كانت أمنيتها أن يطلقها سعيد ، أن تغمض عينيها وتفتحهما لتجده قد ذهب هكذا بكل بساطة ، أن يطلق سراحها حبا بالله .
كان يذكرها دائما أنه أشتراها بماله :
" ومين قال إني إتجوزتك ، أنا اشتريتك وبثمن أقل من أرخص عربية عندي .. ومش هاسيبك إلا إذا أمرت أنا ، حياتك ملك إيدى أنا وبس " . كان جسدها مشوها بالكدمات والسحجات ، غير الألآم التي تشعر بها في عظامها ، زارتها ندى وصدمت لرؤيتها على هذا الحال واتفقت معها أن تمر عليها في اليوم التالي لأخذها عند المحامي الخاص بأبيها .
عاد سعيد في هذا اليوم مبكرا ، كانت في المطبخ تعد الغداء ، سمعت صوت خطواته فارتعش جسدها فعودته مبكرا لا تعنى لها إلا عذابا طويلا وبطيئا ، دخل إلى المطبخ وجذبها من شعرها حتى غرفة النوم وأوسعها ضربا لم تدر ماذا حدث هذه المرة ؟، هي لا تفعل عادة شيئا يستفزه ولكن هذه المرة بدا وجهه غاضبا وعيناه جمرتين من نار .
صرخت من بين أوجاعها ووقفت في وجهه تحاول صد ضرباته :
" ايه اللي حصل منى ، كفاااااااية " صرخت بكل ما فيها من قوة .
جذبها من شعرها ثم ابتسم في سخرية قائلا :
" مين زارك النهاردة ، ندى ، صح ؟!".
دفعها دفعة قوية أسقطتها على الفراش ثم جذبها من ياقة ملابسها مرة أخرى ورفعها إليه قائلا :
" بتتفقى معاها تعمليلى محضر ، صاحبتك دي هي اللي بتقويكى عليا ، أنتى فاكرة نفسك هتقدري تسجنينى ، بتعصينى يا حشرة" .
قالها وإنهال عليها سعيد بالصفعات حتى فقدت الوعى ، أفاقت فجأة على سيل جارف من الماء البارد ، ألقى سعيد قارورة المياه جانبا ثم صفعها على وجهها صفعة بسيطة يتأكد من استفاقتها ، جذبها إليه قائلا في لهجة أقرب إلى الجنون :
" أنتى عارفة إني أقدر أمحيكى أنت وعيلتك بجرة قلم ، بإشارة منى أوقف أنفاسكم ، أنتى لحد دلوقتى متعرفيش انا مين وأقدر على إيه " .
ثم ألقاها ونهض من مكانه متبخترا وأكمل في برود :
" فكرى في أمك وأخواتك البنات ، فكرى أنا أقدر بنفوذي أعمل إيه فيهم وفيكى وفي ..... ندى " .
تركها لتنهار وتفكر في تهديداته بينما سحب هو هاتفها المحمول وقطع سلك التليفون الأرضي ووصلة النت ، لقد قطع عنها كل وسائل الاتصال وأغلق عليها العالم بمفاتيح لم تملك منهم لحريتها مفتاحا واحدا .
حينما عادت ندى في اليوم التالي لم تستطع فتح الباب لها ، تركت دموعها تنهمر في صمت ، وطلبت منها الرحيل قبل أن يراها سعيد .
" أرجوكى يا ندى أمشى ، أنا مش هاعمل محضر ولا هارفع قضية ، أنا بخير ومفيش حاجة حصلت بس أمشى أرجوكى " ، قالتها نهلة وانهارت على الأرض .
لم يعد هناك من أمل لقد تملكها الرجل ، أشتراها وله حق التحكم فيها ، لو وقفت أمامه هذه المرة سيسحقها وبلا هوادة، فحينما وقفت أمامه مرة أحال حياتها جحيما وإن عاودتها سيمحوها هي وأهلها .
لا مجال للحرب والمعافرة ، لا شيء يستلهم حماسها أو إرادتها ، لقد غزا الرجال عالمها البريء الصغير وأبوا أن يتركوه في سلام فعاثوا في أرضه فسادا .
عن إحساسها بالألم يومها بعد رحيل ندى ...
عن عقلها الذى كاد يجن من التفكير، أحست أنها قد خرجت من سجن ضيق لقبر سحيق ، من سيطرة" مصطفى أبو حجر" لجبروت" مصطفى أبو حجر" ألعن بكثير .
لم تنس حينما علم سعيد أنها باعت ذهبها لأجل تجهيز أختها سلمى للزواج ، من أسوأ الأيام التي مرت عليها في بيته ، فالرجل برغم ثرائه الفاحش إلا أنه كان وغدا بخيلا عليها ، عليها هي فقط ... ربما خشي أن تملك المال مثله فتتغير أو تهرب.
كانت قد طلبت من سلمى زيارتها وانتظرتها الأخيرة تحت البيت ، أدلت لها بحقيبة سوداء من شرفة الشقة تحتوى على جميع ذهبها لتبيعه وتجهز نفسها وتعطى أمها جزء منه لمصروف البيت ، جن جنون سعيد، كان يدور حول نفسه يريد أن يعرف كيف هاتفتها وقد قطع عنها كل وسائل الاتصال ، عبث بمحتويات الشقة محاولا العثور على هاتف محمول مخبأ هنا أو هناك ، كانت بالفعل تمتلك واحدا صغيرا من قبل زواجها تخبئه منه ولا يعلم هو بأمره ، ربما لإحساسها بأن القادم لن يأت بخير .
لم يعثر عليه ، فأستشاط غضبا وأخرج فيها كل غضبه ، وتركها كعادته النبيلة ملقاة على الأرض والدماء تسيل من فمها ووجهها ، استفاقت ولم تجد أحدا بجانبها ، أعانت نفسها على النهوض ، أحست أنه مازال موجودا بالداخل ، دلفت لغرفته كان جهازه مفتوحا على شاشة كاميرا رقمية للشقة ، الآن علمت كيف يعرف ما يدور في غيابه ، يعلم من دخل ومن خرج وماذا حدث ، هكذا عرف ما جرى بينها وبين ندى يومها، وهكذا عرف أنها هاتفت سلمى وسمع مكالمتها ، إنه يراقبها ، لقد زرع كاميرات وأجهزة تصنت في الشقة، الرجل مريض بالتجسس إيضا !!.
سمعت صوت خروجه من الحمام ، فاختبأت في غرفتها فهي ليست في حالة تسمح لها بمواجهته وتلقى المزيد من الردود على جسدها المنهك ، فالرجل لم يكن يتكلم أو يرد بلسانه فقط ، بل و بيده إيضا .
خرج من البيت وتنفست الصعداء ، كم كانت ترتاح لخروجه من البيت وكم سترتاح لو خرج من حياتها كلها.
لم يعد في تلك الليلة ، لم تكترث أو ربما تمنت ألا يعود ، ولم يعد في اليوم التالي إيضا ، لربما ملها أخيرا وقرر إطلاق سراحها أو ربما سيتركها مثلما ترك أبوها أمها .. معلقة كالبيت الواقف !.
لكنه عاد .... سمعت صوت المفاتيح تدس في عقب الباب ، بدأ التوتر يغزوها ، كانت في المطبخ عندما دلف إليها ، مر من خلفها تعمد الاحتكاك بها .. أقترب منها ولف يده حول خصرها ، جذبها إليه ، اشتم رائحة عنقها وشعرها ، لثم عنقها بقبلة ثم أفلتها من يده وخرج ، دلف إلى الحمام أخذ دشا ، ومضى إلي غرفته ظل داخلها ساعة أو أكثر ثم ناداها .
تجمدت لسماع صوته ينادى أسمها ، ذهبت إليه وجدته جالسا أمام حاسوبه ، رفع رأسه وتفحصها في برود قائلا :
" فين الموبايل اللي معاكي ".
" الموبايل ده بتاعى يا سعيد من قبل ما أتجوزك وبتطمن بيه على أخواتي وأمي " ردت في هدوء ولم تحاول الإنكار .
" هاتي الموبايل يا نهلة ، مفيش حد هتكلميه أو هيكلمك غير لما أنا أوافق ، ومفيش حد هيزورك أو تزوريه غير بإذني " .
" أنا مشوفتش أمي ومزورتهاش بقالي سنة ، انت ليه بتعمل كده ، زارع كاميرات في كل حتة ومعيشنى في شقة مفروشة كأني واحدة رخيصة تعرفها ، ومانع عنى أي حد يشوفني أو أشوفه" .
التقطت أنفاسها ثم أكملت :
" خايف من إيه يا سعيد ولا بتشك في مين ؟!" قالتها في تحدي له .
وكالعادة ، جاءها الرد الطبيعي صفعة مدوية ثم صرخ فيها بكل غضب وجنون قائلا :
" أنا سعيد الغريب مخفش من حد ، أنا هفضل معيشك كده في سجن لحد ما تموتي ، روحك في إيدي يا نهلة ، محدش هيشوفك أو يلمسك غيرى
."
" أنا مش ملكك ومش ملك حد وانت ما اشترتنيش ، انت اشتريت جشع أبويا وعمي بس مقدرتش تشترى قلبي ، أنا رفضتك رغم مالك وهفضل رافضاك وكارهاك ، أنت بتنتقم مني عشان رغم فقرى وضعفي بس أقوى منك وأشرف من أي واحدة قابلتها في حياتك ، أنت قدرت على جسمي الضعيف بس عمرك ما هتقدر على روحي ولا عزيمتي ، لأخر يوم في عمرى يا سعيد بكرهك ، أنت مش ولى نعمتي ولا أنا أنتيكة في دولاب التحف عندك ، أنا حرة يا سعيد رغم سجنك ، وعمرك ما هتملكني " قالتها في إباء وصمود وكان هذا هو أخر ما تلفظت به في ذلك اليوم المشئوم .
مرت أيام عليها وقد حبست نفسها في غرفتها لا تخرج إلا للضرورة فقط ، ولم يعبأ بها سعيد ولم تحتك به ، أخرجت هاتفها في هدوء وطلبت سهى أخت سعيد في صوت كالهمس ، كانت غير أخيها تماما طيبة ومستكينة ، أربعينية يحمل وجهها من الهدوء ما يفيض به لغيرها .
أتت سهى وفتح لها سعيد الباب ، إستغرب من زيارتها ، فتحججت بإنها جاءت لتراه فصحته لا تبدو على ما يرام ، جلس سعيد معها قليلا ثم ارتدى ملابسه وخرج مؤكدا على أخته أنها لن ترحل قبل رجوعه حتى يستطيع أن يعود ويفتح لها الباب فالمفاتيح معه هو فقط ، خرج وأغلق باب السجن عليهما .
طرقت سهى باب الغرفة على نهلة وهالها ما رأتها عليه ، لون وجهها الأصفر الشاحب المتورم وأثار الضرب واضحة عليها في كدمات وسحجات زرقاء اللون ، رفعت سهى أكمام عباءة نهلة لتجد ذراعيها كذلك وساقيها ، جلست سهى على طرف السرير واضعة يدها على فمها من أثر الصدمة ، فجسد نهلة على وشك الإنهيار ، تتحامل على نفسها لتنهض ، لم تجد سهى ما تقوله سوى دمعتين اندفعتا بقوة من عينيها لتشقا طريقهما نحو العدم .
جلست نهلة بجوارها ووضعت يدها على كتف سهى تحاول تهدئتها :
" سهى ، أنا بخير حبيبتي ما تقلقيش ، هدى نفسك " .
هي من تحتاج المواساة تواسي غيرها .!!
هزت سهى رأسها في خجل مما يفعله أخوها ولكنها لا تستطيع البوح بما تعرفه ، لا تملك إذنا لتقول لها ، ولو عرف سعيد لن يرحمها أبدا .
" سهى ، أنا طلبتك مش عشان تحزني وتتأذى عشانى ، أنا طلبتك عشان
."....
أطرقت نهلة برأسها في الأرض وتركت لدموعها العنان ، مرت فترة من الصمت أخرجت فيها كل ما تكتمه من مشاعر ثم مسحت دموعها واستجمعت بعض قواها قائلة :
" أنا حامل " .
رنت الكلمتان كمطرقة حديدية وقعت من إرتفاع عال على لوح زجاجي فهشمته ، أو كخبر موت أحدهم من المقربين إليك !!.
صمتت نهلة فقد باحت بسرها ، وصمتت سهى فهي لا تستطيع البوح بسرها ولا تجد ما تقوله .. أتصبرها على ما هي فيه أم تبارك لها حملها ، ماذا يفعل المرء وماذا يقول في تلك المواقف ؟.!!!
لم تجد سوى بضع كلمات دعت فيهن لسعيد أن يهديه الله ويأخذ بقلبه للرشاد وألمحت لنهلة أن الله هو أدرى بها من جميع خلقه ولو علم أن لحملها آلاما فوق ألامها ما حباها به ولكن هناك حكمة لا يعلمها سواه وأن إجهاض طفل لا ذنب له هو جريمة ، ولا يمكن أن يعالج ذنب بذنب أكبر منه.
لم يكن في نية نهلة أساسا أن تجهضه إنما أحست في داخلها بالظلم والقهر فهي لا تحتمل الرجل وتتمنى لو رحلت أو رحل هو عن عالمها وها قد أتى طفلا ليربطهما بوثاق أكبر من الزواج ، ستظل مرهونة بسعيد وعالمه القذر وسيأتي طفلها ليحيا تحت تقاليد وتصرفات رجل غير ناضج ، رجل نهاره صفقات قذرة وليله سهرات حمراء تفوح منها رائحة الخمر والنساء... رجل لا ينسب للرجال إلا في الذكورة !!
عاد سعيد مساءا ليحرر إحدى المرأتين من سجنها ، رحلت سهى وعينيها معلقتان بوجه نهلة الذابل .
" نهلة ، نهلة " انتزعها صوت زينة من ذكرياتها المسترسلة .
" ايش بك حبيبتي ، صاير لي ساعة بناديك" تسألت في حيرة .
" أسفة يا مدام زينة ، كنت سرحانة شوية وما انتبهتش أنك بتكلمينى" قالتها في لهجة أشبه للاعتذار .
" أنزين ما هناني جلبي أسير للغدا بلاكي ، بنسير معا " قالتها في حنان .
ابتسمت لها نهلة في ود ومضت معها متجهتين نحو الكافتيريا ، ظلت تداعب طبقها دون أن تمسه ، لم يكن لديها شهية للطعام ، رأت جاسم فأدارت مقعدها لتوليه ظهرها وجلست في صمت.
لاحظت زينة شرودها لكنها لم ترد أن تتدخل في شئونها الخاصة .
عاودتها الذكريات مرة أخرى تنهش خلاياها في نهم.
تذكرت حينما أبلغت سعيد بخبر حملها وكيف أستقبل الخبر بفرح شديد وكاد أن يقفز من مكانه من فرط السعادة ، لم تصدق نهلة تغيره المفاجئ فالرجل قد تبدل حاله وصار مهتما جدا بها وبصحتها .
تخيلت أن حياتها أخيرا ستأخذ منحنى أخر أكثر هدوءا ، لقد كانت سهى على حق إن لله حكمة في ذلك ، فهو تغير فقط لعلمه بحملها فماذا لو أمسك بطفله بين يديه ؟، لأول مرة تحس بشيء من السعادة ينبت داخلها ، شيء يحتاج فقط لاهتمام وسوف يزدهر ويكبر ، شيء سيجعلها تسامحه على كل مضى .
على الرغم مما فعله سعيد معها إلا أنها على أتم الاستعداد لمسامحته إذا ما أبدى نيته وتوبته عن الماضي وعاهدها أمام الله بإنه سيغدو زوجا صالحا وأبا حنونا قدوة لأطفاله ويكف عن سهراته الليلية .
تمنت لو عاشت حياة سعيدة غير حياة أمها ، إنها تسمع قصصا غريبة عن ارتباط أشخاص ببعضهم البعض وعيشهم حياة سوية مخلصة وسعيدة .
بالنسبة لواقع نهلة كانت تلك قصصا خيالية فلا الحب يدوم ولا الإخلاص .
فوالد ندى صديقتها قد تزوج أمها عن قصة حب رهيبة ، قصة لا يكررها الزمن كثيرا، وها قد توفت والدتها ولم تكمل السنة بعد وتزوج أباها من امرأة أخرى !! اين ذهب ذلك الحب هل دفن معها في قبرها ، أين القسم على الوفاء والإخلاص حتى يلقى الله ؟!!
هي لا تعرف عن الحب شيئا ، لم تجده في عالمها الصغير .
*****

أنت تقرأ
غداً لن تمطر _الجزء الأول
Romanceرومانسية / اجتماعية / دراما غدا لن تمطر ..... أو ليسوا جميعا مصطفى أبو حجر أدم بدأ بأكل التفاحة ... أدم وحواء أكلاها معا ..... حتى الأن حواء هي الوحيدة الملامة ؟...! كانت تعمل بائعة في أحد المحلات الواقعة في موله التجاري الضخم وكانت المرة الأو...