كانت ليلة عصيبة فقد ضربت عاصفة ثلجية هذه المدينة الألمانية و تراكمت الثلوج فوق أسطح المباني و السيارات و غطت كل الطرقات و كان منزل هينري أكثرهم عرضة للخطر لكونه قديما و لا يحمي من البرد .
كانت الجدة مريضة للغاية فزاد هذا البرد حالتها سوء . حاولت أن تخفي مرضها عن حفيدها و لكنها لم تستطع التحكم في السعال الحاد الذي تعاني منه . شعر هينري بالقلق الشديد عليها فسألها :هل أنت بخير يا جدتي ؟
الجدة :
نعم يا بني لا تقلق ، هل تشعر بالبرد ؟
هينري :
لا تهتمي بي فأنت أحوج مني للتدفئة .نظرت الجدة لهينري بعينين شبه مغلقتين و وجه شاحب مبتسم بصعوبة و قالت :
كبرت و صرت شابا رائعا يا بني .لم يكن هينري معتادا على رؤية جدته تقول هذه الأمور و الضعف باد عليها فسألها و هو يطرد الأفكار المخيفة التي انتابته :
لماذا تقولين مثل هذا الكلام الآن ؟ كما أنني لم أبلغ السادس عشرة بعد .أكملت الجدة متجاهلة سؤاله :
حبيبي هينري ، عندما أراك أتذكر والدك .هينري :
جدتي ، ما الذي تقولينه ؟ لا ترهقي نفسك .ملأ الحزن ملامح وجه الجدة و قالت :
بني اسمعني ، أنت فتى قوي و مع ذلك لا أرغب في تركك في منتصف الطريق و لكن كما تعلم ... الحياة قاسية .هينري :
بدأت أخاف من هذا الكلام ، أنا لا أفهم ، ماذا تقصدين ؟
الجدة :
كنت لي خير مؤنس في وحدتي و قد أحببتك للغاية و سرتني رؤية ابتسامتك .
هينري :
جدتي ، توقفي أنت لست بهذا الضعف .
الجدة :
إن لهذه الحياة قوانين و أصعب واحد فيها هو الموت .
هينري :
مستحيل ، أنت لن ...
الجدة :
أرجوك اسمع ما سأقوله ، لدي ثلاث وصايا .قال هينري و هو يبكي :
أنت تمزحين صحيح ؟
الجدة :
امسح دموعك ، لا أريدك أن تكون ضعيفا و هذه هي وصيتي الأولى ، كن قويا و شجاعا و لا تستسلم مهما حدث ، و لا تدع هذه الأمواج الوعرة ترميك بعيدا عن مسرح الحياة .
هينري :
جدتي اسمحي لي بأن أحضر لك طبيبا على الأقل .
الجدة :
هينري لا حاجة لي به أنا أريدك أنت فقط ، وصيتي الثانية هي أن تبقى مخلصا وفيا محبا لبلدك ، تعمل جاهدا على رفع هذا العلم المقدس في السماء ليبقى شامخا ، اعتز بتاريخه و أحب أبناء هذا الوطن الغالي .
هينري :
هذا مما لا شك فيه ، حب الوطن يجري في دمي و حياتي فدى هذه الأرض العظيمة .
الجدة :
أعلم أنك لن تخيب ظني في هذا ، و آخر وصية لي هي احميها ، أسعدها ، كن كالطبيعة بالنسبة لها ، أينما تلتفت تجدك واقفا بجانبها ، سيسيليا تلك الفتاة اللطيفة ، أنت لا تعلم مدى حبي لها ، أنا مدينة لها كونها جعلتك سعيدا و محبا لهذه الحياة ، لا تسمح لأحد بأذيتها و لا تدعها تتألم أو تبكي ، هل تعدني ؟1☆ وعدت جدتي بذلك و كلي يقين بأنني سأكون الطبيعة التي تحيط بها غافلا عن أنني قد أصير فجأة كارثة تدمر كل شيء ☆1
هينري :
أعدك ، أقسم بشرف بلادي و شرفي أنني سأكون معها مهما حدث ، لن أدع أحدا يمسها بسوء أو يبكيها ، سأدفع حياتي ثمنا لسعادتها ، فأنا ... أنا أحبها .
الجدة :
كم يسعدني سماع هذا ، تمنيت أن أراها معك في آخر لحظاتي و لكن ...اشتد سعالها و قاومته من أجل أن تكمل كلماتها الأخيرة التي أرادت أن توصلها لحفيدها :
بني كن .. كن نجما لامعا لا ينطفئ مهما علت الأمواج القاهرة ، لا لا تغرق .
و أغمضت الجدة الطيبة عيناها للأبد تاركة حفيدها هينري تحت وقع الصدمة و هو يسمع صوت الرياح تهز النوافذ المهترئة بقوة و استمر الثلج بالسقوط لأربعة أيام متتالية ، لم يتناول شيئا حتى انهار دون أن يسمع به أحد .
VOUS LISEZ
النجوم السبعة
Romantizmكم عدد النجوم في السماء؟ سؤال جميعنا لا نعرف جوابه لأنه من المستحيل عدها فهي تؤول إلى المالانهاية، و لكن هل تساءلتم يوما عن عدد النجوم في الأرض؟ الكثير منكم سيقول : ما هذا الهراء؟ و لكن فلتنظروا للأمر بجدية لمرة واحدة أخذا بخاطري، أنا الفتاة التي عش...