٣٣..مُساومة قذرة

715 43 13
                                    

في الجريدة..أنهت هزان اجتماعها مع المحررين الذين عرضوا عليها المادّة النهائية التي ستصدر في الجريدة ثم ألقت نظرة أخيرة على المحتوى قبل أن تعطي الأمر بالطباعة..و في مكتبها..تلقّت اتصالا من منتج مشهور يدعى أركان دوغلو أخبرها بأنه يرغب في تحويل روايتها الشهيرة "ورود سوداء " الى فيلم سينمائي..و طلب أن يلتقيها لكي يتفقان على كافة التفاصيل الضرورية لإتمام التعاقد..وافقت أن تلتقيه على العشاء ثم عادت الى عملها..كانت عيونها مثبتة على حاسوبها عندما سمعت صوت طرقات على الباب..قالت:
_ تفضل.
دخلت السيكرتيرة و أخبرتها بأن محامي عائلة أصلان يريد أن يلتقيها..طلبت منها أن تدخله ففعلت..دخل المحامي هاكان و صافح هزان التي استقبلته بحفاوة لأنها كانت تعرفه شخصيا من أيام العم جمال رحمه الله..أشارت له بأن يجلس و جلست قبالته..طلبت قهوة لكليهما ثم سألت:
_ خيرا ان شاء الله سيد هاكان؟ هل من خدمة نسديها لك؟
ابتسم هاكان و أجاب:
_ شكرا لك سيدة هزان..في الواقع..لم آت لكي أطلب خدمة..بل جئت بطلب من موكّلي السيد أصلان و معي تبليغ أراد مني أن أوصله لك.
قطبت جبينها و سألت:
_ مالأمر؟ ماذا يريد أصلان؟
أخرج هاكان مغلّفا أعطاه لها و هو يقول:
_ آسف لأنني أنا من سيخبرك بهذا..لكن..السيد أصلان أراد مني ابلاغك بأنه يعفيك من إدارة الجريدة و يطلب منك أن تسلمي كل المهام لأونور مدير قسم المالية و بالنسبة لمستحقاتك المادية..
قاطعته هزان و هي تبتسم بسخرية:
_ لا داعي لهذا الكلام..أنا لم أتسلم إدارة الجريدة إلا محبّة في أستاذي المرحوم جمال الذي وثق بي و سلمني هذا المنصب..و الحمد لله أن الجريدة من أنجح الجرائد في تركيا..لا أريد شيئا..سآخذ أشيائي و أغادر في الحال..أما السيد أصلان فأريدك أن تبلغه بأنني أنتظر توقيعه على أوراق الطلاق التي ستجدها عند المحامي..و أتمنى بألا يتأخر..لأنني لن أتوانى و لو للحظة واحدة عن تحويل الأمر الى قضية رأي عام..و عندئذ سأحصل على الطلاق سواء برضاه أو غصبا عنه.
نظر اليها هاكان و رد:
_ سيدة هزان..سأعمل جاهدا على اقناعه بإنهاء اجراءات الطلاق في أقرب وقت..و أتمنى بألا يفسد تعاملي معه علاقة الصداقة و الاحترام التي تجمعني بك.
ابتسمت هزان و قالت:
_ طبعا لا..أنت صديق أعتز به كثيرا و يشرفني التعامل معك دائما.
وقف الرجل و ودعها أما هي فراحت تجمع أشيائها و قد تجمعت الدموع في عيونها..لهذه الجريدة فضل كبير عليها..و لها في كل زاوية من زواياها ذكرى جميلة..و هاهي تجبر على الخروج منها بعد كل الجهد الذي بذلته و العمل الشاق الذي أنجزته..مسحت دمعة سالت على خدها ثم طلبت من اونور أن يأتي الى مكتبها..و ما ان فعل حتى أخبرته بأنه صار مدير الجريدة و سلمته كل الملفات اللازمة قبل أن تحمل أغراضها و تغادر..وجدت كل فريق العمل مصطفّين بجانب المدخل و ما ان رأوها حتى علا صوت التصفيق..حاولت أن تتماسك و ألا تظهر تأثرها أمامهم..شكرتهم و تمنت لهم التوفيق ثم فتحت الباب الخارجي و اتجهت نحو سيارتها دون أن تلتفت وراءها..وجدت أصلان يقف هناك..رمقته بنظرة حادة و سألت بنبرة استنكار واضحة:
_ ألا تخجل يا هذا؟ أليس لديك حدود لجنونك هذا؟ الى ماذا تريد أن تصل؟ أتعرف ماذا فعلت لتوّك؟ لقد خالفت وصيّة والدك المرحوم..هل سيكون ضميرك مرتاحا هذا ان كان لديك ضمير من الأساس؟
ابتسم بطريقة استفزازية و رد:
_ أولا..لستُ الوحيد الذي خالف وصيّة أبيه المرحوم..هل تريدين أن أذكّرك بوصيّة والدك؟ ألم يوصيك بعدم الذهاب الى وان؟ و ماذا فعلتِ أنتِ؟ لهذا لا تتحدثي و كأنك أفضل مني لأنك لستِ كذلك..و ثانيا..نعم..لا حدود لجنوني..و أنا مجنون بكِ و أنت تعلمين ذلك..و لن أتوقف قبل أن تصبحي لي..سأفعل ما لا يخطر على بالك أبدا..و في الواقع أنا بدأت في تطبيق خططي الشيطانية لكي أحشركِ في الزاوية و لا تجدين حلا الا في الاستسلام لي..نصيحة هزان..لا تحاربيني لأنك ستكونين الخاسرة الوحيدة.
حملقت فيه بإحتقار و إزدراء و قالت:
_ لم أكن أتخيل بأنك ستنحطّ الى هذا المستوى..أنا كنت أرى فيك صديقا لن يخذلني مهما جرى..لكنك فعلت..و خذلتني..و أجبرتني على تغيير نظرتي لك و رأيي فيك..اسمعها مني للمرة الأخيرة..أنا لن أكون لك أبدا..مهما فعلت..لأنني أعيش و أتنفس بسبب حُبّي لياغيز..هو الرجل الوحيد الذي امتلكني و الذي سأكون مخلصة له حتى آخر يوم في حياتي..هل هذا واضح؟
رفع حاجبه استغرابا و سأل:
_ حقا؟ هل ستنتظرينه لمدّة عشرين أو ثلاثين سنة أخرى؟ هل ستعيشين راهبة؟ ألم يخبروك أين هو حبيبك الآن؟ مسكينة هزان..أنتِ لا تعرفين شيئا..حبيبك ياغيز موقوف الآن في المخفر..و سيُسجن قريبا..و لمدّة ليست بالقصيرة.
أمسكته هزان من ياقة قميصه و صاحت به بنبرة قلقة:
_ ماذا تقول يا هذا؟ عن أي سجن تتحدث؟ أنت تكذب..أليس كذلك؟ أنت تختلق هذا لكي تضايقني؟
أبعد يديها عنه و أجاب:
_ لا..أنا لا أكذب..لقد قبضت الشرطة منذ ساعة تقريبا على ياغيز بتهمة حيازة المخدرات و الاتجار بها..أتعلمين ماذا وجدوا في صندوق سيارته؟ حقيبة ملآنة بأكياس المخدرات..مسكين..لم يكن يعلم بأنه لن يستطيع التحرك بحريّة في اسطنبول كما تعود أن يفعل في وان..لا نفوذ له هنا..و لا سُلطة سوى سلطة القانون..و القانون لا يحمي المغفلين..أليس كذلك؟ لنرى ماذا سيفعل الآن..و كيف تراه يغادر السجن؟
مررت هزان يدها على عنقها بتوتر و قالت:
_ هذا ليس صحيحا..و حتى ان كان صحيحا..سأجد أفضل محامي و سأجعله يدافع عنه..و سيخرج في أقرب وقت..
قاطعها:
_ هذا من جهة..و من جهة أخرى يجب أن تقلقي على طفلك الصغير أوموت..نعم..لا تنظري الي هكذا..لا أعلم من أين علم الآغا حازم و كل أهل وان بوجود حفيد لهم..هو الحفيد الأول لعائلة إيجمان..و ابن الآغا ياغيز..لا أدري من أخبرهم..لكن أنا واثق بأنهم في طريقهم الى هنا لكي يعيدوا حفيدهم الى وان..و هذا من حقهم بصراحة..من يلومهم على هذا..لا أحد طبعا..زوجة ابنهم..أو بالأحرى طليقته أخفت حملها عنهم و أنجبت طفلها و سجلته بإسم رجل آخر..هذا فظيع جدا..و خطأ لا يُغتفر.
رفعت هزان يدها و همّت أن تصفعه لولا أنه كان أسبق منها و أطبقت أصابعه على معصمها قبل أن تصل يدها الى وجهه..تكلمت هي من بين أسنانها:
_ أنت إنسان مُقرف و نذل..أفعالك هذه لا يقوم بها سوى شخص معتوه أو شيطان..سأحرقك حيّا ان مدّ أحدهم يده على ابني أو على ياغيز..هل سمعتني؟ سأقتلك بيدي هاتين أيها اللعين.
ضحك بطريقة هستيرية ثم قال:
_ سأعطيك حلاّ يريحك من كل هذا..ما رأيك؟ سأخرج ياغيز من السجن و سأثبت لعائلة إيجمان بأن الطفل ابني أنا لكي لا يحرموك منه..نعم..سأفعل..مقابل شيء بسيط جدا..هي ليلة واحدة تقضينها معي و بين ذراعي..ليلة أعبّر لك فيها عن حبّي الكبير لك..ليلة تكونين فيها ملكي أنا لوحدي..و بعد ذلك سأطلقك و تعود حياتك كما كانت..لا أريد منك سوى هذا..ماذا قلتِ؟
انتشلت يدها منه و ردت:
_ أنت تحلم يا هذا..و ما تطلبه مستحيل..الموت أفضل لي من أن يلمسني رجل آخر غير ياغيز..ناهيك اذا كان هذا الرجل حقيرا و مقرفا مثلك أنت..من كانت يوما زوجة للرائع ياغيز إيجمان لن ترضى على نفسها أن تكون لرجل غيره..سأفعل كل شيء لكي أخرج حبيبي من السجن..أما ابني فلن أسمح لأحد بأن يأخذه منّي..و حتى ان فعلوا..فسيكون بأمان عند جدّه و أهل أبيه..هم أيضا عائلته و أقاربه و سيحبّونه و يعتنون به..و لن أحرمهم منه بعد اليوم..خططك الشيطانية القذرة لن تنفعك..و لن أسمح لك بأن تنتصر علي..ستكون دائما وحيدا يا هذا..و لن تجد من يحبك أو يتحمل جنونك و هوسك الذي سيقتلك يوما..خسارة أن يكون للعم جمال ابن نذل مثلك..الحمد لله أنه مات قبل أن يرى انحطاطك هذا و إلا لكان تبرّأ منك.
ثم ركبت سيارتها و انطلقت بها مسرعة..
في الطريق..فكّرت أن تتصل بهاكان و أن تطلب منه أن يكون محاميا لياغيز لكنها خشيت أن تحرجه بسبب علاقته الوطيدة بأصلان و بعائلته..و راحت تحاول أن تتذكّر اسم محام يمكنها أن تعتمد عليه..و في النهاية اتصلت بمحامٍ شهير تعرفت عليه في إحدى المناسبات العامة إسمه إيلغاز شاهين..كان يُعرف بقُدرته الفائقة على كسب القضايا الصعبة و المعقّدة و على ضمان البراءة لموكّليه..طلبت منه أن يتجه مباشرة الى قسم الشرطة و أخبرته بأنها ستوافيه الى هناك..ثم اتصلت بمربّية ابنها و طلبت منها أن تلازمه و ألا تفتح الباب لأحد و أن تتصل بالشرطة ان اقترب أحدهم من المنزل..كانت تعلم بأن أصلان تعمّد أن يبعد ياغيز من طريقه بعد أن أخبر حازم و أهل وان عن حفيدهم لأنه كان واثقا بأنه سيمنعهم من أخذ طفلها منها..أما الآن فستكون لوحدها في مواجهتهم و لن يغفروا لها ما فعلته..لعنته ألف مرة و لعنت نفسها أيضا لأنها فعلت ما فعلته و ورطت نفسها مع أهل وان و مع شخص مريض مثل أصلان..لكن هذا كله لا يفيد الآن و لا طائل منه..المهم بالنسبة اليها كان أن تجد طريقة لإخراج ياغيز من السجن..
في مخفر الشرطة..كان ياغيز يذرع غرفة الايقاف جيئة و ذهابا و هو يفرك يديه بعصبية..كان يفكّر في طريقة ينجو بها من هذه المكيدة التي نصبها له أصلان..كان واثقا و متأكدا بأنه هو من وضع له حقيبة المخدّرات في صندوق السيارة لكي يستفرد بهزان و يجبرها على فعل ما يريده خاصة إذا ضغط عليها بموضوع ابنها الذي كان هو من فضحه لدى العائلة..كان عقله مشغولا بها هي أكثر من انشغاله  بنفسه حتى..كان يريد أن يطمئن عليها و أن يسمع صوتها..اقترب من القضبان و نادى على الحارس لكي يطلب منه أن يقوم بمكالمة هاتفية عندما لمحها و هي تقترب منه و معها رجل لا يعرفه..كان الرجل هو المحامي إيلغاز الذي قدّم نفسه بصفته محامي ياغيز ففتح له الحارس الباب و سمح لهما بالدخول اليه..ارتمت هزان بين ذراعي ياغيز و عانقته بكل قوّتها دون أن تنطق بحرف واحد..ربّت هو على ظهرها و دفن وجهه في عنقها و هو يهمس:
_ كنت أفكّر بكِ للتوّ..و كأنكِ سمعتِ ندائي..لا تخافي حياتي..سيكون كل شيء على ما يرام.
رفعت عيونها نحوه و ردت:
_ نعم..ستخرج من هنا..لن أسمح لذلك الحقير بأن يهزمنا..لن أسمح له أبدا.
سأل بقلق:
_ هل تحدثتِ معه؟ هل اعترف بما فعله؟
أجابت:
_ اللعنة عليه..سافل و حقير..هو من وضع لك المخدرات..و هو من أخبر عائلتك عن أوموت..لقد فقد عقله و صار مجنونا بصفة رسمية.
قطب جبينه و غمغم بغضب:
_ لأخرج من هنا أولا ثم سأجعله يدفع ثمن نذالته غاليا..أنا أعلم ما يريده..يريدك أنتِ و يحاول أن يسدّ كل الطرق أمامك و ..
قاطعته:
_ نجوم السماء أقرب اليه مني..لن أجعله يحصل على ما يريده حتى لو اضطررت الى قتله.
ابتسم و طبع قبلة رقيقة على جبينها و هو يقول:
_ أعلم ذلك حبيبتي..اسمعيني جيدا..اتصلي بأخي جوكهان و أخبريه بما حصل لي و هذا سيجعل العائلة تنشغل بي الى حين خروجي من هنا..و بعد ذلك سنحلّ مسألة أوموت معا.
أمسكها من يدها و جلسا معا قبالة المحامي الذي طلب من ياغيز أن يخبره بكل التفاصيل الخاصة بالقضية..و بعد صمت قصير قال إيلغاز:
_ اولا يجب أن نثبت بأن شخصا آخرا وضع لك الحقيبة بحكم عداوة شخصية بينكما..و هذا ما سيجعلني أبني دفاعي على نظرية المؤامرة..و ثانيا..سأسعى لإخراجك من هنا بكفالة بسبب عدم كفاية الأدلّة..و ستكمل المحاكمة و أنت طليق.
سألت هزان:
_ ألا نستطيع أن نسعى الى الحصول الى لقطات تثبت تورط أصلان في وضع الحقيبة في السيارة؟
ابتسم إيلغاز و رد:
_ بلى..سنفعل ذلك بالطبع..لكن الأمر سيأخذ بعض الوقت..و لهذا سأطلب من النيابة اخلاء سبيل ياغيز بكفالة و عندما يخرج من هنا سنعمل سويا على اثبات براءته بطريقة قاطعة.
فتح الحارس الباب و قال:
_ زوجة المتهم و شريكه يريدان رؤيته.
نظر ياغيز الى هزان التي وقفت و استأذنت في الخروج و همس:
_ لا تتضايقي حياتي..أيام قليلة و ينتهي كل هذا..عودي الى المنزل و انتبهي لنفسك و لأوموت و أنا سآتي اليكما متى ما خرجت من هنا.
ربتت على يده ثم خرجت مسرعة لكي لا تبكي أمامه..رأتها نهاد و هي خارجة فٱبتسمت و لم تقل شيئا..دخلت هي و يمان على ياغيز..سلّما عليه و أخبره يمان بأنه طلب تفريغ لقطات الكاميرا من أمام الشركة و بأنه سيتمكن من اثبات قيام شخص آخر بوضع الحقيبة في السيارة..اما نهاد فطمأنته بأنها أخبرت يمان برغبتها في الطلاق و بأنه لا يرى مانعا لذلك مادامت هذه رغبتها و بأنه سيطلّق سيلين إذا طلبت هي ذلك و بهذا تنتهي قصة المصاهرة و تُدفن حكاية الثأر الى الأبد..أكّد له يمان بأن الشراكة بينهما ستستمرّ و لن تتأثر أبدا بإنفصاله عن أُخته و بأنه لا يكن له سوى مشاعر الاحترام و التقدير..ثم اصطحب أخته الى المنزل و ترك المحامي يعمل على القضية و يحاول أن يجد طريقة لإقناع المحكمة المناوبة بإخلاء سبيل ياغيز و بأن يُحاكم و هو طليق.

الآغاOù les histoires vivent. Découvrez maintenant