الرسالة الحادية عشر

12 1 7
                                    


أتممتُ فترة التدريب بالأكاديمية وتخرّجتُ منها بتفوق، وكنتُ سعيدة بهذا الإنجاز غاية السعادة، إذ أنه أول إنجاز حقيقيّ لي بعد أن دخلت عالم الكِبار. قررت هيسو، مثلما كان متوقّعا أن تحتفل بهذه المناسبة مع والدتها، في حين أصابنا، أنا وبياتريس سوء الحظ. حيث إن حبيبها أعلمها بانشغاله، وبمثل ذات الحجّة تعذّر آسر عن الحضور.

شعرتُ بالحزن الشديد، لأن تخرّجي من الأكاديمية عنى لي الكثير، وكنتُ قد خططتُ للاحتفال به وحيديْن بالشقّة، حيث تخيّلتُ أنّي سأطبخ طوال السهرة، وسنتبادل الأحاديث، ونضحك، ونستمع إلى الموسيقى. أثار تغيّبه في قلبي لوعةً وألمًا، وزرع فيّ بذور الخوف والشكوك، خاصّة وأنه لم يأتِ لزيارتي منذ ثلاث أسابيع، وهذه البذور يا بنيّ، ستنمو في داخلي تدريجيا إلى الحدّ الذي سيجعلني أغادر فرنسا بعد أشهر. كان وجود بياترس مما خفّف عني حزني، بالرغم من أنها كانت مستاءةً هي الأخرى، لكنّ شخصيّة بياترس تختلف عنّي كثيرا.

هذه الفتاة قنبلة موقوتة، ذات مشاعر متّقدة وعنيفة للغاية، لا تعرف الحزن إلا بالغضب، ولا الحب إلا بالجنون، لم أرها في حياتي تبدي أيّ نوع من المشاعر الرقيقة والحسّاسة، عدا عن كونها فتاة لطيفة بالمجمل، وهو أمر لطالما حسدتها عليّ. كانت حادّة الشخصيّة كوحشٍ ضار، لا تقبل بالهزيمة، ولا ترضى بالحجج، ولا تستسلم أبدا، ولن تجدها يوما تبكي في الفراش وحيدة، بل ستجدها تسرح وتمرح بكامل أناقتها، ذلك مع أنها يا بنيّ، كسائر بنات حواء، كُسرت شوكتها بسبب حبّ رجل.

دعتني، بحماسة متّقدة، أن أخرج للاحتفال معها، وذلك بعد أن أدركت أنّي قد تمّ التخليّ عنّي مثلها. «سنري هذين الوغديْنِ كم هما تافهين.» ارتدت أحسن ثيابها وتزيّنت، في حين اكتفيتُ أنا بثوبٍ عاديّ ومتواضع للغاية. تنزّهنا قليلا في الشانزليزيه، ثم جلسنا في أحد المقاهي وطلبنا كعكةً متوسطة الحجم، قدّمها لنا النُّدل وسط جوّ احتفالي بسيط، فقد أخبرتهم بياتريس أننا جئنا لنحتفل، وفي أثناء ذلك، لم تنس مغازلة النادل الشّاب اللطيف، وعندما رأيتها تفعل ذلك، أدركت حجم تأثُّر بياتريس بما يفعله حبيبها. تحدّثت عنه بسخط طوال السهرة، دون أن تنسى إلقاء النكت والمزاح، الأمر الذي عدّل مزاجي قليلا، وجعلني أضحك بشدّة.

واصلنا تنزّهنا حتى وصلنا عند حانة صاخبة، فأمسكت بياتريس بيديّ وقادتني إلى الداخل، دون حتى أن تسألني عن رغبتي، لأنها كانت تدرك جيدا رأيي بخصوص الموضوع، وهذا الرأي بالطبع لن يخدمها الليلة، فقررتْ تجاهله. طلبت كأس ويسكي، ثم كأسا آخر، شربتهما باستمتاع، وحاولت في أثناء ذلك أن تقنعني بأن أشرب، ولكنني لم آبه بها، فضلا عن أن ذهني كان منتبهًا لفكرة مجنونة واحدة، وهي أنّ وجودي هنا مضحكٌ للغاية، في مكان كهذا. شربت بياترس مزيدا، حتى أضحت بشرتها تحمرّ من كثرة الشرب، ثم قفزت وراحت تحيط نفسها بالشبّان، متيحةً لهم المجال لمغازتها.

وهنًا على وهنٍحيث تعيش القصص. اكتشف الآن