يُحكى أن أحد الأعراب في الجاهلية سمع ضجة وجلبة خارج خيمته
فخرج فزعاً ينظر ما الأمر
فوجد جماعة من قومه قد حملوا عصيّهم
فقال لهم : ما الأمر؟
فقالوا : كنا نلاحق سرب جراد وقد فرّ منا وحط رحاله في فيء خيمتك ونحن نريده
فدخل خيمته مسرعا وخرج شاهرة سيفه
وقال لهم : جراد احتمى بي كيف أسلمه لكم
ووقف يحرس سرب الجراد حتى تحرك الظل وحمي الرمل وطار سرب الجراد
عندها التفت إليهم وقال : الآن أنتم وما تطلبون
ودخل خيمته!
ومن يومها إذا أرادت العرب أن تمدح أحداً بالحميّة قالت :
فلان أحمی من حامي الجراد!الوقفة الأولى :
الجاهلية هو مصطلح يطلق على الفترة الزمنية التي عاشها العرب قبل البعثة الشريفة .
والمقصود بها الجاهلية الدنيّة ، فالقوم كانوا بغالبيتهم الساحقة عُبّاد أصنام وأوثان
والوثن هو كل ما عُبد من دون الله سواء كان على هيئة شيء أم لم یکن
والصنم هو ما عُبد من دون الله وكان على هيئة شيء
فالوثن إذا مصطلح عام والصنم مصطلح خاص
كانوا يصنعون آلهتم من حجارة وخشب ثم يعبدونها
وقد يصنعوها من تمر أول النهار ويأكلوها آخره!
ولكن العرب وإن عرفوا الكثير من الرزايا الأخلاقية حالهم حال كل المجتمعات وقتذاك
إلا أنهم بالمقابل كان عندهم أخلاق رفيعة
كانوا كرماء يبذلون للضيف أجود طعامهم ويؤثرونه على أهل بيوتهمکرهوا الغدر وأحبوا الوفاء
وعدوا الكذب من خوارم المروءة
شجعان تحارب القبيلة كلها لأجل الواحد
لا يدعون ثأراً ولا ينامون على ضيم
يتغنون بمكارم الأخلاق
وينزلون الناس منازلهم
ويردون الحق لصاحبه ما استطاعوا إليه سبيلا وقد أنشأوا حلف الفضول لرد المظالم وقال عنه سيد الناس :
«لو دُعيت لمثله في الإسلام لأجبت»!الوقفة الثانية :
إن لم يكن الأخرون أهلاً للمعروف فأنت أهله!
ولا تُعامل الناس بالأخلاق لأنهم يستحقون
بل عاملهم لأنك أخلاقك أغلى من أن تتنازل عنها ولو أمام شخص بلا أخلاق!الوقفة الثالثة :
سرب الجراد ربما لا يستحق أن يُحرس بسيف
ولكن لو تأملنا لوجدنا حامي الجراد لم يكن يحرس السرب بقدر ما كان يحرس مبدأه!
فلا تكن انتقائيا
الحياة مبادئ فابحث عن مبادئك تجد حياتك
لا تجعل لكل حدث مبدأ
في الحقيقة هذا لون من ألوان النفاق
ولكن اجعل لك جملة مبادئ
تقيس بها المواقف
إذا كرهت الظلم عليك أن تكرهه ولو فعله أقرب الناس إليك
وإن أحببت العدل عليك أن تحبه ولو فعله أبغض الناس إليك!الوقفة الرابعة :
من يسرق رغيفاً بسرق مدينة!
فالأمانة مبدأ بغض النظر عن كمية الشيء المسروق
والصدق مبدأ بغض النظر عن حجم الكذبة وهوية المكذوب عليه
وقد كان سيد الناس «لا يمزح إلا صادقاً»
لهذا لما ارتحل البخاري لطلب حديث من رجل وجده قد أومأ لحماره أن في حجره طعام له كي يطاوعه ويمشي فتركه ولم يأخذ عنه
لأنه اعتبر أن من يكذب على حمار سيكذب على إنسان
نحن على يقين الآن أن حامي الجراد ما كان ليخيب ظن انسان احتمی به
فمن لم يخذل جرادة لن يخذل انسانا
إن الأمور الكبيرة لها مؤشرات صغيرة!
استعمال هاتف العمل لأغراضك الشخصية
على بساطته خيانة للأمانة
هذا يعني أن عندك استعداد أن تنتفع بكل ما يقع تحت يدك ولو لم يحق لك
قد أبدو مثالياً بكلامي
ولكني لستُ كذلك بأفعالي
أنا أيضا أستخدم لمصلحتي أشياء صغيرة لا يحق لي استخدامها
ولكن ما كان لي أن أجعل الخطأ صوابأ لأني أرتكبه
وقد قدم على عمر بن عبد العزيز أحد ولاته
فأخذ عمر يسأله عن حال الرعية وأمور الناس
ولما فرغ منه التفت إليه الوالي وقال له :
وأنت كيف حالك يا أمير المؤمنين فقال له انتظر!
وقام وأطفأ القنديل الكبير وأضاء قنديلا صغيراً
فسأله الوالي : لمَ فعلت هذا
فقال له : القنديل الأول من بيت المال وزيته من مال المسلمين وكنا ندبّر أمرهم
أما وقد فرغنا فما يحق لي
أنت تسأل عن حالي وما كان لي لأجيبك تحت ضوء قنديلهم
أنا بخير والحمد لله!
أنت تقرأ
حديث الصباح
Romansالعشرة الطويلة لا تصنع الصداقات منذ الاف السنين والأخشاب ترافق المناشير والمناجل ترافق السنابل لم يكن المنشار يوما صديقا للأخشاب ولم يكن المنجل يوماً رفيقاً للسنابل وهكذا بعض الذين تعاشرهم مناجل ومناشير ولكن السنابل بقيت تعطي القمح والأخشاب ا...