"8": من حفرة لأخرى

73 2 0
                                    

ساعدتني قدمي المصابة في إبطاء خطواتي كي أحافظ على المسافة الآمنة بيننا.
خطواته هادئة ويبدو بأنه سارح بتفكيره والدليل غصن الشجرة الذي تعثر به فأبعده برجله بهدوء قبل أن يغير رأيه ويركله بعيداً بكل قوة.
< لا أستطيع التنفس... دوائي ليس صورة لشروق الشمس، بسرعة عالجيني>
قرأتُ رسالة أختي بابتسامة خافتة وأنا أجيب عليها بسخرية <اقتربي مني، سأطبق ما تعلمته مسبقاً عن التنفس الاصطناعي>
<لا شكراً، دعيني أموت بسلام>
ضحكتُ وأنا أرفع هاتفي لألتقط صورةً لما أراه -مارفن وهذه الأشجار الكثيفة المحيطة بطرفي هذا الطريق- ومن ثم أرسلتها معلقة <تنفسي...>
<كيف تتنفسين وهذا الجمال أمامك؟>
<لن أختنق من رؤيتي لظهره!>
رددتُ على رسالتها وأنا أنظر لمارفن بإشمئزاز ممتزج بضيق جعلني أحذف الصورة كلياً من محادثتنا كاتبة:
<اختنقي!>
أعدتُ هاتفي لجيبي وأنا أسرع من خطواتي فلقد أصبح الفارق بين مسافتنا كبير لكن، بإتصال واحد شعرت بالعالم يضيق. لف بصره نحو مصدر الصوت بخطوات خافتة.
أسرعت بالإجابة فألصقت الهاتف بأذني لكن، دون أي حركة فلقد ثبت مكانه عندما دقق بي وتأكد من صاحبة هذا الإتصال...
- لما اتصلتي الآن؟!
سألتُ بصوت خافت رغم استحالة سماعه لي من بعد المسافة فأجابت ببهجة:
- كي يلتفت الوسيم فيراكِ، تصبحين صديقته.. فقط صديقته ركزي فبعدها يجب أن تعرفيني عليه فيقع بحبي.
- مِن مَن ورثت هذه العقلية...
تمتمتُ فضحكتْ قبل أن تكمل وياليتها لم تتحدث:
- متأكدة من أنه وسيم لدرجة لا تصور فطوله الهائل مناسب تماماً لطولي، وعضلاته... فقط من النظر لصورته يبدو جسده مفتولاً... الأجمل هو شعره الداكن.. طويل قليلاً لكن قلبي يموت على اللون الأسود. تأكدي هل هو مرتبط أم لا.
- مرتبط اذا اخرسي.
- لقد تألم قلبي... أظن بأنني أشعر بالغيرة.
قالت بتوجع فأغلقت المكالمة قبل أن أشتمها... أكملتُ خطواتي بينما ما يزال واقفاً مكانه يلاحقني بنظراته الهادئة. شعرتُ بصدري يتسع وتنفسي يسهل عندما مررت بسلام فأسرعت من خطواتي وصولاً إلى غرفتي.
استلقيتُ مجبرة نفسي على النوم كي يمر اليوم أسرع مما هو عليه لكن، تالة لديها قرار آخر فلقد دخلت بعدي بدقائق وجيزة وهي تقول بحماس:
- سوف نستحم اليوم بالينبوع لذا، نامي قليلاً إن كنت تشعرين بالتعب.
- للنساء فقط؟
سألت بتردد خشية أن يكون سؤالي غبياً لكنها، أجابت دون أن تسخر مني:
- نعم لا تقلقِ، ممنوع دخول الرجال إلى هناك.
أومأت بإيجاب فلا مضرة في أن أكافئ نفسي بعد كل هذه المعاناه... لكن، ما الذي يجب أن أرتديه؟
<تأخرتِ>
رسالة من أختي لم أفهم معناها حتى وصلتني الصورة التي أرسلتها... إنها صورة مارفن التي حذفتها قبل قليل.. متى تسنى لها أن تحفظها!
<هل حفظت صورة الشروق التي أرسلتها لكِ أم فقط صورة ظهر البعير؟>
كتبتُ بقهر أنساني نفسي وبأنني كنتُ أتحدث مع تالة.. كانت واقفة تنتظر موافقتي وبالتأكيد رأت تقلب مشاعري فظنت بأنني قد جننت، ابتسمت مجيبة:
- سآتي معكم لكن، متى سنذهب؟
- على الساعة السادسة.. لديك متسع من الوقت ترتاحين به.
ابتسمتُ باستحسان واستلقيتُ فور ذهابها معيدةً نظري لهاتفي فرأيت رسالة المجنونة:
<ألفاظك! كيف تنعتين زوج أختك المستقبلي بالبعير؟>
<تزوجيه بسرعه كي يتسنى لي التبّرأ منك>
كتبت وأكملتُ برسالة أخرى:
<أتمنى أن يخنقك مثلما خنقني>
فهمتْ بسرعة مقصدي فأجابت <إذاً هذا هو الرجل الذي تتشاجرين معه... إنه طويل جداً كيف استطعتي صفعه؟>
<هو من يتشاجر معي...>
رسلتُ أحاول البحث عن جواب لسؤالها فردت علي ضاحكة من عدم اجابتي:
<يبدو وبأنكِ تزدادين طولاً في كل مرة تغضبين بها>
لا أنكر ضحكتي التي خرجت رغم غضبي فكتبت:
<رجاءً ليزي، دعينا ننهي هذا الموضوع ونركز على شيء آخر.. أحتاج مساعدتك.. سوف نذهب للينبوع اليوم، ما الذي يجب أن أرتديه؟>
<لا شيء.. ومن ليزي هذه؟>
<أنتِ! ما الذي تقصدينه بلا شيء؟ رجاءً أتركِ المزاح جانباً وأجيبيني>
<لا أحب اسم ليزي..>
تجاهلتُ ما قالته وأنا أرسل رسائل عديدة وكلها قرأت دون الإجابة.. إنها جادة رغم إفصاحي عن سبب تغييري لكنيتها فلا أريدها أن تتشارك ذات الاسم الذي يطلقه مارفن على صديقته الدنيئة... لم أفصح عن شجاري معها.
<إيلي حبي>
كتبتُ مستسلمة فردت بنفس اللحظة:
<إياكِ ومناداتي بليزي مرة أخرى... ولا يهمني كم إيلي تمتلكون بمدرستكم.. بحياتك واحدة وهي أنا فقط>
أرسلتُ قبلة صوتية فآخر ما أرغب به الآن هو أن أبقى دون أختي وأمي التي قد تمر الأيام دون أن نتحدث.
<ما الذي يجب أن أرتديه؟>
سألتُ من جديد بتوتر فهذه المرة الأولى التي أذهب بها إلى الينبوع... انتظرت ردها الذي تأخر قليلاً قبل أن تصدمني بإجابتها فلم أقوى الرد:
<ستأخذين منشفة بيضاء.. طويلة قليلة بما أنكِ حريصة على ألا تظهرين مفاتنك... والسر هنا كونك لن ترتدين شيئًا سواها.. لفيها حول جسدك الفاتن العاري وغوصي بالماء الساخن... ولا تقلقي فمع بخار الماء ستصبح الرؤية شبه منعدمه من أسفل الماء وقد ترين بعض الفتيات ينزعن هذه المنشفة فور دخولهم للماء لذا حاسبي على نظراتك فجميعكن فتيات>
قرأتُ رسالتها ودقات قلبي تتزايد... أعدتُ قراءتها مرتين، أربع حتى أتتني رسالة جديدة:
<لأخفف عليك حدة الموضوع، بإمكانك ارتداء سروال داخلي لكن.. إياكِ وارتداء حمالة الصدر! سأقتلك إن علمتُ بأنكِ ارتديتها.. مظهرك سيبدو سيئاً>
<ما الذي سيحصل إن سقطت هذه المنشفة؟>
<ستوقعين إحداهن بحبك... لكنني، لا أحبذ هذه الفكرة لذا لفيها حول جسدكِ جيداً>
لا أريد الذهاب ... وحده التفكير بالأمر يبدو مخيفاً جداً فلما يجب أن أكون عارية!
<سأعتزل الأمر، لا أريد الذهاب.>
كتبتُ فاهتز هاتفي باتصال منها.. أجبت بصمت أستمع لعتابها أولاً ومن ثم تشجيعها لي بأنه الوقت المناسب لأكسر خوفي وأجرب كل ما هو جديد.
تذمرتُ غير راضية عما تقول:
- ما التجربة الجديدة في الاستحمام عارية؟
- ومن يستحم بملابسه؟
- إيلي لا تغصبيني.. لن أبقى عارية أمام الجميع!
صرختُ بغضب فردت بجدية:
- لستِ العارية الوحيدة... كما أنك سوف تغطين جسدك بالمنشفة ولن يراه أحد!
- سأبقي ملابسي الداخلية تحسباً.
- فقط سروالك الداخلي، غيره مرفوض.
- ومن سيرفض؟
- أنا!
- تعالي وسأقبل برفضك.
قلتُ ساخرة من البعد بيننا فردت بهدوء:
- حسناً افعلي ما تشائين... وداعاً.
- أين؟
- الكلام معكِ مضيعة للوقت.
شعرتُ بصدري يضيق من كلامها المفاجئ والذي علقتُ عليه بعدم رضى:
- أأصبح الكلام معي مضيعة فقط لأنني سأرتدي ملابسي؟
- نعم، لا يعجبني عنادك بمثل هذه الأمور.
- أغلقي المكالمة ولن أجيب عليك مرةً أخرى.
قلت بغضب فردتْ بخفوت:
- لا ترتديها...
صمتت لثانية ثم أكملت بحلٍ أرضى الطرفين:
- عندما تذهبين لهناك أنظري للبقية، لا ترتديها في حال لم يرتدوها.
- حسناً.... سأرتاح قليلاً لذا انتبهي لنفسك وأعلميني عند عودة أمي للمنزل.
- بالتأكيد يا قوية، سأنتظر خبراً منكِ.
ضحكتْ ساخرة من الخوف الواضح بصوتي ومن ثم أغلقت المكالمة فبقيت أنا أهدأ من روعي فهي محض ساعة واحدة بالكثير... أغمر بها جسدي بالماء ومن ثم أعود لغرفتي.
علي أن أصمد ولن يكون ذلك شاقاً... أتمنى.

من حفرة إلى أخرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن