشى من ردة فعله، طرقت الباب عدة طرقات وبعدها دخلت حينما أذن ، دهش عندما وجدها سدن ولم تكن والدته، تقدمت هي منه وطلبت الحديث معه قليلًا لكنه تحجج بأنه مشغول وسيتأخر عن عمله، نظرت له بكسرة آلمت قلبه وتركته وخرجت سريعًا، نظر في طيفيها بألم وحدث نفسه قائلًا" سامحيني يا سدن سامحيني"
أسرعت هي وخرجت من المنزل قاصدة الطابق الأعلى ما لبثت كي تطرق الباب فوجدته يفتح و "حورية"  تقف أمامها على وشك النزول، سألتها سدن عن " سدرة" فأشارت لها بأنها بالداخل، ذهبت  إلى وجهتها بينما الاخرى دلفت سريعًا وجدتها تجلس على الأريكة مغمضة العين هرعت إليها وألقت  برأسها على فخذها، فتحت سدرة عينيها حينما أحست بثقل على الأريكة بجانبها وجدتها صغيرتها فهي دائمًا ما تفعل ذلك حينما تغضب من شقيقها، ظلت تربت على رأسها بحنان لطالما أحبت الصغيرة واعتبرتها ابنتها، تحدثت "سدن" وقصت لها ما حدث ودموعها لم تتوقف، أمسكت بيدها ومسحت دموعها وقالت لها:
-           متعيطيش أنا حاسة بيكِ لما اخوكِ يبقى أقرب حد ليكِ  ونفسك ترتمي في حضنه ومتعرفيش وفجأة يبعد بدون سبب، بس عايزاكِ تستحملي شوية لحد منعرف إيه اللي حصل معاه أنا متأكدة إن في حاجة كبيرة هو واقع فيها وإن شاء الله هنعرفها ونرجعه لينا تاني، قومي كدا أغسلي وشك وتعالي ننزل تحت نشوف أبوكِ ونقعد نرغي معاه شوية.
أومأت لها وبعد قليل كانوا يجلسون مع "مالك" بغرفة مكتبه، حاولت "سدن" أن تضيف بعض المرح على الأجواء فحدثت والدها قائلة:
-           بابا مش حضرتك كنت عايز تعرف مين كان بيدخل  وياخد كتب من المكتبة.
ضحك بخفة عليها وأومأ لها، بينما نظرت لها بشر واشارت لها أن تصمت، نظرت لها بتسلية وأخرجت لها لسانها وقالت:
-           بصراحة يا بابا سدرة اللي كانت بتاخد الكتب وتقول محدش يقول لخالو وهي هتجيبهم على طول.
-           والله يا خالو كنت بستأذن من طنط جنة حتى اسألها.
-           ومتستأذنيش من بابا ليه يا ست الداكتورة، دا أنا بخاف اهوب ناحية المكتبة دا يقيم عليا الحد لو حركت كتاب مش أخده يا أم قلب ميت.
اقترب منها وأمسك أذنها وضغط عليها قليلًا وقال:
-           تعالي لي يا بريئة أنت ياللي مبتغلطيش،مين كان بيتسحب وبياخد كتاب" رجال حول الرسول" و كتب علم النفس ويضرب عليهم هاااا، وبعدين "سدرة" براحتها دي بنتي الكبيرة.
-           أه يعني أنا بنت البطة السودة ماشي اكمني صغيرة يعني طب والله لقول للبطة قصدي لماما هاه ماليش دعوة….
-           قطع عليها حديثها دخول والدتها، فصوبت نظرها عليها، ابتسمت بمكر وقالت:
-           أهي ماما جات أهي يرضيكِ تبقي بطة سودة؟
نظرت لها باستغراب ولا تفهم عما تتحدث"
-           أنت اتهبلتي ولا أيه؟ بطة أيه؟
ضحك مالك وبشدة وكذلك سدرة على  الصغيرة المشاكسة، وجه حديثه لزوجته وطلب منها الجلوس معهم قليلًا، ظلوا يتحدثون ويستفسرون منه عن بعض الأمور، طلبت منه جنة أن يحدثهم عن الصبر، ابتسم لها وطلب منهم أن يتحلقوا من حوله على الارض، بدأ كلامة بذكر الله والصلاة على نبيه صلوات ربي وسلامه عليه، فقال:
-           الصبر أجمل شيء منحه ربنا للإنسان بيلهمنا بيه عشان شايل لنا الأجمل، طب يا رب أنا عندي ابتلاء وكرب والدنيا متلغبطة أعمل إيه، تصبر وترضى بقضاء الله خيره وشره وربنا هيجبر قلبك بما هو خير لك، طيب أنا مبعرفش اصبر وببقى مستعجل وعايز الحاجة تحصل على طول، هقولك استغفر كتير واذكر ربك أكتر، صلي على نبيك ادعي ربنا دايمًا، الصبر عامل زي ما تكون جبت ماية وطفيت بيها   نار   مش هتطفى على طول بس هتهدى واحدة واحدة هتخمد لحد ما تبقى رماد بارد، أهو الصبر دا ماء لجمر القلب كي يهدأ ويطمئن، نصبر ونحتسب حتى يراضي الله قلوبنا ويجبرها، ربنا بيقول إيه في كتابه العزيز
-           “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” ( البقرة،آية: 155)
يعني لما ربنا يبلينا ويختبر صبرنا ويشوف هنتحمل وهنرضى باللي كتبه لينا  عشان يبشرنا ويجبر قلوبنا ولا هنعترض ونضايق ونمشي ورا الشيطان اللي مستني لينا على هفوة، ربنا رحيم بينا وبقلوبنا ودايمًا بيختار لينا الخير، عشان كدا لما مثلًا ربنا ما يحققش لينا أمنية طلبتها منه كتير بس ربنا مأردتش انها تكون ليا أقول" اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه"
أنا راضي بقضاءك يا رب بس أرجو عفوك ولطفك وجبرك لقلبي، الكلام عن الصبر يطول تتلخص في إيه بقى
"من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين”( يوسف آية: 90)
اللي يتقي ربنا ويصبر ويرضا بقدره ربنا مش هيضيع أجره.
 ثلاثتهم كانوا منصتين له ولكلامه الذي هبط على قلوبهم فجعلها تستكين، شكروه على وفته وحديثه، وبعدها استأذنت سدرة  ورحلت، بينما جلسوا البقية يتحدثون في بعض الأمور فيما بينهم.
" ورجل مُلأ كيانه بالإيمان، فأضحى قلبه متشبعًا بحب الله"
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
-كدا برضة يا حبيبي كل دا ومتكلمنيش؟
- آسف يا هدير بس صدقيني الشغل على دماغي لوحدي من ساعة ما سدرة سابت الصيدلية وأنا مضغوط.
امتعضت حينما ذكر اسمها وحاولت أن تنحي عقله عنها فهي تمقتها بشدة:
-           مش مشكلة يا حمزة بكرة أمورك تتظبط وتبقى فل، المهم مش هتخرجني النهار دا.
نظر في ساعته ثم قال:
-           بصي اديني نص ساعة و محمد يجي هسيبه لوحده واجي ليك.
اتسعت ابتسامتها بثقة وكأنها حازت على ما تخطط له:
-           تمام يا حبيبي هنتقابل في نفس المكان؟
-           أيوة يا حبيبتي، يالا سلام.
أنهى المكالمة وهو مبتسم لملاقاة حبيبته فشرد بها وكيف التقاها؟ لكن تبقى  الغصة التي تنغص عليه فرحته لما؟ والإجابة ككل مرة لا يعلم، فهو من المفترض أن تكون الرحة مصاحبة له لكن الأمور عكس ذلك تمامًا،
بعد قليل قد أتي " محمد" وهو الشاب الذي طلب منه والده أن يعمل معه  كي يساعده فظروفه ليست على مايرام، استأذن "حمزة"  منه وذهب لموعده.
 
ظل جالسًا في انتظارها وقد تأفف من تأخرها نظر حوله بتوتر وعزم على الرحيل؛ لكنه رأها قادمة نحوه، تعلم أنها تأخرت عليه فاقترب وعلى وجهها ابتسامة واسعة وقبل أن يتحدث سبقته هي وقالت:
-           قبل ما تتكلم الطريق كان زحمة موت والله، سوري بقى مش قصدي متزعلش.
نظر لها بغضب حيث الملابس التي تلتصق بجسدها وبعض خصلات الشعر الظاهرة من حجابها، وإلي الزينة التي بوجهها، وقال بصوت غاضب جاهد في جعله منخفضًا لكنه لم يفلح:
-           إيه الزفت اللي أنت لابساه دا؟ كام مرة أقول بلاش ضيق ولا مكياج ولا تبيني شعرك، دا منظر تنزلي بيه؟
نظرت للناس التي انتبهت لصوته العالي بإحراج ولملمت أشياءها ولم تحدثه ثم فرت هاربة تجاه الباب، أجفل من فعلتها  وانتبه لتوه لمن حوله، خرج وراؤها سريعًا التفت حوله فوجدها تقف في زاوية وصوت بكاءها يتقطع له نياط القلب، أصابه الحزن من ردة فعله فاقترب متها محاولًا الإعتذار لكنها رفضت حدثها كثيرًا لكنها ردت عليه وقالت:
-           خلاص يا حمزة لحد كدا وكفاية أنا قولت لك إنهم في البيت مش موافقين إني ألبس واسع واطول الطرحة وحضرتك مش متقبل دا ولا حتى راضي تديني فرصة لحد بس ماتتقدم لي وساعتها محدش هيقدر يعترض، فلو سمحت كفاية وكل واحد يروح لحاله.
كان سينفعل لكلامها  والذي اعتبره هزيان فقال وقد حاول ضبط انفعاله:
-           بسهولة كدا، بطلي هبل وأنا قولت لك هفاتح بابا في أقرب فرصة، بس لما شوفتك كدا اتجننت ازاي حد غيري يشوفك كدا؟ خلاص متزعليش بس حاولي تلبسي واسع شوية مش لازم حجاب طويل بس متبينيش شعرك.
تنهدت وأومأت له لم تضف حرفُا واحدًا تعليقًا على كلامه، دخلا مرة أخرى وطلب لها مشروبها المفضل وحاول الاعتذار منها مرة أخرى، انفصلوا عمن حولهم بأحاديثهم مستمتعين باللحظات التي سلبوها من الدنيا.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
كانت لتوها تلج للمنزل  بعدما أوصلت سدرة للطابق الأعلى، اصطدمت بحمزة وهي تنزل الدرج فلم تأخذ في اعتبارها وجود أحد أمام شقتهم، كان هو يخرج المفاتيح وقد سيطر عليه الغضب بعدما قابل هدير لم يبرحه التفكير فيها وقد عزم على خطبتها كي يتثنى له تغيريها، جاءت بذهنه صورة  سدن هو يريدها مثلها في احتشامها وعلى الرغم من ذلك يخشى على شقيقته أن تصبح مثل هدير، تناقض حاد بداخله أشبه بقضبي مغناطيس ينافرا حينما تقربهم من بعضهم البعض،
 نظرت للواقف بصمت بعد أن سقطت المفاتيح من يده، بينما هي وضعت يدها على فمها خشيةً من ردة فعلة، ففي الأونة الأخيرة بات عصبيًا سريع الغضب ولم تتوقع ردة فعله،  دنت من المفاتيح والتقطتها ثم وجهتها إليه، نظر لها في غضب وقال دون وعي منه:
-مش هتبطلي لعب العيال اللي بتعمليه دا، أنت كبرتِ ولازم تحافظي على تصرفاتك وتاخدي بالك
أجفلت من صوته العالي وسوء ردة فعله معها، فنزلت دموعها وحاولت التحدث معه لكن خرج صوتها مهزوزًا:
-           أنا آسفة مكنش قصدي.
صمتت برهة تفكر في طرح سؤالها عليه،  حسمت أمرها سريعًا وما كادت أن تتحدث وإذ بالباب يفتح ويخرج منه أبيهم ينظر لهم باستفهام على وقفتهم؟ أخبره حمزة بما حدث واستأذن كي يستريح، أوقفه والده وطلب منه أن يأتي معه لأنه يريده في أمر ما، وأثناء حديثهم دخلت سدن على غرفتها تبكي قسوة أخيها دون صوت، أعتذر منه حمزة وقال أنه مرهق للغاية ومن الممكن أن يتحدثوا ليلًا، نظر لوجهه المرهق فأشفق عليه وتركه كي يستريح،
كان حمزة لا يعرف أهو يعاقب سدرة أم هدير، فكلما حاول أن يتحدث بلين؛ يجد صورة الأخرى تتجسد أمامه فيخشى على شقيقته ويغضب أكثر
********
في الأعلى كان يونس يتحدث مع زوجته بشأن  الوظائف التي يحتاجها المكتب بعدما جدده وأصبح عمله واسع النطاق، فقال وهو يريها بعض الأشياء:
-           بصي يا ستي أنا عملت اعلان ع بيدج المكتب وبصراحة جالي تليفونات كتير وبصراحة أغلبهم طلاب لسه بيدرسوا بس فيهم اتنين أو تلاتة معاهم كورسات وشغلهم حلو أوي لما بعتوا على رسايل البيدج، محتار أنا في الحكاية دي.
نظرت له بتفكير ثم قالت:
-           تعرف بقى إن اللي لسه بيدرسوا دول هيبقوا متحمسين جدًا لا ولسه فكرهم شغال وختلاقي عندهم أفكار مبتكره، وزي ماهما هياخدوا خبرة أنت كمان هتستفيد بروح الحماس اللي عندهم ولا نسيت لا كنا شغالين عن دكتور عبد الحميد وشعلة الحماس اللي كانت عندنا.
ابتسم لتوه على ذكرى هذه الأيام وقال:
-           خلاص بإذن الله اللي هلاقيه كفء وكويس هعينه ونبقى نظبط المواعيد عشان مينشغلش عن الدراسة.
أماءت بحماس وقد شجعته فهي تعرف شعور المرء حينما يفعل ما يحبه وتمنت أن يسدده الله في الإختيار.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
انقضت الأيام وعاد عابد م مهمته،  رن جرس الباب حرصًا منه على وجود اخيه وزوجته، فتحت له ابنة أخية فوجدته امامها فقزت إليه تتعلق برقبته أمسكها جيدًا وعلت ضحكاته، سمعتها والدته فهرولت سريعًا تجاه الباب لم تصدق عينيها بأنه أمامها سليم وليس به شيء، اقتربت منه وضمته إليها، نزلت الصغيرة كي تخبر أبيها بقدوم عمها، قبل رأسها بحب وطمأنها أنه بخير، أخذته وجلست بجانبه، هي تخشى عليه كثيرًا خصوصًا وهي تعلم مدى صعوبة عمله،
جاء أخيه وزوجته سلموا عليه وظلوا يتحدثون إلا أن استأذن منهم كي يستريح فهو بحاجة لنوم عميق، أخبر أخيه والدته  بأنه سيذهب إلى منزله فطلبت منه المكوث اليوم معه فهي يشتاق إلى تجمعهم الذي يشعره بالدفء، لم يعترض فهو أيضًا يريد الشعور بالجو المليء بعبق الحنين والمحبة.
 

شفاء الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن