.
الجزء الخـامـس والعشريــن
كان مسترخي على كرسي الطيّارة.. طلب منهم يقومونه يوم يوصلون الميقات
كان غرقان في هذاك اليوم.. يتذكّر كل تفصيل فيه
يوم سحبها بعنف عند المنظرة.. وكيف غرس أصابعه في زندها.. يتذكر جسمها وهو يتحرّك بين ايدينه مثل الريشة
يتذكر ملمسه.. كان ناعم وطري.. وضعيف
رص على عيونه وهو يتذكر كلامه.. عفوًا.. السم اللي نفثه في أذنها
"شوفي عمرج في المنظرة، أنتي ولاشي جدامي، لو ماكنتي بنت محمد محد بياخذج.. حتى أنا ما باخذج"
كلام قاسي.. وما يعنيه أبدًا.. للحين يفكّر كيف قاله؟ كيف؟
يقولون الإنسان وقت الغضب ما يقول الا الصدق.. لكن هو ما يعني هالكلام أبدًا.. والله ما يعنيه
كل هدفه كان يفوز في الحرب الكلامية، ويجرحها بجرح اقوى من جرحها له
يتذكر شعرها وهو يتمايل مع حركته العنيفة لجسمها.. كانت هذي آخر مرة يشوفه بهالطول
لا لا.. آخر مرة شافه طويل يوم ركضت لحجرتها وشعرها تمايل وراها يودعه
كتم تنهيدته.. ما يقدر يتنهد لأنه حاليًا يمثل النوم.. وما يقدر يتخيلها وعيونه مفتوحة تجنبًا للاسئلة الزايدة
ما يبغيهم يعرفون بالحرب في عقله.. كتمها وهو يدعي انها تسامحه
ما يبغي شي ثاني.. بس تسامحه
رد بخياله للبداية.. بإدمان شديد.. أدمن تخيلها وأدمن الحياة على طيوفها
وده يجلد نفسه.. كيف قال لها هالكلام؟ كيف قال إنها ما تعيبه (تعجبه) وإنها ولا شي؟ والله إنها أنثى كاملة لكنّه هو كان أعمى عنها
يتذكر عيونها وويهها وصدمتها باللي قاله.. مستحيل ينسى هالمنظر
صح إنه في بداية الزواج كان يشوفها طفلة.. لكن كل شي تغيّر من أول مرة انسدح عدّالها
حس برهبة الأنثى، وقوة تأثيرها عليه رغم رقّتها.. بدا يشوف ويركّز على تفاصيلها وأنوثتها.. ودلالها العفوي
رمشاتها.. حركات ايدينها.. خصوصًا اثناء الكلام.. تغطي ثمها يوم تضحك، ومستحيل تسولف باندماج بدون لا تحرك شعرها بايدينها بدلال تااام.. ويعجبه
قام يحب الفرق بينه وبينها، محيط إيدينها الصغير مقارنة بايدينه، صغر أكتافها مقارنة بعرض أكتافه.. ضعف بدنها مقارنة ببدنه
قمة المتعة عنده إذا توهقت (تورطت) بفتح العلب ويت عنده عشان يفتحها.. يحس عمره سوبرمان ولابد إنه يستعرض سرعته بفتح العلبة.. وكأنه شيء سهل جدًا والكل قادر عليه الا هي
طولها.. راسها يوصل عند صدره بالضبط
قام يفكر.. كم طولها يا ترى؟ 160؟
لا.. يحسها أقصر.. يمكن نهاية الخمسينات
يتذكر إن طول سوادة في نهاية الستين او نص الستين.. وهي اقصر عن سوادة بوايد.. يعطيها 158
ماعليه.. بيحصل فرصة مناسبة وبياخذ العلم من سوادة
حس بيد تهزه.. وصوت قرواش يوصل مسامعه: حياب.. قوم.. بنحرم
.
،
لم يخطط للعودة إلى هذا المكان أبدًا.. لم يتمنى أن يرى هذا المبنى لا حلمًا ولا واقع
ولكنّه الآن هنا.. أمام هذا الصرح الشامخ.. ممسكًا بيدها.. هو قادمٌ لأجلها هذه المرة
ستُقام اليوم حفلة توديعها.. لانتهاء فترة الانتداب المفروضة.. ولتستأنف عملها في البلاد
انتهى د. شيبرد من كلمة الشكر وتبعه كل فرد عملت معه.. تحدّثوا جميعًا بكلمات بسيطة.. وداعية.. للطبيبة المخلصة والغريبة عنهم.. وديمة
صفّق الجميع لها.. وكانت هي متأثرة أيضًا.. قالت كلمات بسيطة، مبعثرة، ولكنها خرجت من قلبها
فقد قضت شهورًا طويلة معهم.. والتقت بزوجها المميز هنا.. والذي كان يراها من بعيد.. ويصفّق لها بفخر شديد
عادت إليه.. وأحاطها هو بيمينه.. إعلانًا بتملّكه لها
اقترب منهم د. شيبرد: لقد خسرنا شخصًا عظيمًا مثلك يا سلطان، لكم اتمنى لو نستطيع الاستفادة منك كمستشار اجتماعي
فإنك بالفعل شخص مميز يثرينا بأحاديثه وافكاره، وخسر المرضى أيضًا صديقًا عزيزًا.. لا زال الكثير منهم يذكرونك
ابتسم سلطان: شكرًا على الاطراء.. ولكن شكرًا لا أريد العودة إلى هذا المكان أبدًا
قهقه د. شيبرد: لا بأس نتفهم ذلك.. لن يود أي مريض سابق العودة إلى هنا "ثم التفت على وديمة" إن رحيلك مكلفٌ جدًّا.. لا نستطيع حتى اقناع د. وديمة بالبقاء بفضلك يا صديقي
سلطان: بالطبع.. علينا العودة إلى البلاد.. بلادكم جميلة ولكن ديارنا تنتظر أهلها
د. شيبرد: اتمنى لكما كل التوفيق.. إذًا لن تعود إلى إدارة ممتلكات العائلة
رفع حاجبيه بجزم: محال.. إنني بصدد بناء اسطبل خاص لي.. أنوي البدء من الصفر
هز شيبرد رأسه: بالتوفيق إذًا
خرجت معه، ولا زال محيطًا بها.. كان يبدو كمن يمدّها بالأمان، ولكنه كان يشعر بالعكس.. كان يشعر بأنه هو من يستند عليها.. فالمكان هذا ضخم.. وثقيل جدًّا على قلبه
قالت باستغراب: متى كنت ناوي تخبّرني إنك تبني اسطبل يديد؟
سلطان: مادري.. ماخطر ببالي إن الموضوع يهمج
شافته بطرف عينها: لا والله؟
سلطان: صدق.. شغّال عليه في بوظبي.. عشان يكون جريب من بيتنا
وديمة: ان شاءالله.. على خير يارب "قالت بقلق طفيف" تصدق.. أحاتي سالفة إنك نقلتني بوظبي.. يعني انتقل مستشفى يديد.. وعقب كم شهر اطلع عنهم إجازة وضع؟ أحسهم بياخذون عني انطباع مب حلو
عقد سلطان حاجبيه: ليش ياخذون انطباع مب حلو؟ حامل تراج وطالعة اجازة وضع مب لعب
وديمة: مادري.. تحس بيستوي أأجل موضوع الدوام؟ إلين عقب الولادة؟
سلطان: أنتي تبين تداومين الحين ولا عقب الولادة؟ اللي تبينه بيستوي.. آمري بس
ابتسمت وديمة وهي تستند على كرسي السيارة: والله شعور مريح إن الوحدة تكون حرمة سلطان بوالخيول.. كل شي سهل وكل شي يتدبر إذا تدخل هو.. لا مراكض ولا محاتاة
سلطان: نعمة من الله.. الحمدلله اللي وهبنا من غير حول منا ولا قوة
.
،
كان يقود سيارته وهي بجانبه.. يشعر بتوتّرها وقضمها أظافرها بشكل مستمر
قال: شوي شوي على أظافرج قطعتيهم
وكأنها انتبهت: هاه؟
غديّر: بلاج متوترة هالكثر؟ خلاص المفروض تعودتي على أهلي
ريّان: مادري.. خايفة اسوي مصيبة ثانية
ضحك غديّر: ههههههههههه من ناحية المصايب أنا مستعد هالمرة
كشرت: ما تتمصخر علي
غديّر ابتسم: حاضر.. صدق حبيبي نسيت اخبرج.. ترا عرس بنت عمي عقب كم يوم.. يقولون حفلة بسيطة بس قلت اخبرج إذا تبين تتجهزين
ريّان: ايه خبرتني عمتو
غديّر بتعجب: بعد!.. تتواصلين ويا عمتو؟
ريّان: ايوا دائمًا تسلم علي وهيك.. مرات تتطمن عليك.. بس قلتلها المفروض تتطمن علي أنا.. أنت عمو ثلاثيني انا لساتني بنت 22 سنة
قهقه غديّر: هههههههه احلفي قلتي لها هالكلام؟ وشو قالت؟
ريّان: ضحكت علي
غديّر: انزين يا بنت الـ 22.. ما تبين تاخذين فستان نعال وسوالفكم هذي؟ أبا حرمتي تكون أكشخ وحدة.. بس هااه.. سوالف مشخلعة ماعندنا
ريان: اييييه قالتلي عمتي ما تخاف.. بتوديني المول؟
غديّر: شسوي أسير وياج السوق أنا؟ سيري ويا خواتي.. أنا بوصلكم بس
قالت بدلال: لا.. أنا بدي اياك انته.. عشان آخذ رأيك كمان
غديّر وهو يعيد نظره للطريق: واحنا نروم نقول لا؟ يعين الله
ضحكت ريّان عليه.. يعجبها خضوعه لها بهذه الطريقة
قال بابتسامة: تتضحكين أشوفج.. "وضع يده على يدها وقال بنبرة خاصة".. ما تبين عرس أنتي بعد؟
ريّان: عرس لإلنا؟ امممم ما اعرف.. ما فكرت
غديّر: عندج 3 شهور فهالإجازة.. فكري.. الأهل غالبًا يصيفون في الفيلا بس مادريبهم مارمسوا للحين.. انتي شوفي اللي تبينه، أنتي اللي يبالج تجهيزات أنا ما احتاي الا كندورة وبشت
ابتسمت وهي تتخيله: بتطلع تجنن أكيد
قبّل كفها: عيونج اللي تجنن حبيبي
قالت بتفكير: والله ماعرف.. إذا عملنا عرس أنا بعزم مين؟ ماعندي حد.. اتذكر عرس رهومة أختي كلهم أهل زوجها.. مو حلو بصراحة
غديّر: على راحتج.. إذا مب في خاطرج عرس مب لازم.. أنا يسدني انج عندي مابا شي ثاني.. بس قلت يمكن في خاطرج تلبسين فستان أبيض
ريّان بخجل: ايه أكيد بدي.. خلينا نسوي فوتوشوت "جلسة تصوير" بالفستان وانته بالبشت وهيك.. "قالت بخجل أكبر" ونروح سفرية مرتبة.. هيك حركات يعني
ضحك على خجلها: ههههههههههه على أمرج.. فوتوشوت وسفرية مرتبة.. المكان اللي تبينه والوقت اللي تختارينه.. مررره أنتي تفصلين ونحن نلبس
.
،
كان يتفحّص المسابيح، واحدًا تلو الآخر
قال قرواش بملل: ياخوي تنقّب أنت عن النفط ولا شو سالفتك.. الا هو مسباح خذ أي شي وفكنا
حياب قال باندماج: ادورلي نوعية زينة.. خليت مسابيح قوم بو عبود لك
(قوم بو عبود=نوعية رديئة)
قرواش: يا ريال.. ماتسوى عليك هالبوقاتي هالكثر بتزيّنها
احتدّت نظرة حياب.. ثم التفت على سوادة: اقبضي البريعصي مالج
قالت سوادة بضحك على مناوشاتهم التي لا تنتهي: خلاص حياب.. صدقه هذيل مبينات نوعية زينة وغاليات بعد.. شو تدوّر أنت خبّرنا عشان نساعدك
مسك مسباح وفرّق بين خرزاته: مب بالسعر، بالجودة
شوفوا الخيط كيف.. نوعيته خايسة وبيخترب بسرعة.. أنا أبغي شي سبيشل يتم عمر ما يخترب
تدرين شو.. أحيد (اتذكر) عندي واحد من الشباب سعودي ويانا فالجامعة.. بتخبّره (بسأله) أكيد يعرف مكان زين
مباشرةً ابتعد وهو يتصل بصديقه.. وبعد تبادل الحال وبعض الاسئلة.. عاد إليهم
قال: يالله تعالوا بنسير.. عطاني محل برع يقول متخصص واييبلك احجار أصلية
قرواش: أقولك تراك مصختها.. حرمتي حامل مافيها على المراكض هذا كله.. توها معتمرة مسكينة
حياب طرق جبهته بإصبعه: هيييي والله نسيت.. تعبانة؟ تبين تريحين؟
سوادة: لا خلاص ريّحنا.. الحمدلله "اقتربت من قرواش" عادي مب تعبانة لا تحاتيني.. بالعكس إذا رجعت الفندق مرة ثانية برقد وبخرّب رقادي.. خلنا نتمشى شوي
وبالفعل اتجهوا إلى المحل المطلوب.. تفرّقوا.. كل واحد ينظر إلى البضاعة بعين متفحصة
همست لحياب: والله صغور لو تاخذلها مسباح بو ريالين ما درت بالفرق
التفت عليها: شدراج انه لها
سوادة: اقنعني.. بتتعنى لمنو هالكثر؟
هز رأسه وهو يبحث بين الاحجار: شو آخذلها بعد؟ ما يسد مسباح بس.. آخذ مصحف؟
سوادة: الله مكثر المصاحف اللي توصلنا هدايا كل سنة ونوزعها.. خذلها شي غير.. خذلها شيلة صلاة تراها اكثر شي نستهلكه.. ومسك إذا تبا أو عطر خفيف
حياب: انزين باخذلها مسباح وشيلة وعطر.. بس أخاف ما يعيبها ذوقي.. دوم تقوللي ريحتك تصك الصدر
ضحكت سوادة: هههههههههههه اسميها صغور.. خلاص بساعدك أنا
حياب: اختاري لها شيلة حمرا.. يعيبني هاللون عليها
أومأت سوادة.. وهي متعجّبة من شقيقها.. لم تره يهتم أبدًا بأحد إلى هذا القدر.. يهتم بتفاصيل هديتها وكأنه ينتقيها لنفسه.. فإن اختياراته لنفسه دائمًا ما تكون مميزة ونادرة
والمثير للعجب أكثر.. أنه لم يخجل من إبداء شعوره تجاهها أبدًا
ولكنّها تقدّر هذا كثيرًا.. لو لم يشعر بالراحة معها لما استرسل بالحديث هكذا
.
،
بعد أيـام
كانا في نقاش حاد.. بالأصح.. كان سلطان في حالة غضب نادرة جدًّا عليه.. وكانت وديمة هادئة بعض الشيء
الجدال كان حول نقطة واحدة.. وديمة تريد أن تسكن في منزل والديه.. وهو يريد العيش في منزل جدّته
قال بحدة: أنا اللي احدد وين نعيش مب أنتي
وديمة: أحيد (اتذكر) الزوجين يحددون هالشي مع بعض.. مب طرف واحد يختار
سلطان: هي يوم تكون الزوجة تفكر بالأنسب للاثنين بحيادية.. مب بس عناد وفرض شخصية
قالت وديمة بهدوء: ما احتاي أفرض شخصيتي.. مب أسلوبي ولا حركاتي
سلطان: لا والله.. عيل شو سبب كل هالاصرار؟
وديمة: بيت أهلك هو بيتك ومكانك.. هذا بيت يدتك يعني بيت الكل.. وكل يوم ناس داخلة وناس طالعة.. ولا تنسى إن أمك هناك بروحها.. ماعندها حد تبانا نيلس وياها.. كفاية انها ما بتشوفنا دوم
سلطان بحدة: علاقتي بأمي شي يخصني ويخصها.. ما يخصج أنتي يا وديمة.. خلاص.. الموضوع هذا مصخ وايد.. تدخلاتج هذي ما تعيبني.. أنا ما عدت مريض عندج استوعبي هالشي
قالت: انزين.. علي راحتك ما بتدخل بعلاقتك بأمك.. لكن أنا مابغي ايلس هني.. مب مرتاحة
سلطان: مشكلتج "وخرج عنها"
تنهّدت وهي تجلس.. هي في حيرة من أمرها.. سلطان ينفر منها إن أتت يذكر والدته أمامه.. أحيانًا تفكر بأن عليها الاستسلام للأمر.. خوفًا من أن تضر بعلاقتها الزوجية.. وأحيانًا تفكّر بالعكس
ليس لأجله فقط.. من أجل ابنائها حتى.. علاقته مع والدته ستؤثر على ابنائها بشكل كبير.. سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر
تخشى أن يمنع أطفالها عنهم.. كما "يحاول" منعها هي عنهم
فإن علاقة الطفل بجدّيه علاقة سامية ومميزة.. ولا تودّ أن يُحرم منها أطفالها.. إضافة إلى أن بُعد سلطان وتحسسه من أهله غالبًا سيؤثر على سير تربيته
فكم من طفلٍ تعرّض لصدمات نفسية بسبب علاقة والده السيئة مع أهله.. ولا تتمنى أن يكون أطفالها أحد الضحايا
أنت تقرأ
على وطايا الخيل
Romanceعمّا يحدث خلف جدران المصحّات النفسية، والأمراض الوراثية وعالم الخيول مابين عسف وترويض.. رواية خليجية إماراتية بشخصيات متعددة كلّن يشق طريقه في هذه الحياة وله اختباراته ومعاناته الخاصة.. مابين الحب والرومانسية والألم العتيق هنا على وطايا الخيل