عاد ياغيز الى الحفل و وجهه متجهّم و نظراته شاردة و كأن تفكيره العميق قد سرقه من جو الاحتفال..اعترضته زوجته و سألت بقلق:
_ خيرا ياغيز؟ هل أنت بخير؟
انتبه لنفسه و أجاب دون أن ينظر اليها:
_ لا أشعر بأنني على ما يرام..لا أدري ما أصابني.
ابتسمت و همست:
_ أنا أعلم ماذا أصابك..انها هزان..أليس كذلك؟ بمجرد أن رأيتها و تحدثت اليها انقلب حالك و غرقت من جديد في حزنك؟
نظر اليها و رد:
_ ليس هذا الوقت المناسب لهذا الكلام..سنتحدث عندما نعود الى المنزل..دعينا ننهي هذا الحفل و بعد ذلك لكل حادث حديث.
ثم ابتعد عنها و اتجه مباشرة الى المقصف و سكب لنفسه كأسا من المشروب احتساه دفعة واحدة ثم أردفه بكأس آخر و هو لا يسمع شيئا سوى صوت هزان يردد دون توقف كلمة "أحبّك"..كان يشعر بأن جسمه كله مشتعل و أن المشروب الذي يحتسيه تباعا يزيد من هذا الاشتعال البطيء و القاتل..مسكون هو بكل تفاصيلها..و كلما أغمض عيونه يراها تقترب منه..تنظر اليه..رائحتها تسبقها..و كل أنوثة نسوة الأرض تتجمع فيها و تثيره بكلمة أو لمسة منها..يعترف لنفسه بأنه ضعيف أمامها..و يجد نفسه في كل مرة أضعف من أن ينساها..هذا يفوق قدرته و استطاعته..و كأن قلبه مختوم بإسمها و كل كيانه لا يعترف بسواها..لكنها زوجة رجل آخر..و اسمها مرتبط بإسم رجل آخر..و ليس من حقها أن تقول ما قالته له..ليس من حقها أن تأتي اليه هكذا بكل بساطة لكي تجعل توازنه يختلّ و تفسد عليه حياته كلها..هو يعلم جيدا بأنه كان ينوي اعطاء فرصة لزواجه فقط عندما اكتشف بأنها تزوجت من رجل آخر..و لو عاد و التقاها بعد غياب و وجدها ماتزال حرّة دون أي ارتباط لكان ركض اليها دونما تأخير و لكان أفسد كل عهوده و التزاماته لأجلها..يحبّها..و اللعنة الأكبر أنه يوقن بأنه لن يحبّ غيرها..مهما حاول و مهما فعل..و الليلة..عندما رآها في الحفل..أراد أن يثير غيرتها..و أن يحاول أن يثبت لها بأنه نسيها و بأنه سعيد في زواجه..أراد أن يستفزها و أن يعاقبها بطريقته على زواجها من أصلان..نعم..أصلان..ذلك الذي لطالما أحبها..و الذي كان قد أخبره سابقا بأنه سيأخذها منه عاجلا أم آجلا..و اللعنة عليه لأنه فعل..حتى تلك اللكمة القوية التي سددها له منذ أيام لم تنجح في اخماد النيران التي تكويه كلما تذكر بأنه صار زوج هزان و صار يراها و يلمسها و ..ضغطت أصابعه بقوة على الكأس الزجاجي الذي كان يحمله في يده فتحطم الى قطع صغيرة و تجمعت الدماء في كفّه..انتبه لنفسه و انسحب الى الحمام..هناك..وضع يده تحت صنبور المياه فإمتلأ الحوض بالدماء الغزيرة..انتزع قطعة زجاج كانت قد انغرست عميقا في كفه و نظف جروحه بالماء ثم أخذ المنشفة البيضاء الصغيرة التي وجدها هناك و لفّها على يده و راح يضغط لكي يتوقف النزيف..رفع عيونه نحو المرآة و تأمل وجهه الشاحب و المتجهم..ماذا سيفعل الآن؟ هل سيواصل حياته مع نهاد و كأن شيئا لم يكن؟ و هزان؟ هزان التي أخبرته بأنها مازالت تحبّه؟ أتراها كانت تسخر منه؟ أتراها تتلاعب به و تستغل ضعفه تجاهها؟ لكن لماذا؟ ما مصلحتها من كل هذا؟ هل نسيت بأنها صارت امرأة متزوجة؟ و ان كانت تحبه هو فعلا فلماذا تزوجت أصلان من الأساس؟ أتراها أجبرت على الزواج منه مثلما حدث معه هو؟ لكن مالذي أجبرها؟ و لماذا اختارت أصلان دونا عن البقية مع علمها بأنه يحبها و يحلم بالزواج منها؟
كلها أسئلة ضجّت في عقل ياغيز و أرهقته دون أن يجد إجابة شافية لها..أبعد المنشفة عن يده و تأكد بأن الدماء قد توقفت ثم عاد الى المقصف لكي يشرب من جديد.
VOUS LISEZ
الآغا
Romanceعندما تجد نفسك في مكان لا يشبهك و لا تنتمي إليه فماذا عليك أن تفعل؟ ستجيبون و ببساطة..ستهرب..لكن الأمر ليس بهذه السهولة..فقد يلعب القدر لعبته و تجتمع كل الظروف ضدك لكي تبقيك في مكانك ذاك..و تضطر الى التعايش مع الوضع و قد تتعلم كيف تتقبل كل سيئاته قب...