٢٧..غُرباء

689 42 34
                                    

في مطعم فاخر وسط مدينة اسطنبول..جلست هزان قبالة ماجد الذي كان قد اختار طاولة منعزلة لكي يتسنى لهما الحديث بأريحية أكبر..أخذ النادل طلباتهما ثم ابتعد..قال ماجد:
_ تبدين فاتنة كعادتك سيدة هزان.
ابتسمت و أجابت:
_ شكرا لك سيد ماجد..هذا من لطفك.
سألها بحماس:
_ هل أحضرت معك مسودّة القصّة الجديدة؟
فتحت حقيبتها و أخرجت منها ظرفا كبيرا وضعته أمامه على الطاولة و هي تجيب:
_ أكيد..انها هنا في هذا الظرف.
فتح ماجد الظرف و أخرج الأوراق التي كانت داخله..نظر الى العنوان ثم الى هزان و قال:
_ أرض الموت..عنوان مثير للإهتمام..أعتقد بأن هذه القصة ستعزز نجاحاتك الماضية.
نظرت اليه و ردت:
_ و أنا متحمّسة لها كثيرا..أتمنى أن تلاقي قبولا عند جمهور القُرّاء.
وضع النادل أمامهم الأطباق و فتح لهم زجاجة نبيذ ثم انصرف..رفع ماجد كأسه و هو يقول:
_ نخب النجاح.
رفعت هزان كأسها تجاريه ثم ارتشفت منه رشفة قبل أن تضعه على الطاولة و تأخذ شوكتها و سكينها و تبدأ في تقطيع اللحم المشوي الموضوع أمامها و أكله..
سألها ماجد:
_ كيف حال المشاغب الصغير؟ هل تقضين معه الوقت الكافي؟
ارتسمت علامات البهجة على وجهها و أجابت:
_ حبيبي..انه يكبر بسرعة..و نعم..أحاول أن أخصص له الوقت اللازم..هو أولى أولوياتي و سبب حياتي..و لن أسمح لأي شيء بأن يسرقني منه.
قال ماجد:
_ ليحفظه الله..الأطفال نعمة يجب أن نشكر الله عليها دائما..أنا شخصيا أعشق الوقت الذي أقضيه مع ابنتي..أغلق هاتفي و أتفرغ لها كليا..و بعد انفصالي أنا و أمها صرت أراها في عطلة نهاية الأسبوع فقط..أشتاقها كثيرا..و وقتي من دونها يمر ثقيلا جدا.
واصلا تناول طعامهما و حديثهما عن الأبناء و عن القصة و عن حفل التوقيع الذي اقترح ماجد بأن يكون بعد أسبوع في فندق النجمة و بحضور الصحفيين و وسائل الإعلام و بعض القُرّاء الذين سيحصلون على نسخة موقعة منها شخصيا..و بعد العشاء..عادت هزان الى منزلها..وجدت بورجو تجالس طفلها أوموت..فغيرت ثيابها و ذهبت اليه لكي تنام بالقرب منه..احتضنته بين ذراعيها و سحبت نفسا عميقا من رائحته ثم راحت تداعب خصلات شعره و تغني له بصوت حنون..

في وان..أمضى ياغيز أسبوعه و هو يجهز مع يمان لإفتتاح شركتهما الجديدة..كما قررا معا أن يشتريان فندقا صاحبه يريد بيعه ثم يدخلان عليه بعض التعديلات الضرورية لكي يصبح على مستوى طموحاتهما..و اليوم..سافرا معا الى اسطنبول للإشراف على انهاء كل الأعمال العالقة قبل الانطلاق الفعلي في العمل..اختار يمان فندق النجمة لكي يقيمان فيه ريثما يستأجر كل واحد منهما بيتا أو ربما يشتريه إذا قرر قضاء وقت أكثر في المدينة..في المطار..حطّت طائرتهما القادمة من وان..ثم اصطحبتهما سيارة أجرة الى الفندق..اقترح ياغيز أن يبدئا فورا في العمل لكن يمان كان يريد أن يقضي يومه في التجوال في اسطنبول لأنه و منذ أن عاد من البرازيل لم يجد الفرصة لكي يعرفها أكثر..صعد كل منهما الى غرفته..أعطى ياغيز بعض النقود للعامل الذي أحضر له حقيبته ثم أغلق بابه و اتجه مباشرة الى الشرفة..كان اليوم مشمسا و الجو رائقا..اتكئ بيديه على الحاجز الحديدي و راح يتأمل المكان الذي تميزه اطلالة جميلة..ثم عاد الى الداخل..أفرغ حقيبته و رتب ملابسه في مكانها ثم استحم و استلقى على السرير..نام لبعض الوقت ثم تناول طعام الغداء قبل أن يخرج للتجول في المدينة..و رغما عنه..وجد نفسه يفكّر في هزان..و في مدى شوقه اليها..و رغم أنه حاول أن يشغل نفسه عن التفكير فيها بالتجول هنا و هناك..إلا أن محاولاته باءت كلها بالفشل..فلم يلبث أن وجد نفسه يشير لسائق سيارة الأجرة بأن يتوقف أمام منزلها متأملا أن يلمحها من بعيد و يطمئن عليها لعلّ نار الشوق التي تحرق جنبيه تخمد و تنطفئ ثم يتفرغ الى العمل الذي جاء من أجله..أمضى قرابة الربع ساعة و هو ينتظر أن تظهر لكن دون جدوى..فقرر أن يعود الى الفندق..كانت الساعة تشير الى السادسة إلا ربع مساءا..دخل الى المصعد الذي ما لبث أن امتلئ بالراكبين..أخرج ياغيز هاتفه من جيبه و راح يرد على بعض الرسائل المهمة الخاصة بالعمل عندما توقف المصعد من جديد و دخلت اليه امرأة سبقت رائحتها صوتها و كانت تتكلم عبر الهاتف و تقول:
_ الو نعم ماجد..لقد وصلت..هل كل شيء جاهز؟ القاعة في الطابق الخامس..نعم..فهمت..أنا في طريقي اليك.
ارتعشت يد ياغيز التي تمسك بالهاتف حتى كادت توقعه أرضا..سحب نفسا عميقا قبل أن يرفع عيونه نحوها..انها هي..هزان..هزانه التي لا يمكن أن يخطئ لا صوتها و لا رائحتها أبدا..كانت تقف و ظهرها له..و أمامه رجل يفصل بينهما..تأملها بعيونه العاشقة ثم توقف عند خصلات شعرها القصير..لقد قصّت شعرها رغم أنها تعرف جيدا بأنه يحبّه طويلا..هل يلومها على ذلك؟ طبعا لا..لكنه حزن كثيرا لرؤية شعرها قصيرا..كانت تمرر يدها على عنقها مثل عادتها عندما تكون متوتّرة..لحظات كانت كالحلم بالنسبة لياغيز..مضت بسرعة..و ما ان انفتح المصعد حتى وجد نفسه يلحقها..دون وعي منه..ساقاه تحملانه اليها..و قلبه يسبقه و ينطق بما يعجز لسانه عن قوله..عيونه تتأملها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها و هي تتمايل أمامه بفستانها الأسود الذي يلتفّ حول جسدها الممشوق مظهرا رشاقته

الآغاOù les histoires vivent. Découvrez maintenant