٢٩..غيرة

941 43 22
                                    

أسبوعان مرّا و ياغيز في اسطنبول..يدفن نفسه في العمل و في التحضير لإفتتاح الفندق الجديد و لإطلاق شركة الانشاءات و المقاولات مع شريكه يمان..اختارا معا مقرّا مناسبا للشركة و أجروا لقاءات عمل لتوظيف عُمّال و موظّفين و أصبح لديهما فريق عمل من خيرة الشباب..أما الفندق فكانا قد اشترياه من صاحبه و حافظوا على طاقم الموظفين و حرصوا على إجراء تجديدات و على إدخال تحسينات على مستوى المرافق و الخدمات..أطلق ياغيز اسم " اللؤلؤة" على الفندق و وافقه يمان على ذلك..و صار كل شيء جاهزا لحفل الافتتاح الضخم الذي سيقيمانه الليلة في فندقهما و الذي حرصا على توجيه دعوة لكل الشخصيات المرموقة و رجال الأعمال و أهل الصحافة لكي يكونوا حاضرين فيه..و خلال هذا الأسبوع أيضا اشترى ياغيز لنفسه شقة صغيرة في مجمّع سكني فاخر لأنه لم يرد أن يطيل البقاء في الفندق..أما يمان فكان قد خصص لنفسه جناحا في الفندق الجديد لكي يقيم فيه و لكي يكون أقرب للعمال يراقبهم و يوفر لهم كل ما يحتاجونه..و اليوم..جلس ياغيز في شقته يراجع بعض الأوراق عندما سمع صوت طرقات خفيفة على الباب..فتح فوجد زوجته نهاد التي كان قد استدعاها بنفسه لكي تكون الى جانبه في حفل الافتتاح و لكي تقضي بضعة أيام معه في اسطنبول..قال و هو يأخذ حقيبتها من يدها:
_ أهلا و سهلا..ادخلي.
دخلت و نظرت الى الشقة ثم اقتربت منه و طبعت على خده قبلة رقيقة و هي تجيب:
_ شكرا لأنك دعوتني لكي أكون معك..لقد اشتقت اليك كثيرا.
ابتسم و رد:
_ و أنا أيضا..اجلسي.
جلست و قالت:
_ الشقة جميلة و أثاثها أنيق.
جلس بجانبها و أجاب:
_ جميل أنها أعجبتك..فليس من السهل أن ينال شيء إعجابكم أيها الفنانون..ذوقكم صعب و إرضائكم أصعب.
ابتسمت و وضعت يدها على يده ثم همست:
_ أنا لست صعبة الإرضاء..على العكس..الأشياء الجميلة تلفت انتباهي بسرعة..و الأشخاص المميزون مثلك ينالون اعجابي دون الكثير من الجهد.
رفع عيونه نحوها دون أن يقول شيئا..كان يريد أن يتخذ خطوة نحوها لكنه كان مترددا كثيرا..و قلبه لا يطاوعه لفعل ذلك..لأنه لم يُشفى بعد من هزان..وضعت نهاد يدها على خدّه و قرّبت وجهها من وجهه و هي تضيف:
_ ياغيز..أعلم أنك لا تُحبّني..و أنك مازلت تعيش على ذكرى زوجتك السابقة..و لستُ ألومك على ذلك..فزواجنا لم يكن في ظروف طبيعية..و لهذا يصعب عليك أن تتقبّلني..لكن..اسمح لي أن أساعدك..اسمح لي أن أقترب منك..و أن أحاول أن أجعل هذا الزواج ناجحا..لا أطالبك بشيء..و لن أجبرك على حُبي..فلنكن صديقين..و زوجين..فقط..و ستتخذ الأمور بيننا مجراها الطبيعي.
أغمض عيونه بشدّة و تنهد بعمق..قربت هي فمها من فمه و قبّلته بخفّة قبل أن تتراجع و تقول:
_ بالمناسبة..لقد أحضرت لك هدية..و أتمنى أن تنال اعجابك.
فتح عيونه و نظر اليها و هي تتجه نحو حقيبتها..تفتحها و تخرج منها لوحة أعطته إياها و بقيت واقفة بخجل و حماس تنتظر رد فعله..أزاح ياغيز الغطاء عن اللوحة و حملق فيها بإعجاب كبير..لقد رَسَمتْه هو..بريشة فنانة موهوبة بحق..بدا لوهلة و كأنه ينظر الى نفسه في المرآة من شدة اتقانها لرسم كل تفاصيله..نظر الى نهاد الواقفة أمامه ثم أعاد تأمل اللوحة قبل أن يقول بسعادة:
_ انها رائعة..سلمت يداك..لا أدري ماذا أقول..أنت فعلا موهوبة نهاد.
ارتسمت علامات البهجة على وجه نهاد و ردت:
_ شكرا لك..الحمد لله أنها أعجبتك..في الواقع..كنت سأقدمها لك كهدية بعد أسبوع بمناسبة عيد زواجنا..لكنني تذكرت بأن ذلك اليوم لم يكن بالأمر المميز بالنسبة الينا لكي نحتفل به..أما إذا قررنا إعطاء هذا الزواج فرصة لكي ينجح فعندئذ سيصبح مناسبة سعيدة نحتفل بها معا..أليس كذلك؟
وقف و راح يبحث عن مكان يضع فيه اللوحة و هو يقول:
_ نعم..معك حق..فلتمرّ هذه الليلة بسلام..و لنفتتح الفندق و الشركة..ثم سنتحدث مطوّلا عن هذا الأمر.
ثم نظر الى الحائط المقابل و أضاف:
_ وجدت لها المكان المناسب..سأعلّقها هنا.
ساعدته نهاد لتثبيت اللوحة على الحائط و وقف كلاهما جنبا الى جنب يتأملانها قبل أن يلتفت ياغيز نحو زوجته و يعانقها و يربت على ظهرها بحنان و هو يردد:
_ شكرا لك..شكرا لك.

الآغاOù les histoires vivent. Découvrez maintenant