في بناية شاهقة وسط مدينة اسطنبول لها واجهة زجاجية كتب عليها بأحرف كبيرة" جريدة الخبر" ..و في مكتبها الصغير..جلست فتاة شابة لها من الجمال ما ينجح في لفت الانتباه اليها و عيونها البنية الوسيعة مثبتة على شاشة الحاسوب الموضوع أمامها..نقرت على أحرفه بخفة و مهارة قبل أن تقول بحماس و قد ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفاهها الوردية الممتلئة:
_ لقد أنهيت كتابة المقال.
خاطبتها فتاة أخرى تجلس قبالتها:
_ هزان هي الأولى كالعادة..أحسنت.
ابتسمت هزان
و نزعت القلم الذي كانت ترفع به شعرها البني الطويل ثم أجابت:
_ شكرا لك فيليز..تعلمين أنني أحب عملي كثيرا و لهذا أحرص دائما على أن أكون متفوقة فيه.
وقفت فيليزو ربتت على كتف صديقتها و هي تقول:
_ و أنت دائما هكذا..و ستظلين متفوقة على الدوام.
ثم نظرت الى ساعتها و أضافت:
_ دقائق و ينتهي الدوام..كم أحب هذا الوقت من اليوم.
قطبت هزان جبينها و سألت:
_ لماذا؟
أجابت:
_ لأنه ينهي عذابي..تعلمين جيدا بأنني أكره هذا العمل..و لولا الحاجة لما كنت هنا من الأساس..فمالذي قد يأتي بصاحبة ماجستير في الأدب و الحضارة الى هنا؟
وقفت هزان و لامست كتف صديقتها و ردت:
_ نحن نحتاجك في التدقيق اللغوي..ألا يكفيك بأننا لا نطبع أي مقال إلا بعد مراجعتك له و موافقتك عليه؟ لا تستهيني بنفسك..ثم لا تنسي المثل الشهير الذي يواسي الجميع به أنفسهم..أحبّ ما تعمل..
قاطعتها فيليز:
_ حتى تعمل ما تحبّ.
و انفجرتا ضاحكتين معا..فيليز و هزان صديقتان مقربتان و زميلتا سكن منذ سنة تقريبا..أو بالأحرى هزان هي التي تستضيف فيليز في منزلها الذي ورثته عن أبيها المرحوم أمين شامكران الذي توفي منذ سنة و شهرين تقريبا بعد تعرضه لأزمة قلبية حادة..كانت لهزان علاقة خاصة و مميزة مع والدها المرحوم..كان يحبها كثيرا و يدللها و يشعرها دائما بأنها مهمّة و ذات أولوية قصوى بالنسبة اليه..كان يفهمها دون أن تتكلم..و يحقق لها كل ما تبتغيه..كانت تعيش معه منذ أن كانت في سن السادسة..أمها على قيد الحياة..لكنها اختارت لنفسها حياة أخرى بعيدا عنهما..حياة تشاركها فيها اخت هزان الصغرى إيجه..قد تستغرب الأذن سماع هذا..لكن فضيلة التي ولدت و عاشت في محافظة وان رفضت أن تصحب زوجها الى اسطنبول و خيرت أن تواصل حياتها في مسقط رأسها..و أمام إصرار أمين على الرحيل..تخلت له عن هزان لأنها تعلم جيدا مقدار تعلقه بها..و بقيت هي مع ايجه..أمين كان يعشق فضيلة..و كانت علاقة حبهما مضربا للأمثال..لكن عمله كشرطي كان كثيرا ما يتعارض مع مصالح العائلات المسيطرة هناك..حاولت فضيلة أن تقنعه بالصمت و التجاهل لكن ضميره لم يسمح له بذلك..فانتهى الزواج بالانفصال و واصل كل منهما حياته بعيدا عن الآخر..و لطالما كانت هزان ترى مشاعر والدها تظهر في عيونه كلما ذكر إسم والدتها..عشق ثابت مع بعض العتب و اللوم و الغضب أيضا..لم تسمعه يوما يتكلم عنها بالسوء و لا عن أهالي المنطقة التي تعيش فيها..و عندما كانت تسأله عن سبب رفضه العيش في وان كان يكتفي بالقول بأن عمله تعارض مع طريقة الحياة هناك..و كبرت و فهمت بأن ما كان يقصدها أبوها بكلامه هو تجارة الممنوعات التي يمارسها و يعيش من وراءها سكان المنطقة و العائلات الكبرى هناك..لم يمنعها يوما من التواصل مع أمها أو أختها لكنه كان يرفض رفضا باتّا أن تذهب الى هناك لكي تزورهما..لم تلتق بهما طيلة السنوات الطويلة التي مضت الا ثلاثا او أربع مرات و كانتا هما اللتان قدمتا الى اسطنبول لزيارتها..و الباقي كان تواصلا عبر الهاتف فقط..و آخر مرة رأتهما فيها كانت يوم جنازة والدها..و كعادتها حاولت أمها اقناعها بالعودة معها لكنها رفضت..و بقيت صورة وان ضبابية في ذهن هزان..لا تعرف عنها سوى بعض المعلومات العامة التي تسمعها من هنا و هناك و بعض الصور التي كانت تجدها على الانترنات..لهذا كان الفضول يستبدّ بها و يغريها بأن تذهب الى هناك يوما ما لكي ترى المنزل الذي ولدت فيه و تتعرف على البيئة التي خيرت أمها أن تعيش فيها..و الآن..و بعد وفاة والدها..صارت الفرصة سانحة بالنسبة اليها لكي تروي عطش فضولها و تجد الاجابة على أسئلتها الكثيرة..خاصة بعد أن تلقت اتصالا هاتفيا من أختها إيجه تخبرها فيه بأن الابن الأكبر للآغا إيجمان سيتزوج و بأنها تريدها أن تأتي لكي تشاهد الأجواء الاحتفالية و تقضي معهم بعض الوقت.
قبل انتهاء الدوام..قدمت المقال الذي كتبته لمديرها السيد جمال الذي كان رجلا نزيها و صحفيا شريفا و كان صديقا مقرّبا لوالدها..
VOUS LISEZ
الآغا
Romanceعندما تجد نفسك في مكان لا يشبهك و لا تنتمي إليه فماذا عليك أن تفعل؟ ستجيبون و ببساطة..ستهرب..لكن الأمر ليس بهذه السهولة..فقد يلعب القدر لعبته و تجتمع كل الظروف ضدك لكي تبقيك في مكانك ذاك..و تضطر الى التعايش مع الوضع و قد تتعلم كيف تتقبل كل سيئاته قب...