انهمكت في عملها وتناست ما حدث بالأمس ، رأت خالد مرتين منذ الصباح ، لم يحدث فيهما شيء اللهم إلا نظراته الثاقبة التي تخترق عقلها .. تجاهلتها بقدر ما استطاعت .
كانت في هذه اللحظة تعد أوراقا خاصة بتصاريح البنايات الجديدة حينما سمعت طرقا على الباب ، أعطت الأذن بالدخول وفوجئت بجاسم يدخل عليها مبتسما وفى يديه كوبين من المشروب الدافئ قائلا :
" ما شفتك اليوم جولت أخطف عليكي وجيبت معي مشروبك اللي تحبينه " قالها في ود لكن عيناه قالت الكثير مما يخفيه .
شكرته في امتنان ، جلس يحادثها بعين نهمة ، تجاهلت نهلة نظراته هو الآخر ، فهي قد هربت من الكافيتريا بسببه وها هو يقتحم عليها خلوتها ويتعقبها أينما ذهبت .
طرقات أخرى على الباب ودلف خالد إلى مكتبها و رأهما ، لم يكن هناك ما يسيء لأحد منهما لكنه رمقها بنظرة لم تعجبها .. ألقى التحية على جاسم الذى استأذن للخروج وتركهما ، ترك الوحش مع الجميلة .
جلس خالد على المقعد الذي بجوار مكتبها ثم سألها في فضول :
" ليش جاسم كان اهنه " .
أجابته أنها لم تستطع النزول في الاستراحة القصيرة ، فأتى الرجل متكرما بمشروبها.
لم يعجب خالد الرد ولكنه قال في خبث وسخرية :
" شو ها ، هو حارسك الشخصي ؟".
هزت نهلة رأسها في ابتسامة مهذبة وقالت :
" جاسم شاب مؤدب والشركة كلها بتحبه ، وهو بطبعه خدوم." تفحصها بعينيه ثم قال وهو رافعا حاجبيه في طريقة مضحكة :
" الشركة كلها بتحبه ، كلها ، متأكدة من ها لشي " .
ضحكت نهلة لطريقته وابتسم هو في نظرات نارية ، مرت فترة من الصمت نفذت عيناه لداخلها يسبر أغوار المصرية الفاتنة ، تضايقت من نظراته فخفضت بصرها.
أحس بضيقها فسألها عن زينة ، أخبرته أنها عند نواف بك ، استأذن وخرج ، مضى وترك شيئا يومض في قلبها .
لكن سمعته في الشركة لم تكن لصالحه أبدا ، فهو يعلق ولا يتعلق ، يسحر النساء ويتركهن تائهات في درب الوله ، كم من فتاة أغرمت به وظنت نفسها الموعودة ، الشركة تمتلئ بالفاتنات ممن تفوقنها جمالا وسحرا ، وقعن في مجال جاذبيته وندمن على ترك قلوبهن على بابه .
و نهلة لم تعد من الفتيات اللاتي يقعن تحت تأثير الرجال بسهولة، كانت ساذجة فيما مضى حينما ظنت أن الحياة تحوى رجالا أخرين جيدين بخلاف قائمتها لكنها كانت مخطئة ، ستضع على قلبها مقبض من حديد ، فإن خانتها مشاعرها وتسلل الرجل لقلبها خفية، ستحطم قلبها دون تردد ستمزقه تحت كعبها العالي إن اضطرت .
دلفت زينة إلى المكتب أخبرت نهلة أنها ستسافر قريبا مع نواف بك لمدة أسبوع إلى ألمانيا ، هناك مؤتمر لرجال الأعمال وستتولى نهلة العمل بمفردها لحين عودتها ، خرجت ثم دخلت مرة أخرى ، لقد نسيت أخبارها أن هناك حفلة ستقام السبت القادم في فيلا خالد بك للاحتفال بإنهاء مشروع دبي ) نجمة ( الذي جاءت نهلة بعد الانتهاء من معظمه ، أكدت عليها زينة أنها مدعوة والحضور بزي رسمي .
قابلت جاسم أثناء خروجها ، كان في طريقه لسيارته ، عرض عليها توصيلا مجانيا على حد قوله مازحا لكن نهلة رفضت في أدب ، كان يتوقع هذا لكنه ينتهز أي فرصة للكلام معها وفتح حديث ما قد يتطرق لحديث أخر ، راقبها بعينه وهى تستقل باص الشركة .
كانت كفراشة جميلة قد أحرق البشر جناحيها فعاشت حرة ولكن بلا أجنحة ، منحتهم جمال الألوان وخذلوها بالأسود .
الأسود هو فقط لون حياتها حتى وإن خدعتها الحياة نفسها بمشتقاته .
****
تكلمت نهلة مع ندى بخصوص شراء ثوب سهرة لائق للحفل ، عارضتها الأخيرة متحججة بعدم توافر وقت لذلك لكنها في نفسها خشيت عليها من تكلفة شراؤه ، جذبتها من يدها لغرفتها فصوانها الخاص ممتليء بأثواب السهرة الرقيقة لكن بعضها قصير لن يلائم حجاب نهلة والبعض الأخر طويل بصدر مكشوف ، مطت نهلة شفتيها إنها محرجة من ندى وكرمها ولكن الأثواب حقا لن تناسبها ، فهمت ندى ما دار بخلدها ، فاقترحت تعديل أي فستان يروق لها بما يناسبها .
اختارت أحد الأثواب الرقيقة بلون قرمزي رائع ينافس لون شفتيها المكتنزتين ، لتبدأ ندى في قص جزء من بطانته الداخلية الحريرية ، قبل أن تعيد تثبيتها لتغطية الصدر والرقبة ببراعة فاجأت نهلة ، فقد أصبح الفستان ساحرا كأجمل ما يكون .
نظرت له نهلة بإعجاب شديد ، ببضع لمسات صغيرة صار يخطف القلب ، أحست في أعماقها بإمتنان شديد .
انتزعتها ندى من إحراجها قائلة :
" يلا بسرعة قيسي الفستان يا نهلة هانم " قالتها وانحنت في طريقة مسرحية مضحكة .
أخذت نهلة الثوب للمغسلة الجافة التي تبعد بعض بنايات عن بيتهم وفي أثناء عودتها شردت بأفكارها مجددا ، فخالد منذ أيام أرسل لها بطلب إضافة كصديق على الفيس بوك وبدأ يقرأ منشوراتها اليومية ، كانت تكتب أشعارا في الخفاء وتنزلها بشكل شبه أسبوعي على حسابها ، وها هو الرجل قرأها وتفاعل معها ، دخلت لحسابه الشخصي وصفحته ، يتابعه الالاف فهو شخصية شهيرة بالطبع ، تجولت في صوره لا يوجد الكثير منها ، فرغم مكانته لا يلتقط صورا له مثل باقي جيل السيلفي ، عدا الصور التي يشير له أصحابه فيها في سفرياتهم أو تنزههم .
أعجب خالد بأشعارها ، أرسل لها نصا في المحادثة الخاصة بينهما قائلا :
" شركتنا فيها شاعرة عظيمة وايد والله ، جمال وأخلاق وشعر ، لنا الفخر يا ست نهلة " .
سعدت برسالته ، لا تدر السبب ، ربما لأن الرجل مهتم وهي اشتاقت للاهتمام.
كانت في طريقها لدخول البيت حينما رن هاتفها المحمول فجأة ، إنه رقم غريب غير مسجل لديها ، أجابته ليأتيها صوت من الطرف الآخر :
" ألو ، اشحالك يا نهلة " إنه خالد ، ما هذا الرجل الذي يأتي على ذكره في الافكار فقط، خفق قلبها وتظاهرت بإنها لم تتعرف عليه .
" مين معايا يا فندم " قالتها في هدوء ورقة .
" خالد يا نهلة معكي ، ما تعرفتي صوتي" .
" خالد بك أسفة ، الرقم غريب والصوت مش واضح " قالتها في تخابث .
" أني أخذت الرقم من زينة وبتصل لأجل أطمن عليكي ، و .. " .
تنحنح قليلا ثم أكمل :
" بأكد عليكي حفلة السبت بعد باجر بإذن الله ، ما حد خبرك عنها " إنه يتذاكى ، زينة أبلغتها وهو يعلم ذلك لكن لهفته غلبت كبريائه وظهرت في نبرة صوته .
" أه بإذن الله هاحضر ، زينة بلغتني " قالتها في رقة .
" جيبي معكي صغيرتج يا نهلة " .
" ما اعتقدش هينفع يا خالد بك خليها مرة تانية ، الوقت ممكن يتأخر و .. "
قاطعها في صرامة مصطنعة :
" بنيتك تيجي جبلك ، لو جيتي بدونها ما هتدخلي الحفل ، اني رئيسج وهذا أمر " .
" حاضر يا خالد بك " قالتها مستسلمة .
مرت فترة من الصمت بينهما ، إنهما يقعان في بحر شيء لا يدركان مخاطره ، هي لازالت تتحسس من الرجال ولا تأمنهم ، في لحظة ينقلب كيانها ، تثور على نفسها إذا ما غاصت بمشاعرها نحوه .
وهو ما زال لا يأمن للنساء ففي قلبه جرح إيضا من امرأة كانت يوما زوجته وتحمل اسمه ، لكنهما انجذبا لبعضهما دون إدراك منهما ، كلما ابتعدا أقتربا ، كلما هربا تلاقت نظراتهما فجمعتهما رغم أنفيهما .
" ليش سكتي " قطع الصمت صوته الرخيم الدافئ .
" مفيش حاجة أقولها " ردت في رقة .
تكلم معها قليلا بخصوص المشروعات في الشركة ، لم يكن هنالك ما يتكلمان بشأنه.. هي تعلم ذلك وهو يعلم إيضا .. ولكنه أشتهى صوتها وهى لا تدر إلام تساق.
أنهيا المكالمة ودلفت للبيت بنفسية جديدة واشتياق لليوم الذي يلي الغد .
اليوم الذي سيراها فيه متأنقة ...
يوم الحفل .
********
![](https://img.wattpad.com/cover/361180823-288-k26180.jpg)
أنت تقرأ
غداً لن تمطر _الجزء الأول
Любовные романыرومانسية / اجتماعية / دراما غدا لن تمطر ..... أو ليسوا جميعا مصطفى أبو حجر أدم بدأ بأكل التفاحة ... أدم وحواء أكلاها معا ..... حتى الأن حواء هي الوحيدة الملامة ؟...! كانت تعمل بائعة في أحد المحلات الواقعة في موله التجاري الضخم وكانت المرة الأو...