كانوا عشاقاً

18 2 0
                                    

يقول الأصمعي :
بينما كنت أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت :

أيا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حل عشق بالفتي كيف يصنعُ
فكتبت تحته البيت التالي:
يدري هواه ثم يكتم سرهُ
ويخشع في كل الأمور ويخضعُ
يقول الأصمعي ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوبا تحته هذا البيت :
وكيف يداري والهوى قاتل الفتی
وفي كل يوم قلبه يتقطعُ
فكتبت تحته البيت التالي:
إذا لم يجد صبرا لكتمان سره
فليس له شي سوى الموت ينفعُ
يقول الأصمعي :
فعدتُ في اليوم الثالث ، فوجدت شابا ملقى تحت ذلك الحجر ميتاً ، ومكتوب تحته هذان البيتان :
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا
سلامي إلى من كان بالوصل يقطعُ
هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم
وللعاشق المسكين ما يتجرعُ
.
.
2
ذكرت في صباح سابق رأيي ببعض قصص الأصمعي
وأني على يقين أن كثيراً مما ذكر أنه شاهده قد سمعه
وأن كثيراً مما ذكر أنه وقع عليه فقد ألفه
ويشهد الله أنه أبدع إذ ألّف
وأنه عندي من أمتع من تحدثوا عن الأعراب وأخبارهم
فإن لم تصح هذه القصة لفظاً فانها تصح معنی
كان القوم عشاقا بكل ما تعنيه الكلمة من معنی
كان الحبيب يعرف بين الناس بحبيبته فيقولون قيس لیلی
وجميل بثينة
وكُثير عُزة
كانت امرأة واحدة في عين حبيبها كل النساء
وكان رجل واحد في عين حبيبته كل الرجال
كان الحب جميلاً وقتذاك
لم يكن عندهم فالانتاین كان عندهم حب حقيقي
لم يكن عندهم بطاقات ملونة تُباع في المكتبات
كان عندهم قصائد يكتبونها بأنفسهم
لأنهم يعرفون أن الكلام الذي قيل لامرأة لا ينبغي أن يُقال لسواها وأن القصيدة التي تقال لرجل لا ينبغي أن تُقال لسواه
لم يكن عشاقهم يخلطون بين حبيباتهم فلكل عاشق حبيبة واحدة ولم يكن لديهم «واتسآب» فيه عشرات الحبيبات
وكانت الحبيبة تقاتل لأجل حبيبها ولا تمضي لخيمة أول خاطب
جاهز
رغم أن النساء كُن ضعيفات مقارنة بنساء اليوم
فلم تكن القبائل ترضى أن يربي الآخرون بناتها كما نقبل نحن
ولو أن مبعوثا للروم أو الفرس جاء ليعلمهم حقوق المرأة لشقه شیخ القبيلة نصفين
كان حبهم جميلاً
تشعر وأنت تقرأ قصصهم أنك تريد أن تحمل سيفا وتقطع رأس والد ليلى لأن رأسه یابس
ولا يريد أن يزوجه إياها
تشعر أنك لو سمعته يناجي ربه في الحج :
تبت إليك يا رحمن من كل ذنب
أما عن هوى ليلى فإني لا أتوب
تشعر أنك لو سمعته لحضنته
وتعرف أنك لو قلت له : النساء غيرها
كثير لدفنكَ في عرفة

حديث الصباح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن