4 - لدي ثلاث وصايا

255 109 67
                                    

      كانت ليلة عصيبة فقد ضربت عاصفة ثلجية هذه المدينة الألمانية و تراكمت الثلوج فوق أسطح المباني و السيارات و غطت كل الطرقات و كان منزل هينري أكثرهم عرضة للخطر لكونه قديما و لا يحمي من البرد .
    
كانت الجدة مريضة للغاية فزاد هذا البرد حالتها سوء . حاولت أن تخفي مرضها عن حفيدها و لكنها لم تستطع التحكم في السعال الحاد الذي تعاني منه . شعر هينري بالقلق الشديد عليها فسألها :

               هل أنت بخير يا جدتي ؟

الجدة :
        نعم يا بني لا تقلق ، هل تشعر بالبرد ؟
هينري :
        لا تهتمي بي فأنت أحوج مني للتدفئة .

نظرت الجدة لهينري بعينين شبه مغلقتين و وجه شاحب مبتسم بصعوبة و قالت :
  
           كبرت و صرت شابا رائعا يا بني .

لم يكن هينري معتادا على رؤية جدته تقول هذه الأمور و الضعف باد عليها فسألها و هو يطرد الأفكار المخيفة التي انتابته :
     
لماذا تقولين مثل هذا الكلام الآن ؟ كما أنني لم أبلغ السادس عشرة بعد .

         أكملت الجدة متجاهلة سؤاله :
    
    حبيبي هينري ، عندما أراك أتذكر والدك .

هينري :
      جدتي ، ما الذي تقولينه ؟ لا ترهقي نفسك .

       ملأ الحزن ملامح وجه الجدة و قالت :
 
بني اسمعني ، أنت فتى قوي و مع ذلك لا أرغب في تركك في منتصف الطريق و لكن كما تعلم ... الحياة قاسية .

هينري :
    بدأت أخاف من هذا الكلام ، أنا لا أفهم ، ماذا تقصدين ؟ 
الجدة :
      كنت لي خير مؤنس في وحدتي و قد أحببتك للغاية و سرتني رؤية ابتسامتك .
هينري :
         جدتي ، توقفي أنت لست بهذا الضعف .
الجدة :
       إن لهذه الحياة قوانين و أصعب واحد فيها هو الموت .
هينري :
         مستحيل ، أنت لن ...
الجدة :
     أرجوك اسمع ما سأقوله ، لدي ثلاث وصايا .

       قال هينري و هو يبكي :

                     أنت تمزحين صحيح ؟

الجدة :
  امسح دموعك ، لا أريدك أن تكون ضعيفا و هذه هي وصيتي الأولى ، كن قويا و شجاعا و لا تستسلم مهما حدث ، و لا تدع هذه الأمواج الوعرة ترميك بعيدا عن مسرح الحياة .
هينري :
       جدتي اسمحي لي بأن أحضر لك طبيبا على الأقل .
الجدة :
     هينري لا حاجة لي به أنا أريدك أنت فقط ، وصيتي الثانية هي أن تبقى مخلصا وفيا محبا لبلدك ، تعمل جاهدا على رفع هذا العلم المقدس في السماء ليبقى شامخا ، اعتز بتاريخه و أحب أبناء هذا الوطن الغالي .
هينري :
    هذا مما لا شك فيه ، حب الوطن يجري في دمي و حياتي فدى هذه الأرض العظيمة .
الجدة :
     أعلم أنك لن تخيب ظني في هذا ، و آخر وصية لي هي احميها ، أسعدها ، كن كالطبيعة بالنسبة لها ، أينما تلتفت تجدك واقفا بجانبها ، سيسيليا تلك الفتاة اللطيفة ، أنت لا تعلم مدى حبي لها ، أنا مدينة لها كونها جعلتك سعيدا و محبا لهذه الحياة ، لا تسمح لأحد بأذيتها و لا تدعها تتألم أو تبكي ، هل تعدني ؟

   1☆ وعدت جدتي بذلك و كلي يقين بأنني سأكون الطبيعة التي تحيط بها غافلا عن أنني قد أصير فجأة كارثة تدمر كل شيء ☆1

هينري :
      أعدك ، أقسم بشرف بلادي و شرفي أنني سأكون معها مهما حدث ، لن أدع أحدا يمسها بسوء أو يبكيها ، سأدفع حياتي ثمنا لسعادتها ، فأنا ... أنا أحبها .
الجدة :
      كم يسعدني سماع هذا ، تمنيت أن أراها معك في آخر لحظاتي و لكن ...

اشتد سعالها و قاومته من أجل أن تكمل كلماتها الأخيرة التي أرادت أن توصلها لحفيدها :

بني كن .. كن نجما لامعا لا ينطفئ مهما علت الأمواج القاهرة ، لا لا تغرق .

     و أغمضت الجدة الطيبة عيناها للأبد تاركة حفيدها هينري تحت وقع الصدمة و هو يسمع صوت الرياح تهز النوافذ المهترئة بقوة و استمر الثلج بالسقوط لأربعة أيام متتالية ، لم يتناول شيئا حتى انهار دون أن يسمع به أحد .        

 

النجوم السبعةOù les histoires vivent. Découvrez maintenant