في القصر..و في مكتبه الخاص..جلس ياغيز و أمامه جهاز الحاسوب خاصته..دخل عليه أردام و قال:
_ لقد طلبتني يا آغا.
رفع ياغيز عيونه و نظر اليه ثم أجاب:
_ نعم..أريدك أن تستدعي لي رؤساء العائلتين المتخاصمتين حول مياه الساقية..لقد طال هذا الأمر كثيرا..و يجب أن نحلّه قبل أن تسيل الدماء و تفلت الأمور من بين أيدينا.
رد أردام:
_ أمرك يا آغا..معك حق..بالأمس تواجه شباب من كلتا العائلتين و تعاركوا بالأيدي و من ألطاف الله أنهم لم يسحبوا الأسلحة و إلا لكان العراك تحول الى حمام دم.
قطب ياغيز جبينه و قال:
_ لهذا يجب أن نجد حلا سريعا..لقد كثرت المشاكل في الفترة الأخيرة..و صرت أخشى أن أعجز عن حلها جميعا.
صمت أردام قليلا ثم سأل:
_ اعذرني يا آغا..لكن ألا تشك بأنه أمر مُدبّر؟ و كأن أحدهم يريد أن يثقل كاهلك و أن يثبت للجميع عدم قدرتك على ايجاد الحلول اللازمة؟
ابتسم الآغا و رد:
_ أدرك ذلك جيدا يا أردام..و أنا متيقّن بأن الأيادي السوداء تتحرك في الخفاء و تنصب لي الفخاخ في كل مكان..لكن لا تقلق..أنا يقظ و منتبه..و لن أسمح لهم بذلك.
هز أردام برأسه و هم بالمغادرة قبل أن يستوقفه ياغيز بسؤاله:
_ هل هزان في القصر؟
أجاب:
_ لا يا آغا..لقد ذهبت الى منزل أمها..الرجال هناك يعملون..لا تقلق عليها..لن تكون لوحدها.
تنهد ياغيز و غمغم:
_ لا أستطيع إلا أن أقلق عليها..هذا ما فعلته دائما منذ أن كنّا أطفالا صغارا.
قطب أردام جبينه و سأل:
_ ألم تتذكر شيئا مما كان بينكما بعد؟
زم ياغيز شفتيه و رد:
_ أعتقد بأنها بدأت تتذكر..لكن..هيا يا أردام..اذهب حيث أرسلتك و لا تتأخر.
فهم أردام بأنه لا يريد أن يتكلم في الأمر فإستأذن و غادر.
رن هاتف ياغيز و ما ان نظر الى الشاشة حتى ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفتيه ثم رد قائلا:
_ أهلا بإبنة العم..مالذي ذكرك بنا؟
أجابت ايليف:
_ أنت دائما بالبال يا آغا..و لأثبت لك ذلك..أنا قادمة الى وان..طائرتي ستصل في الغد و أريدك أن تستقبلني في المطار.
ضحك و قال:
_ حسنا يا ابنة العم..سأكون في انتظارك..و ستكون هذه فرصة لكي تتعرفي على زوجتي بما أنك لم تكوني حاضرة في الزفاف.
ردت:
_ المهم أن أراك و أرى عمي و العائلة كلها..لقد اشتقت اليكم كثيرا..هذه المرة أنا آتية لكي أبقى..و لن أسافر مرة أخرى..ليكن في علمك.
ابتسم و قال:
_ لا مانع لدي..المهم أن تكوني بأمان..أنت الوحيدة الباقية من عائلة عمي..و أنا مسؤول عن حمايتك أمام الله..اعتني بنفسك و أخطريني بموعد وصول الطائرة..اتفقنا.
أجابت:
_ أمرك يا آغا..الى اللقاء.
أنهى ياغيز المكالمة و عاد يهتم بمشاغله الكثيرة.في منزل فضيلة..ارتعشت يد هزان الممسكة بالصندوق الصغير الذي وجدته في الحديقة..كانت تظن بأن ما رأته في نومها ما هو سوى خيالات لا أساس لها من الصحة..لكنها في الحقيقة كانت ذكريات جمعت بينها و بين زوجها الآغا..كانت تدرك جيدا بأن غضبها من تخلّي أمها عنها و كرهها للمكان الذي خيرت أن تبقى فيه بعيدة عنها قد ساهما في دفن ذكريات طفولتها عميقا داخل عقلها الباطني..و زاد انشغالها بحياتها الثانية هناك في اسطنبول و الأصدقاء الجدد الذين تعرفت عليهم هناك فنسيت كل ما يتعلق بحياتها هنا و التي لم تكن طويلة بما يكفي لكي تذكرها..فخمس سنوات لم تكن بالمدة الكافية لكي تؤثر على السنين الطويلة التي تلتها..الذكريات كانت موجودة دائما لكنها كانت منسيّة و مدفونة و لم تحتج سوى لتحفيز ذهني قوي و عميق يساعدها على العودة الى السطح..و هذا ما حدث مع هزان..فحديث أمها عن الحادثة التي كانت السبب في انفصالها عنها و هدوء غضبها منها و مقدرتها على مسامحتها كلها عوامل ساعدتها على التصالح مع المكان ..مع الأشخاص..و مع الذكريات أيضا..و الآن حان الوقت لكي تستعيد ذاتها القديمة..و تفاصيل طفولتها السعيدة التي قضتها مع أبوين عاشقين و مع صديق مقرّب كان يرافقها كظلّها أينما ذهبت و يعتني بها و كأنه مسؤول عنها و عن سلامتها..أغلقت هزان الصندوق و وضعته في حقيبتها ثم جلست على الأرجوحة و قرّبت أنفها من الورود الحمراء و البيضاء التي زينتها و سحبت الرائحة العطرة عميقا الى داخلها و أغمضت عيونها فتذكرت ياغيز و هو يسألها عن لون الورود الذي تفضّله و كيف اختارت هي اللونين الأحمر و الأبيض دون غيرهما فما كان منه سوى أن أتى بالزهور و شبكها حول الأعمدة الخشبية التي تستند عليها الأرجوحة و وعدها بأن يجدد تلك الورود كل يوم لكي لا تذبل و يخبو بريقها و بهائها و لكي لا تذهب رائحتها..و يبدو بأنه حافظ على وعده..
شعرت هزان بيدين توضعان على عينيها فقالت دون وعي منها:
_ ياغيز.
لكن الصوت الذي أجابها لم يكن صوته هو..انه صوت الآغا ياسين و الذي أجابها:
_ لا..أنا ياسين آغا..كنت واثقا بأنك ستأتين لرؤيتي في الموعد المحدد.
أبعدت يديه عنها و انتفضت واقفة و هي تسأل:
_ عن أي موعد تتحدث يا هذا؟ هل جننت؟
ابتسم و رد:
_ عجيب أمرك..تتظاهرين بأنك نسيت..لكنك هنا كما اتفقنا ليلة الحفل..و هذا يؤكد شكوكي حول زواجك من الآغا.
نظرت هزان حولها لكي تتأكد بأن الرجال الذين يعملون في المنزل لا يرون ما يجري ثم خاطبته بعصبية:
_ اسمع يا هذا..لا علاقة لي بالعداوة التي بينك و بين زوجي..أخرجني من حساباتك..و لا تتدخل في زواجي لأنه لا يعنيك لا من قريب و لا من بعيد..هل فهمت؟
اقترب منها ياسين و أشار الى جبينه و هو يقول بنبرة غاضبة:
_ لا دخل لي بكما..حقا؟ و هذا؟ ألا تتذكرينه؟ من أجل من حصلت على هذا الجرح الغائر الباقي في جبيني؟ ألم يكن ذلك من أجلك أنت؟ كيف أخرجك من حساباتي و أنت تسكنين عقلي و قلبي منذ أن كنت ولدا؟ لماذا تزوجته هو؟ لماذا و أنت لا تحبينه؟ نعم..لا تحملقي فيّ هكذا..أعلم جيدا بأنك لا تحبّينه..و زواجك منه وراءه سر سأكتشفه عاجلا أم آجلا..لماذا تخلّيت عن حياتك في اسطنبول؟ لماذا تركت عملك كصحفية؟ لماذا حطمت قلب أصلان الذي يعشقك؟ أم تراك تحبذين تحطيم قلوب الرجال الذين يعشقونك؟
قطبت هزان جبينها و سألت:
_ كيف عرفت كل هذا؟ من أخبرك عن عملي و عن أصلان و
قاطعها:
_ لأنني كنت ألاحقك و أنت هناك..و أراقبك..و أعرف عنك كل شيء..و كنت أنتظر اليوم الذي تعودين فيه الى هنا لكي أقنعك بالزواج مني أنا..و ماذا فعلت أنت؟ تزوجت ذلك الغبي الذي يسمي نفسه آغا..ماذا ظننت؟ هل ظننت بأنني سأتركك له بهذه السهولة؟ أبدا..الموت أهون علي من أراكما سعيدين معا..أنت لا تحبينه..و أراهن بأنك تفتقدين حياتك في اسطنبول..تعالي أساعدك على الهرب منه..و بعد ذلك سنجد طريقة لكي نتزوج..مارأيك؟ قولي بأنك موافقة..هيا..قولي.
قالت:
_ ماذا تقول يا هذا؟ هل تريد أن أحكم على نفسي بالموت؟ و ياغيز؟ ماذا سيحدث له اذا تركته؟ هل تريده أن يتأذى بسببي؟ لا..لن أفعل به هذا.
أمسك يدها فسحبتها منه على الفور ..همس هو:
_ أنا أحميك منه و من الدنيا كلها..وافقي أنت و أنا سأتكفل بالباقي.
هزت رأسها بالنفي و رددت:
_ لا..لن أفعل ذلك..لن أفعل ذلك.
رمقها بنظرة باردة و قال بنبرة تهديد واضحة:
_ لا تنسي هذه اللحظة هزان..اياك أن تنسيها..لأنني حاولت أن أعطيك فرصة و أنت رفضتها..و الآن..ستكونين عدوتي مثل ياغيز..سأنتقم من كليكما..و لن أسمح لكما بأن تكونا سعيدين..أبدا..سأنغص عيشكما و سأكون كابوسكما المزعج..استعدا للحرب الضارية التي سأعلنها عليكما و سأحرق بها الأخضر و اليابس..سترين.
ثم تحرك مبتعدا عنها بينما وقفت هي في مكانها و هي تتلفت يمنة و يسرة.
VOUS LISEZ
الآغا
Romanceعندما تجد نفسك في مكان لا يشبهك و لا تنتمي إليه فماذا عليك أن تفعل؟ ستجيبون و ببساطة..ستهرب..لكن الأمر ليس بهذه السهولة..فقد يلعب القدر لعبته و تجتمع كل الظروف ضدك لكي تبقيك في مكانك ذاك..و تضطر الى التعايش مع الوضع و قد تتعلم كيف تتقبل كل سيئاته قب...