٢١..لقاء القلوب

775 41 15
                                    

في قصر إيجمان..انشغل ياغيز بإنهاء بعض الأعمال العالقة في مكتبه بعد أن تناول طعام العشاء مع العائلة..لكن صورة هزان لم تفارق خياله و لو للحظة واحدة..كل مكان يذهب اليه يبدو فارغا من دونها..و شعور غريب بالضيق يطبق على صدره..هكذا هو عندما تغيب هي عن ناظريه..لا يحلو له شيء..و الوقت يبدو بطيئا و متثاقلا و هو ينتظر عودتها اليه..و زاد اختفاء ياسين السريع عن الأنظار من قلقه و توجّسه..خرج من المكتب و قد هدأت الأصوات في القصر و انطفأت الأضواء..لم يرد أن يذهب الى غرفته..فهزان ليست هناك لكي تلاطفه و تتحدث معه و تنام بين أحضانه..مشى نحو الدرج..ثم نزل و اتجه نحو الحديقة..لامست يداه مياه النافورة الموجودة هناك لبعض الوقت و هو شارد و عقله يفكر دون توقف ثم واصل مشيه في الأرجاء..استوقفه صوت مذياع تنبعث منه أغنية جميلة..تتبع مصدر الصوت..فوجده آتيا من المخزن القديم الواقع وراء القصر..رأى ضوءا خافتا في الداخل..أطل من النافذة فرأى أردام جالسا هناك و أمامه زجاجة مشروب شارفت على الانتهاء..التف من الناحية الأخرى و فتح الباب و هو يقول:
_ هل أستطيع الدخول؟
وقف أردام و أشاح بوجهه بعيدا و مسح دموعه ثم سحب كرسيا لياغيز و هو يجيب:
_ العفو يا آغا..أنت لا تحتاج الى الإستئذان..تفضل.
وضع ياغيز يده على كتفه و رد:
_ بلى..يجب أن أستئذن قبل أن أفسد عليك جلستك الخاصة..شكرا لأنك أذنت لي..أنا أيضا أحتاج الى صحبة.
ابتسم أردام و انتظر جلوس سيده ثم جلس بدوره و هو يقول:
_ هل أسكب لك كأسا؟
أجاب:
_ لا..تعلم جيدا أنني لا أحبه..ضع لنا ابريقا من الشاي..و دع عنك المشروب لأنه لن ينفعك أبدا.
قال أردام:
_ آسف يا آغا..وجدت نفسي محتاجا لهذه الخلوة.
نظر اليه ياغيز و سأله:
_ هل أنت بخير؟ هل تحتاج الى شيء؟
طأطأ رأسه و رد:
_ نعم..أنا بخير يا آغا..كنت أشعر فقط ببعض الضيق.
تنهد الآغا و غمغم بصوت مخنوق:
_ و أنا أيضا شعرت بذات الشيء..قلبي منقبض و ينتابني احساس غريب بأن أمرا سيئا سيحدث..و غياب هزان عن ناظري و ابتعادها عني زاد الطين بلّة.
لم يقل أردام شيئا فأضاف ياغيز:
_ أكره غيابها..و أشتاق اليها في كل لحظة..القصر يبدو خاليا و باردا من دونها..لا أدري ان كنت تفهمني أم لا..لكن..حياتي من دونها بلا قيمة..اذا حدث و وقعت يوما في الحب فستفهم كلامي هذا..بالمناسبة..ألم تعش أبدا قصة حب؟ ألا توجد فتاة تريد أن تتزوجها؟ أخبرني و أنا سأخطبها لك.
ارتعشت يد أردام التي امتدت نحو ياغيز بكأس الشاي و بدا عليه الارتباك و هو يجيب:
_ أنا..لا وقت لدي لذلك..مشاغلي كثيرة..و ..أنا..خجول بطبعي..و لا أعتقد بأن هناك فتاة سترضى بأن تتزوجني و أنا شاب يتيم بلا أهل و بلا مال..أفضل لي أن أبقى وحيدا.
ارتشف ياغيز رشفة من كأس الشاي خاصته قبل أن يقول:
_ سامحك الله يا أردام..ما هذا الكلام الذي تقوله؟ أولا أنت شاب طيب القلب و ذو أخلاق عالية و تعيش من عملك و جهدك..اياك أن تستنقص من قيمة نفسك..و لا تكرر هذا مرة ثانية بأنك بلا أهل..ألسنا نحن أهلك و عائلتك؟ ألست أعتبرك أخا و صديقا لي؟ ألا يكفيك هذا؟ و اذا كنت أنت تخجل من اختيار عروس لك فدع الأمر لي و أنا سأختار لك فتاة جميلة تناسبك..لا تقلق..و خذ هذه النصيحة مني..الحب يحتاج الى شجاعة..ان كنت تحب فتاة فصارحها و كن شجاعا..و تذكر جيدا بأنك رجل شريف و صادق و كل عائلة تتمنى أن تكون صهرا لها.
بقي أردام ينظر الى ياغيز و التردد باد عليه..تختنق الكلمات في حلقه لكنها تأبى أن تغادر شفتيه..و تخونه شجاعته للتصريح بما يعتمل في قلبه من مشاعر جياشة يكنّها لمن لا ينبغي له حتى التفكير فيها..فكلاهما من عالمين مختلفين..هي ابنة السيد و هو الخادم الأمين..لا يريد أن يفقد احترام ياغيز له..و بالأخص عندما يدرك بأنه لا يعلم يقينا ان كانت من يحبها تبادله المشاعر أم لا..يراها كل يوم..يتمنى أن ترى حبه لها في عيونه..يبتسم لها و هو يفتح لها باب السيارة..تحيّيه بصوتها الرقيق الذي يشابه الموسيقى العذبة و ترد له الابتسامة ثم تركب سيارتها و تنطلق الى الكلّية..و يقضي هو يومه في انتظارها..و هكذا تمر أيامه كلها..يراقبها خفية عندما تكون في القصر..يتأملها في صمت و هي تقف في شرفة غرفتها..و يستمتع بسماع صوتها و هي تتحدث على الهاتف أو عندما ترافق إيجه و تتمشيان معا في الحديقة و هما تتمازحان و تضحكان..يحبّها من كل قلبه..و صار هذا الحب الأفلاطوني يرهقه و يعذبه.
أنهى ياغيز احتساء شايه ثم وقف و هو يضيف:
_ لقد تأخر الوقت..اذهب الى غرفتك و نم جيدا و استعد ليوم طويل سنقضيه معا في البحث عن ذلك السافل الذي لا ندري أين اختفى فجأة.
وقف أردام بدوره و رد:
_ أمرك يا آغا..ليلة سعيدة.
فتح ياغيز الباب و غادر و تبعه أردام الى الخارج ثم اختفى كل في غرفته.

الآغاOù les histoires vivent. Découvrez maintenant