الفصل الثاني عشر
العقل يزجي بنا في الأعماق ويجعل رأسنا كأرجوحة تتلاعب بها الأفكار.
ذهبت نور للصيدلية بصحبة سدرة كي يغيروا بعض الاشياء بها فهي تريد تجديدها واعجبها افكار نور فأخذت برأيها، القت سدرة السلام على محمد وجلست الفتاتان يتحدثان عما يجب البدء به.
على الناحية الاخرى كان حمزة أوصل شقيقته للجامعة وتوجه ناحية عمله، صف سيارته ودخل تفاجأ بها تعطيه ظهرها وتشرح لسدرة بعض الأشياء وتشاور بيدها هنا وهناك، خلع نظارته وصوب نظره عليها لوهلة قد توقف العالم من حولة لا يعلم مالذي يحدث له في حضورها فهي كالمغناطيس تجذبه نحوها دون عناء،
كان هناك من يراقب تصرفاته فارتسمت على وجهها ابتسامة ماكرة حيث أنها تفهم أخيها جيدًا، نطقت اسمه بمفاجأة مصطنعة فانتبه على حاله وارتبكت الأخرى ولم تقوى على الالتفات، تقدم منهم بهدوء والقى السلام جلس على المكتب أمامه سدرة ونور متيبسة مكانها لا تقوى على الحراك وكأنها متجمدة، نبرة صوته اخترقت جوارحها ولا تعلم لما، وجوده يربكها ويجعلها تجاهد في ثباتها، ردت السلام بخفوت ثم شغلت نفسها بتدوين بعض الاشياء في الدفتر الصغير الذي تحمله حتى تتلاشى النظر إليه، تحدثت إليه سدرة وقالت بحماس:
- كويس إنك جيت يا حمزة ، بص أنا اتفقت مع نور على شوية حاجات هنعملها في الصيدلية وعايزة رايك، نور ممكن تقولي على اللي كنت بتشريحه من شوية؟
تنحنحت بتوتر وحاولت استجداء العملية في حديثها اقتربت منهم ووضعت الدفتر على المكتب امامهم وشرعت في الشرح مع رسم بعض الأشياء كي توضح لهم وسرعان ما اندمجت وتناست توترها، أما الذي لم يغفل عن حركة واحدة منها دون النظر لعينيها، هو فقط متابع ما تخطه بيديها، هائم في أفكاره التي اخذته لمكان نائي ولم يشعر بمن حوله، يشعر بأنه يعرفها جيدًا، حائر فيما يختلج جوارحه، كانت سدرة مستمتعة بحالته، نظرت لنور وقالت كي تجعله ينتبه:
- جميل اوي يا نونو صح يا حمزة.
ارتبك قليلًا لكنه أماء بالموافقة ولم يعقب، جمعت نور اشياءها واستأذنت من سدرة كي لا تتاخر على العمل، أرادت الأخرى ان توصلها بسيارتها لكنها رفضت، ألقت السلام مودعة إياهم ورحلت، رفع نظره على التي تشاكسه بحركاتها وتضحك، لم يفهم عليها وناظرها باستغراب، لم يلق بالا بتصرفاتها حتى تذكر امر عابد، أمسك بيدها وطلب منها الهدوء كي يحدثها في أمر هام، هزت رأسها فقال هو بهدوء:
- هو مش المفروض عابد جاي النهار ده عشان الرؤية؟
هزت راسها ولم تعقب، فباغتها بسؤال وقال بجهل:
- هو مش المفروض تكوني متوترة وفي البيت دلوقتي بتجهزي حاجتك عشان تستعدي للمقابلة.
هزت كتفيها بلامبالاة وقالت وهي تحاول فتح الحاسوب:
- عادي يا حبيبي انا صليت استخارة والحمد لله مطمنه وإن شاء الله خير دي رؤية يعني مش جواز.
- أصل انا فاكر يوم حسام كنتي...
وبخ نفسه على كلماته التي أصابت قلبها بالحزن فنظرت له بألم وصوبت نظرها على شاشة الحاسوب، أمسك بوجهها واداره إليه جعلها في مواجهته ، وقال لها بإعتذار:
- آسف يا حبيبتي والله متزعليش مني معرفش طلعت ازاي.
ربتت على يده ولم تتكلم، استكمل حديثه محاولًا اثناءها عن التفكير فيما قاله:
- تعرفي إن عابد شاب محترم وخلوق حافظ القرآن لا وبجانب دراسته في الشرطة كان بيدرس علم شرعي حقيقي أنا بحترمه وفخور إني اتصاحبت عليه تاني.
قالت وهي تنظر في الامد البعيد:
- تعرف أنا بستغبى نفسي أوي أزاي كنت مغفلة كدا ومعمية عن اللي حسام كان بيعمله؟ أنا فاكره يوم الرؤية كويس كنت فرحانة أوي تصدق اني نسيت أعمل استخارة؟ متبصليش كدا معرفش نسيت إزاي دا حتى لما حددنا معاد الخطوبة وماما فكرتني بيها صليت بس كنت مقلقة ولما حكيت ل ...
أغمضت عيناها بألم وشدت على يده وتابعت الحديث
- لسها قالت لي دا توتر طبيعي عشان مرحلة جديدة وكدا، مكنتش أعرف إن القلق دا هيتسبب في وجعي وألمي بعد كدا.
ضغط على يديها برفق هو يعلم كم عانت خلال هذه الفترة جاهدت كي تستعيد نفسها وتساير حياتها من جديد، لكن محو الأحاسيس ليس بالهين حتى لو تعافت ستظل آثاره الجانبية تذكرها، قال بحنان:
- الحمد لله فترة وعدت وأنت أقوى من كدا،
ابتلع غصته وتابع بألم نخر بقلبه وقال:
- كلنا بتيجي علينا فترة ونعمل حاجات مكناش نتصور اننا نعملها، يالا ربنا يسترها ويعفو عنا.
ابتسمت له وحدثته في بعض الأمور كي يتجنب التفكير فيما قد حل به في الفترة العصيبة التي مر بها.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
عند عابد الذي تقرع طبول الفرح قلبه والسعادة تملأ كيانه، يمني نفسه بموافقتها وأنها ستصبح زوجته، ألقى نظرة على نفسه في المرآة هز رأسه برضى ونثر من العطر الخاص به وتناول ساعته نظر بها ثم أحكم غلقها حول معصمه، ذهب خارجًا فقابل والدته التي ابتسمت بسعادة له واخذت تسمي الله وتصلي على الحبيب "صل الله عليه وسلم "،
قبل يدها وطلب منها الدعاء له،
توجه صوب محل للورد وابتاع مجموعة من الورود المختلفة لفها العامل بطريقة أنيقة وجذابة، جلب علبة فخمة من الشوكولاتة الفاخرة وتوجه نحو منزل يونس.
صف سيارته أسفل البناية واستخدم المصعد وكل حين ينظر للورد بابتسامة ويتسأل" هل سينول إعجابها؟
طرق الباب ففتح له يونس وهو مبتسم ورحب به، ألقى السلام فأشار له يونس بالجلوس
وضع ما يحمله على المنضدة وجلس بجانب مالك الذي رحب به بحبور وظلوا يتحدثون حتى قال عابد بجدية:
- باشمهندس يونس أنا يشرفني إني أطلب أيد الدكتورة سدرة بنت حضرتك.
هز يونس رأسه وقال بود:
- وأنا يشرفني نسبك والله يا بني، بعد اللي مالك قاله عنك، ولما سألت عليك الكل شكر فيك، وكفاية سيرة والدك الطيبة، بس الرأي في الاول والأخر لسدرة، حمزة قوم نادي أختك.
هز رأسه وتوجه للخارج.
كانت الفتيات يجلسون بالمطبخ مع جنة وحورية، يعدون المشروبات وبعض الحلوى كي تدخل بهم سدرة، وقفت نور أمامها وامسكت بيدها ولم تلحظ الذي يقف على الباب ويستمع لها، فقالت لها بتشجيع وطمأنينة:
- دورا حبيبتي مش أنت صليتِ استخارة وارتاحتي؟
هزت الأخرى راسها بالإيجاب والجميع متابع للحوار، فأكملت حديثها:
- طيب القلق اللي أنت فيه دا من رهبة الموقف طالما مش حاسة بنفور أو إن القعدة تقيلة على قلبك خلاص سيبيها على ربنا وتأكدي إن ربنا مش بيختار لينا إلا الخير واللي نقدر عليه، خلي يقينك بالله كبير وتوكلي عليه.
احتضنتها سدرة بحب وشكرتها كثيرًا، نظر الجميع لها بود ومحبة لها فهي حازت على قلوبهم وحبهم بل انها صارت بمكانة الأبنة والأخت،
قطع عليهم حديثهم نداء شقيقها، ناولتها والدتها المشروبات وقطع من الحلوى، خرجت سدرة فنظر لها بحب وربت على رأسها بهدوء، وضعت ما بيدها على الطاولة والقت السلام وجلست بجانب أبيها، قال مالك للجميع أن يأتوا ليجسوا معًا في الردهة كي يفسحوا المجال لهم للحديث، كانت تجلس بمقابلته فاقترب هو وجلس بالمقعد الذي يجاور الأريكة، سلم عليها وسألها عن أخبارها وسرعان ما اندمجت معه في الحديث، كان ينظر لها بعيون مبهورة ولامعة لأجلها فقط، استغل ما شرعة الله وبات يتمعن في تفاصيل وجهها، يريد إطفاء لهيب شوقه لكنه لايطفئ فالحب في القلب كجمر مشتعل لا يخمد أبدًا بل يزيد وهجة وحرارته، أما هي فرفعت نظرها على استحياء كي ترى من هو الذي حاز على رضى الجميع؟ شردت به قليلًا وأخفضت بصرها في حياء حينما وجدته يبتسم لها، لا تنكر اعجابها به وليس فقط الشكل بل حضوره مختلف يجعل قلبها مطمأن هادئة وتشعر بالراحة معه في الحديث، أخبرته بأمر خطبتخا السابقة والتي لم تدم سوى ثلاثة أشهر فقط، لاحظ انزعاجها والألم في عينيها؛ لكن لم يعقب، أعجب بلباقتها في الحديث وحياءها شامتها التي تزين أعلى شفتيها، بات يدعو أن يجعلها الله نصيبه.
كانت نور تحتجز سدن وتمنعها من الخروج لكن الأخرى مصرة تريد رؤية العريس، ضحكت نور عليها ونظرت لوالدتها وقالت بمرح:
- نفسي اعرف يا طنط بتتعاملي مع الطفلة دي ازاي، يابت اتهدي بقى فرهدتيني.
نظرت لها بشزر وقالت لها بتهديد:
- أغلطي كمان يا نور وربي لطلعه عليكِ، سيبيني بس أنت مكتفاني كدا ليه.
كانت على وشك الرد عليها ، لكن دخول مالك عليهم منعها، نظر لهم باستفهام فخجلت نور وتراجعت بجانب حورية، هرعت الاخرى حيث والدها وقالت بمرح:
- بس أهو بابا جه وهياخدني معاه اهبطي بقى يا نور.
نظر لها بنفاذ صبر وهو يربت على رأسها:
- أخدك فين هو احنا في رحلة، يا بت بطلي شقاوة،
- ثم وجه حديثه لجنة وقال:
- معلش حبيبتي ممكن فنجان قهوة لاحسن مصدع شوية، واعملي حساب الكل بقى.
- حاصر يا حبيبي.
ربت على وجنة ابنته يحثها على الهدوء ورحل،
وقفت نور وعرضت على جنة ان تعدها بدلًا منها فوافقت الأخرى وجلست جانب حورية الصامتة، فهي تعلم خوفها على وحيدتها لكنها طمأنتها،
بعد قليل كانت سدرة تجلس معهم وهم يتحلقون حولها وكلًا منهم يسألها نظرت لهم بملل وهبت واقفة تهددهم بالذهاب لغرفتها إن لم يهدئوا قليلًا فهي متوترة،
كانت نور انتهت من اعداد القهوة، نادت سدن على أخيها فجاء وأخذها، نظر لسدرة وغمز بإحدى عينيه، فضحكت الاخرى وخبأت وجهها بين يديها، سألتها والدتها على رأيها المبدئي
اقتربت منها وامسكت بيدها وقالت.:
- هو أنا مرتاحة واطمنت شوية بكلامه، بس سيبولي فرصتي عشان اصلي استخارة واديكوا قراري النهائي.
ضمتها والدتها بحب وقالت:
- براحتك يا حبيبتي خدي وقت واحنا معاك في اي قرار.
حاولت سدن تلطيف الأجواء بعد ان رأت نظرة نور لهم اقتربت منها واحتضنتها وقالت بمزاح:
- خش في حضن اخوك يا فواز احنا سناجل زي بعض، توب علينا يا رب من السنجلة.
علت ضحكت نور وسرعان ما وضعت يدها على فهمها تكتمها، شاركها الجميع الضحك وعادت الاجواء لطبيعتها؛ لكن ما تضمره القلوب كان أعظم.
رحل عابد بعد أن ودع الجميع واخبره يونس بأنه سوف يعلمه بالرد حينما تفرغ ابنته من الاستخارة، استأذنت سدرة من والديها ان تقضي الليلة عند نور وافقها وانضمت إليهم سدن، خرجت الفتيات حيث الشقة المقابلة ونزل كل من حمزة ومالك وجنة للأسفل حيث شقتهم،
نظر يونس لزوجته التي ابتسمت له واقتربت محتضنة إياه ضمها بحب وظل يمسح على رأسها وظهرها بحنان، أبعدها قليلًا وامسك بوجهها بين يديه وقال بهدوء:
- متقلقيش خير إن شاء الله وعابد مش زي حسام لو حصل نصيب بينهم بإذن الله.
أماءت له واندست داخل أحضانه ثانيةً وكأنها تحتمي به من قلقها، فما أسمى من وجود من نلجأ له حتى من نفسنا.
" المضغة التي في يساري لا تنفك عن الخفقان لأجلك، والروح لا تشدو راحتها إلا داخل أحضان"
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
عند الفتيات كانوا يجلسون في إنصات تام وسدرة تقص عليهم ما حدث معها في الرؤية، فقالت لهم:
- هو كويس وباين عليه إنه محترم وكمان عقليته متفهمة وأسلوبه في المناقشة عجبني، بس برضة هصلي استخارة مرة واتنين وتلاتة لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وأنا اتعلمت خلاص.
وافقاها الرأي وتمنوا من الله ان ييسر أمرها، اقترحت عليهم نور أن يجلسوا في الشرفة وهي ستجلب لهم بعض المقرمشات والتسالي، حملت سدن بعض الوسادات وسدن جاءت بالأغطية ورتبوهم في ارضية الشرفة، أحضرت نور الكثير من الأشياء وظلوا يتسامرون حتى شعروا بالنعاس فتوجهوا للداخل.
كانت سدرة تتقلب وكأن تحتها جمر ملتهب، تسحبت بهدوء كي لا توقظهم، جلست في الشرفة حيث الظلام الدامس، الهدوء يعم المكان تعشق الإنفراد بنفسها، أخذت نفس عميق تملئ به رئتيها وعقلها تدور به العديد من السيناريوهات، تخشى على قلبها أن ينجرح مرة أخرى فهي لن تتحمل آلام جديدة تضاف لجعبتها، يكفى ما خلفته تلك التجربة المريرة التي نهشت من روحها وخبت النور داخلها، لم تصدق ما حدث معها حتى الأن صديقتها وتوأم روحها كما كانت تلقبها تخونها وتكسر قلبها دون ان يرف لها جفن، كانت في وجهها تتمنى لها الخير؛ لكن ما تضمره داخلها كان حقد وكره، كل ما يؤلمها أن الجرح جاء من المفترض ان تكون الأقرب أليها من تُهون عليها مر الحياة، هانت الصداقة والعشرة عليها فخانت العهد ونقضت مواثيق العلاقة السامية التي تجمعهم، لم تنسَ نظرتها الشامتة حينما أكتشفت انه على علاقة بها وبصديقتها في الوقت نفسه،
أغمضت عيناها علها تمحي تلك الذكريات المؤلمة، تمتمت ببعض الكلمات المشجعة حتى لا يتملك منها الحزن ويجرها نحو بئر اليأس، توجهت للمرحاض كي تتوضأ فعليها أن تستخير كثيرًا حتى لا تعيد خطأها مرة أخرى وتمتمت قائلة" لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
صباح جديد مفعم بالنشاط والحيوية على الجميع، مرت الأيام والكل منشغل في أمره، سدرة التي ذهبت للجامعة فيومها متكدس بالمحاضرات، نور التي بدأت اختباراتها تريد ألا تقصر في دراستها وايضًا تجتهد في عملها ، سدن التي انتبهت لدراستها واعتكفت على كتبها تتطلع لأعلى التقديرات، عابد الذي يتلهف لموافقة من سكنت القلب ويدعو بها في صلاته، أما عن حمزة فهو يجاهد كي يضمر حبها بداخله ولا يفتضح أمره، يحاول ان يتحاشى تجمعه معها كي لا تخونه عياناه وتفش ملامح وجه سره.
تجلس بجانب حمزة تؤدي بعض الأعمال، أما عنه فهو منشغل في تلك القوائم التي يراجعها وكمية الأدوية التي خرجت طوال الفترة السابقة من انواع مختلفة لكن المادة الفعالة واحدة، عزم على سؤال محمد حينما يأتي عليه ان يفهم،
تركت مابيدها وخلعت عويناتها الطبية أراحت رأسها للخلف تأخذ قسطًا من الراحة؛ لكن عقلها لم يرأف بها وشرد في الأيام القليلة الماضية حيث أنها ما انفكت عن اداء الاستخارة وفي كل مرة تشعر بالراحة تجتاح اوصالها، أخبرت والدها بموافقتها فسعد لأجلها واخبرها أنه سيهاتف عابد كي يأتي هو وعائلته في زيارة قريبًا، قطع أفكارها صوت حمزة وهو يقول بمزاح:
- الدوك شارد في إيه لسه بدري على المرحلة دي يا بنتي.
نظرت له باشمئزاز ولكزته في ذراعة بالقلم، تأوه من فعلتها ناظرها بغيظ ووعيد، زفرت بهدوء مستنشقة جرعة من الهواء علها تهدئ من نبضات خافقها العالية، اشفق عليها وربت على يدها بحنو:
- قلقانة كدا ليه؟ مش مستاهلة كل دا على فكرة، سيبيها على الله.
- ونعم بالله، أنا بس فكرة الخطوبة متاخده منها ومقلقة.
ابتسم حين فهم مقصدها وطمأنها وظل يحدثها حتى يلهي عقلها قليلًا، أثناء حديثهم دخلت سدن عليهم مبتسمة اقتربت منهم بعدما نظرا لها بدهشة فهما لم يتوقعا مجيئها، ألقت السلام وناظرتهم بتعجب وقالت بمرحها المعتاد:
- يا جماعة متتفاجئوش كدا أنا عارفة إني نور المكان زاد لما أنا جيت.
ضحكت سدرة كثيرًا، أما شقيقها فضرب كفًا على كف من تصرفتها الطفولية ورفع يده للسماء متمتًا" اشكو إليك"
لم تهتم لأمرهم سحبت مقعد وجلست أمامهم وأخبرت سدرة ان نور سوف تأتي كي يذهبوا للتسوق، ناظرتها الأخرى باستفهام وسألتها عن أي تسوق تتحدث، فقالت سدن بتعالي مصطنع وهي تضع قدم فوق الأخرى:
- أنا كلمت عمو يونس واستأذنت منه عشان ننزل نشتري لك دريس جديد لمقابلة بكرة عشان تعرفي كرم أخلاقي بس.
صكت على أسنانها وتقدمت منها قابضة على مقدمة ملابسها مقتربة من وجهها:
- بتتصرفي من دماغك ها، ومين قالك إني فاضية يا عبقرية عصرك وأوانك.
نظرت لعا بملل ونفضت يدها بعيدًا وجلست بوضعية اكثر راحة وهي لا تبالي بها:
- الحق عليا عايزة أخليك قمر قدام حماتك المستقبلية وقرة عينك بإذن الله.
تركهم حمزة وذهب صوب من دخلا كي يأتي لهم بما يحتاجون وهو يبتسم على صغيرته، كادت تقترب منها سدرة ؛ لكنها نظرت صوب الباب ومن دخلت عليهم ملقية بالسلام، رحبت بها وحثتهم سدن على التعجل كي لا يتأخروا، اغتاظت منها سدرة فهي لا تحبذ فكرة التسوق دفعتها للأمام بعدما أصبحت أمامها، أقتربت من حمزة الذي ودعها وأعطخا مبلغًا من المال أعترضت لكنه أصر، تقدم من صغيرته وهمس لها ببضع كلمات فابتسمت الأخرى وطبعت قبلة سريعة على وجنته واخذت المال منه ولحقت بهم،
شرد في طيفيهم لم ينظر لها بل نغمة صوتها من تسربت إلى أذنيه كتسرب الدماء في الأوردة بسلاسة، حفظ نبرتها عن ظهر قلب ابتسم بحب وهو يمني نفسه بشيء قد عزم على تنفيذه.
وصلت الفتيات حيث المكان المخصص لبيع الملابس، اختارت سدرة فستانًا بسيطًا من اللون الزهري قد جذب نظرها من اول مرة، أما سدن فقد دارت بجميع المحلات وقد أنهكتهم فهي أصرت على أن تبتاع نور مثلهم لكن الأخرى أبت، عاندت ولم تقتني أي شيء حتى تفعل نور، في نهاية الأمرة خضعت لصاحبة الرأس المتيبس، ابتسمت سدن بتوسع حينما نجحت في اقناعها، لم تنس كلمات أخيها لها " ابقي خلي نور تشتري معاكم وحاولوا تخرجها من حزنها دا انا عارف إنكم بتحبوها وهي كمان."
استكملوا تسوقهم فيما ينقصهم حتى تمكن منهم الإرهاق،
وصلوا للمنزل توجهت كل منهم حيث شقتها، دخلت نور واضاءت الأنوار، وضعت ما بيدها داخل غرفتها، وتسطحت على الفراش بإرهاق، طالعت السقف وهي تبتسم على سدن احبتها كثيرًا بل اعتبرتها شقيقتها فهما متقاربون في العمر، لاحت أمامها صورة حمزة ابتسمت وجذبت دفترها واعتدلت ظلت تخط بالقلم لوقت طويل وكأنها في عالم آخر، دنيا جميلة تبعدها عن كل ما يقسوا عليها، بعد مدة ليست بالهينة، نظرت لما رسمته وخطته بيدها وأخذت تتلمس ملامحة بهيام هي لم تتمعن النظر فيه؛ لكن يكفيها تلك النظرة العابرة التي لمحت بها تقاسيم محياه، قرأت ما كتبته تحت صورته
" تتعطش روحي لحبك الذي يروي ظمأي ويزهر سعادتي بعشقك، فصيامي عن الهوى طال امده، فمتى يحين إفطاري على حبك."
شهقت بخفة وكأنها لتوها قد استفاقت من حلمها الوردي، اخفتها بالخزانة واغلقت عليها، هزت رأسها بحزن كأنها تعاتب نفسها على ما اقترفت، وعدت الله أن تخفي حبه بداخلها لكن انساقت وراء أهواءها دون ارادة منها، تمتمت بالاستغفار وذهبت كي تبدل ملابسها وتستعد لصلاة المغرب.
في الاسفل كانت جنة تائهة في لجة أفكارها بعدما قص عليها مالك ما حدث بين حمزة وسدرة، لا تنكر سعادتها بأنه استفاق وعاد لرشده؛ لكن قلبها يتأكل عليه خشيةً أن يكون أحب تلك الفتاة فيتألم قلبه وتنجرح روحه، لا تعلم كيف تواجه تذكرت كلمات مالك لها تمتمت له بالدعاء أن يراض قلبه ولا يؤلمه ويرزقه بمن تكون الدواء الشافي لروحه،
جاءت سدن من الداخل مرتدية ملابسها الجديدة تدور حول نفسها، نادت على والدتها كي تخبرها رأيها، نظرت إليه بابتسامة أثنت عليها وعلى جمالها، اقتربت منها طابعة قبلة على وجنتها سعيدة بأن ثوبها حاز على اعجاب والدتها، اقترب منهم مالك ممسكً بالمنشفة عقب وضوئه، لفت نظرة ملابس ابنته الجديدة، بدى اعجابه بها وأمسك بيدها وجعلها تدور حول نفسها كالأميرة، شعرت بالفرح من فعلة ابيها أحست بأنها عصفور محلق في دروب السعادة، توقفت عن الدوران والقت بنفسها داخل أحضانه التي كثيرًا ما كانت لها الملجأ والملاذ الأمن، يظل أبيها ركنها الدافئ وطنها التي تستكين بداخله بمحبة واطمئنان.
بمنزل عابد كان يقطع غرفته ذهابًا وإيابًا الفرحة لا تسع صدره كأنها نهر يفيض فأغدق على من حوله بمياهه، يجلس تارة ويدور حول نفسه تارة أخرى، لا يعلم ما الحالة التي أصابته يرى انه قد جن، صبر كثيرًا كي تأتي الفتاة التي تخطف لبه وتسيطر على كيانه، تقدم لفتيات كثيرة لم يشعر تجاه واحدة منهم بشعوره هذا، حدث نفسه قائلًا " اهدى يا عابد شكل جرالك حاجة في مخك مش مصدق انها خلاص وافقت عليا، أه بالزمة دا منظر ظابط، حسبي الله، هطلعه عليك كله يا بنت يونس ياللي مخلياني بلف حوالين نفسي كدا."
اتجه لفراشة مستلقيًا عليه املًا في قدوم الغد سريعًا كي تخمد ما أضرم في قلبه من نيران الحب والعشق.
أنت تقرأ
شفاء الروح
General Fictionحينما تسقط ولا تجد من ينقذك فتفقد الأمل، ثم فجأة يأتي من ينقذك ويكون لك شفاء الروح❤