١٩..واحدة بواحدة

771 40 10
                                    

بعد أن انفضّ مجلس رؤساء العشائر و الآغاوات..انعزل ياغيز في مكتبه و غرق في التفكير..كان يعلم جيدا بأن ياسين هو من يقف وراء كل المشاكل التي تحدث له في الفترة الأخيرة..خاصة بعد زواجه من هزان..لكنه لم يكن يملك أي دليل يدينه..و كان يُهيب بنفسه أن ينزل الى مستواه المنحطّ و أن يجاريه في قذارته و سفالته..أما الآن..و بعد تماديه هذا..لم يبقى أمامه سوى أن يعامله بالمثل و أن يعلّمه درسا لا ينساه..كان متكئا برأسه الى الخلف و عيونه مغمضة..و لم ينتبه الى الباب الذي انفتح و لا الى هزان التي دخلت عليه و اقتربت منه..انحنت عليه و طبعت قبلة رقيقة على جبينه ففتح عيونه و ابتسم بطريقة ساحرة و هو يقول:
_ مرحبا بحبيبة روحي..و كأنك سمعتني و أنا أناديك..كنت أحتاج وجودك الى جانبي في هذه اللحظة.
ابتسمت و ردت:
_ و ها أنا أمامك و بين يديك..مالذي يزعج حبيبي؟
جذبها من وسطها و أجلسها على ساقيه ثم أجاب:
_ ذلك الحقير المسمّى ياسين..انه يستعجل ساعته و يحاول أن يجعلني أقتله بأية طريقة كانت.
قطبت هزان جبينها و همست:
_ إياك أن تفعل ذلك ياغيز..لو سمحت..لا تكرر هذا الكلام مرة أخرى..فالقتل أمر فظيع و مرعب..عاقبه بالطريقة التي تراها مناسبة..و ضع له حدّا لكي لا يتطاول عليك مرة أخرى..لكن..لا تلوث يديك بدماءه..لو سمحت.
ابتسم و قال:
_ كنت أقولها مجازا فقط..و أنا أيضا أكره أن ألجأ الى القوة و العنف و القتل..أنا لست مجرما..لكن ياسين يوجه لي الضربة تلو الضربة..ضرباته كلها تحت الحزام..كلها قذارة و خسّة و نذالة..تشبه روحه النجسة..و أنا أحاول ألا أجاريه و ألا أنحط الى مستواه..لكنه يستفزني بكل الطرق الممكنة..أعرف أنه يكرهني و يحقد علي و يغار مني..و أعلم أنه يطمع أن يأخذ مكاني..و صدقيني هزان..لو كان أفضل مني و أحسن مني و لو كان قلبه على المنطقة و أهلها لكنت تنازلت له عن لقب الآغاوية عن طيب خاطر..لكنه سافل و قذر..و مصلحته أهم من أي شيء آخر..لن أسمح له بأن يخدع أهل المنطقة و أن يستغلهم..سألقنه درسا لن ينساه.
أحاطت هزان وجهه بيديها و ردت:
_ خذ حذرك منه حبيبي..شخص حقود و قلبه مليء بالكراهية مثله قادر على أن يفعل كل شيء لكي يؤذيك..كن متيقظا و منتبها على الدوام..و لا تسمح له بأن يهزمك..قلبي لا يعترف سوى بآغا واحد و هو أنت ياغيز..عدني بأنك لن تسمح له بأن يأخذ منك ماهو حق لك.
ابتسم و أجاب:
_ أعدك حياتي.
قرّبت فمها من فمه و قبّلته فبادلها قبلاتها الخجولة بأخرى أكثر جرأة و حميمية..غمغم من بين تمازج الشفاه بصوت مبحوح:
_ مالسرّ الذي يكمن في شفتيك هزان؟ لماذا أشعر في كل مرّة أقبّلك فيها بطعم جديد يجعلني أشتهيك و أجن بك أكثر من المرة السابقة؟
احمرّت وجنتاها خجلا و همست:
_ أتمنى ألا يأتي ذلك اليوم الذي تملّني فيه و و الذي تفقد فيه شغفك تجاهي و رغبتك بي.
ابتسم و غمر شفتيها بشفتيه قبل أن يقول:
_ اذا حدث ذلك يوما فتأكدي عندئذ بأنني قد متّ و صرت تحت التراب.
ارتعش صوتها و هي تغمغم:
_ لا تتحدث أمامي عن الموت..لو سمحت..أنا لا أحتمل فكرة فقداني لك..أبدا..الموت هو الحقيقة الثابتة التي لا مهرب منها..لكنه موجع و مؤلم..انه أقسى اختبار يمرّ به الانسان في هذه الحياة..فقدان الأحبّة خسارة ما بعدها خسارة..و الحياة بعدها لا تشبه حياتنا قبلها..أتمنى أن يحميك الله لي و ألا يريني فيك مكروها أبدا.
وضعت جبينها على جبينه و أضافت:
_ سأذهب الآن لكي لا أشغلك عن أعمالك.
همّت بالوقوف لكنه ثبّتها في مكانها و هو يدفن وجهه في عنقها و يهمس:
_ لا مانع لدي..أنت أجمل انشغال على وجه هذه الأرض.
ابتسمت و راحت تمرر يدها على خصلات شعره بحنان بينما عبثت شفاهه هو برقبتها..انفتح الباب فجأة و دخلت ايليف و هي تقول دون أن تنظر اليهما لأنها كانت تنظر الى الأوراق التي في يدها:
_ ياغيز..هناك عقود و أوراق يجب أن..
ثم صمتت فجأة عندما رأت هزان جالسة بين أحضان ياغيز و هو منشغل بتقبيلها.
رفع وجهه عن عنق هزان و رد:
_ خيرا ايليف؟ ماذا كنت تقولين؟
همّت هزان بالابتعاد لكنه لم يسمح لها..أشاحت ايليف بنظرها بعيدا و غمغمت بصوت مخنوق:
_ آسفة..لم أكن أعلم أنك لست وحدك..سأعود فيما بعد.
وقفت هزان و رمقته بنظرة عاتبة ثم قالت تخاطب ايليف:
_ تعالي..أنا ذاهبة.
ثم خرجت و أغلقت الباب وراءها..اقتربت ايليف من ياغيز و همست:
_ لا داعي لهذه التصرفات..أنت تعلم أنها تؤذيني و تحرق روحي..أعلم أنك تحب هزان و أتمنى لك السعادة معها من كل قلبي..لكن أرجوك..حاول ألا تتعمد اظهار حبك لها أمامي.
رد:
_ لم أتعمد فعل شيء..أنت من فتح الباب و دخل دون استئذان..و أنا رجل يحب زوجته و لا أخجل من اظهار حبي لها أمام الجميع.
قالت:
_ يبدو أن كلامي الذي قلته لك منذ أيام أزعجك و أثر فيك..أليس كذلك؟ آسفة..لكنني قلت ما أفكر فيه و ما أرجح بأن يحدث عاجلا أم آجلا.
وقف ياغيز و رمقها بنظرة حادة و هو يقول:
_ ايليف..كفّي عن تكرار ذات الكلام أمامي..علاقتي بهزان تعنينا أنا و هي فقط..لا دخل لك بنا..اهتمي بشؤونك لو سمحت.
وضعت ايليف الاوراق على الطاولة و ردت:
_ حسنا..لا تغضب..أحتاج توقيعك على هذه الأوراق.
قرأ ياغيز الأوراق ثم وقع عليها قبل أن يخرج من المكتب و يغلق الباب وراءه.

الآغاOù les histoires vivent. Découvrez maintenant