حملقت فيه هزان و سألت بصوت مرتعش:
_ و لماذا لم تقل شيئا يومها؟ لماذا لم تتحدث معي؟ لماذا لم تخبرني من تكون؟ و لماذا لم تذكّرني بذلك عندما أتيت الى هنا؟ لماذا؟
التفت نحوها و أجاب:
_ لأنني خفت ألا أجد لديك الرغبة في الحديث معي أو في التعرف علي..خفت أن تشعري بأنني أقتحم حياتك دون وجه حق..خفت أن تنفري مني..خفت أن تشعري بأنني أضغط عليك و أحاول أن أؤثر على قراراتك ان ذكّرتك بما حصل بيننا سابقا..و أنا لا أريد أن أشوش عقلك و لا أن أفرض نفسي عليك..أردتك أن تتذكريني لوحدك..أردت أن أجد لنفسي عندك مكانا و مكانة..أردت أن تجدي فيّ ما يستفزّ عقلك و ذاكرتك فيستعيدان كل ما كان بيننا منذ الصغر.
سألته من جديد:
_ و ليلتها؟ مالذي دفعك لتقبيلي؟ ألم تخش أن تكون ردة فعلي عنيفة؟
ابتسم و رد:
_ كانت مجازفة خطيرة صراحة..لكنني كنت مستعدا لتحمّل أي شيء لقاء ما قمت به..كنت سأكتفي بمراقصتك فقط..لكن..عندما احتويتك بين ذراعي و سحبت رائحتك الى أعماقي..استبدّت بي رغبة مجنونة في تقبيلك..و هزمتني تلك الرغبة..و كانت القبلة جديرة بالمجازفة صراحة..لقد حملتها كذكرى لا تنسى لسنوات طويلة..أعلم بأنني تصرفت بطريقة وقحة و أخذت ما لا يحق لي..لكن..أعدك بأنني لن أكرر ذلك مرة أخرى.
نظرت اليه و همست بصوت مرتعش:
_ إلا إذا كنت أنا من أطلب ذلك.
بقي في مكانه ينظر اليها و هو لا يكاد يصدّق بأنها هي من تطلب أن يقترب منها و أن يقبّلها..أمام جموده و سكونه..قررت أن تشجّعه على الاقتراب فوضعت يدها على خدّه و قرّبت فمها من فمه و طبعت عليه قبلة رقيقة ثم ابتعدت..خفق قلب ياغيز بقوّة و هو يلتفّ نحوها و يضع يده على رقبتها لكي يقرّبها منه ثم و ببطء لامست شفاهه شفتيها..قبّلها قبلة قصيرة..خفيفة..و رقيقة..ثم ابتعد لينظر اليها و كأنه يتأكد بأنها فعلا أمامه و على مقربة نَفَسٍ منه..كانت هي مغمضة العينين و خفقات قلبها المتسارعة تدقّ كالطبول في أذنيها ناهيك عن ارتعاشة يديها و تهدّج أنفاسها..لم يطل انتظار اللقاء المنتظر بين الشفاه..مال ياغيز برأسه و أخذ شفتيها بين شفتيه بتعطّش قاتل لرحيقهما العذب..سحب شفتها العلوية بين شفتيه و امتصّها على مهل و بتلذذ كبير قبل أن ينتقل الى شفتها السفلية و ينهل من رحيقها دون اكتفاء..انعجنت شفاه هزان بين شفتيه و كاد قلبها يغادر ضلوعها من قوة الاحساس الذي انتابها في تلك اللحظات الساحرة..لم تعد تشعر بجسدها الذي كان يحترق ببطء و تشتعل فيه النيران التي تجربها للمرة الأولى..كانت عيونها مغمضة و عقلها يسجّل كل ثانية من تلك القبلات العذبة التي أمطرها بها ياغيز..تشبثت يداها بكتفيه و راحت تبادله قبلاته و تحرك شفتيها في محاولة منها لمجاراة نسق قبلاته الجنوني..تعمقت القبلات و صارت محمومة و متتابعة و جوعانة للمزيد دون اكتفاء..غمغم ياغيز من بين تمازج الشفاه بصوت مبحوح:
_ هزان..أنا أحبّك..أحبّك بكل جوارحي.
ثم أخذ يدها و وضعها على صدره حيث قلبه الذي يكاد يقفز خارج ضلوعه و أضاف:
_ انظري الى ما تفعلينه بي..هذا المكان هنا لك وحدك..يخصّك أنت فقط..و أنت الوحيدة التي لك حكم عليه..أحبّك هزان.
أبعد فمه عن فمها و وضع جبينه على جبينها و هو يحاول تهدأة أنفاسه المتهدّجة..فتحت هي عيونها و نظرت اليه بعيون ترجمت المشاعر الغريبة و الجميلة التي تنتابها للمرة الأولى..مررت يدها على وجنته و همست:
_ ياغيز..أنا..لا أدري ماذا أقول..لكن..أنا..أعتقد..بأنني..
وضع اصبعه على فمها و قال:
_ لا تقولي شيئا..لست مضطرة لقول شيء..أريدك أن تعيشي هذه اللحظات..و أن تتذوقي هذه الأحاسيس..لا تقولي كلاما لست متأكدة منه..خذي وقتك الكامل..و قيّمي مشاعرك جيدا..و لا تنخدعي بهذا الاندفاع الذي تشعرين به الآن..هذا ما يسمّى الأدرينالين..حماس اللحظة..غليان الدماء في العروق..تسارع نبضات القلب..و جنون الأنفاس..هو السبب الرئيسي فيها..فكري في ما عشته الآن عندما تهدئين..و عندئذ سيكون تقييمك عقلانيا و منطقيا..اتفقنا.
رمقته بنظرات كلها اعجاب و انجذاب لشخصيته الرائعة و لطريقته المميزة في التعامل معها..لم يستغل اندفاعها رغم حبّه لها..لم يطالبها بشيء..لم يجبرها على شيء..لم يستعجلها..بل طلب منها أن تفكر في ما تشعر به عندما تكون هادئة و قادرة على تحليل الأمور بطريقة منطقية أكثر..وجدت فيه ما كانت تحلم أن تجده يوما في رجل..و كيف لها ألا تشعر بما تشعر به الآن بعد كل هذا؟
احتواها بحنان بين ذراعيه و مرر شفاهه بخفّة على جبينها و هو يهمس بصوت خافت:
_ أنا اليوم أسعد رجل على وجه هذه الأرض..لأنك هنا بين ذراعي في الواقع..و لم يعد الأمر مجرد حلم بعيد المنال..أنا أعيش اليوم ما حلمت به لسنوات طويلة و كان الحلم لذيذا و جميلا لكنه كان مرهقا و متعبا أنهكني و استهلك كل طاقتي و قوّتي..و الأسوأ أن اليأس سيطر علي عندما كرهتني و احتقرتني و..
قاطعته و هي ترفع وجهها نحوه:
_ أنا لم أكرهك..لكن..كان من الصعب علي أن أتقبّل قتل انسان أمام عيني..ذلك المشهد جعلني أراك بطريقة سيئة..لكن كرهي و احتقاري كان موجها للقوانين و الأعراف التي تسير عليها هذه المنطقة..و الى الآن أجد صعوبة في تقبّل هذا..و أتمنى بألا تنتظر مني أن أتقبل قوانينا ظالمة كهذه.
أغمض عيونه بشدة و تنهد بعمق ثم غمغم بحزن:
_ هزان..هل تتصورين حقا بأنني أكون سعيدا عندما أقتل انسانا بيدي؟ هل تظنين أنني موافق على هذه الأعراف و التقاليد؟ لا..و أتمنى أن أجد طريقة لتغييرها..لكن الأمر ليس بهذه البساطة..انها قوانين عاش بها أهل المنطقة طوال مئات السنين..و أنا تولّيت مكان أبي و أخذت لقب الآغاويّة فقط من أجل عائلتي..و وجدت نفسي محكوما بهذه الأعراف..و مُجبرا على تطبيقها..و إلا ضاع لقب توارثته عائلتي لأجيال عديدة..و هذا يمثل عارا ما بعده عار..الموت سيكون أهون علينا من ذلك..صدقيني هزان أنا أعمل جاهدا على تغيير ما أستطيع تغييره..لكن بصفة تدريجية لأن التغيير يأخذ وقتا و تقبّل هذا التغيير يحتاج الى عقولة مرِنة تستوعب ذلك و توافق عليه.
لامست ذقنه بيدها و ردت:
_ أفهم ذلك..و أتمنى أن تسمح لي بمساعدتك في ذلك..أنا أملك قدرة هائلة على الاقناع..و أستطيع أن أساهم في تغيير نظرة أهل المنطقة للعديد من الأمور.
ابتسم و قال:
_ طبعا..هذا أكيد..و يسعدني أن تشاركيني في ذلك و أن تعتبري نفسك جزءا من هذا المشروع الذي أعمل عليه.
ثم نظر الى ساعته و أضاف:
_ لقد تأخر الوقت..لنعد الى القصر يا سيدة القصر.
ابتسمت هزان و راقبته و هو ينطلق بالسيارة.
VOUS LISEZ
الآغا
Romanceعندما تجد نفسك في مكان لا يشبهك و لا تنتمي إليه فماذا عليك أن تفعل؟ ستجيبون و ببساطة..ستهرب..لكن الأمر ليس بهذه السهولة..فقد يلعب القدر لعبته و تجتمع كل الظروف ضدك لكي تبقيك في مكانك ذاك..و تضطر الى التعايش مع الوضع و قد تتعلم كيف تتقبل كل سيئاته قب...