٣٢..مكيدة

756 41 18
                                    

أغمض ياغيز عيونه بشدّة و غمغم بصوت مبحوح:
_ هزان..لا تفعلي هذا..أرجوك..ليس هذا الوقت المناسب لهذا الحديث..لنهتمّ بطفلنا و لنوفّر له العناية اللازمة..أما الباقي فلا يهم.
أحاطت هزان وجهه بيديها و ردت:
_ بلى..مهم جدا بالنسبة الي..أريدك لي لوحدي..و لا تلُمني على هذا..أنا أحبّك..لو كنتَ سعيدا معها لما فتحتُ الموضوع معك أبدا..لكنك تتظاهر أمامي بأنك سعيد..و تدّعي أن زواجك ناجح..لكنه ليس كذلك..نظرة الحزن التي أراها في عيونك تشعرني بالذنب أكثر فأكثر..و..
قاطعها و هو يبعد يديها عن وجهه:
_ و ماذا تريدين مني أن أفعل؟ أنا محكوم بهذا الزواج..و نهاد أصبحت مسؤوليتي..لدي التزام تجاهها و ليس سهلا علي أن أتخلى عنها..هي لم تُؤذني بشيء..فكيف أؤذيها؟
تراجعت هزان الى الخلف و قطبت جبينها ثم سألت بنبرة حزينة:
_ لكن أنا آذيتُك؟ أليس كذلك؟ أنا يسهل التخلي عني لأنني آذيتك و تجاوزت في حقك أليس كذلك؟ أنا فقدتُ حقي فيك عندما أخفيت عنك ابنك أليس كذلك؟ معك حق..الآن فهمت.
نظر اليها و أجاب:
_ هزان..ليس هذا ما عنيتُه.
قالت:
_ بلى..لقد عنيتَ هذا..ياغيز..لقد فهمتُ الآن بأنني خسرتُك الى الأبد..حبّي وحده لن يكون كافيا لكي نجتمع من جديد..حبّك لي صار مهزوزا و ضعيفا و ربما لم يعد موجودا من الأساس.
اقترب منها ياغيز و جذبها من يدها فالتصق بدنها ببدنه و كادت وجوههما تتلامس..تكلّم هو من بين أسنانه:
_ ماذا تقولين أنت هزان؟ أي هراء هذا الذي ترددينه؟ حبّي لك لم يتغير أبدا..انه ثابت و يكبر يوما بعد يوم..و ان كنتِ تعتقدين بأن ما فعلتِه بي أنهى هذا الحب فأنتِ مخطئة..اللعنة على هذا القلب الذي يأبى أن يتحرر منك مهما فعلتِ و مهما حدث بيننا..هزان..أنا أحبّكِ..رغما عني..و رغما عن عقلي و كبريائي و غروري..أحبّك و كأنكِ المرأة الوحيدة على وجه الأرض..أنا مُتيّمٌ بكِ و الأمر يتجاوز قدرتي على الاستيعاب..أقوم بتصرفات غريبة لا أجد لها تفسيرا منطقيا..عندما يتعلق الأمر بك يغيب عقلي و أندفع كفتى مراهق يتذوق طعم الحب و الهيام للمرة الأولى..أتعلمين بأنني أمرت بإغلاق غُرفتنا التي كنا فيها معا و لم أسمح لأحد بأن يدخلها أبدا..أتعلمين لماذا؟ لكي لا أسمح لرائحتكِ بأن تغادر المكان..لكي أستعيد ذكرياتنا كلّما دخلتُ الى الغُرفة..لكي أسمع صوتك فيها..و لكي أراكِ في كل زاوية من زواياها..أردت أن أدفن فيها شوقي اليك..و ألا أسمح له بأن يغلبني و يسيطر علي..لأن الظروف عاكستنا و لم تعطنا الفرصة لكي نكون سعداء معا..أخبرتك سابقا بأنني لن أتوقف يوما عن حبّك..و إذا حدث ذلك فسأكون عندئذ قد صرتُ تحت التراب..إياك أن تكرري هذا الكلام مرة ثانية.
امتلأت عيون هزان بالدموع و قرّبت فمها من فمه و قبّلته..و كعادته..لم يقوى على مقاومتها..و لا على التغلب على ضعفه أمامها..احتوت شفاهه شفتيها و راحا يتبادلان قبلات متواصلة ألهبت نيران العشق في جسديهما و أنستهما نفسيهما..لفّت هي يديها حول رقبته و استسلمت للحظات الاحتراق اللذيذة التي تعيشها بين ذراعيه و التي طال انتظارها لها..صحيح أنها ترى الكثير من الرجال هنا و هناك..و تسمع منهم مجاملات و تعليقات و ملاطفات..و تلمح في عيونهم نظرات الاعجاب..لكن الرجل الوحيد بالنسبة اليها هو ياغيز..هو اختصار لكل الرجال..عنده يبدأ كل شيء..و عنده ينتهي..الحب هو ياغيز..الرغبة ياغيز..الشوق ياغيز..الرجولة ياغيز..الشهامة ياغيز..الكبرياء ياغيز..الهيبة ياغيز..الوسامة ياغيز..الطيبة ياغيز..و القوة أيضا ياغيز..لقد جمع هو كل الصفات الرائعة التي تحبّها المرأة في الرجل..و تسلّط على قلبها و على كل حواسّها حتى صارت لا ترى غيره..تحبّ ضعفها أمامه كما تحبّ ضعفه أمامها و تسعدها عدم قدرتهما على مقاومة أحدهما الآخر..
واصل هو تقبيلها بشغف لا مثيل له و بلهفة للمزيد..تحركت يداه على ظهرها قبل أن تستقر على خصرها..و تحركا معا دون أن تنفصل الشفاه..حطّا رحالهما على الأريكة القريبة منهما..شعرت هزان بثقل جسده فوقها و بحركات يديه على تضاريس جسدها..انغرست شفاهه في رقبتها المكشوفة أمامه و هو يغمغم بصوت مبحوح:
_ كم اشتقت اليك هزان..اشتقت الى رائحتك التي تعبث بكل حواسي.
ردت بصوت مرتعش:
_ و أنا أيضا اشتقت اليك كثيرا حبيبي.
عاد يقبّلها من جديد و ابتسامة رقيقة ترتسم على شفتيه..يده الموضوعة على خصرها بدأت تتخذ طريقها نحو الأسفل عندما رن الهاتف قاطعا عليهما لحظات الجنون تلك..الهاتف كان في جيب سترته..رفع نفسه عنها و هو يضع يده في جيبه و ينظر الى الشاشة..قطب جبينه فورا و ابتعد عن هزان..استوت هي جالسة و بقيت تنتظر أن يرد..مرر يده على عنقه بتوتر قبل أن يجيب:
_ ألو نعم نهاد.
سألته:
_ أين أنت؟ هل أعدت الطفل لهزان؟
قال:
_ نعم..لقد أعدته..و سأبقى معه هذه الليلة.
ردت نهاد:
_ حسنا..افعل ما تشاء ياغيز..ابق مع صغيرك و اعتني به..لكن..أرجوك..لا تقسو على هزان..حاول أن تتفهمها..انها أُمّ و من حقها أن تخاف على ابنها.
سألها بعصبية:
_ لماذا تفعلين هذا؟
قالت:
_ لم أفهم..ماذا فعلت؟ هل قلت شيئا أغضبك؟
أجاب بعد صمت:
_ لا..آسف..ارتاحي و نامي أنت..نلتقي في الغد.
ردت:
_ في الغد يجب أن نتحدث..هناك كلام مهم يجب أن تسمعه مني..ليلة سعيدة.
ثم أنهت المكالمة..بقي ياغيز واقفا في مكانه و الهاتف في يده..وقفت هزان و اقتربت منه..وضعت يدها على كتفه و قالت:
_ حبيبي..آسفة..لقد جعلتك تنسى زوجتك و أبعدتك عنها..اذهب اليها ان شئت و لا تتركها لوحدها.
التفت اليها و أجاب:
_ هزان..لا يصح أن يحدث بيننا ما كان على وشك أن يحدث و نهاد ما تزال زوجتي..أنا لست رجلا خائنا..حتى و ان كان هذا الزواج ضد رغبتي و ضد قلبي و ضد ما أريده..الزواج يبقى زواجا..و أنا أحترم التزاماتي..و ان كنتُ سأنهي هذا الالتزام فيجب أن أفعل ذلك بالطريقة المناسبة..سأتحدث مع نهاد و سأخبرها برغبتي في الطلاق..و أتمنى ألا يثير هذا الطلاق مشاكلا لا نهاية لها.
ثم صمت قليلا قبل أن يضيف:
_ أتعلمين بأنها كانت توصيني بكِ..تخيلي..نعم..لقد طلبت مني ألا أقسو عليك و أن أتفهم الدوافع التي جعلتك تخفين عني ابني..نهاد انسانة شفافة و نقيّة و قلبها طيّب..كل ما أرادته هو أن تعيش زواجا طبيعيا بظروف عاديّة..و حتى هذا المطلب البسيط وجدت نفسي عاجزا عن تحقيقه لها..و لو لم تتصل قبل لحظات لكنتُ خُنتُها..اللعنة علي.
ابتعدت هزان عنه و تمتمت:
_ ياغيز..لا أريدك أن تحمّل نفسك فوق طاقتها..و تأكد بأنني لن أُبعد عنك ابنك أبدا حتى لو قررت أن تبقى مع نهاد و أن تعطي فرصة لزواجكما..أنا سأنفصل عن أصلان لكي أصحح خطئي الذي ارتكبته في البداية..و لست أفعل ذلك لكي أضغط عليك و أجبرك على أن تحذو حذوي و تفعل مثلي..فكّر جيدا قبل أن تتخذ أي قرار..و أنا سأحترمه دون أي نقاش أو اعتراض.
ثم وضعت قدمها على أول الدرج و هي تضيف:
_ سأعدّ لك الغرفة المجاورة لأوموت لكي تنام فيها..ليلة سعيدة.
بقي ينظر اليها دون أن يقول شيئا أما هي فواصلت طريقها نحو الطابق العلوي و بعد لحظات كان كل منهما في غرفته غارق في أفكاره و يحاول أن يخفت صوت مشاعره لكي ينصت الى صوت عقله..يتخبطان لكي لا يركض أحدهما الى الآخر و يرمي كل جنونه عليه..و لتذهب كل الظروف و الالتزامات و العهود الى الجحيم..لكن هذا ما لا يرضيانه على نفسيهما و لا على بعضهما..استيقظت هزان بعد ساعتين تقريبا على صوت أوموت..غادرت سريرها و مشت حافية نحو غرفة ابنها..وجدت الباب مُواربا و سمعت صوت ياغيز قادما من الداخل..أطلّت برأسها و رأته و هو يحمل صغيره بين ذراعيه..يهدهده و يغني له بصوت خافت لكي يعود الى النوم..كان ذلك أجمل منظر رأته عيناها في حياتها..ياغيز و هو يحمل نسخته المصغرة في أحضانه كان عبارة عن لوحة فنيّة تستأهل أن يرسمها أمهر الرسامين و أشهرهم..تأملتهما هزان بعيون دامعة و هي تلعن نفسها ألف مرة لأنها حرمته طيلة هذا الوقت الطويل من حمل ابنه بين ذراعيه و من اغداق حبّه الكبير و حنانه الغامر عليه..لم تدخل عليهما..بل عادت الى غرفتها فاسحة لهما المجال لكي يكونان معا دون أي ازعاج.
في الصباح..استيقظت هزان باكرا كعادتها..و ذهبت مباشرة الى غرفة صغيرها لكي تتفقده لكنها لم تجده في سريره..ركضت كالمجنونة نحو غرفة ياغيز و ما ان فتحت الباب حتى وجدت الأب و الابن نائمين معا بسلام..وضعت يدها على صدرها و تنفست ببطء لكي تهدّئ من روعها ثم أخذت هاتفها و التقطت لهما صورة أرادت بها أن تخلّد اللحظة الجميلة قبل أن تعود الى غرفتها..و هناك..استحمت و ارتدت ملابسها ثم جهزت فطورا لذيذا وضعته على الطاولة و بينما هي منشغلة بقراءة التقارير الصباحية الخاصة بالجريدة سمعت وقع خطوات أقدام ياغيز و هو ينزل الدرج..اقترب منها و قال:
_ صباح النور.
أجابت:
_ صباح الخير..لقد جهزت لنا الفطور..اجلس لنأكل معا.
سحب كرسيا و جلس قبالتها و هو يقول:
_ سلمت يداك..هزان..بالمناسبة..ليلة البارحة أردت أن أعتذر لأنني أثقلت عليك بكلامي و جعلتك تشعرين بأنك..
قاطعته:
_ لا داعي لذلك ياغيز..أنا أتفهم موقفك تماما..و لا ألومك على شيء..الظروف كانت أقوى منك و مني..ان كان قرار طلاقك من نهاد سيجلب المشاكل لأهلك فلا تقم بذلك..و استمر في زواجك..و كما أخبرتك سابقا أنا سأحترم ذلك و لن أُبعدك عن ابنك أبدا.
وضع يده على يدها و سأل و هو ينظر اليها:
_ و نحن؟ ماذا سنفعل؟
هربت بعيونها منه و أجابت:
_ ما بنا نحن؟ سنكون بخير..كلانا سينشغل بحياته و سنحاول أن نتجاهل هذه المشاعر التي لن تجلب لنا سوى المصائب..هذا ما سنفعله ببساطة.
تنهد بحرقة و غمغم بحزن:
_ و كأن الأمر سهل و بسيط..لو كان الأمر سينجح لكان نجح طيلة هاتين السنتين.
مررت يدها على عنقها و همست:
_ لا تصعّب الأمر أكثر مما هو صعب..أرجوك..أنا أحاول أن أتوصّل الى حلّ يرضي الجميع..و لا تنسى..لديك مواجهة مع أهلك عندما تخبرهم عن أوموت..أخشى ما أخشاه أن يثير ما فعلته غضبهم و أن يقرروا أن يعادوني و أن يفعلوا كل شيء لكي يجعلونني أدفع الثمن..و كأن المشاكل و المصائب تأبى أن تبتعد عن طريقنا..يا الله..أرجوك ساعدنا.
ارجع ياغيز كرسيه الى الوراء و وقف ثم اقترب منها و انحنى عليها يعانقها و يحاول أن يطمئنها..سمعا فجأة صوت مفتاح يوضع في الكُوّة و الباب يُفتح..دخل أصلان يمشي مترنّحا و ما ان رأى ياغيز حتى تطاير الشرر من عيونه و صاح بغضب:
_ ماذا يفعل هذا هنا؟ من سمح له بالدخول الى بيتي؟
وقفت هزان و ردت:
_ أولا..هذا ليس بيتك..هذا بيتي و أنا استقبل فيه من أشاء..ثانيا..لا مكان لك هنا..أنا و أنت سنتطلق بمجرد أن تمضي على وثيقة الطلاق..و ثالثا و هذا هو الأهم..ياغيز أبو ابني و يحق له أن يأتي لزيارته متى أراد و لا يحق لك أن تعترض.
اتكئ أصلان بيده على الحائط و قال بسخرية:
_ حقا؟ أبو ابنك؟ و لماذا اذا أخفيته عنه طيلة هذا الوقت؟ و لماذا اخترتني أنا لكي أكون زوجا لك و والدا قانونيا لطفلك؟
ثم التفت الى ياغيز و أضاف:
_ هل صدّقت يا هذا بأننا عشنا منفصلين طيلة سنتين من الزواج؟ هل أنا راهب؟ أنا أحبها و أنت تعلم ذلك..لقد عشنا أنا و هي لياليا حميمية و ساخنة و ..
لم ينهي أصلان كلامه لأن ياغيز أهوى على وجهه بلكمة قوية أسقطته أرضا و جعلت الدماء تنفر من أنفه..أمسكه من ياقة قميصه و هزّه بعنف و هو يتكلم من بين أسنانه:
_ اخرس أيها الحقير..و إياك أن تتحدث عن هزان بهذه الطريقة القذرة..أعلم أنها تزوجتك لكن زواجكما كان مجرد حبر على ورق..و هذا ما يحرق روحك و يجعلك تأكل نفسك من الداخل..هزان لم تكن يوما لرجل غيري و لن تكون..أما أنت فستطلقها دون أن تلمس خصلة من شعرها..ستبقى هزان بالنسبة اليك نجما بعيد المنال..تراه بعيونك و تموت لكي تلمسه لكنك لا تقوى على ذلك..ستطلقها..برضاك أو رغما عنك..و لا تجبرني أن أريك وجهي الآخر..اياك أن تنسى أنني الآغا ياغيز ايجمان..أمحوك من على وجه هذه الأرض دون أن يرف لي جفن..هل هذا واضح؟
وضعت هزان يدها على كتف ياغيز و قالت:
_ ياغيز..دعه..أفلته لو سمحت.
أفلته ياغيز فتحامل أصلان على نفسه و وقف و هو يرد:
_ ستدفعان ثمن هذا غاليا..تذكرا كلامي جيدا..لن أسمح لكما بأن تجتمعان من جديد..و أنت هزان..ستكونين لي..برضاك أو رغما عنك.
و خرج و هو يهدد و يتوعد..أما ياغيز فبقي في مكانه و هو يكاد يتميز غيضا..أعطته هزان كأسا من الماء شربه و هدأ قليلا..قضى بعض الوقت مع صغيره قبل أن يغادر.
في شقته..كانت نهاد تنتظر وصول ياغيز لكي تتكلم معه..اتصل بها أخوها يمان و أخبرها بأنه يريدها أن تقضي بعض الوقت مع زوجته سيلين لكي لا تتركها لوحدها فوضعها النفسي غير مطمئن بالمرة و تحتاج الى صديقة تتحدث معها..اتفقت معه على أن يتناولوا معا طعام العشاء في الخارج و أخبرته بأنها ستأتي صحبة ياغيز..أنهت المكالمة و جلست تشرب قهوتها عندما انفتح الباب و دخل ياغيز..بدا مهموما و منزعجا..حيّاها قائلا:
_ صباح الخير نهاد.
أجابت:
_ صباح النور..تعالى..اجلس بجانبي.
ثم سألته:
_ قهوة؟
أومئ برأسه بالايجاب فملأت له كوبا أعطته إياه و أضافت:
_ كيف كان وقتك مع صغيرك؟
ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفتيه و رد:
_ كان رائعا و مميزا..سبحان الله..رائحته لا تفارق أنفي..وجهه ملائكي جميل..و ضحكته تلامس شغاف قلبي و تسعدني..و كأنني أعيش حلما جميلا و لا أريد أن أستيقظ منه.
وضعت يدها على يده و همست:
_ ليحفظه الله..و هزان؟ أتمنى بأن تكون قد تحدثت معها بهدوء و دون عصبية.
نظر اليها لبعض الوقت قبل أن يجيب:
_ في البداية كنت غاضبا منها جدا..لكن..فيما بعد..فهمت أسبابها و دوافعها..لكنني أعجز عن نسيان أنها حرمتني من هذا الشعور طيلة سنتين..ما فعلته لا يغتفر بسهولة.
ابتسمت و قالت:
_ الحب يغفر كل شيء..و أنت تحبّها..و قلبك سيسامحها..أنا واثقة من ذلك.
قطب جبينه و سأل:
_ كيف تتكلمين هكذا بهدوء و أنت تتحدثين عن حب زوجك لإمرأة أخرى؟
تنهدت و ردت:
_ ليس سهلا علي..لكنه حقيقة لا يمكن انكارها أو تجاهلها..أنت تحبّها..و لم تستطع أن تحبّني..و أنا لا ألومك على ذلك..فالحُب لا يكون بالإكراه..و أنا دخلت حياتك بطريقة خاطئة..و وجدت نفسك مجبرا على أن تعيش معي و أن تتخذني زوجة لك..حاولنا معا أن ننجح هذا الزواج لكننا فشلنا..و لهذا..يجب أن نصحح هذا الخطأ.
سأل من جديد:
_ ماذا تقصدين؟
وقفت و قالت:
_ سأخبر أخي بأنني لست سعيدة معك و أريدك أن تطلقني..و أخي لن يرفض هذا..و لن يثير مسألة الثأر مرة أخرى..زواجنا لا طائل منه..تعاسة تظلل على كلينا و محاولات فاشلة لن تغير من الأمر شيئا..لننفصل..و لتعد أنت الى المرأة الوحيدة التي تحبّ و الى ابنك..خذه برعايتك و أعطه الحب و الحنان الذي يحتاجه..و لا تسمح لأحد بأن يحرم هزان من ابنها..لا تعاقبها بهذه الطريقة لو سمحت.
وقف و اقترب منها و هو يسأل:
_ و أنت؟ ماذا ستفعلين؟
أجابت:
_ سأعود الى البرازيل..و سأقيم معرضا خاصا بلوحاتي..أما هذه اللوحة فأبقها عندك كذكرى مني.
لمعت الدموع في عيونها فاحتواها ياغيز بين ذراعيه و راح يربت بحنان على ظهرها.

في وان..كان حازم مجتمعا بكبار العشائر يتباحثون معا وسائل تطوير الآلات الزراعية المتّبعة في الفلاحة عندما رن هاتفه..أجاب و بقي ينصت في صمت لكلام المتصل قبل أن يقع الهاتف من يده و يشحب وجهه شحوب الموتى..اقترب منه جوكهان و أعطاه كأسا من الماء شرب بها حبة دواء الضغط و مع الوقت بدأ يعود اللون الى وجهه..سأله الرجال:
_ مالأمر حازم آغا؟ هل سمعت خبرا مزعجا؟
أجاب:
_ لا أعلم مدى صحة الكلام الذي سمعته..لكن..علمت للتو أن ياغيز الصغير ليس حفيدي الأول..هزان..طليقة ابني..كانت حاملا عندما غادرت وان..و أخفت الأمر عنا و عن ياغيز..و أنجبت طفلا اسمه أوموت..و سجّلته بإسم رجل آخر..و الآغا لا يعلم بأن لديه ابن منها..تخيلوا.
ثارت ثائرة المجلس و علت الأصوات المستنكرة لهذا الكلام و المطالبة بأخذ الطفل منها و اعادته الى وان..رن هاتف حازم من جديد معلنا وصول رسالة..كانت الرسالة تحتوي على صور لأوموت و على الشهادة الأصلية لميلاده..و بهذا تأكد الخبر و تيقّن الحاضرون بأن فاعل الخير الذي اتصل بهم كان صادقا فيما قاله..اتصل حازم بياغيز لكنه لم يرد عليه لأنه كان مشغولا في اجتماع عمل مع يمان و الموظفين العاملين في الشركة..نظر حازم الى جوكهان و قال و هو يضرب بيده على كرسيه المتحرك:
_ اسمع بني..أريد أن أرى حفيدي هنا..أمامي..بأي ثمن..هل هذا واضح؟ افعل ما ينبغي..أحرق الأرض تحت قدميها..و اجعلها تدفع ثمن الجريمة التي ارتكبتها..لا أريد لها أن تطئ أرض وان..أبدا..الآغا الصغير سيعيش هنا بين أهله و ناسه..و هي لن تراه مجددا..أبدا..هل فهمت؟
أجاب جوكهان:
_ أمرك أبي..لكن..برأيي..لننتظر ياغيز..لنعلمه بالأمر و لنترك القرار له هو.
حملق فيه حازم بغضب و صاح:
_ أنا لم أمت بعد يا هذا..أنا الآغا حازم إيجمان..و لا كلام يأتي بعد كلامي..اذهب و افعل ما طلبته منك قبل أن يجن جنوني..هيا.
خرج جوكهان مسرعا و هو يلعن نفسه لأنه تجرأ على التشكيك في قرار أبيه.

في اسطنبول..أنهى ياغيز اجتماعه و خرج من الشركة..ركب سيارته و أخرج هاتفه الذي كان على وضع الصامت من جيبه..وجد اتصالات أبيه..اتصل به لكنه لم يرد..اتصل بجوكهان الذي أخبره بما جرى..طلب منه ألا يقوم بأي شيء لأنه يعلم بوجود طفله و سيحضره بنفسه الى وان لكي يتعرف عليه جدّه و كل الأهل و الأقارب..فطلب منه جوكهان أن يتصرّف بسرعة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة و يقوم أحد رجال العشيرة بحركة غير محسوبة..طمأنه ياغيز بأنه لن يتأخر و سيقوم باللازم..ثم أعاد هاتفه الى جيبه و انطلق مسرعا بالسيارة الى منزل هزان..في الطريق..أوقفته دورية شرطة..طلب الضابط منه هويته و رخصة السياقة ثم أمر رجاله بتفتيش السيارة..كان ياغيز ينتظر بفارغ الصبر أن ينهي رجال الشرطة مهمتهم لكي يسرع الى هزان و يخبرها بما جرى ثم يصطحبها هي و أوموت الى وان لكي يجدوا معا مخرجا لهذه الورطة التي وقعوا فيها..أخرج أحد رجال الشرطة حقيبة سوداء من الصندوق الخلفي للسيارة..فتحها فتغيرت ملامحه و اراها للضابط المسؤول الذي أمر ياغيز بأن يترجل من سيارته ففعل..أدار الضابط الحقيبة نحوه و هو يقول:
_ ما هذا يا آغا؟ ألا يكفيكم ما تفعلونه في المناطق الخاضعة لسيطرتكم من أفعال خارجة عن القانون؟ لماذا تريدون أن تدنسوا مدينة اسطنبول بتجارتكم المشبوهة؟ مخدرات؟ ألهذا أتيت الى اسطنبول يا آغا؟ لكي تبيع بضاعتك؟
حملق ياغيز في الحقيبة الملآنة بأكياس مخدرات بيضاء..ابتلع ريقه بصعوبة و رد:
_ سيادة الضابط..هذه الحقيبة ليست لي..و أنا لست تاجر مخدرات..انها مكيدة..أنا بريء..لا علاقة لي بكل هذا.
وضع الضابط الأصفاد الحديدية في معصمي ياغيز و هو يقول:
_ قل هذا الكلام للنائب العام..ياغيز ايجمان..أنت موقوف بتهمة الاتجار بمواد ممنوعة..يستحسن أن تجد لنفسك محاميا بارعا يخرجك من هذه الورطة التي أوقعت نفسك فيها.

الآغاOù les histoires vivent. Découvrez maintenant