المأمون

30 3 1
                                    

كان المأمون جالساً ذات يوم في مجلسه
وعنده ولاته ووزراؤه
فنادى على خادمه فلم يُجبه
ثم نادى ثانية عليه فلم يُجبه
ثم نادى ثالثة فخرج الخادم وبیده قطعة خبز وقال متأففاً :
ما هذا القصر الذي لا يستطيع الواحد فيه أن يكمل لقمته
فنظر المأمون إلى الأرض وقبض على لحيته
فغطى بعض الحاضرين رؤوسهم خشية أن ينالهم شيء من دم الخادم
ولكن المأمون رفع رأسه وقال :
إن الملوك إذا حسُنت أخلاقُها ساءت أخلاق عبيدها
وإذا ساءت أخلاقُها حسُنت أخلاق عبيدها
وإنا قوم لا نشتري حُسن أخلاق عبيدنا بسوء أخلاقنا!

الدرس الأول : كانوا يعرفون القرآن وأحكامه وناسخه ومنسوخه
يعرفون الحديث سنداً ومتناً ولهم باع في علم الرجال
يعرفون الفقه ويُقرّبون أهله
يعرفون الشعر ويقرضونه ويُبارون الشعراء فيه
يعرفون الأخبار والنوادر
وكان منهم فاسدون
ولكن فسادهم كان لأنفسهم وما انسحب على الناس
لم يحدث أن جاء غازياً فلم يردوه
ولم يحدث أن أنتهك عرض فلم يثأروا له
لم يحدث أن عطلوا حداً من حدود الله
كانوا إذا صلحوا فصلاحهم لهم وللناس
وإذا فسدوا كان فسادهم لأنفسهم ولم يسحبوه على الناس

الدرس الثاني :
إذا طمع أحد بعفوك فلأنه علم طيبة قلبك
سهل جدا أن يخافك من حولك
الصعب أن تفرض احترامك
الرجل ليس من يُطوع امرأته بحزامه
الرجل من يطوعها بأخلاقه
العنف حيلة العاجز
واللباقة وسيلة الواثق
العنف يجعلك مخشيا في حضورك
ملعونا في غيابك
ولكن اللين يجعلك محترما في حضورك
محفوظاً في غيابك
كونوا لهم رجالا
ليكن لكم نساء

الرجال قوامون برجولتهم لا بذكوريتهم
قوامون بقلوبهم لا بسياطهم
قوامون بأخلاقهم لا بفظاظتهم
قوامون بحنانهم لا بخشونتهم
إن كن خُلقن من ضلع أعوج
فجلسوهن بأخلاقكم

الدرس الثالث :
البعض تذهلك ردة أفعالهم
والبعض يصدموك
وحدها المواقف تكشف الناس
بعض الفقراء أكرم من كثير من الأغنياء
بعض النساء أشجع من كثير من الرجال
بعض الأطفال أنضج من كثير من الكبار

الدرس الرابع :
الكبير کبير بأخلاقه لا بمركزه
إكبر كما شئت ولكن لا تتكبر
إذا غرك مالك تذكر أن سليمان ملك الأرض ومن عليها وما قتل نملة!
إذا غرك أن نائبا أو وزيرا أو حاكما قرّبك
فتذكر أن محمدا صعد إلى السماء السابعة
ووصل إلى سدرة المنتهى
واقترب حيث لم يقترب مخلوق من قبل
ولما عاد إلى الأرض كان في خدمة أهله
وكان يحلب شاته
ويخصف نعله
ويأتي العبد يطلب أن يتوسط له عند سيده فيفعل
وتأتي الجارية الصغيرة تجره من يده ليشفع لها عند أهلها فيمضي معها
صعد إلى السماء السابعة
وبقي يأكل في صحن واحد مع المساكين
ویرکب بغلة
ويأمر جيشه أن لا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا طفلا ولا امرأة
وأن يتركوا الرهبان في أديرتهم هم وما يعبدون
كان كبيرة قبل أن يصعد
وظل كبيرة بعد أن نزل
كبيراً دون تكبر
عظيما دون تعاظم

حديث الصباح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن